نبذة تأريخية عن #الكورد والآشوريين# و العلاقة بينهم (6) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون 1. أصل الخوريين وموطنهم
د. مهدي كاكه يي
كان أسلاف الكورد، الذين كان موطنهم الأصلي هو سلسلة جبال زاگُروس، يتكونون من قبائل وفروع عديدة. خلال المراحل التأريخية التي مرت على الشعب الزاگُروسي، تم حُكم كوردستان من قِبل قبائل عديدة من هذه القبائل الزاگُروسية التي كانت تحمل أسماءً مختلفة، مثل القبائل اللولية والگوتية والسوبارية والإيلامية والسومرية والخورية و الميدية و غيرها من القبائل التي هي أسلاف الكورد. لذلك فأن الممالك و الإمبراطوريات التي أقامها أسلاف الكورد كانت تحمل إسم القبائل التي قامت بتأسيسها، مثل إيلام وسومر وسوبارتو وميديا وغيرها. هكذا فأن الخوريين بدورهم هم من الأقوام الزاگروسية التي تنتمي الى الشعوب الهندو- آرية. إسم الخوريين مذكور في التوراة بصيغة (الحوريون)(2:36-3).
لم يجرِ تغيير إثني على سكان بلاد سوبارتو التي كانت تشمل كلاً من أراپخا وناوار وپاراخشي وغيرها من المقاطعات، بل أن أسماءهم قد تغيّرت، لذلك حل إسم الخوريون محل إسم السوباريين بعد عصر حمورابي (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 26؛ مصدر رقم 1). يقول هيرزفيلد بأنه يظهر من نصوص بوغاز كوي التي ترجع تأريخها الى ما قبل عام 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون اللغة الأكدية ببابيبيلي وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابل وسمّوا لغة بلاد سوبارتو بخوريلي (مصدر رقم 1). هذا يعني بأن الخوريين ينتمون الى السوباريين. السوباريون بدورهم هم من الأقوام الجبلية الزاگروسية الهندو - آرية كما هو الحال بالنسبة للگوتيين و الكيشيين وغيرهم من أسلاف الشعب الكوردي.
يذكر (گلب) بأن الخوريين برزوا في التأريخ منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد و أقرب لغة لهم هي اللغة الأورارتية، بل على الأرجح أن اللغة الأورارتية تنحدر من اللغة الخورية (مصدر رقم 2). يستطرد (گلب) في سرده فيقول بأنه في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، إنتشر الخوريون في منطقة الشرق الأدنى و تغلغلوا في شمال بلاد ما بين النهرين وكانت من مراكزهم المهمة نوزي (مدينة كركوك الحالية) و أقاموا مملكة ميتاني في شمالي بلاد ما بين النهرَين وكانت لغتهم من اللغات الهندوأوروبية وأن الخوريين وصلوا أيضاً الى غرب كوردستان الحالي.
كما يقول الدكتور جمال رشيد أحمد بأن الخوريين ظهروا منذ الألف الثالث قبل الميلاد وجاء في السجلات المسمارية في الألف الثاني قبل الميلاد بأن الخوريين كانوا سكان المناطق الواقعة على نهر الزاب الصغير وسهول بيتوانه وكركوك والموصل ووان والجزيرة ووديان نهر الخابور وصولاً الى مدينة حلب الحالية وأطرافها (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان العراق، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 601).
إن الدولة الميتانية إمتدت من بحيرة وان الى أواسط نهر الفرات الأعلى ومن جبال زاگروس حتى الساحل السوري و كانت غالبية سكانها من الخوريين (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 489؛ جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986، صفحة 129؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 131).
يذكر العالِم (هورست كلينكل) بأن الخوريين بدأوا بالظهور في غرب كوردستان الحالي منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد وحكموا عدداً من المناطق هناك (هورست كلينكل: حمورابي البابلي و عصره، ترجمة محمد وحيد خياطة، دار المنارة للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 2003).
عاش الخوريون في منطقة تمتد من جبال زاگروس الى منابع نهر الفرات أي في جنوب و غرب كوردستان الحاليين (اسكندر داود: الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. مطبعة الترقي، 1959،صفحة 119). من جهة أخرى، يقول الدكتور نعيم فرح بأنه منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، عاش الخوريون في جنوب وغرب كوردستان الحالييَن و في القرن الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، كانت حدود هذه المملكة تمتد من جبال زاگروس الى البحر الأبيض المتوسط ومن بحيرة وان الى آشور وأن الخوريين – الميتانيين كانوا في أوج قوتهم في القرن السادس عشر قبل الميلاد (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم. دارالفكر، 1973، صفحة 198). كما يذكر(Robert Antonio) بأن المنطقة الممتدة من شرق دجلة الى سلسلة جبال زاگروس، كانت موطناً للخوريين (مصدر رقم 3).
يشير الدكتور احمد محمود الخليل الى أن (وليام لانجر) يذكر بأنه في حوالي عام 1690 قبل الميلاد بدأ الخوريون يهاجرون من موطنهم و ينتشرون في مناطق تمتد من وان شمالاً الى مناطق شَوشاره ونوزي الواقعة قرب مدينة كركوك جنوباً والى شمالي الموصل غرباً (الدكتور احمد محمود الخليل: تاريخ مملكة ميتّاني الحورية، 2013، صفحة 12؛ وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم. أشرف على الترجمة د. محمد مصطفى زيادة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1963، صفحة 62)، بينما يذكر المؤرخ البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن مدينة نوزي هي نفسها مدينة كركوك الحالية وأن الخوريين أطلقوا هذا الإسم على هذه المدينة (الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 7).
تتحدث المصادر السومرية عن حملات ملوكهم إلى ممالك الخوريين، وتكشف عن أهمية المدينة الخورية (خمازي) آنذاك. كما تتحدث نقوش الملك الأكدي شرُّكين (سرگون الأول) (2340 - 2284 قبل الميلاد) عن حملاته المتكررة الى بلاد الخوريين، خاصةً إلى المدينة الخورية (سيمورّم). إبتداءً من عهد حُكم (نارام سين) (2259- 2223 قبل الميلاد)، بدأت المدونات الأكدية المسمارية تتحدث عن الخوريين في بلاد سوبارتو وعن حملاته ضد ملوكهم، وكان أبرزهم الملك (تخيش أتل) حاكم (أزوخينم) الواقعة في غربي دجلة ووصول قواته الى مناطق مختلفة في بلاد الخوريين. كما أن المصادر البابلية والآشورية في عهد الملك البابلي (حمورابي) والملك الآشوري (شمشي أدد) المكتشفة في مملكة ماري، تُظهِر بأن الدولة الخورية كانت تضم غرب وجنوب كوردستان الحاليين، وتمتد الى شرقي نهر دجلة و جبال زا گروس.
إستوطن الخوريون مدن مختلفة في كوردستان، مثل خوزي و أربيل و مناطق قريبة من مدينة أورمية الواقعة في شرقي كوردستان و مدينة (أوركيش) التي تبعد عن مدينة عامودا الواقعة في غرب كوردستان بحوالي 8 كيلومترات.
الملك الآشوري (إشمي) الذي إستلم الحكم بعد الملك (شمشي أدد) الذي حكم من عام 1814 الى عام 1782 قبل الميلاد، إستطاع الإستمرار في حكم بلاد آشور، إلا أنه لم يستطع بسط نفوذه على شمال بلاد الرافدَين، حيث ظهرت في هذه المنطقة عدة سُلالات حاكمة من الخوريين، مثل أتَل شني (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 44). من الجدير بالذكر أن الخوريين (الميتانيين) حكموا بلاد آشور لفترة تصل الى حوالي 75 عاماً (حوالي 1450 - 1375 قبل الميلاد) (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان العراق، الطبعة الأولى، 2003، صفحة251).
ظهر أول مملكة خورية في المنطقة السهلية الواقعة حول مدينة أوركيش (URKESH) خلال الألف الثالث قبل الميلاد في عهد الملك الأكدي نارام – سين (حوالي عام 2254 – 2218 قبل الميلاد). كانت مملكة أوركيش عبارة عن مقر ديني للخوريين ومركزاً للإله الخوري، كوماربي (Kumarbi) الذي هو سلف إله الطقس تشوپ (TESHUP) (مصدر رقم 4، 5).
في أواخر العصر البرونزي الأوسط (2000 – 1550 قبل الميلاد) وصل الخوريون الى فلسطين وإستقروا هناك، حيث توجهوا نحو الجنوب من خلال إجتياز منطقة البقاع ووادي الأردن (لاحظ الرابط الموجود في نهاية المقال). يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أسماء الأعلام الخورية المسجلة في ألواح تَغنَك التي تقع قرب مدينة جنين الفلسطينية، التي تم إكتشافها في وادي يَزرائيل (مرج ابن عامر)، تُظهر أن سكان هذه المنطقة كانوا من الخوريين، حيث أن گوستاڤ، في دراسةٍ له، إكتشف أن غالبية أسماء الأعلام في المنطقة المذكورة كانت خورية و ليست كنعانية. يضيف الدكتور جمال رشيد أحمد بأن هناك مناطق أخرى في فلسطين، كانت أسماء الأعلام الخورية هي السائدة فيها خلال أواسط الألف الثاني قبل الميلاد (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ. دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، الطبعة الأولى، صفحة 608، 609).
يذكر (روبرت أنتونيو) بأن الخوريين كانوا يُشكلّون جزءً كبيراً من سكان الإمبراطورية الحثية التي كانت قائمة في الأناضول وكانت الحضارة الحثية متأثرة بالحضارة الخورية (مصدر رقم 3).
يشير الدكتور جمال رشيد احمد بأن جيجر يذكر أن إسم الخوريين مرتبط بإسم الإله خوارHVAR إله الشمس، حيث لا يزال إسم الشمس باللغة الكوردية هو خۆر (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 25، 26). إن هذه التسمية في بلاد سوبارتو و تعميقها بمفهوم ديني ومن ثم بمفهوم قومي على جميع السكان الذين آمنوا بإله الشمس والنور في بلاد سوبارتو من گوتيين ولوليين وكاسيين، له مغزى تأريخي عظيم، حيث أنها تعني بأن هذه المجموعة البشرية كانت تعبد إلهاً مشتركاً و تقوم بأداء طقوس دينية مشتركة. الديانات التي كانت سائدة في بلاد سوبارتو، كانت تدّعي بأولوية وعظمة إله الشمس من بين الآلهة الأخرى. يستطرد الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه بأنه لا يزال إسم إله الشمس باقياً في نفس المنطقة بشكل خورماتو (طوزخورماتو، تازه خورماتو)، كما هو الحال مع إسم باگاداتو التي تحولت الى باگادات أي عطاء الإله باگا.
المصادر الأجنبية
1. Herzfeld, E. (1968). The Persian Empire. Wiesbaden, page 158.
2. Gelb, Ignace J. (1944). Hurrians and Subarians. Studies in Ancient Oriental Civilization No. 22. Chicago, University of Chicago Press,.
3. Antonio, Robert (2007), The Rise of the Hurrians, International World History Project.
4. Paul Thieme (1960). The 'Aryan Gods' of the Mitanni Treaties, Journal of the American Oriental Society 80, 301-317.
5. Güterbock, Hans Gustav (1950): Hittite Religion; in Forgotten Religions: Including Some Living Primitive Religions (ed. Vergilius Ferm) (NY, Philosophical Library, pp. 88–89, 103–104.
http://earlyworldhistory.blogspot.se/2012/03/hurrians.html
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]