بيار روباري
عندما كان أسلاف الشعب الكردي وفي مقدمتهم “الخوريين” العظماء، يخطون خطواتهم الحضارية
الرائدة قبل (10.000) عشرة ألاف سنة قبل الميلاد، ويؤسسون للحضارة المدنية بعد إكتشافهم العظيم إما الثقافة والحضارة الإنسانية، ألا وهي وهي “الزراعة” ومن ثم تدجين الحيوانات وبناء المدن، كان العربان والفرس والتتار (الترك)، مازالوا يعيشون عيشة الوحوش بكل معنى الكلمة. وكانت معظم قارة أوروبا شبه جليدية، وكان بين سكانها وبين الحضارة المدنية التي كان أسلاف يعيشونها (12.000) الفة سنة ويزيد. العربان والفرس والتتار مازالوا لليوم يعيشون خارج التاريخ والحضارة الإنسانية، كل ما تعلموه على مدى عشرات ألاف السنين هو: قطع الرؤوس بالفؤس، السبي، قطع الأشجار وتدنيس الأنهار، وسرقة الحمار، وتحويل حياة الناس المختلفين عنهم إلى كابوس. وأفضل هؤلاء بلا أخلاقٍ “ناموس”.
وكلمة ناموس كلمة كردية بالعربية تعني الشرف. والشرف في مفهومي ليس ذاك الذي يتمثل بقضيب الرجل وفرج المرأة عند هؤلاء المتخلفين حراس الفروج. في عرفي أنا الشرف هو: الأخلاق الحميدة، العلم، المعرفة والإبداع، الذي يفيد الناس في حياتهم، وما يتركه المرء من أعمال خالدة يستفيد منها المجتمع من بعد مماته. ومع ذلك هؤلاء الثلاثي المشوه للتاريخ والحضارة الإنسانية، يتبجحون ويقول:
لا وجد للشعب الكردي!!!!
تعالوا معي أيها القراء الكرام لنبحر معآ في بحر التاريخ، ونستعيد فقط أثنين من إبداعات الشعب الكردي الإبداع الأول، كان قبل الميلاد بحوالي (7000) سبعة ألاف عام وتحديدآ في مدينة هموكاران العظيمة. والإبداع الثاني، كان قبل الميلاد بحوالي (2250) ثلاثة ألاف سنة، وتحديدآ في مدينة أوركيش عاصمة الدولة الخوري، والأن إليكم تفاصيل تلك الإبداعات العظيمة عن حق.
الأول – نظام التبريد والتدفئة:
هذه المدينة الخورية المميزة، التي يمتد تاريخها إلى (7000) سبعة ألاف عام قبل الميلاد، وأكد الباحثين أن هندسة المدن بدأت في غرب كردستان وتحديدآ في منطقة الجزيره العليا، ومنها إنتقلت إلى جنوب بلاد الخوريين أي عند ملتقى النهرين “الفرات وتگريس” عند خليج “إيلام”. ودليلهم على ذلك هو نظام التكييف التي تمتع بها مدينة “هموكاران”، وشبكة الطرق المرصوفة فيها، والسلاح وساحة الحرب، وبناء الأفران الكبيرة التي أبدعوها في ذاك الزمان الغابر.
إكتشفت البعثة الأثرية السورية – الأمريكية المشتركة في مدينة “هموكاران” أثناء تنقيبهم في الموقع، أول أبنية في التاريخ الإنساني في العالم، إعتمدت نظام تكييف هوائي يتمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية تفصل بينهما مسافة من الفراغ لا تتجاوز (15 سم)، وتسمح بمرور هواء مكيف نقي حيث يساعد على مقاومة حر الصيف. وهذا النظام التبريدي والفريد من نوعه، الذي إستفرد به أسلاف الشعب
الكردي، ولن تجد له مثيل إلا في كردستان وعند أبناء الشعب الكردي. وهذا النظام ساعد في الحقيقة على حل معضلتين، وليس فقط معضلة الحر الصيفي، إلى جانب ذلك حل معضلة البرد في الشتاء، حيث هذه السماكة لجدران المنازل والقصور وذاك الفراغ (15سم) بينهما، منع تسرب البرد إلى داخل المنازل في فصل الشتاء أيضآ، ولهذا كان نظامآ ذو وظيفتين وليس وظيفة واحدة.
والكرد أحفاد الخوريين، طوروا نظام شبيه بهذا النظام فيما بعد، وهو أنهم أخذوا يبنون البيوت بجدران سميكة يتراوح عرضها ما بين (50 – 100) سنتميتر، ولكن دون وجود فراغ في الجدار، وسموا هذا الجداران باللغة الكردية القديمة “كالين”، ولليوم يستخدم هذا المصطلح، وذلك لحل ثلاثة قضايا هي: أولآ، حل مشكلة التدفئة في الشتاء.
ثانيآ، حل مشكلة الحر في الصيف.
ثالثآ، تمتين الجدران ليصمدوا في وجه العواصف، وحماية أهلها من الغزاة المهاجمين واللصوص.
في المقابل قصر سلاطين العثمانيين التتار “دولمة بهجة”، الذي تم بنائه عام (1843) ميلادي، وبأمر من
السلطان عبد الحميد (1839-1861)، والذي يقع في منطقة بشكطاش بإسطنبول على الساحل الأوروبي من مضيق البوسفور، والذي المقر الإداري الرئيسي للإمبراطورية العثمانية منذ العام (1856م) وحتى
(1922م) العام الذي سقطت فيها الإمبراطورية. تصوروا لم يكن فيه نظام للتدفتئة التهوية، الذي يتمتع به قصر مدينة هموكاران قبل (9000) عام من الأن!!!!!!!
الثاني – نظام الصرف الصحي:
يعود آثار الاستيطان الأول في مدينة “أوركيش” إلى بدايات (6000) الألف السادس قبل الميلاد، حيث عثر الباحثين على العديد من الكسر الفخارية العائدة لفترة مدينة “گوزانا” كما عثر على العديد من قطع الأبسديان (الحجر البركاني الزجاجي- حجر السبج) الذي يعود إلى ذات الفترة الزمنية، بحسب العالم
“أيليري فرهام” الذي قال: إن نسبة 97% من الأبسديان الذي إكتشف في مدينة “أوركيش” الأثرية كان مصدره شمال كردستان مثل (بينغول، نمرود داغ) الواقعتان على بعد (200كم) شمالي مدينة أوركيش، ويعود إلى فترة حضارة “گوزانا”.
من هنا يمكن القول بأن تاريخ مدينة “أوركيش” يعود إلى (6000) الألف السادس قبل الميلاد ولربما أقدم من ذلك بكثير، لأن مدينة أوركيش التي نعرفها اليوم كعاصمة للدولة الخورية المزدهرة، بفضل التنقيب فيها من قبل علماء الأثار الغربيين، بُنيت على أنقاض قرية خورية قديمة وكانت مأهولة، ومع الوقت نمت القرية وتحولت إلى بلدة، وعندما إختارها الخوريين أن تكون مقرآ لعاصمة دولتهم العتيدة، جرى الإهتمام بها ونتيجة هذا الإهتمام شهدت البلدة توسعآ عمرانيآ ونموآ سكانيآ كبيرين. هكذا حتى بلغت طول المدينة حوالي (700م) أي ما يقارب الكيلومتر، وعرضهها نحو (400م). وبلغ إرتفاعها سطح عن الأراضي المحيطة بها بحوالي (30م) وبلغت مساحة التلة المركزية الداخلية للمدينة نحو (300.000) متر مربع.
شيد الملك “توبكيش” ملك أوركيش عاصمة الدولة الخورية قصرآ فخمآ له ولحاشيته عام (2250) قبل الميلاد على أساسات حجرية، والجدران بنيت من بلوكات مصنوعة من اللبن والطين، وقام بترصيف شوارع المدينة وساحاتها المتعددة بقرميد من اللبن والطين. ويعتبر هذا القصر واحد من أكبر القصور في غرب كردستان وتحديدآ في منطقة الجزيره وأجودها. وقد زود القصر بأقنية للصرف الصحي في ذاك الزمان العابر من التاريخ، في المقابل قصر “فرساي” الفاره مركز الإمبراطورية الفرنسية رغم أنه بني عام (1634) ميلادي، وكلف أموال طائلة وأفرغ خزينة الدولة لم يكن فيه دورات مياه!!!!!!
لاحظوا معي الشعب الخوري سلف الشعب الكردي، عرف قنوات الصرف الصحي قبل الميلاد بحوالي الفي عام ونصف، والأوروبيين لم يعرفوا قنوات الصرف الصحي إلا في نهاية القرن التاسع عشر!!!!
هل لاحظتم الفرق الحضاري بين الطرفين، ومدى التمدن الحضاري الذي وصل إليه الشعب الكردي عندما كان هذا الشعب حرآ وسيد نفسه.
في الختام أيها الأحبة، المحزن والمؤلم فيما أوردناه من حقائق تاريخية، مازال هناك عشرات الملايين من الكرد السذج، الذين يصدقون أكاذيب العربان والفرس والتتار، ويحسون بالدونية تجاههم وتجاه الأوروبيين!!!!! ما لم يتخلص الكرد من هذه الدونية لن يستيطعوا التحرر من عبوديتهم لأنها معشعشة في أدمغتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم.
وبهذه النظرة الدونية هؤلاء الكرد المخدوعين، ينظرون إلى: لغتهم، تراثهم، دينهم اليزداني، ثقافتهم، تاريخهم، فنونهم، عاداتهم، لباسهم وأسلافهم، وفوق ذلك يحتقرون أنفسهم عندما يقال لهم أنتم كرد.
08 – 09 – 2022
المراجع:[1]
هوية وتاريخ مدينة هموكاران الأثرية – دراسة تاريخية.
Nasname û dîroka bajarê Hemûkaran ya kevneşop
2- تاريخ وهوية أوركيش (گريه موزان) – دراسة تاريخية.
Dîrok û nasnameya Orkêş (Girê Mozan)
3-
https://thebettervacation.com/ar/قصر-فرساي-التاريخ/