الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
الكورد في#ولاية الموصل# - محاضرة المراحل التي مرت بها مشكلة ولاية الموصل (كوردستان الجنوبية-العراق) ذات الاغلبية الكوردية
حددت وزارة الخارجية البريطانية موعداً أخيراً لقبول المعاهدة البريطانية - العراقية لعام 1922 في العاشر من حزيران 1924، بعد أن وصلتها أخبار رفض التصديق وتأجيل الاجتماعات المتكررة في شهر آذار 1924م. أشارت المعلومات إلى أن (كورنواليس) مستشار بريطانيا في وزارة الداخلية العراقي قد همس بأذن رئيس الوزراء العراقي (عبد المحسن السعدون)، ليخبرهُ أن السيد (برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني في العراق لمس وجود تسهيلات في إبقاء ولاية الموصل (كوردستان العراق) للعراق عند وصوله إلى الأستانة، ولكن عندما سمع الأتراك بما حدث من نقاشات داخل المجلس التأسيسي العراقي في آذار 1924 غيروا رأيهم وصاروا يطالبون بولاية الموصل (كوردستان العراق)، وأضاف أن آخر المعلومات تقول أن الأتراك يرفضون إحالة الأمر إلى عصبة الأمم. وذلك هو ما أجبر الملك فيصل الأول للتدخل في التاسع من حزيران 1924م ليقول لأعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان)، أن لا وقت للعواطف وأوحى لهم بأن قبولها للمعاهدة 1926م أنفع لمصلحة البلاد . وفي مخرج للأزمة وجد عبد المحسن السعدون في ليلة العاشر من حزيران 1926م أن يأخذ برأي تقرير (جعفر العسكري) وهو راي الحكومة العراقية دون تقرير (ياسين الهاشمي وسالم الخيون ) وهو راي المعارضة . ثم والتصديق على المعاهدة 1926 التي سرعان ما أقرتها عصبة الأمم في السابع والعشرين من تموز عام 1924م.
* الحوار البريطاني - التركي حول ولاية الموصل –كوردستان العراق (4- 31) -12- 1922م
بدأت المراسلات بشأن قضية ولاية الموصل (كوردستان العراق) بين الطرفين البريطاني الذي مثله وزير الخارجية اللورد (كيرزون) والتركي (مثلهُ وزير الخارجية (عصمت اينونو باشا) وهو من اصل كوردي في الرابع من شهر كانون الأول 1922م واستمرت حتى الحادي والثلاثين منه كانون الاول 1922. تحدث (اللورد كيرزون) عن قضية الحدود بين ولاية الموصل (كوردستان العراق) وتركيا الحديثة، فيما كان (عصمت باشا إينونو) يتحدث عن استفتاء لتقرير مصير أهل ولاية الموصل، (كوردستان العراق) وخاصة أبناء القوميتين (التركية والكوردية) ورغبتهما في الانضمام إلى تركيا الحديثة،( ) وهو ما ترفضه بريطانيا التي عرفت حجم الدعاية التركية بين أبناء ولاية الموصل/ كوردستان العراق (مستغلة الدين الإسلامي ضد البريطانيين المسيحيين الكفار)، وسعت بريطانيا بكل جهد إلى دفع الطرف التركي ، وفي تفكيرها (بريطانيا) أن أي لجنة (لتقصي الحقائق) تشكل في عصبة الامم سوف تشكل لحل إشكالية ولاية الموصل (كوردستان العراق) وستكون من صالحها نظراً لتأثيرها (بريطانيا) كدولة منتصرة في الحرب (العالية الاولى)، ولن يؤخذ رأي الجانب التركي المهزوم.
ومع استمرار الجدل بين الطرفين (التركي والبريطاني)، ركز الأول (التركي) بالقول أن سكان ولاية الموصل (كوردستان العراق) يطلبون عاجلاً بأن يعودوا إلى أحضان تركيا الحديثة المسلمة( )، فيما أنكر الثاني (البريطانيون ) بالقول أن يكون الأكراد لا يريدون الانضمام إلى تركيا الحديثة، وذلك لأن الأكراد ليسوا من العرق الطوراني التركي الذي ينتسب إليه الأتراك كما روّج له الاتحاديون (الأتراك) في نبذ الدين الإسلامي، وأضاف اللورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا أن لغة الأكراد وعاداتهم تختلف عن لغة الأتراك وعاداتهم( ). ورد (عصمت اينونو باشا) وزير خارجية تركيا بأن الأكراد لا يختلفون عن الأتراك وأن كانوا يتكلمون لغتين مختلفين، وأشار إلى أن الشعب الكوردي على استعداد لأن يتحمل أي تضحية وسيكافحون لأن يكونوا جزءاً من تركيا الحديثة( ). استثمر (اللورد كيرزون) وزير خارجية بريطانيا البيانات التي بين يديه – أعدها الضباط السياسي البريطانيون طيلة أربع سنوات - وجددوها في عام 1920م ليقول لنظيره التركي (عصمت باشا اينونو)، أن (نفوس) سكان ولاية الموصل الكوردية ما بين (80- 90) ألفاً، وعدد العرب والأكراد يتراوح ما بين (50- 60) ألفاً، بينما قدّر الأتراك عدد العرب بحدود من مجموع سكان ولاية الموصل( )، وقال (اللورد كيرزون) بأن أتراك ولاية الموصل (المقصود التركمان في منطقة كركوك الكوردية) ليسوا من الأتراك العثمانيين، فهم يسمّون أنفسهم تركمان، ولا يتكلمون لغة أهل اسطنبول، ومن المؤكد أنهم جاءوا إلى العراق قبل أن يؤسس عثمان بك الإمبراطورية العثمانية أو (كقوة لمسك طرق المواصلات) طريق الحرير بين اسطنبول وولاية الموصل، بغداد( )، وظهر جلياً من البيانات التي حملها الطرفان البريطاني والتركي مقدار الفارق في نفوس الأكراد والأتراك، حيث ادعى الثاني التركي أن الأكراد يؤلفون (4/5) سكان ولاية الموصل، في حين يؤلف العرب وغير المسلمين أقل من (1/5) سكانها( ). انظر الجدول رقم (1).
الجدول رقم (1)
البيانات التي أوردها وزير الخارجية التركي عصمت باشا واللورد كيرزون وزير الخارجية البريطاني كانون أول 1922م.
الأثنيات البيانات التركية البيانات البريطانية
أتراك 146960 66000
أكراد 263830 455000
عرب 043210 186000
مسيحيون ............... ................
يزيديون 18000 ..............
غير مسلمين 31000 ..............
يهود ............. 17000
المجموع 50300 786000
المصدر: الموسوعة العسكرية البريطانية.
وذكّر اللورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا نظيره التركي (عصمت اينونو باشا) الذي كان يتحدث بالنيابة عن رغائب سكان ولاية الموصل ذات الاغلبية الكوردية، وبياناته (الغير دقيقة) عن حجم العرب بالقياس إلى الأكراد والأتراك، ليقول له أن الأكراد إيرانيون لأن لغتهم التي يتحدثون بها هي أقرب إلى اللغة الإيرانية( )، وأنهم منحدرون من الماذيين / الماديين اجداد الكورد وأن أوصافهم فارسية أكثر مما هي تركية. أما عدد الأتراك الذين قدرهم (عصمت باشا إينونو) فإنهم أكثر من ضعفي العدد الذي تحدث به كيرزون وزير خارجية بريطانيا.
أصر وزير الخارجية التركي (عصمت باشا اينونو) على عدم عرض قضية ولاية الموصل الكوردية على مجلس عصبة الأمم، فيما رد نظيره البريطاني (اللورد كيرزون)، بأنه متمسك بالمادة الحادية عشر من ميثاق عصبة الأمم التي تقول بأن أية حرب، أو أي تهديد بالحرب، سواء كان يؤثر بصفة مباشرة على أي من أعضاء عصبة الأمم أو غيرهم، فإنه من اختصاص العصبة، وأن عصبة الامم سوف تتخذ أي إجراء يبدو حكيماً لصيانة سلام الأمم، وفي هذه النقطة انضم ممثلو اليابان، فرنسا، إيطاليا إلى تأكيد قول اللورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا دون رأي عصمت إينونو باشا، وفي الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني 1923، أحالت بريطانيا موضوع ولاية الموصل (كوردستان العراق) إلى عصبة الأمم. ويعتقد الباحث، أن النفوذ البريطاني في عصبة الأمم كان كبيراً، فهي الدولة المنتصرة في الحرب، وهي نفسها التي خاضت الحرب ضد الأتراك العثمانيون وطردتهم خارج ولاية الموصل (كوردستان العراق)، كما أنها هي نفسها (بريطانيا) تحتكم إلى عصبة الأمم لصيانة السلام الدائم، ولكن بالطريقة التي هي تريدها.
* كوردستان في اتفاق سيفر 10 -08- 1920
تضمنت اتفاقية (سيفر 1920) فيما يخص كوردستان بموجب المواد الموضحة: 62، 63، 64، ما يلي:
1- فقدان تركيا الحديثة مناطق ما بين النهرين وجنوب شرق الأناضول وسوريا وهي المناطق التي يقطنها الأكراد (كوردستان)، بالإضافة إلى المناطق العربية الأخرى التي كانت تحت سيطرة السلطة العثمانيين.
2- كان المقصود بكوردستان في (اتفاق سيفر10-08- 1920) المنطقة الواقعة جنوب شرق الأناضول أي كوردستان الشمالية- كوردستان تركيا- المركزية.
3- منح الاستقلال الذاتي للأكراد في كوردستان تركيا والتنويه بإمكان منحهم (الاكراد) الاخرين الاستقلال ايظا إذا ما أثبت الشعب الكوردي رغبته في ذلك.
* الاستقلال الذاتي للأكراد كما ورد في (معاهدة سيفر10 -08- 1920) كان مشروطاً بتحفظات قوية وهي:
1- استفتاء أهالي المنطقة الكوردية كوردستان (ولاية الموصل) فيما إذا كانوا يريدون الانفصال عن تركيا الحديثة أم لا؟
2- يعرض نتيجة الاستفتاء اهالي المنطقة الكوردية (ولاية الموصل –كوردستان العراق) على عصبة الأمم وتقرر في ضوء ذلك ما إذا كان الأكراد في منطقة كوردستان جديرون بالاستقلال أم لا.
3- إذا ما قررت عصبة الأمم جدارة الأكراد بالاستقلال (الاكراد) في كوردستان يبلغ ذلك إلى تركيا الحديثة التي عليها أن تنفذ قرارات عصبة الأمم في هذا الشأن. ولا يمانع الحلفاء عندئذ من انضمام أكراد ولاية الموصل (كوردستان العراق) الى الدولة الكوردية المقترحة في كوردستان.
أما كوردستان إيران والجزء الكوردي من سوريا فقد استبعد من الدولة الكوردية المستقلة المقترحة (كوردستان) ولم يرد بشأنه إشارة في (اتفاق سيفر10 اب 1920).
ينشأ سؤال عما إذا كانت (بريطانيا وفرنسا) مهتمتين حقا كما أكدت (اتفاقية سيفر) على ضمان (حق تقرير المصير للشعب الكوردي) في كوردستان؟ أم كان همهما الحقيقي الحيلولة دون اتساع الأثر الذي أحدثته ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا سنة 1917. وقد رأت الدولتان (بريطانيا وفرنسا) إقامة دولة متخلفة إقطاعية تكون بمثابة العازل بين (تركيا وروسيا السوفيتية) وكنقطة إستراتيجية محتملة ضد الاتحاد السوفيتي قريبة من حقول النفط في القوقاز وقد أرعبهم التعاون بين الأكراد والكماليين الأتراك فرموا بهذه الخطة إلى فصل الأناضول الشرقي أي كوردستان تركيا فيضعفون بذلك موقف الكماليين الأتراك وكان البريطانيون بوجه خاص يعتقدون بأن هذه الدولة (الكوردية في كوردستان) لدى قيامها ستكون تحت نفوذهم في الوقت الذي كانت بريطانيا تسعى إلى انتزاع ولاية الموصل (كوردستان العراق) من تركيا بصفة نهائية.
* هجرة معاكسة للكورد من كوردستان تركيا إلى كوردستان العراق
أصبحت الأوضاع في المنطقة الكوردية من ولاية الموصل (كوردستان العراق) خلال عام 1925 وأوائل عام 1926، أكثر هدوءاً مما كانت عليه قبل سنوات مضت. ففي (محافظة السليمانية)، أدى فتح طرق المواصلات، وبناء مخافر الشرطة ومقراتها، إلى تحديد الحركات والانتفاضات الكوردية التي كان الشيخ محمود الحفيد ومن معه من الأكراد. بتنفيذها ضد القوات البريطانية والعراقية ونظراً للعمل الذي قام به الجيش العراقي والشرطة العراقية، فقد أضطر الشيخ محمود الحفيد إلى أن يتسلل عبر مدينة حلبجة والمناطق الأخرى التي يديرها العراق العربي الجديد، إلى داخل الحدود الفارسية (كوردستان إيران). كما أنه أخفق الشيخ محمود الحفيد في كسب تعاون عشائر كوردية منهم غيرهم من الجاف معه، كما لم ينجح من كسب بعض العشائر الكوردية.
لم يعد في مدينة راوندوز الكوردية أي وجود لأي نشاط تركي مباشر، كما أن النزاع في منطقة بشدر الكوردية قد انتهى بمصالحة كانت لفائدة رئيس (عشائر البشدر بابكراغا البشدري). أما في الحدود الشمالية-كوردستان تركيا التي كانت تمثل المظهر المهم لتلك الفترة، فإنه إلى جانب الزيارة التي قامت بها لجنة التحقيق الاممية (لجنة تقصي الحقائق الاممية) والوصول لتلك الحدود وهجرة المسيحيين ومنهم الاثوريين الذين طردوا من كوردستان تركيا الحديثة، كان يوجد زخم من اللاجئين الأكراد، الذين قدموا من المناطق الكوردية التي نشبت فيها الثورة الكوردية بزعامة (الشيخ سعيد بيران) في شهر شباط عام 1925، والتي أدعى نجاحها المبكر إلى أقدام الأتراك على اقتراف أعمال انتقامية وعنيفة ضد الأكراد.
وكان الجماعات الكوردية في كوردستان تركيا التي نجت من انتقام الأتراك من هؤلاء الأكراد النازحين إلى كوردستان العراق تحت قيادة ابن سيد قادر رئيس عشيرة نيري وابن الشيخ سعيد بيران نفسه وأخيه. وقد تم توطين هؤلاء اللاجئين داخل كوردستان العراق الجديد وفي أماكن بعيدة عن الحدود.
توجهت جماعات واسعة من الأكراد في أواخر عام 1925 بمحاولة (جذب عراقي بريطاني لهم) فاجتازت الحدود طلباً للجوء إلى كوردستان العراق الجديد، أي إلى ولاية الموصل الكوردستانية. وكانت هذه الجماعات تضم أعداداً من عشيرة ميران تحت زعامة نايف بك قدمت في شهر شباط 1926 وتم توطينهم في ذات المنطقة الكوردية من كوردستان التي اعتادوا الرعي فيها أثناء الشتاء على ضفاف نهر دجلة، كذلك تم في شهر تشرين الثاني عام 1925 توطين سبعة آلاف عائلة من عشائر الكويان الكوردية أيضاً.
وفي أعقاب هؤلاء جاء زهاء ألف شخص من المسيحيين الذين قدموا من منطة (طور عابدين) الكوردية في ذات الوقت الذي توافد فيه حوالي عشرة آلاف شخص من الكورد ، كما قيل، من عشائر الآتروش الكوردية إلى منطقة العمادية في كوردستان، وذلك نتيجة ضغط من القوات التركية التي قاتلتهم وأبعدتهم إلى هناك.
كانت المشكلة التي واجهتها السلطات العراقية العربية الجديدة نتيجة لجوء هذه الأقوام الكوردية، غير المرغوب فيها والمعدمة تقريباً، من المشاكل المعقدة بصفة خطيرة. وبصفة عامة كان النظرة في هذه الفترة إلى المنطقة الكوردية من كوردستان العراق الجديد، تبدو ملائمة. ذلك أن الأكراد لم يتأثروا بالانتفاضات والثورات الكوردية التي حلت في كوردستان التركية الحديثة. كما إن الإدارة الاعتيادية ومن نمط أساسي، قد سادت الولايات الكوردية الأربع (السليمانية، أربيل، كركوك، دهوك) ما عدا منطقة صغيرة من محافظة السليمانية تقع عند الحدود مع بلاد فارس (كوردستان إيران).
قدمت مكافآت ملموسة وبسخاء حسن، إلى الأكراد المشككين في موضوع استخدام اللغة الكوردية، والقانون الدولي، والإجراءات المطبقة، والمدارس، وتعيين الموظفين. فقد كان المئات من الأكراد يعملون في الدولة العراقية الجديدة، في الوظائف المدنية والعسكرية من جميع المستويات. وهو ما ساهم إلى ظهور قوات مدربة من الجيش وقوات المرتزقة الليفي تابعة للحكومة في كل زاوية داخل الريف الذي كان الأكراد يعيشون فيه. وتم بناء الطرق أو إصلاح ما عطب منها، وفرضت الحراسة عليها، ومدت خطوط البرق، وشجعت تجارة التبوغ وتم تنظيم المؤسسات. كان للحكومة المركزية يداً وقدماً هناك، وأصبح الأمن عاماً. كذلك احتل النواب الأكراد مقاعدهم في مجلسي النواب والأعيان وفي الوزارة العراقية ذاتها. وبذلك أصبح اندماجهم التام في الدولة العراقية الجديدة، يؤلف أملاً ليس من المستحيل تحقيقه.
وعلى الرغم من الحنق الذي أصاب العراقيين من وجود الأقلية الاثورية المتمردة، الجامحة التي تصعب إدارتها، فقد ظهر بأن هؤلاء يجب أن يتم توطينهم في كوردستان العراق الجديد وليس في مكان آخر. لم تستطع البقية الباقية من هؤلاء، والتي يقدر عددها بعشرين ألف شخص، أن تتمركز في مكان واحد، وذلك لأن العراق الجديد لا يستطيع أن يوفر مكاناً وافياً، مزروعاً، لا يحتله أحد. وهكذا انتشرت مئات العوائل الاثورية من عشائر باز وجيلو في سهل الموصل، وفي منطقة التيارية العليا وتاخوما في مناطق دهوك والعمادية، وكذلك التيارية السفلى حوالي برواري بالا. وكان المؤمل فيما بعد أن يتم إيجاد مكان لتوطين حوالي ألف أسرة في منطقة برادوست في قضاء راوندوز. وعدد أكثر من ذلك، في منطقة برواري زير. وتم جمع الأموال في لندن لمساعدة الاثوريين( ) وزودوا بالبذور وبالماشية. كما أن ما كان يحصل عليه المنضمون منهم إلى قوات المرتزقة الليفي من مرتبات (رواتب)، قد جعل الكثير من عوائلهم تعيش سوية. غير أن احتفاظهم بهويتهم الاثورية كأقلية واعتزازهم بديانتهم وتقاليدهم المسيحية كانت تنتقل إلى من بعدهم، مثلما انتقلت طويلاً إلى الآخرين من الأقليات المسيحية الأخرى في العراق العربي الجديد.
وكان من الطبيعي أن يحدث انقسام بين أهالي ولاية الموصل عند قدوم اللجنة (تقصي الحقائق) بسبب اختلاف السكان وأوضاعهم الاجتماعية. فمنهم من كان يريد الرجوع إلى الحكم التركي بدافع أن دين الإسلام هو من يجمعهم، دون الالتزام بحكم الإنجليز (الكفار) الذين مدمنون على شرب الكحول. وكان نقيض الكورد المتدينون، وجود الأقليات المسيحية واليهودية التي جندت وبشدة الحكم الإنجليزي على الحكم التركي. والواقع أن الأكراد الذين يؤلفون اكثر من (3/5) من ولاية الموصل الكوردية كانوا على نقيض من الحكم (العربي والتركي)، ربما باستثناء مجموعة من كبار الملاكين الكورد أصحاب المصالح) الذين يريدون تبعية الولاية الموصل الكوردية لحكومة بغداد العربية. هذه هي حال الكورد والعرب والأقليات الأخرى، إلا أن الاستثناء الكبير في جذب
الكورد لهذا الطرف أو ذلك، هو أن أكراد السليمانية قد عارضوا أي وصاية عربية أو تركية وحتى الإنجليزية دون ضمانات. وأن ما يجمعهم (الاكراد) مع الأتراك ليس أكثر من دين الإسلام.
وعندما قوض مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية الإسلامية آذار 1924 صارت تركيا الحديثة علمانية اصبح الاتراك دون رابط يجمعهم مع الكورد.
وقد وصفت مذكرة موقعة من رموز أهل السليمانية لعصبة الأمم أن ضم أكراد ولاية الموصل الكوردية إلى تركيا جريمة ضد حقوق الإنسان عامة وضد حقوق الكورد خاصة. وختمت المذكرة الأولى الالتماس من مجلس عصبة الأمم أن يساعدون الكورد على تحسين حالة (الشعب الكوردي) شعب منسي ومهجور ليخدم السلم والرقي في الشرق الأدنى.
كما أرسلت الجمعية الكوردية في السليمانية مذكرة أخرى إلى عصبة الأمم تذكرها أن الواجب هو أن ترفع العصبة صوت كوردستان بين دول العالم المتمدن، وهي تعارض بشدة مطالب حكومة أنقرة لامتلاك ولاية الموصل الكوردية لأن أكثرية سكان هذه الولاية من الأكراد..[1]