إعداد/ عبد الرحمن محمد
لا يذكر الشعر والأدب والغناء العذب إلا ويذكر معه الشاعر الأنيق وصاحب القامة الشامخة في فضاء الكلمات؛ الشاعر يوسف برازي “بي بهار Bêbuhar” صديق الكلمات ومبدع أجمل القصائد وأروع الكلمات التي ترددت كأغنيات خالدة بعد أن صدحت بها حناجر عمالقة الغناء الكردي أمثال الخالد محمد شيخو
عرف الشاعر بي بهار بالخلق الكريم وخصال الرجل الكردي الغيور، محباً لأبناء شعبه وأرضه، غيوراً عليهم شغوفاً بكل خصال الجمال التي أسرته ونالت منه موضع التقدير والمحبة الفائقة، فتغنى بجمال الوطن ومغانم رجاله وتأثر بحال أبناء شعبه وأحوالهم في السراء والضراء، وفي علاقاته ومعاشرته لمن حوله عرف عنه حسن الإصغاء وحلاوة الحديث والتروي والهدوء والحكمة في النقاش، إلى جانب أنه كان حازماً صارماً في قراراته المصيرية وتعاطيه مع قضايا جوهرية، وكان سريع البديهة فطناً لبقاً يمتلك قدرة عجيبة في تطويع الكلمات والحروف ليصيغها قصائد رائعة، ومتمكناً من ناصية العزف الموسيقي على أكثر من آلة، فكان بحق شاعراً وموسيقياً ومتذوقاً فذاً يفيض بالإبداع، وصاحب ذائقة أدبية قل مثيلها.
يوسف برازي الذي اشتهر باسم “بي بهار” ولد عام 1931م في قرية تل جرجية بمنطقة الباب شمال حلب، امتلك مواهب جمة وبرع في الموسيقا والغناء والشعر، واختلط في مسيرة حياته بالعديد من القامات الأدبية والفنية، أمثال كربيت خاجو، محمد عارف جزراوي، عيشه شان، وشعراء كبار كالخالد جكر خوين، وغنى له مطربون ومغنون عباقرة أمثال محمود عزيز شاكر، محمد شيخو وزبير صالح وغيرهم، ولعدم وجود آلية أو مرجعية لتوثيق الأعمال الفنية والموسيقية فإن العشرات من ألحانه سرقت ونسبها العديد من المغنين والفنانين لأنفسهم.
يعيد الكثيرون الفضل في إعادة الأغنية الكردية إلى رونقها ومكانتها ليوسف برازي، بعد أن كانت تعاني هبوطاً وتراجعاً قبل عهد بي بهار، وذلك لما أضافه من ألحان، وما نظمه من قصائد تعد اليوم من أجمل ما نُظِمَ من شعر وأعذب غناء وعمل فني رائع.
شغلته السياسة في بداياته وأخذته بعيداً عن دروب الفن والأدب – نوعاً ما – ذلك أن الفن والأدب في عرف الساسة آنذاك كان أمراً ثانوياً، ينم عن الرفاهية والبذح الاجتماعي، ولكن الهواية والروح العطشة للأدب والفن غلبت ميوله السياسية فعاد إلى عوالم الغناء والموسيقا والأدب ليتمكن من خلالها إيصال رسالته السامية، رغم أنه كان يعاني كالكثير من أقرانه من ضيق ذات اليد، وعانى الكثير إلى أن تمكن من إصدار باكورة أعماله الشعرية بعنوان “الزنزانة Zindan” لتتالى بعدها أعماله الشعرية متنوعة المضمون من وجدانية وعاطفية ووطنية قومية تناولت الإنسان والأرض والحب والجمال بكل مضامينها وتفاصيلها.
الشاعر الرقيق والإنسان قبل كل شيء كان دائم الانشغال بقضايا الفقراء والمساكين وكان صديق البؤساء والمحتاجين ولسان حال المجتمع، لذلك كانت قصائده والأغنيات التي كتبها مفعمة بالحس الإنساني الرقيق وتحمل الكثير من الوجع وبعض الفرح الخجول.
وفي تفاصيل حياته الشخصية فقد انتقل الشاعر يوسف برازي “بي بهار” إلى مدينة منبج عام 1947م، ثم إلى مدينة سري كانيه عام 1956م، وكانت أولى نتاجاته الأدبية قصيدة “حبس أو زندان” عام1943م، وتأثر بالشعراء الكبار أمثال جكر خوين، أوصمان صبري، رشيد كرد وآخرين، واعتقل أكثر من مرة بسبب مواقفة الوطنية الكردية، وحصل على عدة جوائز في مجال الأدب والفن. وللشاعر عدة أعمال مطبوعة ومخطوطات، نذكر منها:
– الديوان الأول Zindan” الزنزانة” صدر عام 1988م – الديوان الثاني “Bang النداء” عام 1997م – الديوان الثالث Raperîn” الانتفاضة” عام 2002م – الديوان الرابع Serxwebûn” الاستقلال” عام 2005م – الديوان الخامس Pêşketin” التقدم” عام 2007 م. الصادر عن مؤسسة سما لنشر الثقافة الكردية. بالإضافة إلى عدة دواوين مخطوطة لم تنشر حتى تاريخ وفاته.
Bêbuhar” بي بهار” أبى إلا أن يودع أحبته وحروفه وقصائده ليترك سري كانيه بلا ربيع كاسمه، وغادرها إلى دار الخلود صباح يوم الخميس؛ الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 2009، ليخلّف لنا وللدنيا كلها أعمالاً تخلده وأغنيات تترددها الألسن وتحفظها القلوب.[1]