موقف فرنسا من الحقوق القومية الكوردية في سوريا المنتدبة - (القسم الثاني)
=KTML_Bold=السياسة الفرنسية تجاه الكورد :=KTML_End=
أخذ الفرنسيون ينظرون إلى الكورد في سوريا، على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات، ولم تلتفت إليهم، وتعتبرهم قومية ذات خصائص معينة، كما لم تولي وضعهم السياسي والقومي أي اهتمام، وغضت الطرف عنهم، ولم تسمح لهم حتى بإدارة منطقتهم من قبلهم، أو حتى دراسة لغتهم القومية في مدارس منطقتهم، بجانب اللغة الرسمية، كما فعلت مع غيرهم من القوميات المسيحية والدرزية، فلم تعطي فرنسا استقلالاً داخلياً للكورد بالدرجة التي أعطتها لجبل الدروز، كما أنها لم تشأ تقوية الكورد على حساب العناصر الغير إسلامية التي كانت تعيش بين ظهرانيهم كالأرمن وغيرهم، فضلاً حرصها على علاقاتها بالدول المجاورة في العراق وتركيا، ولم تتردد فرنسا في وضع المناطق الكوردية في الجزيرة تحت ادارتها العسكرية المباشرة.
=KTML_Bold=النضال الكوردي ضد هذه السياسة :=KTML_End=
كانت مثل هذه المواقف كفيلاً بظهور بوادر النقمة الكوردية، وسادت حالة من عدم الاستقرار في العلاقات (الكوردية – الفرنسية)، تحولت فيما بعد إلى مصادمات عسكرية وحالة من الشدة والعنف والتوتر بين الطرفين، في المناطق الكوردية، في الجزيرة وكورداغ، لذلك تأخر الفرنسيون في بسط سيطرتهم على منطقة الجزيرة سيطرة كاملة حتى عام 1926، حيث كان نفوذ رؤساء العشائر الكوردية قوياً، وذكرت أحدى التقارير البريطانية أن منطقة الجزيرة حينذاك كانت (مركزاً لفعاليات حاجو آغا).
ويمكن القول أن نضال الكورد ضد الاحتلال الفرنسي من عام 1920 – 1926، كانوا لا يبغون سوى طرد الفرنسيين، ولم يطرحوا أو يطالبوا بأي مطلب خاص بهم، سياسي أو ثقافي أو إدارة ذاتية مستقلة، ولا يخفى أن السبب في عدم طرح شعارات خاصة بهم، يكمن في تخلف المجتمع الكوردي في كوردستان سوريا في تلك المرحلة، في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكانت تعيش حالة من التأخر والتخلف، لذلك لم يمنعهم ذلك من معاداتهم للاحتلال الفرنسي.
أما بالنسبة للعامل الداخلي البارز في التوجه الفرنسي، فيعود إلى افتقار العديد من الشخصيات الكوردية النافذة في المجتمع الكوردي حينذاك إلى رؤية سياسية واضحة، حيث كان الشعور القومي ضعيفاً، وكان الشعور الديني هو الغالب، جراء التثقيف بمثل هذا الاتجاه من قبل رجال الدين والشيوخ المتنفذين، من الذين رسخوا في أذهان عامة الناس، أن لا فرق بين عربي وتركي وكوردي ما دام الإسلام يجمعهم، وقد وجد قرب قامشلو، في قرية خزنة مدرسة شرعية، وتكية أنشأها الشيخ أحمد الخزنوي أحد شيوخ الطرق النقشبندية، وأسس فرعاً للطريقة باسم الخزنوية (مازالت موجودة إلى اليوم)، ولها آلاف المريدين، لم تلعب دوراً مؤثراً في الأحداث خلال فترة الانتداب، ومثلها المدرستين الدينيتين لتعليم العلوم الشرعية في عامودا، فضلاً عن أن بعض القبائل الكوردية قد وقفت ضد الحكم الذاتي الكوردي في منطقة الجزيرة منذ عام 1934، ومنها عشيرة الكابارا بقيادة زعيمها شيخموس الهسو مع بعض القبائل الكوردية الأخرى، التي أدت دوراً مهماً في التحالف الوطني العربي – الكوردي، لمنع إقامة الحكم الذاتي للكورد.
كما تشكلت في حلب جمعية كوردية باسم (كردستان جمعيتي) في 16 شباط عام 1925، لمناصرة أحد أبناء السلطان عبد الحميد ليكون حاكماً على كوردستان، أما في منطقة جبل الكورد، فقد ساهمت الدعاية الكمالية ودعاية الوحدة الإسلامية في إثارة الاضطرابات والانشقاقات بين العشائر الكوردية، وقام الأتراك إلى تنظيم أجهزة سياسية موالية لهم داخل المقاومة الكوردية ضد الاحتلال الفرنسي، وكانوا يهدفون من وراء ذلك إلى انضمام المناطق الكوردية إلى دولتهم التركية، مستغلين في ذلك، العلاقات التاريخية والاقتصادية والقومية القديمة، بين سكان جبل الكورد والمراكز الإدارية (كلس – قره خان – الريحانية)، وخاصة أن السكان في الطرف الآخر (التركي)، هم كورد ويرتبطون ببعضهم على طرفي الحدود بعلاقات القربى، وأنشأوا حلقات دعائية تركية، ووزعوا عليها المنشورات، والتي اتخذت وسيلة لإظهار الدولة التركية بمظهر الدولة المتمدنة، لذلك لم يتردد بعض زعماء العشائر من الانضمام إلى هذه الدعاية، ومطالبتهم، ضمهم إلى تركيا، امثال (باي محمد) من عائلة شيخ إسماعيل زاده، وعدد آخر من الكورد الذين خدعوا بسياسة تتريك المنطقة، وفي غياب الحس القومي الكوردي في هذه المنطقة، قامت بين أعوام 1930 – 1940 حركة دينية اجتماعية سميت بحركة المريدين، لمحاربة الاحتلال الفرنسي في المنطقة، معتمدة في ذلك بالدرجة الأساس على الرابطة الدينية.
تنبهت السلطات الفرنسية إلى الدعاية التركية في منطقة جبل الكورد، وفي سياق ذلك عملت على استغلال الشعور القومي الكوردي، فلجأوا إلى زمر من الأغوات المناوئين لهم، والمخدوعين بسياسة التتريك، فجمعوا بعض الأغوات والوجهاء وعرضوا عليهم إقامة حكم ذاتي كوردي، أو ما يشبه دويلة كوردية، ومن جهة أخرى افتتحت المدارس في القرى الرئيسية، واهتمت بتدريس اللغة الفرنسية، إلا أنها أوقفت مخططها الكوردي فيما بعد ، بسبب انتهاء النزاع بين الفرنسيين والأتراك على مشاكل الحدود، أثر التنازل عن لواء اسكندرون للأتراك، مقابل تخلي الأتراك عن أطماعهم في منطقة جبل الكورد، كما أن عدم نضوج الشعور القومي عند الزعماء والأغوات والشخصيات الكوردية المتنفذة، والذين دعتهم السلطات الفرنسية للاجتماع، نشأت بينهم الخلافات من أول اجتماع، فضلاً عن عدم ثقتهم بالفرنسيين الأجانب، وخوفهم من انقلابهم عليهم، لذلك اتصل الكورد بالحركة الوطنية السورية (الكتلة الوطنية) في مناطق حلب، للتنسيق والوقوف بوجه السلطات الفرنسية.
ويتضح من ذلك جلياً أن الحقوق المتواضعة التي منحتها فرنسا للكورد، لم تدفع الشخصيات الكوردية النافذة إلى المطالبة بوضع خاص أو بالحكم الذاتي، بسبب افتقادهم إلى الرؤية السياسية الواضحة، بعكس الدروز وغيرهم الذين كانوا قد سبقوا الكورد بمراحل في مجال الثقافة والحركة القومية، فمن المعروف أن الدروز قد عبروا عن موقفهم المنادي بالرغبة في عدم الالتحاق بأي سلطة مركزية سورية ، من خلال مقررات المؤتمر الدرزي العام الذي عقد في السويداء في العشرين من كانون الأول عام 1920، والذي أكد على قيام حكومة وطنية مستقلة لجبل الدروز استقلالاً إدارياً واسعاً تحت الانتداب الفرنسي، كما نص على تعهد الإدارة الفرنسية عدم أجبار الدروز، الدخول في مشروع الوحدة في البلاد السورية فيما بعد.
وعلى الرغم من ضعف الحركة القومية الكوردية في سوريا في طرح مطالبها بقوة، يستنتج من تقرير بريطاني أن سلطات الانتداب الفرنسي كانت على علم بتطلعات الكورد القومية في سوريا، فقد أكد ضابط في مكتب الاستخبارات الفرنسية في بيروت، على أن الكورد المتنفذين في سوريا كانوا يتمتعون بفكر سياسي ناضج، وأن فكرة الكورد في سوريا عن كوردستان هي: ( تلك الأرض التي تمتد من خليج الاسكندرونة إلى كوردستان إيران، وأن عاصمة كوردستان هي ديار بكر، وذكر انه من المتوقع أن تقوم السلطات الفرنسية بمنح الكورد نوع من الحكم الذاتي يمتد عبر الشمال والشمال الشرقي من سوريا ).
=KTML_Bold=الدور التركي :=KTML_End=
يبدو ان الضابط الفرنسي لم يحسب فيما ذهب اليه، اي حساب للمعارضة التركية الشديدة، التي كانت تعارض أي تقدم تحرزه الحركة الكوردية، وكانت تركيا تبدي قلقها إزاء النشاط القومي الكوردي، وتنظر الى المناطق الكوردية التي الحقت بسوريا على انها مناطق تعود لها، وعندما تشكلت لجنة ترسيم الحدود التركية-السورية عام 1928، ادعت تركيا أن حدودها يجب أن تشمل منطقة الجزيرة، بحجة أن العناصر السكانية التي تسكن الجزيرة هي كوردية، وتريد البقاء معها، لكن ذلك اصطدم بالرفض الفرنسي وعدها مطامع تركية غير مبررة.
ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا التي كانت لا تريد إثارة الأتراك والفرنسيين بعد حسمها مشكلة جنوب كوردستان (ولاية الموصل)، بضمها إلى صنيعتها المملكة العراقية، حذرت ضابط ارتباطها في بيروت من التطرق في المستقبل، إلى قضية الكورد وحقوقهم بأي شكل من الأشكال، وهذا ما دفعها إلى الاتصال بالمفوض السامي الفرنسي في بيروت لاتخاذ موقف صارم ضد جمعية خويبون، فعمدت السلطات الفرنسية في صيف عام 1928 إلى إغلاق مكتب خويبون في حلب، وأمرت بتحديد نشاطهم، ونتيجة لذلك أضطر قادة خويبون الالتزام بما تعهدوا به لفرنسا سابقاً من اقتصار عملهم ونشاطهم السياسي على كوردستان تركيا فقط.
ملاحظة : الصورة ل حاجو آغا
=KTML_Bold=المصدر :=KTML_End=
ﻣﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺷﺮﻓﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺯﺍﺧﻮ - ﻛﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ « ﻛﻮﺭﺩﺳﺘﺎﻥ - ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺧﻼﻝ ﺍﻻﻧﺘﺪﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ -1921 1946 »
ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ – ﺍﻟﻌﺪﺩ /70/
[1]