هيفيدار خالد
منذ نحو شهرٍ والعالم يتحدّث عن #جينا أميني#، الفتاة الشابة الكردية المنحدرة من مدينة سقز في روجهلات (#شرق كردستان#)، البالغة من العمر 22 عاماً، والتي قُتلت وهي ما تزال في ريعان شبابها في طهران، على يد السلطات الأمنية بحجة أنها لم تلتزم بقواعد الحجاب التي تفرضها إيران على النساء هناك، حيث أوقد مقتلها شرارةَ احتجاجاتٍ شعبية كبيرة، عمّت عشرات المدن الكردية والإيرانية في كافة أنحاء البلاد، بمشاركة مختلف مكونات الشعب الإيراني من الأذر والكرد والعرب والبلوش الذين هتفوا معاً وبصوتٍ واحد في وجه سياسات النظام وممارساته jin jiyan azdaî أي المرأة، الحياة، الحرية.
يوماً تلو الآخر تتّسع رقعة الاحتجاجات التي أشعلتها جينا وتقودها المرأة الكردية والإيرانية بمشاركة جميع فئات المجتمع، من المعلمين والطلاب والعاملين وعمال النفط الذين يلعبون دوراً مهماً في الاقتصاد الإيراني المتهالك أساساً، والعديد من المهن الأخرى، مرددين معاً وبكافة اللغات الموجودة في إيرانjin jiyan azdaî ، المرأة، الحياة، الحرية، والموت للديكتاتور في إشارةٍ إلى المرشد علي خامنئي.
المرأة، الحياة، الحرية الشعار الذي اجتاز الحدود واخترق قارات العالم وصدحت به حناجر آلاف النساء في روجهلات وإيران، وسُمع صداه في شتى بقاع العالم، خلال الاحتجاجات الشعبية التي خلقت ثورة نسوية حقيقية أصبحت حلقة الوصل والجسر الذي ربط بين النساء، ووحّد صفوفهن.
مثقفون وفنانون وشخصيات نسائية مؤثّرة ومدافعون عن حقوق الإنسان في كردستان وتركيا وسوريا وباقي دول العالم، كألمانيا وفرنسا وبولندا ودول أميركا اللاتينية، أدانوا واستنكروا جريمة قتل جينا بشدة، حيث خرجوا إلى الميادين والساحات، معبّرين عن سخطهم لما تعرضت له الشابة الكردية، ورفضهم لسياسات وممارسات النظام الإيراني، كما أقدمت الكثير من المشاركات على قصّ شعورهن في رسالةٍ واضحةٍ للمتربصين بنضال المرأة الذين يتخذون من قتلها وإبادتها نهجاً للقضاء على نضالها الحر.
والمشهد الأكثر تألقاً في هذه الاحتجاجات والذي يبعث في المرء الطاقة إثر مشاهدته عن كثب، هو أنه وعلى الرغم من تباعد المسافات الجغرافية وعدم اتصالها ما بين أولئك النساء، واختلاف المفاهيم والأفكار والألوان، واللغات والثقافات والأديان والهويات، والأوطان، فإنهن تضامنَّ بشكلٍ مهيب وبمشهد استثنائي، مع جينا أميني، وعبّرن عن دعمهنَّ الكامل لقضيتها وثورتها القائمة بسواعد النساء، وأطلقن مناشدات لمحاسبة مرتكبي تلك الجريمة.
احتجاجات غلب عليها الطابع النسوي بشكل واضح، ما بعث فيها روح المقاومة وألهم النساء في جميع أنحاء العالم، أن نضال المرأة ومقاومتها في وجه آلة القمع هو الرد القاطع على الانتهاكات التي يتعرضن لها في تلك الاحتجاجات التي يحاول النظام الإيراني قمعها وإخمادها بشتى الوسائل.
قضية جينا أميني وجريمة قتلها، ليست محصورةً فقط بفرض نظام الحجاب أو تحجيب المرأة أو أن الأمر متعلق باللباس، أو ظهور خصلةٍ من شعرها من تحت رداء الرأس أثناء توجهها إلى طهران، بل القضية تكمن في أنّ النظام الإيراني، نظام عقائدي مُعادٍ للمرأة ونضالها، معادٍ لمبادئ الحرية وأسس الديمقراطية، ويُعتبر الأكثر اضطهاداً للمرأة في المنطقة، من خلال حرمانها من أبسط حقوقها، فهو يقمع النساء بوحشيةٍ ويسيء معاملتهن، كما أنه يعد نظاماً عسكرياً مناهضاً للحياة الديمقراطية والأخلاقية والإنسانية والمجتمعية، لذا فاليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، هناك حاجةٌ ماسّةٌ للتصدي لهذا النظام، ولقواعده الصارمة التي يفرضها بقوة على النساء، وذلك بهدف إرساء نظام ديمقراطيٍّ يتضمن جميع المكونات المتعايشة في إيران، ومن أجل حقوق المرأة في الحرية والحياة والعيش بأمنٍ وسلامٍ وكرامة، ومشاركتها في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ضغوط الحجاب الإجباري تعرضت لها النساء في إيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، حيث أُعدمت العديد منهن بتهم واهية منذ استلام علي خامنئي السلطة، وما زالت مئات معتقلات في السجون، يتعرضن لشتى الممارسات اللاإنسانية والانتهاكات ويعانين ظروفاً صعبة، واليوم يقاومن ضد هيمنة السلطة الذكورية التي قمعت الشعب لمدة 43 عاماً بسياساتها الرجعية التي ترسّخت على مفاهيم الكراهية والحقد تجاه النساء، وتدخلت بكل شاردةٍ وواردة في حياتهن، وجينا أميني إحدى هؤلاء النساء اللواتي قُتلن على يد هذا النظام، بيد أن خصلة شعرها أصبحت رمزاً وراية للمقاومة والوقوف بوجه المؤامرات التي تحاك ضد النساء عامة.
ربما لأول مرة في التاريخ الإيراني، تقود النساء حركة احتجاجية بهذا الحجم من أجل حقوقها، حيث إنها أخذت حيزاً كبيراً وواسعاً في الأيام الأخيرة، ومن خلال الشعارات التي تُردَّد في الساحات، نجد أن أولوية المجتمع لم تعد هي القضايا الاقتصادية التي طالما صدحت الحناجر بحلها وغيرها الكثير، بل الأولوية اليوم تحقيق حياة حرة، رائداتها النساء اللواتي يؤكدن أنه من الضروري تغيير النظام الذي خلق كل هذا القهر والاضطهاد للشعب، ذلك من خلال هذه الثورة التي آن لها أن تمتد إلى عموم الشرق الأوسط وتصبح نموذجاً يُحتذى به في الدول الأخرى، لأن جميع شعوب هذه المنطقة يعانون من قوانين غير متكافئة وخاصة بحق المرأة.
نعم وحدة النساء ورصُّ صفوفهنَّ يتطلّب تكاتفاً قوياً وحقيقياً، وعلى كافة الصّعُد، لمواجهة كافة الممارسات اللاأخلاقية، التي تستهدفهن، وآلة القمع الهمجية التي ترى في النساء الحلقةَ الأضعفَ لصب جام غضبها عليهنّ، متى سنحت الفرصة لها، خاصة أن التطورات التي تشهدها إيران اليوم تهمُّ جميع النساء، في ظل العيش في عالم تتصاعد فيه الفاشية التي سببتها أزمة الحداثة الرأسمالية في جميع أنحاء العالم، لذا من الضروري بقاء النساء في الساحات والميادين لحماية حقوقهن وحياتهن، ووضع حد للحركات المناهضة لتحرر المرأة والمجازر التي تطال النساء في أنحاء العالم في الوقت الراهن.
وبعد هذه الثورة العارمة التي اجتاح صداها العالم كله، نجد أن النظام الإيراني يحاول من خلال تصريحاته عبر وسائل إعلامه، إظهار هذه الاحتجاجات على أنها أعمال شغب ومن تدبير الأعداء وأنها مؤامرة ضده، إلا أن روح المقاومة التي أبدتها النساء في الاحتجاجات والتضامن العالمي الواسع معها، فنّد مزاعم النظام التي لا تمت إلى الواقع بصلة.
على الجميع معرفة حقيقةٍ واحدةٍ فقط بأنّ عصر الأنظمة الاستبدادية قد ولّى، وأن المجتمع باقٍ بديناميكيتها البنيوية الأساسية، بأخلاقه وخصاله الأصيلة، التي لا يمكن للإنسان التخلي عنها بسهولة، وليرددوا معاً بصوتٍ واحدٍ مرةً أخرى في وجه آلة القمع، الشعار المشترك المرأة، الحياة، الحرية jin jiyan azdaî الذي يعبّر في مضمونه عن رفض جوهري وعميق لسياسات النظام ضد المرأة، لكيلا تبقى امرأةٌ واحدةٌ خارج إطار التنظيم، ولتصبح ثورةُ جينا أميني ثورةَ النساء في العالم، ليس في إيران فقط، وليصبح القرن الحادي والعشرين قرن حرية المرأة، ولتنبض قلوب جميع النساء هذه المرة عبقاً بروح جينا التي تركت أثراً كبيراً على الرأي العام العالمي وأصبحت صوت المرأة الكردية المقاومة التي لم ولن تستسلم بل اتخذت منها نهجاً حقيقياً لمسيرة نضالها.
ANHA
[1]