استمرار عزلة القائد عبدالله أوجلان هو استمرار لإهدار الوقت وإضاعة فرص السلام
إنّ النظام التركي مُطالَبٌ اليوم بإنهاء عزلة القائد آبو، إذ إنّ مسار السلام من دون ذلك لن يحقق إنجازاً يُذكر، وكلّ يوم في ظلّ هذه العزلة يُعدّ إهداراً للوقت وللفرص المتاحة أمام السلام.
منذ أكثر من ربع قرن يعيش القائد الأسير عبدالله أوجلان في عزلة مشددة داخل سجن إمرالي، وهي عزلة لم يعرف لها التاريخ السياسي المعاصر مثيلاً من حيث طول مدتها وقسوتها وانعكاساتها على الملايين من أبناء الشعب الكردي، وعلى المنطقة بأسرها، وبالأحرى على تركيا نفسها.
هذه العزلة لا تُعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية فحسب، بل هي أيضاً عامل رئيسي في تعطيل فرص السلام والاستقرار داخل تركيا وفي عموم الشرق الأوسط، رغم كل ما يقدّمه القائد آبو من مبادرات للدفاع عن هذا المسار. وعليه، فإن كل يوم إضافي له في عزلته يُعدّ، بلا شك، تعطيلاً ووضع عقبة جديدة في طريق حل القضية الكردية.
علامات استفهام حول موقف النظام
لقد طرح القائد عبدالله أوجلان، على مدار سنوات طويلة، مشاريع ورؤى عملية لتسوية الصراع عبر الحوار، توّجها بنداء السلام والمجتمع الديمقراطي في 27 شباط، وذلك في إطار مشروع السلام الديمقراطي، الذي يستند إلى التعايش المشترك بين الكرد والترك وبقية المكوّنات في إطار ديمقراطي يضمن الحقوق والكرامة للجميع.
ولم يطلق القائد عبدالله أوجلان مجرد مبادرات بلا انعكاسات لها على أرض الواقع، بل على العكس تماماً، بادر بندائه الثاني في التاسع من تموز، الذي أعقبه قيام العشرات من مقاتلي ومقاتلات الكريلا بإتلاف أسلحتهم خلال فعالية السليمانية الرمزية، كخطوة جادّة يؤكد فيها الطرف الكردي صدقيته وجديته وحسن نواياه، كما يؤكد التزام حزب العمال الكردستاني برؤية القائد.
ومع ذلك، ظل القائد آبو محروماً حتى من لقاء محاميه وعائلته إلا نادراً، رغم أنّ كل التفسيرات المنطقية ترى وتؤمن أنّه لا سلام ولا خطوات للأمام في هذا المسار إلا من خلال التواصل المباشر مع القائد آبو. كما أنّ النظام التركي مطالب باتخاذ خطوات حقيقية، منها ضرورة رفع هذه العزلة البغيضة، لا سيما وأن القائد عبدالله أوجلان تجاوز، من الأساس، مدة محكوميته.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور علي ثابت صبري، أكاديمي مصري متخصص في التاريخ، إنه رغم كل الإجراءات التي اتخذت بشأن عملية السلام الديمقراطي من قبل المفكر عبد الله أوجلان، إلا أن التحركات التركية القائمة على التسويف غير المبرر تشكل علامة استفهام كبيرة وتطرح تساؤلاً خطيراً حول وجهة السياسات التركية، وما إذا كانت لا تزال امتداداً لما كانت عليه عام 1925.
وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الإفراج عن القائد عبدالله أوجلان كان يُفترض أن يكون الرد المناسب والعملي على نداء السلام والمجتمع الديمقراطي، تلاه خطوة حل الهياكل التنظيمية لحزب العمال الكردستاني، إلا أن الواقع يشير إلى أنّ الإدارة التركية يبدو أنّ لديها رأياً آخر، مشدداً على أنّ حل القضية الكردية داخل تركيا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإفراج عن القائد آبو، وليس رفع العزلة عنه فقط.
الإخفاق السياسي التركي يتواصل
إن كل يوم يمر دون رفع هذه العزلة هو يوم آخر يُضاف إلى رصيد الإخفاقات السياسية التركية في معالجة أزماتها الداخلية؛ فالعمل على تغييب القائد آبو عبر العزلة لا يضر بالكرد وحدهم، بل ينعكس أيضاً على استقرار الدولة التركية نفسها، كما أن الخيار الأمني الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة أثبت فشله الذريع في إخماد الصراع، بل زاد من حدة التوترات الداخلية، وأدى إلى نزيف بشري واقتصادي لا ينتهي، فيما يضع، بكل تأكيد، نداء السلام البلاد أمام فرصة تاريخية لإنهاء عقود من العنف.
وهنا تحذر الكاتبة الصحفية فاتن صبحي من الانعكاسات السلبية لاستمرار عزلة القائد عبدالله أوجلان على الأوضاع في المنطقة ككل، وقالت، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذا التأثير السلبي لا يتوقف عند حدود تركيا، بل يمتد إلى الإقليم بأسره. فالقضية الكردية مرتبطة بشكل مباشر بالاستقرار في سوريا والعراق وإيران، وأي تقدم في تركيا سينعكس إيجاباً على هذه الساحات، مشددة على أن استمرار الإقصاء والعزلة يعني بقاء المنطقة أسيرة دوامة صراعات مفتوحة يستفيد منها أعداء الشعوب وقوى التطرف.
ونوهت فاتن صبحي إلى أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق النظام التركي، فالمطلوب اليوم خطوة سياسية جريئة تعترف بأن الحل يكمن في الحوار لا في السجون، ورفع العزلة عن القائد عبدالله أوجلان، والسماح له بأداء دوره الطبيعي كقائد سياسي وصاحب مشروع للسلام، معتبرة أن هذا سيكون بمثابة رسالة إيجابية إلى الداخل التركي وإلى العالم، تفيد بأن أنقرة جادة في البحث عن حل عادل ومستدام.
الأمر ذاته يتفق معه الناشط والحقوقي التونسي عبد العزيز عقوبي، الذي يلفت، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إلى أن التجارب الدولية في إنهاء النزاعات تثبت أن أي عملية سلام حقيقية لا يمكن أن تنجح إذا جرى استبعاد الأطراف الأساسية من الحوار أو التواصل المباشر معها، أو استمرار ممارسة الإجحاف بحق أحدها.
وأضاف أنه، بالنظر إلى تركيا والقضية الكردية، فإن عبدالله أوجلان – اختلفت أو اتفقت معه – ليس مجرد شخص معتقل، بل رمز سياسي ومرجعية لملايين الناس، وغيابه القسري عن أي عملية تفاوضية يحكم على العملية بالفشل، أو على الأقل يمنع اتخاذ خطوات أسرع إلى الأمام، ويتيح الفرصة لوضع العقبات من قِبل أي طرف لا يريد لهذه العملية أن تنجح.
إذن، إن استمرار العزلة على القائد عبدالله أوجلان هو استمرار لإضاعة فرص السلام، وتعميق لأزمة الدولة التركية ذاتها. أما رفع العزلة، فسيشكل خطوة أولى وأساسية على طريق الحل الديمقراطي والعيش المشترك، وهو الطريق الوحيد الكفيل بإرساء سلام حقيقي يضع حداً لعقود من النزيف والآلام. [1]