مكانة المرأة في الحضارة الإيلامية (سنة 3200 – 539 قبل الميلاد) (القسم الثالث)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 6721 - 2020-11-02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مكانة المرأة في الأديان الكوردية (5)
في هذه الحلقة نطّلع على حياة النساء الإيلاميات وأزيائهنّ وزينتهنّ، من خلال التماثيل والمصنوعات الخزفية التي تركتها لنا الحضارة الإيلامية.
مصنوعات خزفية محطمة
بداية تاريخ الصناعة الفخارية الإيلامية غير محددة وكانت هذه الصناعة تتم بشكلٍ مستمر وأنّ معظم الأدوات الخزفية الإيلامية المكتشفة تعود لأواخر منتصف الحُكم الإيلامي في سهول خوزستان. كانت المرأة أصل الكون والدافع للحياة منذ العصور القديمة. معظم المصنوعات الفخارية التي تنتمي إلى الحضارة الإيلامية تم العثور عليها محطمة والتي لا يمكن أن تكون بدون مبرر. تمّ تحطيم المصنوعات الفخارية للتضحية بها كإنسان وقد يكون قد جرى هذا التحطيم في احتفالات خاصة وكان قد تمّ تقديم هذه المصنوعات الفخارية الى آلهة ومعبودات مختلفة. طقوس تحطيم المصنوعات الفخارية، شوهدت أيضاً في حضارات أخرى. إنهم أرادوا جذب الآلهة والمعبودات لأنفسهم ولحمايتهم من قِبلهم من خلال كسر المصنوعات الفخارية ورميها بعيداً.
نساء عاريات
المصنوعات الخزفية عبارة عن نساء شابّات عاريات، واقفات في المقدمة، ماسِكات نهودهنّ بين إبهامهنّ وأصابعهن الأربعة. كان عريهنّ مظهرًا من مظاهر تقديسهن لأنه تُرى في النقوش الأخرى أن معظم الكهنة كانوا عراة في وقت أدائهم للممارسات الدينية. يمكننا أن نرى هذا العنصر من المبالغة في المصنوعات الفخارية في أواخر منتصف العهد الإيلامي الذي يؤكد على شهرة هذه المصنوعات الفخارية.
الشَعْر
في هذه المصنوعات الخزفية تُظهر الماكياج المُستخدَم من قِبل النساء الإيلاميات ونمط تصفيف شَعْرِهنّ. تلبس المرأة الإيلامية قُبّعة نسائية ضيقة مزركشة ثخينة وشريط على قمة شَعرٍ متموج الذي عليه طوق مجوّف. الجزء العلوي من هذا الطَوق يكون بارزاً ومغطىً. النساء العاريات المرسومات على الأدوات الفخارية كانت بشكل عام مُزيّنة وذات زخرفة إضافية، مثل سوار وخلاخل (جمع خلخال) وقلّادات وحزام حول الورِك وتصميم متعرج يقطع شريطاً يمرّ من الفقرة المركزية الواقعة بين النهدَين. لقد تمّ تجميل النساء وشَعْرهنّ بشكل جميل وبِدِقّة متناهية. إحدى مميزات الخزفيات الإيلامية في المواقع الأثرية في مدينة سوسه وحواليها، هي أنّ النساء في هذه الخزفيات لهنّ شرائط الصدر وقلّادات مصنوعة من أنواع مختلفة من الرخام.
الوجه
تتميز وجوه النساء العاريات المرسومات على الأدوات الخزفية بإبراز مشاعر صاحباتها ووضع جزء من الشَعْر في داخل منديل مُزيّن، في جبهتهنّ وبقية الشَعْر يتدلّى على الأذنَين ويُغطيهما. الشَعْر تم وضعه بِثبات تحت قُبّعة وأطراف الشَعْر تخرج من القُبّعة (m). يبدو أن النساء الإيلاميات كُنّ يرغبنَ أن يكون لهنّ شَعْرٌ طويل في مختلف أعمارهنّ والشَعْرُ تكون له ضفيرَتان (n). جفون العين تكون دائماً عبارة عن طبقتَين ومضغوطة حول الأنف. الشفتان واضحتان بشكل جيد ومضغوطتان بِقوة مع البعض. بعض النساء لهنّ آذان كبيرة وشَعْرٌ شبيه بِشَعْر الإلهات المصريات. النساء لهن وجوه باسمة وبعضهن مع عيون مغلقة.
القُبّعات وحمل النهدَين بين اليدَين
النساء الإيلاميات كنّ يلبسْنَ عصابات رأس مختلفة حسب مرتبتهنّ ومكانتهن. رؤوس بعض التماثيل النسائية مصنوعة من عاج الفيل في مدينة سوسه. لهنّ قبعات على شكل عمامة موضوعة على شَعْرِهنّ المتموج (o). في الصور الزخرفية نرى أيادي النساء مفتوحة، الأيادي ملتصقة بِقوة بالصدر وتكون الأذرع بإتجاه الصدر. في منطقة (سوكّالما Sukkalmah)، تقريباً جميع النساء تحضن أياديهن في أمام أجسامهنّ. يبدو أنّ النساء اللواتي أياديهن ملتصقة بِقوة تحت صدورهنّ، يقمْنَ بممارسة طقوس دينية وطقوس الخشوع. نرى أن جميع النساء الإيلاميات يحملْنَ نهدَيهنّ بين أياديهنّ و أن عضوهنّ التناسلي بارز وهذه الميزة تُبرِز صفات الخصوبة والتضحية (p). الشكل المتسم بالغلو للاحتفاظ بالثدي في اليدين هو أيضًا علامة على التفاخر بِوفرة وإمداد السائل (الحليب) الواهب للحياة.
المجوهرات
كان البشر في عصور ما قبل التاريخ، ذكورًا أو إناثًا، مهتمين بِتزيين أنفسهم، حيث كان إستخدام أنواع القلائد المختلفة شائعة. ربما كان الوشم أو أدوات الزينة شائعًا على الأرجح أيضاً. نرى أن النساء في المصنوعات الفخارية لها قلّادات بِتخصصات مختلفة. البعض منهنّ لديهنّ أساور والخلخال أو عصّابة رأس. صحيح أن التماثيل الفخارية عارية لكنها مليئة بالزخرفة. معظم الأدوات الفخارية لها قلّادة. كان ارتداء واستخدام مثل هذه الزخرفة شائعًا من قِبل الآلهة دون أي فجوة زمنية منذ سنة (2250) قبل الميلاد. هناك قلّادات مختلفة، منها عريضة، رقيقة، دقيقة الحُبيبات، أو متعددة الصفوف والى آخرها. لم تكن القلادة تُرتدى مع فستان بسيط. كان الرجال والنساء يلبسون أساور كوسيلة للزينة وكان لبسها شائعًا. تمّ استخدام هذا النوع من الزخرفة بكثرة في احتفالات الذبائح الحيوانية للآلهة والعبادة. كان استخدام القلائد والأساور شائعًا بشكل عام لأن رقبة وأيادي كل إلهة كانت مُزيّنة بالقلائد والأساور في الآثار الإيلامية المكتشفة.
مما تقدم يستنتج المرء أنه كان للآلهة والمعبودات الإيلامية الأولى شكل الإنسان وكان لديهن أعضاء ووجه النساء. التصاميم والصور توضح أهمية المكانة الإجتماعية للمرأة في الحضارة الإيلامية وتشير إلى أن الوجود الأنثوي كان له قيمة أساسية في أُسس التفكير الإيلامي وأنه منذ حُكم الآلهة للعالَم السفلي في الفكر الإيلامي، تشير الثعابين والزواحف الأخرى إلى القوة المتفوقة للإلهات في التفكير الديني الإيلامي.
[1]