أقلام الشابة في روجافا: من لهيب الثورة إلى بناء الوعي الجديد -2
القسم الثاني: الكتابة في زمن النار – توثيق الحرب وتجارب الشباب

شهدت روجافا بعد الثورة تحوّلًا جذريًا في مضمون وشكل الكتابة الأدبية، حيث بدأ الأدب الشاب يعكس تجربة الحرب بكل تفاصيلها المأساوية، فغدت القصص والشهادات تنبض بحقائق العنف والدمار والمآسي الإنسانية. كان الشباب الكردي في مقدمة المشهد، لا فقط كفاعلين على الأرض، بل أيضًا كصنّاع للكلمة.
الكتابات في هذه المرحلة كانت مليئة بالتجارب الفردية والجماعية، وتوثيق الأحداث اليومية التي عايشها الشباب الكردي. الحروب، النزوح، المذابح، والدمار كانت مواضيع رئيسية. الكثير منهم، مثل شيلان عمر أو شفان بيرو، كتبوا عن فقدان أفراد من العائلة، أو لحظات النجاة من القصف، أو مشاهد التهجير الجماعي. وقد ظهرت في هذه الفترة أنواع أدبية هجينة تمزج بين اليوميات والسرد القصصي.
الكتابة في زمن النار كانت تحمل طابعًا وجوديًا، تطرح أسئلة حول الحياة والموت، العدالة والحرية، وكان النص الأدبي يتحول إلى وثيقة، بل وحتى إلى شهادة أخلاقية في وجه القمع والدمار. استطاع العديد من الكتّاب الشبان أن يحوّلوا الألم الشخصي إلى نصوص أدبية ملهمة تتداولها الأوساط الثقافية المحلية وحتى العالمية.
كما تميزت هذه المرحلة بظهور نصوص مكتوبة على عجل، في خضم الحدث، مما أضفى على النصوص طابعًا آنيًا وصادقًا. كانت القصيدة تُكتب في الملاجئ، والقصة تُسرد في الخنادق، واليومية تُدوَّن على الهاتف المحمول. كل لحظة كانت تستحق أن تُوثّق، أن تُحكى، أن تُخلّد. وقد وفّرت شبكات التواصل منصة فورية لهذه الكتابات.
ظهر أيضًا اهتمام متزايد بتوثيق شهادات النساء، الأطفال، والمهجرين، وقد لعب الأدب دورًا في تقديم منظور إنساني للحرب، يبتعد عن الخطابات السياسية الجامدة. هذه النصوص فتحت أعين العالم على واقع منسي، وساهمت في خلق تضامن ثقافي مع قضايا روجافا. لقد أصبحت الكلمة سلاحًا، والسرد مقاومة، والقصيدة ملجأ أخيرًا للذاكرة الجمعية.[1]