حاوره/ غاندي إسكندر
روناهي/ كركي لكي: الشاعر جان إبراهيم ابن مدينة كوباني، مُتيَّمٌ منذ طفولته بمياه الفرات التي نهل منها مراراً، عشق “مشته نور”، وأول ما جادت به قريحته منذ اثنين وثلاثين عاماً هي قصيدة عن ملحمة المقاومة الكردية في قلعة “دم دم”، معظم قصائده تلونت بالواقعية، وسادها طابع الحزن والألم والحنين.
لجان ابراهيم دورٌ بارز في الشعر الكردي الحديث؛ فهو من الشعراء الذين يمتازون بلونٍ شعريٍ خاص، له عدة مجموعات شعرية باللغة الكردية، ومجموعة باللغة العربية قيد الطباعة، وحتى نكون على مقربة منه أجرينا معه اللقاء التالي:
لنفتح شبابيك الذاكرة، متى كان لقاؤك الأول بالشعر؟
إن أبحرنا في الذاكرة سنمر بعدة مراحل ومحطات، وقد نستغرق بعضاً من الوقت في البعض منها، والبعض الآخر قد نمر فيها سريعاً دون المكوث فيها، أحببت اللغة الأدبية منذ طفولتي وكان الشعر يحلق بي إلى عالم غريب؛ عشقت فيه نقاء الروح وجمال التعابير وصدق المشاعر بعيداً عن التصنع والمدح والذم.
وكان يجب أن أجد التعابير التي توصل المتلقي إلى عمق المفهوم، أي الابتعاد عن القراءة السطحية وقراءة ما بين السطور، حينها بدأت أرتب جملاً وأبتعد عن الكلام العادي، لكن كانت جملاً بسيطة ومكثفة كالذي يحمل صرة صغيرة وبداخلها اشياء متنوعه وملونة، ففي عام 1988 كانت تجربتي البكر حينما كتبت أول قصيدة عن قلعة “دم دم” بعد محاولات بسيطة، وكانت انطلاقة ناجحة تخولني أن استمر.
ماهي أهم المحطات الأدبية التي ساهمت في تشكيل هويتك الأدبية؟
بالإضافة للشعر عشقت شقيقات القصيدة وكتبت للمسرح في المناسبات ولكن لم أتعمق كثيراً في المسرح، وحاولت كتابة القصة باللغتين الكردية والعربية وشاركت في عدة مهرجانات للقصة القصيرة، لكن الشعر هو عالمي الواسع، فمن لا يكون ملماً بثقافة واسعة لا يستطيع الغوص في أعماق الشعر، فقصيدة جميلة أفضل من ديوان باهت.
وأعتبر الشعر فضائي الواسع حينما أحلق حراً ومستقلاً دون حدود أو قيود وأرى الدنيا وجمالها، فمن يشعر بجمال الطبيعة وتكاملها يرسم لوحة الحياة من منظوره ومفهومه العميق، فيكون قد استخدم اللغة الأدبية المناسبة لرسم تلك اللوحة، فالرسام يتحكم بالألوان والحركات للتعبير عن موضوع ما، والشاعر أيضاً يرسم تلك اللوحة لكن تختلف الأدوات من الريشة والألوان إلى جمال المفردات والفلسفة والصور الشعرية المفعمة بالرمزية. وضمن تفاصيل الشعر بدأت بالموزون حاملاً مكيال البحور لأكيل كل مقطع أدونه لكنني أصبت باليأس من القيود والقوالب ولا أنكر جمال تنظيم القصيدة الموزونة.
ما هي المواضيع التي ترى أن على الشاعر والمثقف التعاطي معها؟
هنا لا أستطيع تحديد موضوعي الذي سأكتب عنه غداً، فاللحظة هي التي تكون حبلى بحدثٍ ما قد حانت ولادته أو قد يكون موضوعاً خامداً وعندما تختمر الفكرة وتنضج مع الزمان والمكان حينها يبدأ المخاض، قد يطول المخاض دون ولادة وقد تكون الولادة عسيرة بعد جهدٍ، وأحياناً تكون سلسة ويكون المولود روعة في الجمال والتناسق. أما نسجه أدبياً يعود للمخزون الثقافي والتعبيري ليستطيع إيصال ما قد لا يراه غيره كما يراه الشاعر وما قد يُعجز غيره بالوصف، ولكل شاعر أو أديب خصوصية ومدرسة يلتزم بها ولديه أسلوب يميزه عن غيره.
في ظل المآسي والخراب ولغة البندقية هل مازالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب؟
في هذه المحطة بالذات يعتبر الشعر دواء لمرضى الفوضى والحروب التي تحمل في طياتها المآسي والخراب والدمار والتشرد، لأن الشعر والأدب بمجمله قد يخفف من المآسي ومن هموم الاحتقان وكسر القلوب وتشرد الأفكار، والبعض يرى بأن تلك التعابير دواء لجرحه أو لعلته فيقول هذا ما كنت أريد قوله لكنني لا أجيد لغة التعبير، وحضور الأدب كتوأم للبندقية بالنصر، حيث أن الشعر وكافة الفنون الأدبية لها دور فاعل في رفع معنويات البندقية لأنها بدون إرادة قد لا ترتقي للنصر.
كيف تقيم حركة الشعر الكردي اليوم وهل هناك خصوصية يتميز بها الأدب الكردي؟
نحن نعيش نهضة ثقافية وفكرية وأدبية؛ بعد مرور مراحل الانصهار والطمس والإلغاء، في هذه المراحل فقدنا كل شيء لكننا لم نفقد الحياة والأمل ومنها حافظنا على جزء من التراث والأدب والفنون عبر مركب صغير ظل يبحر بنا إلى أن اقترب بنا من بر الأمان، لكن لازلنا محاطون بالمخاطر إلى أن ترسو بنا السفينة على الشاطئ.
وتميز الأدب الكردي منذ القدم بغنى قاموسه المتناسق مع غنى الطبيعة، فاللغة الكردية غنية جداً بمفرداتها، وكان للأدب الكردي تأثير كبير على أدباء فرس وعرب، وإن بحثت في التاريخ الأدبي للفرس ستجد عمالقة الأدب الفارسي من أصول كردية، وكذلك العرب، وهنا سأذكر مثالاً وهو أمير الشعراء العرب أحمد شوقي وهو كردي الأصل، والشيرازي أيضاً من أصول كردية والأسماء كثيرة جداً.
برأيك هل نجح الأدب الكردي في خلق مناخ ثقافي يستجيب للمرحلة الراهنة؟
في المجتمعات المتقدمة الأدباء هم من يقودون المرحلة، لكن لدينا مولود جديد كيف سيقود مجتمعاً أصابه التعب؟ لكننا رغم ذلك فإننا لازلنا نلتمس أدباً وفكراً يقود المجتمع نحو الازدهار.
إننا نملك مقومات من إرث حافظ على أصالته عبر التراث والفن اللذان لعبا كل الأدوار للحفاظ على هذا المخزون الإرثي والأدبي والفني والفكري عبر أناشيد وأغاني تسرد لنا ملاحم وأساطير وقصص بطولات تناقلتها الأجيال عبر المغنين والفنانين إلى يومنا هذا، واليوم أصبحت أمانة في أعناق من يلتزمون بالأدب لإكمال المسيرة.
وما وصلنا إليه اليوم يبشر بمستقبل قد يفوق تصورنا حينما نجد انفتاحاً غير طبيعي على كل الثقافات والحضارات، فالكرد وصلوا إلى جميع المجتمعات عن طريق هجراتهم إلى كل دول العالم وأصبحوا سفراء بلادهم وحضارتهم في بلاد المهجر نقلوا ثقافاتنا إلى العالم وبالعكس فقد جلبوا معهم ثقافات كافة المجتمعات، أي فتحوا نوافذ بيننا وبين جميع المجتمعات وهذا يبشر بانطلاقة لمرحلة جديدة من الأدب.
مجموعتك الشعرية بعنوان (لورين) هل لك أن تحدثنا عنها قليلاً؟
لدي مجموعتان مطبوعتان، الأولى لوري والثانية برافين آسو، وهناك نتاجات لم أطبعها إلى اليوم، كما فقدت مجموعتين حُرِقا عندما هاجم الإرهاب الرقة وكوباني، أما مجموعتي لورين هي عشرة قصائد طويلة، وكانت إهداءً لوالدتي التي ربتني في دفء حضنها وعلمتني حب الإنسانية والحياة ومساعدة الآخرين، أكثر القصائد هي عن مسقط رأسي كوباني حينما هاجمها قطعان الإرهاب وعن ليلة الغدر عندما دخلها الإرهابيون وقطعوا رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وأيضاً على صفحات المجموعة قصيدة عن الفقر بعنوان “هاوارا سقت” أي الصرخة المعاقة وعن الهجرة والوطن وتاريخ الظلم والإبادات التي حصلت.
هل من إصدارات شعرية في المستقبل القريب؟
نعم سأحاول وبجهودي الشخصية؛ لدي مجموعة باللغة العربية وأخرى باللغة الكردية ومجموعة قصصية لكن لم أتلقى المساعدة، وحتى معنوياً، من أي جهة أو مؤسسة أو دار نشر… وإلى ما هنالك من المعنيين بالشأن الأدبي والثقافي، وأنتظر تلك اللحظة التي تساعدني ظروفي لأطبع كتاباً وبنسخ قليلة حسب إمكانياتي وأهديها لأصدقائي وقرائي فقط.
أخيراً كلمة لمحبيك ولمن يتابعك ويقرأ نتاجاتك
هم أعظم شهادة تقدير بالنسبة لي، وأكبر حافز لنتاجاتي، ومنهم أستمد طاقاتي في الاستمرار، وهم يمثلون تلك الروح التي تبث فيّ الحياة، لذا أوجه لهم باقات امتناني وكل الود والتقدير.[1]