#عوني الداوودي#
أخي الكريم بدءاً أود أن أشكرك على تنويرنا بما يتعلق بعروبة عشيرة الداودي وذكركم أسماء الشخصيات الداودية التي تنحدر من أصول عربية، لكني أود أن ألفت أنتباهك إلى بعض النقاط المهمة التي تتعلق بواقع بعض العشائر في العراق. إن نقاوة الدم والعرق وأصول العشائر، باتت من الخرافات التي يتغنى بها فقط أولئك الذين ما زالوا على انغلاقهم الفكري الضيق فما عدا بعض القبائل أو المجموعات الصغيرة في غابات الأمازون أو في أفريقيا ، حيث لم يعد هناك ما دأب العنصريون على ترديده هنا وهناك بنقاوة الدم التركي مثلاً أو العربي أو الكوردي أو الفارسي أو الألماني وهكذا، فكانت هذه المنطقة التي أصطلح عليها الجغرافيون بتسميتها ب الشرق الأوسط كغيرها من بقاع العالم محط أنظار القبائل الرحل والقبائل الغازية وأشتد الأختلاط بين هذه الشعوب لدرجة كبيرة على مدى مئات بل الالوف من السنين، وتجد في مدونات التاريخ هنا وهناك بأن العشيرة الفلانية في الوقت الحاضر كانت في مضى على غير ما هي عليه الآن والعملية تشمل الجميع دون استثناء، وهناك من الملوك والأمراء والأثرياء من تزوج عشرات الزوجات وكان طابعهم السائد هو التغيير والتلوين حسب مزاجهم الذكوري الفرويدي تارة، ومن أجل التحالفات والخبطات السياسية تارة أخرى، ونتيجة هذا الاختلاط والحروب المستمرة والسبايا التي كان يحصل عليها المنتصر من الأقوام المهزومة، ومع تقادم الزمن والمصاهرة اختلطت الدماء والعادات والتقاليد، بات من الصعب جداً أن تجد اليوم بما يسمى نقاوة العرق، كما كان أجداده قبل آلاف السنين، فالكل هجين قبلنا هذا أم لم نقبل، مما جعل علماء الأجناس ومنظري مفهوم القومية أو الأمة أن تراجع الثوابت التي كانت تشكل الخصائص أو مقومات الأمة،اللغة والدم والتاريخ وغيرها، وتُدخل عليها مفاهيم ومقومات أخرى كالعادات والتقاليد والاقتصاد المشترك ومستقبل هذه المجموعة أو تلك ومصيرها المشترك، لكن واقع الحال اليوم في عموم المنطقة، هناك العرب القومية الأكبر، وهناك أيضاً الكورد والترك والتركمان والآذري والفرس والبربر والبلوش والشركس والآشوريين والكلدان والسريان والأرمن واليهود وهناك أيضاً الاقباط والموارنة وغيرهم، وما يجب علينا تعلمه حقاً هو التعامل مع هذا الواقع والتكوين الاجتماعي الذي بنى نفسه على مدى آلاف السنين بشفافية ملحوظة دون التطاول على حقوق الآخر باسم الدين أو العرق أو ما شابه ذلك ويقع على عاتق المثقفين العراقيين المسؤولية الكبرى في هذا الشأن مع ملاحظة تلاعب البعض والتمسك بمصطلحات رنانة للنيل من الآخر، وهذا ما لمسناه من قبل بعض مثقفينا وكتابنا العراقيين بكافة تلاوينهم العرقية والدينية والمذهبية .
أرجع إلى رسالة الأخ الكريم الداودي الحسني حول عروبة عشيرة الداودي المستكردة، أقول إذا كان واقع القوميات بهذا الشكل المعقد، فكيف الحال بالنسبة للعشائر.
ظهر لأول مرة في تاريخ العراق المعاصر، واللعب بهذه الورقة الخاسرة في محاولات تعريب الكورد في عهد رئيس الجمهورية العراقية بعد إنقلاب شباط عام 1963 عبد السلام عارف حيث خطب وبكل صلافة بأن غالبية العشائر الكوردية تنحدر أصولها من بطون القبائل العربية مما أصبح الرئيس المذكور الذي صعد لحم ونزل فحم محل تندر لدى المثقفين والكتاب العراقيين، وأستمر الحال على نفس المنوال في الأعوام والعقود التالية فمن ضمن العشائر العربية المستكردة حسب منظري وفقهاء السلطان على سبيل المثال هي عشيرة الداوودي، الطالباني، زنكنه، جباري، برزنجي، والغاية في ذلك كان بالدرجة الأولى هو سياسة التعريب حيث أن العشائر المذكورة تشكل بالاضافة إلى عشيرة هموند وعشيرة الجاف وشيخ بزيني وعشيرة كومه يي و بيباني وشوان والدلو وغيرها العمود الفقري للوجود الكوردي في محافظة كركوك الغنية بالنفط، فإسقاط الهوية القومية لتلك العشائر ستؤدي بالنتيجة حسب رغبات هؤلاء السياسيين إسقاط الهوية الكوردستانية لمحافظة كركوك، لكن منظري هذه السياسة الشوفينية لم يدرسوا نظرياتهم بما فيه الكفاية لإقناع الآخرين بذلك، حيث يقفز سؤال بسيط إلى الذهن بمجرد سماع هذه الأقاويل. هو كيفية تكريد تلك العشائر العربية، وكيف تكردت ؟ فالمعلوم في التاريخ بأن هناك الكثير ممن تغيرت أصولهم العرقية مع تقادم الزمن كان بفضل الواقع السكاني للأغلبية وتأثيرها القوي بحكم الثقافة أو الدين، ولو سلمنا جدلاً بصحة تلك الأقاويل أو الكتابات نستنتج من ذلك بان الكثافة السكانية للكورد في كركوك وطغيان ثقافتهم كانت السبب في تكريد تلك العشائر العربية، والتحليل المنطقي لكل ما يقال بهذا الشأن، لا يسمح بالاعتراف بتكريد عشائر عربية ذات ماضي مجيد وحاملة راية الإسلام وبناء حضارة عربية إسلامية راقية كانت محط أنظار العالم قبل سقوط بغداد على يد المغول عام 1256 ، فأي نفع يبتغيه هذا العربي للأنظمام إلى قومية أو أمة كوردية مستضعفة لا تملك من أدوات الحكم شيئاً، بل أنها كانت مهددة بالإبادة الجماعية، وإذا كانت المصالح المادية والنفعية هي التي تجعل الكثير بتغيير قومياتهم في بعض مراحل التاريخ، ففي حالة هؤلاء العرب المستكردين !!! يعني الرهان على الحصان الخاسر، وبمراجعتنا للكثير مما كتب عن الكورد بقلم أعدائهم يصورونهم بأولاد الجن وبدو الفرس وقبائل همجية لا هم لها غير السطو والسرقة وجلهم من قطاع الطرق، ما يجعلني أن لا افهم السبب والدوافع التي تجعل قبائل عربية عريقة أن تغير قوميتها إلى الكوردية، إلا أذا كان الكورد على عكس ما يقال ويكتب عنه، ويعني ذلك بأنهم الغالبية العظمى في المنطقة وذو ثقافة عالية بحيث تغري بإنصهار الآخرين في بوتقة القومية الكوردية، وهذا يضع أعداء الكورد أصحاب الرأي الآنف الذكر في مغالطات وتناقضات لا يحسدون عليها .
ومن ناحية ثانية اقول للأخ الداودي الحسني الذي لا أشك بحسن نيته في طرح الموضوع، بأن في منطقة كركوك بالذات هناك قوميات عديدة تتقاسم اسم عشيرة واحدة وعلى سبيل المثال فإن عشيرة البياتي وحسب المصادر التركمانية تقول بأنها عشيرة تركمانية أصيلة نزحت من أواسط آسيا إلى العراق قبل عدة قرون بينما نجد أكراداً في كركوك يحملون أسم البياتي وهناك أيضاً نخبة لا باس بها من العرب تحمل أسم عشيرة البياتي ولا أريد ذكر الأسماء، وكذلك بالنسبة لعشيرة الصالحي، منهم العربي والتركماني والكوردي وتسمى عند الكورد ب ساله يي، وكلكم يعرف عشيرة الحسيني منهم العرب على وجه الخصوص في بلاد الشام ومنهم الأكراد في الجزيرة وفي كوردستان سوريه وفي كوردستان إيران وبرز منهم كتاب وأدباء وسياسيين كبار، من خلال مطالعاتي تقع عيناي أحياناً على أسماء عربية في بعض البلدان العربية تحمل كنية الداودي لم أستغرب يوماً من ذلك، كما أعلم أيضاً بأن هناك منطقة على طريق أبو غريب في بغداد تحمل اسم الداودي ولم أعتبر ذلك في يوماً من الأيام بأن المنطقة مسكونة من قبل الأكراد الداووديون، وهل تعلم ؟ بأن أعداداً كبيرة من عشيرة الهموند الكوردية المعروفة ببسالتها في القتال نفيت أيام حكم العثمانيين الأتراك إلى ليبيا ويعتبر أولاد وأحفاد أولئك الكورد اليوم أنفسهم عرباً أقحاحاً ولربما لا يتوانى أحدهم في محاربة تطلعات الشعب الكوردي، ويستميت في ذات الوقت في الدفاع من أجل القضية العربية الساخنة، كما نفى الشاه عباس الصفوي الملقب ب الكبير مجموعات كبيرة من عشائر مكري الكوردية في كوردستان إيران إلى باكستان بحكم الصراع المذهبي آنذاك، فانصهروا تدريجياً وبشكل سلمي داخل القومية البلوشية، وهناك مقابلات مثبتة في الجرائد والمجلات مع رؤسائهم من قبل بعض الطلاب الكورد الذين كانوا يدرسون في باكستان، وكذلك الحال بالنسبة لملايين الكورد الذين وزعهم مصطفى كمال أتاتورك بنسبة عشرة بالمئة داخل المجتمع التركي بعد إخماد ثورة الشيخ سعيد بيران، وأستتركوا مع تقادم الزمن، لكن الحالة التركية لازمته عمليات إرهاب كبيرة وهكذا هلم جرا والحالة تنعكس على البعض الآخر أيضاً.
بالرغم من عدم اهتمامي لتاريخ العشائر وأصولها وانحداراتها العرقية وأفخاذها، معتبراً ذلك بأنه موظة قديمة والتاريخ يعلمنا بأن الجديد يطرد القديم مهما حاول القديم التشبث بالماضي فلا جدوى من ذلك، أنها سيرورة التاريخ، وهذا لا يعني حرمان الشعوب من التغني بأمجادها وحضاراتها وتاريخها بحلوها ومرها، لكن ضمن حدود معينة لا تجعل نتائج الغاية المنشودة تأخذ عداً عكسياً أي استفزاز الآخرين ونفورهم. وأيماناً مني بأن القومية في المحصلة النهائية هي انتماء مكتسب وإحساس وشعور، ما بالك بأن عمي رحمه الله سكن بغداد منذ ما يقارب الخمسين عاماً فأولاده وأحفاده يشكلون الآن أكثر من ثلاثين شخصاً لا يعرفون الكوردية ويفتخرون بأنهم عرب بغداديون، ولم ألوم أحداً منهم في يومٍ من الأيام، وذلك للأسباب التي ذكرتها بأن القومية إحساس، وهناك الألوف على هذه الشاكلة من مختلف القوميات، لكن هذا لا يعني بأن عشيرة الداوودي وفي الكوردية الداووده عشيرة عربية مستكردة فمن أجل الحقيقة والتمييز بين الداوده الكوردية والداودي العربية سأورد لك بعض الحقائق عن هذه العشيرة مستعيناً بمحامي ومؤرخ بارز عراقي عربي وهو عباس العزاوي، في المجلد الثاني المخصص للعشائر الكوردية من كتابه تاريخ العشائر العراقية، يذكر عن هذه العشيرة في باب لواء كركوك ما يلي :
قبائل داوده ويقال داوودي وهؤلاء من عشائر العراق، وقراهم عديدة، ومجموعتهم كبيرة جداً، يسكنون في لواء كركوك قسم منهم في أنحاء طاووق داقوقا وأخرون في طوزخورماتو. وهذه القبيلة تكاد تعادل أصلها وهي من قبائل كلهر .
وفي مكان آخر يذكر : ولكل رئيس من هؤلاء قرى تحت سلطته، وليس للآخر رياسة عليه والرئيس العام أسمي، فلم يكن له من النفوذ ما يجعل له حكماً على الفرق الأخرى فلا يتعدى الواحد نطاق سلطته فقد توزعوا الرياسة ... وصاروا يحكمون على قرى الداووده. ومن حيث العموم يقسمون إلى :
1 داووده كردستان رئيسهم عزيزآغا المذكور وهم في أنحاء كفري .
2 داووده كرميان ( أي المناطق الحارة ) رئيسهم دارا بك .
وبعد شرح واف ٍ على عدة صفحات عن أصول هذه القبيلة ورؤسائهم وقراهم، يقول :
والملحوظ أن القبائل الكردية متقاربة في أوضاعها ولم تختلف في عاداتها إلا قليلاً، ومن رأى وضعاً من أوضاعهم، علم بمشابهة الأخر له، والكل ينزعون إلى الإقامة والتوطن في أرض، وهو مرجح عندهم على التجوال والانتقال، والقبائل المتجولة قليلة، وهذه سائرة إلى ما ساروا إليه ... والرحل قبائلهم معروفة.... وفي الغالب لا يعرفون أفخاذهم، وكفاهم أن يعلموا قبيلتهم وقريتهم معروفة. ونشاهد أمثال هذا في كثير من البلدان والقرى العربية، فتنعدم خاصة التزام الفروع، وإنما يمتون إلى قبيلة،ويقولون أننا من القبيلة الفلانية، ولا يتمكنون من معرفة الاتصال الفرعي، بل ينعدم في الغالب، ولا يكاد يعرف بعد أجيال.
وعلى كل حال هذه القبيلة لها المكانة اللائقة وقراها كثيرة وقد مر قسم كبير منها، ورئيسها دارا بك ( تجدر الإشارة إلى أن دارا بك أنتخب نائباً عن كركوك في البرلمان العراقي عام 1924 ) وهو من أهل النعيم والمكانة المقبولة، وهو مسموع الكلمة بين قومه، وله رأفة بهم مما دعا أن يحبوه، ويتفادوا في سبيله، فلا يعصى له قول، وهو محترم جداً ، والقبيلة توسعت كثيراً، والتحقت بها قبائل صغيرة عديدة. [1]