#دياري صالح مجيد#
اعتدت على متابعة العدد الشهري من مجلة العربي التي ننتظر قدومها الى بغداد في كل مرة بشغف يفوق سابقه , لأيماننا بنُبل الرسالة التي تحملها هذه المجلة العريقة التي كانت تصدر منذ عام 1958 ولاعتمادها الوسطية في الطرح والرغبة في اعادة تفسير الاحداث برؤية منطقية هادئة , وهو ما نتمنى استمراره وتطوره نحو الافضل في المستقبل .
في احدى اعداد العربي لهذا العام كانت هذه المجلة تحط رحالها في القدس التي اختيرت عاصمة للثقافة العربية . فكتبت اقلام المبدعين من كل لون وريشة لتصور لنا حجم المعاناة التي مرت بها هذه المدينة عبر تاريخها الطويل الممتلئ بالصراع والوحشية والمضرج بالدم والالة العسكرية التي خطت الملامح الحزينة لتاريخ هذه المدينة بدبابات وصواريخ المتصارعين .
اثارت فيَ تلك المقالات احساساً مليئاً بالالم لما عاناه الفلسطينيون من عملية تهجير مذلة من مدن كانت ولا تزال , على الرغم من كل ما قامت به الايادي الاثمة من محاولات لطمس الهوية , تثبت وجودهم واستدامة جذورهم التي ما زالت بعد لم تنقطع عن ثرى التراب الذي انبت الكثير من محبي السلام وكارهي العنف لغةً للتفاهم بين البشر . جاء في احدى تلك المقالات ما يلي ((القدس المدينة والوجود .... الرمز والحلم ... الاعلان الالهي بالارض المقدسة المبارك جنباتها... القدس الوجه الاخر , معاناة اهلها منذ نيف وستين عاما من الاحتلال والحصار والقهر الصهيوني وممارساته البشعة ... القدس المدينة المحتلة ... مرارة الطرد والاقتلاع ومصادرة الاراضي ... )) .
ربما لن تجد مثل هذه الكلمات دلالة لها في نفس اي عربي مهما كانت دماء الغيرة العروبية تتدفق في رأسه المليء بمشاعر التعاطف مع المقدسيين لانهم عرب , بقدر ما تجد لها دلالة في انفس الكرد الفيلية , لان من ذاق المصيبة يعرف عمق اثرها على الاخرين اذا ما عاشوها في يوم من الايام .
وبما ان الكرد الفيلية عاشوا مرارة التهجير القسري , فانهم كانوا دوما متحمسين للتعاطف مع المظلومين في القدس بالرغم من الاختلاف العرقي والمذهبي , لكن تضامنهم هذا الذي يسمو على كل الوان النفاق السياسي تقف وراءه ذكريات التهجير المريرة التي لم يخبر حجم معاناتها اي مواطن في العالم العربي , مما يجعل الضحايا وان اختلفت الوانهم واجناسهم في الهم والعذاب سواء .
تعرض فلسيطينيو القدس الى التهجير على ايدي عصابات الاجرام التي صادرت اموالهم واراضيهم وانتهكت اعراضهم , وهو امر لم ترف له ضمائر العروبيين الا بشكل ظاهري . كذلك ذات الصفحة المظلمة اُلحقت بتاريخ الكرد الفيلية في العراق حين مارست معهم عصابات الانحراف والجريمة ذات الدور وذات الاستهتار فكانت عمليات التهجير القسري والاستبعاد وراء حدود الحياة الى المجهول الذي لم نتوصل بعد الى معرفة حدوده التي رسمها اولئك الطغاة لابناء الفيلية البررة المتألقين دوما بحبهم للحياة والابداع . كذلك الالم ذاته مع مرارة الاغتصاب للاراضي وللاسف للعرض امام اعين اصحاب القضية والارض ببشاعة فاقت كل التصورات المرعبة التي يستطيع المرء استحضارها من واقع القرن العشرين في المنطقة العربية على وجه الدقة والتحديد .
لكن اللافت للنظر ان المقدسيين الاعزاء قد لاقوا ما لاقوه من قبل فئة مختلفة عنهم دينا وانتسابا وكان ذلك كله يجري في صراع واضح المعالم تحكمه ارادة الشعور بالغرابة من الاخر والتي كانت الاساس لكل الفضاعات التي اُرتكبت بحق اولئك المقدسيين , الا ان ما جرى بحق الكرد الفيلية جرى من قبل حكومة يفترض انها اسلامية وان لم تكن تؤمن بالاسلام شرعة في نهجها السياسي , كما انه جاء ازاء مسلمين وان كانوا مختلفين مع مذهب راس النظام الحكام , الا ان كلا الطرفين اللذين باشرا فعل الاجرام البشع بحق ابرياء القدس والفيلية كانا يحملان ذات الفكر العقيم في اقصاء الاخر املا في طمس معالم وجوده ومحو اثاره من ذاكرة التاريخ , دون ان يعلم اولئك بان التاريخ عادة ما يخلد ذكرى الشعوب التي لا تلين عريكتها لفعل الاستبداد وتناضل من اجل ايصال مظلوميتها الى ابعد مجالات الافاق الانسانية الرحبة محاولة نفي عامل الغرابة في التعامل مع الاخر من منطلق كونه انسانا ليس الا , ليسجل المنسحقون تحت الة القوة السلطوية المتطرفة اروع قصص الانتصارات الحقيقية وليست تلك الزائفة التي تمتلئ بها كتب التاريخ التي مجدت اناساً ما كان لهم ان يكونو ابطالاً الا في نظر الحاشية المحيطة بهم فقط.
لقد استوعب الفيلية الدرس القاسي وتعاطفوا مع المقدسيين فهل من تعاطف من اولئك مع مصائب الكورد الفيلية و ما لاقوه من الالام في الداخل والخارج ؟ امر لا نعرف له اجابة بعد على الرغم من ايماننا بان من بين المقدسيين من لو اطلع على مأساة الفيليين لقال متوهما بان الفيلية قد اختلقوا تلك الاسطورة لا لشيء الا للتشبه بالمقدسيين , ثم الا يحق لنا ان نتساءل لماذا كل هذا التعاطف مع تلك القضية (( وهو امر يستحق التعاطف )) دون يكون هنالك ادنى شكل من اشكال التعاطف العربي وبالذات منه الرسمي مع قضية الكرد الفيلية ؟ ام ان الجرائم التي تُرتكب من قبل الصهاينة بحق الفلسطينين لا بد من الثورة عليها , في مقابل الصمت ازاء الجرائم التي ترتكبها الحكومات العربية الاسلاموية بحق الاقليات غير العربية بل والتبرير لتلك الجرائم لانها تُرتكب من قبل من يُنظر له على انه ظل الله في الارض ؟ واذا ما يطالب البعض بحق العودة للاخوة الفلسطينين وهو حق مشروع لهم , لماذا نجد ذات الصوت قد سكت ولا زال يسكت وهو مملوء بالانفة والكبرياء ازاء حق الفيلية في العودة وهو حق لا زال البعض ينكره عليهم في مدن لا تزال هي الاخرى تحمل وجه الحقيقة المقدسية لكن في اطار عراقي بحت اذ لا تزال جذور الفيلية منغرسة بعمق في تاريخ تلك المدن التي تؤشر شوارعها وبناياتها بل وتسمياتها على عمق التواجد الفيلي فيها وخير دليل على ذلك الحقيقة التي تشير الى تسمية شارع الاكراد في العديد من النطاقات الجغرافية الواقعة خارج اقليم كردستان , فما اشبه المصائب على الرغم من اختلاف المكان والشخوص والمعطيات !!.[1]