إعادة تشكيل الشرق الأوسط، بداية الحسم من إيران والأنظار تتجه نحو تركيا
دور المثقفين وواجباتهم تجاه ثورة روج آفا
محمد صالح حبو
في تطور عسكري غير مسبوق، شنت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، هجومًا مركّزًا استهدف البنية التحتية النووية الإيرانية، بما في ذلك منشآت نطنز، فوردو، وأصفهان. جاء الهجوم عبر قصف دقيق باستخدام قذائف خارقة للتحصينات، نتج عنه تدمير شبه كامل للمفاعلات النووية المستهدفة.
التوقيت والدلالة السياسية
التدخل الأمريكي جاء في سياق متصاعد من التوتر، لكنه هذه المرة اتخذ منحًى استراتيجيًا حاسمًا. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يزال يُعدّ مرجعًا لتيار سياسي وازن، صرّح عقب العملية:
“الآن هو وقت السلام. على إيران أن تقبل بالسلام الكامل وتوقف نهجها العدائي وشعاراتها المعادية مثل ‘الموت لأمريكا’. الرد الإيراني إن حدث، لدينا بنك أهداف جاهز سيكون أقسى وأوسع”.
هذا التصريح لم يكن موجهًا لإيران فقط، بل كان رسالة للمنطقة والعالم مفادها أن استراتيجية إعادة تشكيل الشرق الأوسط دخلت مرحلة التنفيذ العملي، وأن القوة ستُستخدم كوسيلة لتعديل موازين القوى.
إيران خارج المعادلة النووية [وماذا بعد]
مع تحييد القدرة النووية الإيرانية، يبدو أن الخطوة التالية، وفق العديد من المحللين العسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، ستتجه نحو تركيا. فأنقرة، التي تلعب دورًا إقليميًا متناميًا يتقاطع مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية في سوريا، ليبيا، وشرق المتوسط، باتت في دائرة الاهتمام.
الخطة لا تتعلق بإشعال الحروب بل بإعادة ضبط التوازنات عبر “تفكيك مراكز النفوذ غير المنضبطة” وإعادة دمجها في بنية إقليمية جديدة تُدار بمعايير مختلفة. الدور التركي المقبل سيتحدد بناءً على موقف أنقرة من هذا المسار الجديد.
خطة التغيير الشامل [الشرق الأوسط الجديد]
الشرق الأوسط الذي يُرسم الآن لا يشبه الماضي. التغيير لا يتم فقط عبر الاتفاقيات السياسية أو التطبيع، بل يُفرض بالقوة عندما تستلزم المصالح ذلك. السيناريوهات تشير إلى:
إضعاف أو تفكيك المحاور المعادية للمصالح الأمريكية-الإسرائيلية (إيران أولًا، تركيا لاحقًا إذا لزم الأمر).
إعادة توزيع الأدوار الإقليمية بين دول الخليج، إسرائيل، ومصر، لتشكيل محور اعتدال دائم.
تكثيف أدوات التأثير غير العسكري من خلال العقوبات الاقتصادية، دعم المعارضة الداخلية، ووسائل الضغط السياسي والإعلامي.
خاتمة لحظة إعادة التأسيس
ما يحدث ليس مجرد ضربة عسكرية، بل بداية لعصر جديد. إيران، بمشروعها النووي، تمثل المرحلة الأولى من استراتيجية تتجاوز الردع إلى “إعادة التأسيس”. الشرق الأوسط كما نعرفه يمر بعملية جراحية سياسية وعسكرية وأمنية، الهدف منها خلق بيئة مستقرة وآمنة تخدم المصالح الغربية والإسرائيلية لعقود مقبلة.
والسؤال الذي يُطرح اليوم في دوائر القرار
هل ستتأقلم الدول مع النظام الإقليمي الجديد، أم ستُجبر على ذلك بالقوة؟
بشرى سارة لشعوب ومكونات الشرق الأوسط “عهد جديد من الحقوق والعدالة”
مع بدء المرحلة الفعلية من إعادة تشكيل الشرق الأوسط عقب الضربة الأمريكية-الإسرائيلية لمنشآت إيران النووية، تلوح في الأفق فرصة تاريخية لكافة مكونات المنطقة، من عرب، وأكراد، وتركمان، وسريان، وشيعة، وسنة، ومسيحيين، وغيرهم، لبناء نظام إقليمي يضمن الحقوق المشروعة، والمساواة، والعدالة الديمقراطية، والاستقرار بعد عقود من الإقصاء والصراع.
وفي هذا السياق، تأتي بشرى خاصة للشعب الكردي، لا سيما في كردستان إيران، حيث بدأت المكونات الكردية هناك ترى في هذا التغيير طريقًا مشابهًا لما تحقق في روج آفا بسوريا. فالفرصة التاريخية باتت متاحة، وفق المعادلات الجيوسياسية الجديدة، لتمكين الأكراد من ممارسة حقوقهم السياسية والثقافية والإدارية.
ومع انتقال مسار التغيير لاحقًا إلى تركيا، تشير التحليلات إلى أن كردستان الشمالية (جنوب شرق تركيا) ستكون محطة رئيسية ضمن هذه الرؤية الجديدة، وهو ما بدأت تستشعره القيادة التركية التي تُظهر توترًا ملحوظًا خشية أن تمتد رياح التغيير إلى داخل حدودها.
إنها لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة، تفتح الباب أمام بناء شرق أوسط جديد، أكثر عدالة واعترافًا بالتنوع، حيث لا يُقصى أحد، ولا تُسحق هوية.
[1]