الكرد الفيليين يسكنون بعدة محافظات. وكانوا يأملون بتحسن وضعهم بعد عام 2003، إلا أن واقعهم ازداد بؤسا نتيجة انقسامهم لفئتين على أساس طائفي وعرقي.
طه العاني
قبل فترة وجيزة من بداية الحرب العراقية الإيرانية، عاش الكرد الفيليين في العراق مأساة كبيرة عندما قررت وزارة الداخلية في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الرابع من أبريل/نيسان 1980 تسفير من وصفتهم بالتبعية الإيرانية وغير حاملي الجنسية العراقية الموجودين في البلد وطردهم إلى إيران ومن ضمنهم الكرد الفيليين.
والكرد الفيليين مسلمون شيعة، ويتحدثون بلهجة كردية تختلف عن مثيلاتها في كردستان العراق، ويسكنون في شرقي العراق وتحديدا في أقضية محافظتي ديالى وواسط وفي العاصمة بغداد، إضافة إلى محافظتي السليمانية وحلبجة بكردستان العراق، في حين يسكن قسم آخر منهم في المناطق الغربية من إيران.
وكان معظم الكرد الفيليين ينتشرون في مناطق شرق دجلة وعلى جهتي سلسلة جبال زاغروس التي تعد الموطن الأصلي لهذه الشريحة، وفق الباحث فريدون كريم الأركوازي مدير المركز الثقافي الفيلي للبحوث والدراسات سابقا.
ويضيف للجزيرة نت أن الكرد الفيليين يشكلون النسبة الأكثر من كرد الوسط والجنوب في العراق وهم موزعون على الخارطة العراقية، وتختلف كثافتهم السكانية من محافظة إلى أخرى.
ويلفت إلى أن الأوضاع السياسية التي مرت بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية وقوانين الجنسية التي وصفها بالجائرة أدت إلى اختفاء العديد من الثوابت الثقافية لهذه الشريحة وبالأخص التي سكنت المدن وأهمها الاندماج الكامل بالثقافة العربية.
رحلة التهجير
ويضيف الأركوازي أن عمليات التهجير التي طالت الفيليين بدأت في وقت مبكر، ولكنها بشكل متقطع تبعا لنوعية العلاقات العراقية الإيرانية حتى وصلت أوجها عام 1980 عندما أقدمت سلطات بغداد آنذاك على تهجير حوالي نصف مليون كردي فيلي وحجز وتغييب أكثر من 22 ألف شاب من الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية.
وعن أسباب التهجير يبين الأركوازي أن السبب المعلن وفق قرار التسفيرات هو تسفير كل من تثبت خيانته وعدم ولائه للعراق في وقت لم تثبت خيانة وعدم ولاء الفيليين بقرار من أية محكمة أو جهة قانونية، بل كان جميع شبابهم يؤدون الخدمة العسكرية في جميع صنوف الجيش العراقي، مضيفا واستشهد العديد منهم في المعارك الوطنية والقومية.
ويعتقد الأركوازي وجود جوانب سياسية واقتصادية تقف وراء الأسباب الحقيقية لتهجير هذه الشريحة المنكوبة.
ويتحدث عن المآسي الإنسانية التي تخللت عمليات تهجير الفيليين وتمت بأساليب بعيدة كل البعد عن لوائح حقوق الإنسان التي أقرتها المنظمات الدولية، فهي لم تكن وفق آلية معينة أو وفقا لأوامر قضائية، بل كانت أشبه بعاصفة هوجاء لم يسلم منها أحد، فقد تم وفق مزاج الدوائر الأمنية والمسؤولين عنها، ففي بعض العائلات تم تسفير جميع أفرادها واستثنوا الشباب الذين تم حجزهم، وعائلات أخرى تم تسفير رب الأسرة فقط وترك العائلة في العراق.
الاضطهاد الإيراني
ويشير الباحث الأركوازي إلى تعرض الفيليين إلى مآسٍ إنسانية بعد وصولهم إلى إيران من حيث المسكن والملبس والمأكل، حيث تم إسكانهم في معسكرات خاصة بعد أن كانوا يعيشون في العراق في بحبوحة من العيش.
ويضيف أن العديد من العائلات الفيلية اضطرت لمغادرة إيران إلى أميركا والدول الأوربية حيث يشكل الفيليون جالية كبيرة في السويد وبعض الدول الأخرى، كما لم تعترف الحكومة الإيرانية بالكرد الفيليين الذين لم تثبت أسماؤهم في السجلات الإيرانية.
وينوه إلى أن طهران منحت الجنسية الإيرانية للبعض من الذين ثبتت أسماء أجدادهم في السجلات الإيرانية، وإلى الآن وبعد مرور أكثر من 40 عاما على عمليات التهجير لا يزال العديد من العائلات الفيلية تسكن في معسكرات مثل معسكر إزنة الإيراني وليست لهم أية حقوق في مجالات العمل والنشاطات الأخرى، ويعاني من لا يملك وثائق إيرانية من البطالة والتهميش الاجتماعي.
قوة اقتصادية
ويعتقد أستاذ التاريخ السياسي الدكتور عصام كاظم الفيلي أن محنة الأكراد الفيلية تعد من أكبر المآسي في العالم.
وفي حديثه للجزيرة نت يرى الفيلي أن اضطهاد الفيليين يعود لكونهم كانوا من المتحكمين في الاقتصاد العراقي، واستخدموا قدراتهم المالية العالية في دعم الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق.
ويلفت إلى أن نشاط الفيليين الاقتصادي جعل السلطات تنتبه إلى خطورة مقدراتهم المالية، وتشير الوثائق عام 1965 إلى أن الأكراد الفيليين يشكلون عماد الاقتصاد في الحياة الاقتصادية العراقية.
تلاشي الآمال
من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي كفاح محمود، إنه كان شاهدا للتاريخ على مأساة تهجير عشرات العائلات الفيلية بدون أن تحمل معها حتى وثائقها الرسمية، تاركة وراءها كل ممتلكاتها.
وفي حديثه للجزيرة نت يعرب محمود عن أسفه الشديد لأنه وبعد ما يقرب من عقدين على سقوط نظام الرئيس صدام حسين الذي هجّرهم، لم يتلقَ غالبيتهم التعويض، بل إن الكثير منهم ما يزال يخضع لتلك القوانين التي تم تهجيرهم بموجبها ولم يتم إلغاؤها أو تعديلها، ويعاني معظمهم من إحباط كبير خاصة الذين يعيشون في بغداد أو محافظات الوسط والجنوب.
ويبيّن أنه رغم المحاولات الجادة في حكومة إقليم كردستان التي تبنت قضيتهم؛ لكن مع الأسف لا تزال المعوقات الاتحادية وخاصة الأحزاب الطائفية تتعامل مع قضيتهم على أساس مذهبي بما يساهم في تشتيتهم وتقزيم قضيتهم القومية.
غياب الهوية
بدوره يؤكد الكاتب والباحث شيرزاد شيخاني على أن الإجراءات التعسفية زادت من معاناة الفيليين حتى بعد عام 2003، ففقدان الوثائق الرسمية التي تثبت انتماءهم العراقي، وكذلك تجاهل الأحزاب والقوى العراقية التي تسلمت السلطة بعد سقوط النظام السابق، زادا كثيرا من المعاناة الأصلية لهؤلاء.
ويرجح شيخاني في حديثه مع الجزيرة نت أن أحد أسباب ضياع حقوق هذه الشريحة ووقوعهم ضحية للانقسام المذهبي والقومي هو أنهم لم يستغلوا الفرص المتاحة أمامهم لعرض قضيتهم كقضية سياسية.
وكان الكرد الفيليين يؤملون النفس بنيل حقوقهم بعد سقوط النظام السابق عام 2003، إلا أن واقعهم ازداد بؤسا وإحباطا نتيجة انقسامهم إلى فئتين على أساس طائفي وقومي، الأولى تدين بالولاء للحكومة العراقية، والثانية لحكومة كردستان العراق.
ويلفت إلى أن أكثرية السياسيين من الكرد الفيليين انصهروا داخل أحزاب كردية وعراقية بدون أن يتمكنوا من عرض أنفسهم كطرف سياسي له قضية في إطار المعارضة العراقية قبل 2003، عازيا سبب تشتت تمثيلهم في البرلمان العراقي إلى فقدانهم لتنظيم سياسي موحد يستوعب جميع أبناء هذه الشريحة، وعدم ظهور قيادة سياسية كاريزمية قادرة على تجميعهم ضمن إطار تنظيم سياسي قوي يمثلهم كشريحة مميزة.
ويكشف عن وجود إقصاء متعمد من قبل السلطات الحاكمة اليوم في بغداد وأربيل للفيليين في شغل المناصب المهمة، وهذا يعود إلى ازدواجية الانتماء، فالقيادة الكردية تنظر إليهم كمكون شيعي مما يفترض على الأحزاب الشيعية أن تعطيهم الوظائف باعتبارهم من المذهب، والأحزاب الشيعية تتعامل معهم كمكون كردي ويرون أن أمر إعطائهم المناصب هو من واجب الأحزاب الكردية.
مستقبل الفيليين
ويعتقد عبد الصمد أسد مؤسس صحيفة نداء الكرد، عدم وجود تحركات جادة من أجل إعادة الاعتبار لهذا المكون في المستقبل المنظور.
ويضيف للجزيرة نت أنه من المحزن أن يتم منح لاجئي رفحاء رواتب كبيرة لهم ولأطفالهم وأحفادهم وبينهم كثيرون لا يستحقونها، بينما تم تجاهل مهجري الكرد الفيليين وخاصة ذوي المغيبين في المقابر الجماعية وأولئك الذين ما زالوا يعيشون في خيام بائسة في إيران، معتبرا أن القوانين والقرارات التي تخص رد الاعتبار لهم بقيت دون تنفيذ كامل إلى اليوم.
ويفيد أن هناك أسبابا خاصة، لعدم استعجال العديد من الكرد الفيليين وغيرهم من العراقيين المهجرين، ومن أهم تلك الأسباب هو الشعور بالأمان والاستقرار المعيشي الأفضل من العودة والعيش في العراق، حيث إن العائلات توالدت ونشأت أجيال عديدة وارتبطت بمهن وأعمال تجارية، وعاد آخرون لمتابعة معاملات إعادة حقوقهم المسلوبة من وثائق وعقارات وأموال في البنوك، وزيارة أقاربهم أو أصدقاء الطفولة أو زيارة الأماكن المقدسة.
ويختم أسد بالحديث عن مأساة عائلته، وشارك الجزيرة نت بصور خاصة عن أولاد شقيقته وابن شقيقه داخل سجن أبو غريب وهم من الشباب الذين لم يعثر على أثر لهم في المقابر الجماعية.
ويسترسل بالقول تم اعتقالهم في عام 1982 بعد تهجير أهلهم إلى إيران، وكنت وشقيقي اللاعب الدولي السابق محمود أسد في لندن عام 1980، وقد تم تهجير خالي مع أول دفعة من التجار واعتقل ابنه الذي كان يخدم في الجيش، وأعدم مع أولاد شقيقتي الثلاث وابن شقيقي، لافتا إلى أنه وشقيقه لم يكونا سياسيين، حيث مثل شقيقه محمود العراق في كأس العرب عام 1966، ومثل هو فرق الشرطة ومنتخب بغداد ومنتخب العراق في كأس العرب العام 1972 والذي سمي بكأس فلسطين.[1]