المرأة في شمال وشرق سوريا…. صانعة القرار
محمد شحادة_
المرأة في شمال وشرق سوريا، ولا سيما في منطقة إقليم شمال وشرق سوريا تمثل نموذجًا مميزًا للتحرر الاجتماعي والسياسي في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة. تعكس هذه التجربة، التي استلهمت بشكل كبير من أفكار المفكر عبد الله أوجلان، أحد أبرز المفكرين والمنظرين وفي رؤية جديدة لدور المرأة في المجتمع. فقد كان له تأثير كبير في صياغة الفلسفة التي ترتكز عليها الإدارة الذاتية، إذ يؤكد في مؤلفاته، أن “تحرر المجتمع لا يمكن أن يتحقق دون تحرر المرأة”، مما يجعل النضال النسوي محورًا أساسيًا في مشروع بناء مجتمع جديد يعتمد على العدالة والمساواة.
التحول الاجتماعي والسياسي
شهدت مناطق شمال وشرق سوريا منذ بداية الصراع السوري عام 2011 تحولات اجتماعية وسياسية جذرية، حيث تبنت القوى المحلية مشروعًا يقوم على الديمقراطية والمساواة بين الجنسين. لعبت المرأة دورًا محوريًا في هذا التحول، مستلهمة في ذلك أفكار القائد عبد الله أوجلان الذي يقول: “المجتمع الذي يُقمع فيه النساء لا يمكن أن يكون حرًا”. تم إنشاء هياكل سياسية تضمن تمثيل المرأة بشكل متساوٍ في المستويات كافة، مثل مبدأ “الرئاسة المشتركة” الذي يتطلب أن تكون المناصب القيادية موزعة بالتساوي بين رجل وامرأة.
هذه السياسة لم تكن مجرد إجراء شكلي، بل ساهمت في تغيير مفاهيم عميقة في المجتمع المحلي حول أدوار النساء في الحياة العامة والسياسية. المرأة التي كانت تُهمش تقليديًا في المجتمعات العشائرية، أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من عملية صنع القرار، سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي. هذه الهيكلة الجديدة أتاحت للنساء فرصة تحقيق مكانتهن كصانعات قرار حقيقيات، وليس مجرد واجهة.
الدور العسكري والمقاومة
أحد أبرز ملامح هذا التحول كان دور النساء في الدفاع عن أرضهن وحريتهن من خلال انخراطهن في “وحدات حماية المرأة ” (YPJ)، وهي قوة عسكرية نسائية تشكلت لمواجهة الأخطار، التي تهدد المنطقة، خصوصًا في مواجهة داعش. يقول القائد عبد الله أوجلان في إحدى مقولاته الشهيرة: “إذا أرادت المرأة أن تعيش بحرية، فعليها أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها”. هذه الفكرة تمثل جوهر مشاركتهن في الدفاع المسلح.
النساء المقاتلات في وحدات حماية المرأة لم يكن فقط جزءًا من معركة تحرير المدن والبلدات من التنظيم المتطرف، بل أصبحن رموزًا عالمية للنضال النسوي من أجل الحرية والمساواة. تحرير مدينة كوباني من سيطرة داعش بفضل هذه القوات، أصبح رمزًا عالميًا للمقاومة والشجاعة النسائية. هذا الدور العسكري لم يمنح النساء فقط شعورًا بالقوة، بل غير الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع وجعل منها قوة فاعلة في التغيير.
التحديات القائمة
رغم هذه الإنجازات الكبيرة، لا تزال المرأة في شمال وشرق سوريا تواجه تحديات هائلة. المجتمع الذي عانى من تقاليد عشائرية ذكورية متجذرة لم يتغير بالكامل بين ليلة وضحاها. الفقر، البطالة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي ما زالت تحديات يومية تواجهها النساء في سعيهن للتحرر الكامل. كما أن النزاعات المستمرة، وعدم الاستقرار السياسي، يزيدان من صعوبة تحسين أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، يقول القائد عبد الله أوجلان: “تحرير المرأة ليس مجرد تحرر من القيود الاجتماعية، بل هو تحرر من كافة أشكال القمع الاقتصادي والسياسي”. هذه المقولة تلخص التحديات الشاملة التي تواجهها النساء في المنطقة، حيث أن التحرر الكامل للمرأة يتطلب بيئة آمنة ومستقرة، تتيح لها تحقيق استقلالها الاقتصادي والاجتماعي.
الإنجازات والمستقبل
على الرغم من هذه التحديات، حققت المرأة في شمال وشرق سوريا إنجازات لافتة في عدة مجالات. في مجال التعليم، تم تعزيز مشاركة النساء في التعليم العالي، مع التركيز على التوعية بحقوقهن وإمكاناتهن. العديد من النساء تمكنَّ من تأسيس مشاريع اقتصادية صغيرة، مما ساعد في تعزيز استقلالهن المالي وتقليل الاعتماد على الأدوار التقليدية.
كما تم تأسيس منظمات نسوية تعمل على تعزيز حقوق المرأة، مثل “مؤتمر ستار” الذي يعزز دور النساء في المجتمع من خلال توفير التدريب والتمكين الاقتصادي والسياسي. هذه الجهود ساهمت في رفع مستوى الوعي حول حقوق المرأة، وجعلها جزءًا أساسيًا من مشروع الإدارة الذاتية.
من جهة أخرى، أثبتت “التجربة الديمقراطية” في شمال وشرق سوريا أن تحرر المرأة ليس مجرد شعار، بل هو جزء من مشروع بناء مجتمع جديد أكثر عدالة ومساواة. هذه الرؤية التي استندت إلى فكر القائد أوجلان ترى أن المرأة ليست فقط شريكًا في النضال السياسي والعسكري، بل هي أيضًا قوة محركة في بناء مستقبل جديد للمنطقة.
المرأة في شمال وشرق سوريا أصبحت رمزًا عالميًا للتحرر والمساواة، مستندة إلى أفكار القائد عبد الله أوجلان الذي وضع تحرير المرأة في قلب مشروعه السياسي. يقول القائد عبد الله أوجلان: “المرأة هي الحياة؛ إن لم تتحرر المرأة، لن يتحرر المجتمع”. هذه المقولة تعكس أهمية الدور الذي تلعبه المرأة في التحول الجذري الذي يشهده المجتمع في شمال وشرق سوريا.[1]