اللغة الكردية، ومآلات تدريسها في جنوب غربي كردستان -1
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5520 - #14-05-2017# - 23:09
المحور: القضية الكردية
على خلفية الأعداد المتزايدة من الأطفال الكرد دون العرب في أزقة المدن الكردية، في فترات الدوام المدرسي، وبروز عمالة الطفولة، الذين يتهربون من المدارس، إلى جانب هجرة أو تهجير الشباب، وظروف الحرب، وتصاعد عدم الثقة بمسيرة التدريس في المنطقة الكردية، ومقال لأحد مسؤولي الإدارة الذاتية حول اللغة وطرق تطبيق منهاج التدريس باللغة الكردية، تناولنا الموضوع، آملين إعادة دراستها من قبل الهيئات المختصة والمتخصصين في مجال التعليم، لتقليل الأخطاء، خاصة المصيرية منها، وتصحيح مسار التدريس.
تستند نهضة المجتمعات على التعليم، وطرق التلقين هي الركيزة التي يتربى عليه الطفل، والتعليم هو عملية نقل إلى الطالب لإكسابه بنية ثقافية، وخبرات ومهارات. والثقافة تحصيل من المجتمع وقراءة في بطون الكتب، ووعي بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيره، وهي سلوك وممارسة، لذلك فهي إحدى أهم الركائز التي تستند عليها قيم الشعوب، وتبنى عليها الحضارات، وتطور البشرية.
ولم يكن اعتباطياً، في الفترات المتتالية من نضال الحركة الكردية، ضد سلطات العروبيين، وأخرها البعث وسلطة الأسدين، أن تضع الحقوق الثقافية كأحد أهم المطالب التي ناضلت من أجلها في جنوب غربي كردستان، وكما نعلم أن بعض الأحزاب أدرجتها في أولويات مطالبها، وكما نعلم فإن التدريس باللغة الكردية في المؤسسات التعليمية كانت من أولويات المطالب الثقافية.
وبسبب الظروف الموضوعية والذاتية، وقوانين السلطات الاستبدادية، ومن ضمنها محاربة الكرد كشعب وقضية من خلال الحصار على لغتهم، لم تتطور اللغة الكردية قراءة وكتابة وظلت في حالة شبه ضياع، وتخللتها العديد من المصطلحات والكلمات الأدبية العربية، وبلغت أعماق لغة المحادثة ذاتها، فأصبح حديث معظمنا مشوهاً، وتفاقمت هذه عندما كنا كطلاب ننتقل من القرى إلى مدارس المدن، وتعمقت وتوسعت في مرحلة الجامعة. وللأسف المحاولات الفردية المتناثرة (رغم الجهود القيمة، وضعف الإمكانيات، وانحصارها في القدرات الفردية، أو الجمعية الضيقة) لم تكن كافية لتنميتها كلغة للكتابة والتدريس على مستوى الشعب، والحد من تلوثها، والخلل الذي تصاعد إلى حدود غير مقبولة، وتلك المحاولات كانت بعيدة جداً عن سوية إيصالها إلى لغة مدرسية أكاديمية، وبديلة عن لغة المحتل المفروضة علينا.
ولا شك، ومن حيث الحيز القومي العام، وبعد عقود من التدمير الثقافي، بشكل عام واللغوي بشكل خاص، تتبين بأن ما تقوم به الإدارة الذاتية، المتشكلة في جنوب غربي كردستان، مسيرة مصيرية إيجابية لإزالة آثار الماضي السلبي، وتعمل على رسمنة اللغة الكردية، وتحاول تحقيق المطلب إلى حد ما، ورفع سويتها إلى درجة التطبيق ليست فقط في مجال التعليم والثقافة، بل محاولة جعلها اللغة الرئيسة في الدستور ضمن المنطقة الكردية، والثانية في سوريا، مثلما تفعله في البعد السياسي أيضا، وذلك بإعلانها النظام الفيدرالي، وإن كانت تحت مسميات غريبة وأحيانا شاذة، خالقة بأساليبها خلاف واسع بين أطراف الحركة الكردية، لا تقل حدة عن المتفاقمة بين الكرد والقوى الإقليمية. لكنها ورغم الإيجابيات، تتناسى قضايا مصيرية، ولا تدرس مآلات التعليم بالطرق الجارية، والسلبيات المرافقة التي قد تؤدي إلى تخريج أجيال شبه جاهلة ثقافياً، فيما إذا لم يتم تداركها بأسرع وقت ممكن، ولا تدرس الاحتمالات التي ستواجهها الفيدرالية القادمة، والتي على أسسها ستبنى مستقبل غربي كردستان والأجيال القادمة:
1- الإدارة الذاتية، أو الفيدرالية المعلنة، لا تزال غير معترفة بها سورياً وإقليميا ودولياً، ولا تعني هذا انتظار السلطة المركزية إلى أن يتكرم ويعطي ما يجدونه مناسباً، بل يجب دراسة هذه الحقيقة السياسية والتي تعكس وستعكس بسلبياتها وإيجابياتها على عملية التدريس، وحتى في حالة الاعتراف بها مستقبلاً كمنطقة كردية فيدرالية، فتدريس اللغة الكردية وإيصالها إلى سوية الاعتراف، والقبول بها في الأوساط التعليمية العالمية، تحتاج إلى مرحلة زمنية طويلة، قبل جعلها اللغة الكلية في التدريس، فبلوغ هذه المرحلة تحددها الإمكانيات ومدى التركيز عليه، وعليه يجب التركيز للحصول على الاعتراف بها من قبل الهيئات التعليمية والثقافية الدولية، وإرفاق لغة أخرى عالمية في التدريس مع اللغة الكردية، وفي العالم أمثلة عديدة على مثل هذه التجربة وناجحة جداً، وخاصة أن معظم المدرسين الذين كانوا يدرسون باللغة العربية الآن متقاعدون ويحصلون على رواتبهم ويطمحون في المشاركة والعودة إلى العمل.
2- عدم التناسي، أن اللغة الكردية ليست لديها الإمكانيات الأكاديمية على مستوى الجامعات بل وحتى على الثانوية، وخاصة بالحروف اللاتينية، والمكتبة الكردية من حيث المراجع فقيرة جداً، وهذه ستؤدي إلى تخريج جيل ولربما أجيال قبل أن يبلغوا السويات المقبولة ثقافياً، وأن أعداء الكرد وحدهم سيستفيدون من تخريج جيل أو ربما أجيال كردية غير متعلمة وغير مثقفة، أو لا تحمل الشهادات الأكاديمية، وليست لديها تراكمات معرفية، وهذه بحد ذاتها ستؤثر على مستقبل المنطقة والمجتمع.
3- لا بد من الانتباه أن الضرورات تبيح المحظورات، فليس حبا بلغة الأعداء، لكن الواقع يفرض ذاته على أجيال من الطلاب، في دراسة لغة العدو إلى أن تبلغ لغتنا المرحلة التي يمكن أن تستطيع أن تكون الرئيسة في المراكز الحكومية والتعليمية وفي المعاملات السياسية والاقتصادية والتجارية الإقليمية والدولية، فكل قسم من هذه الأقسام لها مصطلحاتها ولغاتها، وعلينا ألا نخدع ذاتنا، أن اللغة الكردية لا تزال دون سوية التعامل، لذلك سنعود إلى تكرار البند الأول، إشراك لغة العدو مع اللغة الكردية، أو أية لغة عالمية، وبما أن اللغة العربية هي الفارضة ذاتها، أردنا أم لا فهي التي يجب أن تدرس حاليا مع الكردية.
4- تدريس اللغة الكردية في شكلها القومي من صلب مطالب الشعب، لا خلاف عليه، لكن جعلها الرئيسة والوحيدة في المراحل الأولى، وبدون تمهيد، واعتراف رسمي دولي، فيها من الخطورة على عدة محاور، كعدم قبول طلابنا مستقبلاً، حملة شهادات باللغة الكردية، في الجامعات أو الأكاديميات العالمية، وهي وحكوماتها غير معترفة بها رسميا، فلا بد من دراسة هذا الحيز في إيجابياته وسلبياته.
5- ما ذكر في طرف، حيث التدريس بالأساليب الجارية، والبحث في جزئياتها، في طرف آخر، تبرز العديد من الأخطاء الفادحة، والتناقضات الغريبة، بين الغاية ومسالك التطبيق، تعكسها اليوم الشارع الكردي، ويتحدث فيها وعنها المدرسون(ات) الكرد، وما يعانونه ويعانيه الطلاب. فكان لا بد من الاستماع إليهم والأخذ بأراءهم، وأراء أغلبية أهالي الطلاب، وهم يتحدثون عن تفاقم الخلافات بين المجتمع.
فالمسيرة الجارية، والتي ستؤدي إلى تخريج جيل ولربما أجيال، يملكون فتات من لغتهم القومية، والتي تحتاج عملية التعليم والترجمة، وتكوين الكتب، وتهيئة المدرسين، وغيرها، إلى سنوات لإيصالها إلى سوية التخرج من الثانوية، ولربما عقد من العمل الدؤوب لتبلغ المراحل الجامعية، في الوقت الذي كان فيه طلاب الكرد، وجيلنا منهم، يحملون لغتين أو ثلاث على أقل تقدير، وكل لغة حيز ثقافي بحد ذاته، وللأسف نوعية التعليم المتبع، ستؤدي إلى ظهور تشوهات في المجال الثقافي عند الجيل الحاضر ولربما الأجيال القادمة، وتتبين وكأن الجاري وبهذه السذاجة، عملية شبه مقصودة تقف ورائها قوى معادية (ونقصد هنا الأساليب وطرق التدريس وليس تحقيق الحلم) ولا يستبعد أن الإهمال المتقصد وعدم تدارك الإدارة الذاتية لمجريات الأحداث، وتغاضيها عنها تسهل للأخطاء بأن تتفاقم، فالتناقض بين الاعتراف بها إعلاميا والعمل على تفاديها دون أن تظهر خطوات جدية للحد منها، كعزل المدرسين الكرد على الأقل من ممارسة التعليم، وخاصة في القرى الكردية، ستخلق مشاكل كبيرة قد تكون كارثية للشعب الكردي في المنطقة.
فبقدر ما يهمنا حالياً، عملية تطبيق اللغة الكردية، وتدريسها، ومن ينخر فيها وبتخطيط وبهذه الطرق (وللحد من تجاوزاته على قدر الإمكانيات، ولا شك قدرات شعبنا الكردي كبيرة، حتى في مجال التعليم، فيما لو اتفقنا على بعض النقاط التي لا خلاف عليه بيننا) يهمنا الانتباه إلى أساليب التدريس بحد ذاته، دون التأثر بالبعد العاطفي القومي، ومعرفة سلبياته، وكم هي ناجحة أو فاشلة، لقادمنا، شعباً وجغرافية، وتاريخا، والعمل معا لتفادي الأخطاء المصيرية، وإنقاذ الأجيال القادمة من كارثة.
وعلى الإدارة الذاتية والأحزاب القائمة عليها والأطراف المعارضة لها أن تقتنع، أنه بدون العمل المشترك، نسبة النجاح في أية قضية، وخاصة في مجال اللغة، بكل إشكالياتها، من التدريس إلى تطويرها أكاديميا، إلى الحيز السياسي، ستكون هزيلة، إن لم تكن معدمة.
لسنا هنا بصدد عرض نظريات اللغة، أو نظرية حديثة، كما تفضل بها أحد مسؤولي الإدارة الذاتية، في مقالة حديثة له، رغم المقدمة القيمة والطويلة مقارنة بصلب الموضوع والذي لم يتجاوز مقطعاً يتيماً في نهاية المقال، وعلى الأغلب له منها مقاصد دعائية وهجومية مبطنة أكثر ما تكون دعماً للمسيرة الثقافية، فما كتب فيها، وخاصة في المقطع الرئيس فيه، لم تتجاوز سطحية الرؤية، والتباهي بعملية التدريس الجاري، وفيها من الأخطاء ما لا يحمد عقباه، ورغم تعرضه للمحاور الفكرية، والمفاهيم، على قدر سطور مقاله، لكن من خلالها تم التحايل والتعتيم على الأخطاء، إن كان مقصودا فهي جريمة، وإن كانت عن غاية فهي كارثة والجريمة مضاعفة. ومثلها الخلط بين الأممية واللغة كهوية حديثة العهد، خرج الطرح أعرجاً وأعوجاً، إن لم يكن عاجزاً عن السير، أو سيكون عاجزاً في المستقبل القريب، وسيدفع ثمنها أجيال قادمة، بعد أن بدأها بسلاسة منطقية حول ما عانته وتعانيه اللغة الكردية في جنوب غربي كردستان. فكان الأولى به اختتام مقاله، وكمسؤول في الإدارة الذاتية، دعوة الشريحة الاختصاصية للبحث في القضية القومية والوطنية هذه، لدراسة سلبياتها وإيجابياتها، وتطويرها وتنميتها، لكنه وللأسف عرض مصطلحات متناقضة مع تنمية اللغة الكردية كهوية قومية، وحيث البعد التدريسي، المجال أو القطاع الذي يعد من أحد أهم المعضلات الدائمة الحضور في العالم الحضاري، يبنون عليها آفاق تطور مجتمعاتهم ومستقبل دولهم. ومن الغريب أن صاحب المقال وحسب السؤال عنه لا خلفية له في المجال التدريسي، ولا في الحيز الثقافي، ولا في نظريات اللغة، وهذه ليست بناقصة، ومقاله لا خلاف على سرديتها، لكن أكثر ما يؤمل منه ترك المجال للمختصين بالبحث في هذه القضية المصيرية، وتقديم الدعم لهم، كمسؤول إداري، وعدم الخلط بين الإيديولوجية والتدريس، وتطوير التعليم بلغة شعب...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]