عنوان الكتاب: الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة
اسم الكاتب(ة): #رزكار عقراوي-ڕزگار ئاكرێی#
مؤسسة النشر: rezgar.com
لماذا هذا الكتاب؟ ولماذا الآن؟
مع التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، وتزايد تأثيره العميق على مختلف جوانب الحياة، من الاقتصاد والسياسة إلى العلوم والثقافة والفكر والإبداع، بل إنه أصبح حاضرًا في كل مكان، يزلزل العالم، ويتطور بوتيرة غير مسبوقة، بات من الضروري تقديم تحليل يساري متكامل لهذا الموضوع المحوري. فقد تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى ركيزة أساسية في إعادة تشكيل علاقات العمل، وأنماط الإنتاج، وإدارة الوعي الجماهيري، متجاوزًا الأدوات التقليدية التي استخدمتها الرأسمالية سابقًا. إن غياب تحليل اشتراكي معمّق حول الذكاء الاصطناعي يترك المجال مفتوحًا أمام النخب الرأسمالية لتوجيه النقاش بما يخدم مصالحها الطبقية، وفرض رؤيتها الأحادية من منظورها الخاص. لذلك، نحن في أمسّ الحاجة إلى تحليل يوضح كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم، ليس فقط كأداة إنتاج، بل أيضًا كوسيلة لإحكام السيطرة على العمل والوعي، وإعادة هيكلة الأسواق، وفرض واقع رقمي تتحكم فيه الدول الكبرى والشركات التكنولوجية الاحتكارية.
لماذا رؤية يسارية للذكاء الاصطناعي؟
لهذا، جاء هذا العمل كمساهمة يسارية أولية لتقديم قراءة نقدية للذكاء الاصطناعي، تسعى إلى فضح علاقته بتعميق هيمنة رأس المال، واستكشاف إمكانياته كأداة تحرر ضمن أفق اشتراكي. هذه الدراسة ليست تنظيرًا فقط، بل محاولة لفتح نقاش يساري حول سُبل استعادة التكنولوجيا من قبضة الشركات والدول الكبرى، أو على الأقل تأطير استخدامها في المدى القريب لصالح العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية.
الصراع هنا ليس مع العلم، بل مع احتكاره وتوظيفه لتعظيم الأرباح. فالذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا بحد ذاته، بل ساحة صراع طبقي تتحدد ملامحها وفق ميزان القوى. الثورات الصناعية لم تكن يومًا محايدة، بل أدوات لإعادة إنتاج السيطرة البرجوازية. واليوم، تُعيد الثورة الرقمية تشكيل السيطرة على المعرفة والعلاقات الاجتماعية، مما يجعلها ميدانًا أساسيًا للصراع الطبقي، حيث تحوّلت البيانات والخوارزميات إلى أدوات سيطرة طبقية غير مرئية.
إن الدرس الجدلي الأهم هنا هو أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة محايدة، بل ساحة معركة طبقية يجب خوضها بوعي علمي واستراتيجي. لم يكن العلم يومًا تقدُّمًا موضوعيًا بحتًا، بل كان دائمًا مشروطًا بمن يملكه، ومن يستخدمه، وكيف يُستخدم. إن المشكلة لا تكمن في هوية الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في احتكاره من قبل القوى الرأسمالية، وإعادة توظيفه لتعميق الصراع الطبقي.
ورغم ذلك، لم تُطرح حتى الآن رؤية يسارية رقمية شاملة قادرة على مواجهة الهيمنة التكنولوجية الرأسمالية، رغم خطورتها المتزايدة في إعادة إنتاج التبعية الطبقية. فالتكنولوجيا تُستخدم حسب من يملكها ويسيطر على إنتاجها وتوجيهها. واحتكار الذكاء الاصطناعي اليوم يعمّق هذا الصراع الطبقي ويزيد من حدة التفاوت.
فالمواجهة لا تقتصر على فهم بنية الهيمنة الرقمية، بل تتطلب اختراق القلعة الرقمية للرأسمالية، لا الوقوف عند أسوارها والاكتفاء بالصراخ!!
ما الذي يقدمه هذا الكتاب؟
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم رؤية نقدية حول الذكاء الاصطناعي من منظور يساري معاصر، مستندًا إلى أسس اليسار الإلكتروني، الذي يسعى إلى توظيف التكنولوجيا والتطور العلمي والمعرفي كأداة أساسية في تطوير النضال اليساري فكريًا وتنظيميًا. وفي ظل هيمنة الرأسمالية، يطرح الكتاب بدائل ورؤى تقدمية لاستعادة التكنولوجيا وتوجيهها نحو خدمة المجتمع، مع التركيز على بناء أمميات يسارية رقمية.
فإمّا أن تنتصر قوى رأس المال بشكل كامل، وتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة للقمع، والهيمنة، والاستعباد الرقمي الشامل، أو تتمكن القوى اليسارية والتقدمية من تأطيره وإعادة توجيهه نحو خدمة الجماهير. وفي هذا السياق، الحل الممكن الآن يتمثل في تطوير أنظمة مفتوحة المصدر وشفافة، ذات توجهات محايدة، تُدار بشكل ديمقراطي وبضوابط مجتمعية، إلى جانب الدفع نحو تشريع قوانين دولية تُقيّد عمل الذكاء الاصطناعي وتضمن خدمته للمجتمع بأسره، لا لمصالح الدول الكبرى والشركات الرأسمالية. لكن هذا لا يكفي. فالحل المطلوب والجذري هو بناء بدائل يسارية حقيقية بتوجهات تقدمية وملكية مجتمعية، تُنتزع من خلالها هذه التكنولوجيا من قبضة السوق، وتُوظّف في تفكيك علاقات الاستغلال، والمساهمة في بناء مجتمع جديد أكثر عدالة وإنسانية[1]