$عفرين تحت الاحتلال (181) – خاص: أربعة أعوامٍ من العدوان والاحتلال… انتهاكات وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتغيير ديموغرافي شامل$
إنّ المتابع لأوضاع منطقة عفرين الكردية – السورية منذ أربعة أعوام يُدرك جيداً الأهداف التي ابتغتها تركيا من عدوانها عليها في 20-01-2018م باستخدام مختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية وتجنيد حوالي /20/ ألف مرتزق من الميليشيات المرتبطة بالائتلاف السوري- الإخواني المعارض، واحتلالها فعلياً منذ 18-03-2018م، تحت حجج وفتاوى مفضوحة المرامي، بغية ضرب وجود ودور الكُرد في سوريا وقطع الطريق أمامهم للوصول إلى حقوقهم القومية المشروعة وإشعال الفتنة بينهم وبين العرب والمكونات السورية الأخرى.
تحوّلت عفرين إلى منطقةٍ غير آمنة، بسبب الفوضى والفلتان وصناعة وتجارة المخدرات والفساد العام والانتهاكات والجرائم والتغيير الديمغرافي الممنهج الذي طال الكُرد – سكانها الأصليين؛ بعد أن كانت آمنةً ومستقرةً نسبياً خلال ست سنوات في ظل الإدارة الذاتية السابقة وتشهد تطوراً طبيعياً في مختلف المجالات.
جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية اقترفت بحق البشر والشجر والحجر في المنطقة، والتي تُعدُّ انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، بينما المجتمع الدولي صامتٌ حيالها.
نذكر منها ما يلي:
– القتل العمد ومجازر وهجمات ضد المدنيين: اُرتكبت مجازر جماعية (مدجنة روباريا، معبطلي، كوبليه، باسوطة، هيكجيه، مشفى آفرين، بربنه، جنديرس، فريرية، حي المحمودية، يلانقوز…) واُستهدفت قوافل المدنيين أثناء الهجوم على عفرين، حيث وصلت أعداد ضحايا الغزو إلى ما يقارب /300/ شهيد مدني، بينهم عشرات الأطفال والنساء، وأكثر من /1000/ جريح مدني، عدا شهداء وجرحى وحدات حماية الشعب والمرأة YPG-YPJ وقوات الأسايش والمتطوعين للدفاع عن المنطقة، بينما وقع حوالي /200/ مدنياً ضحايا شهداء – الذين تمكنّا من توثيقهم، بسبب عمليات السطو المسلح والتعذيب وانفجار سيارات وألغام والتصفية الجسدية أثناء الخطف والإعدام وغيره منذ 18 آذار2018 لغاية اليوم، عدا حالات الوفاة قهراً بسبب الاضطهاد والتعديات أو بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي فرضها الاحتلال بمختلف تجلياته.
– الاستعباد وإفقار المدنيين: إن سلطات الاحتلال عمدت ولا تزال إلى إحداث شلل عام في جميع مناحي الحياة وسدّ أبواب العمل أمام أهالي عفرين، إضافةً إلى مصادرة ونهب ممتلكاتهم وأموالهم ومواردهم وسلب مواسمهم “زيتون، حبوب، فاكهة، سماق، ورق عنب…” وتبديد ثروتهم الحيوانية (المواشي والدواجن) بما يعادل /20/ مليون دولار في العام الأول، عدا خسائر أنواع الحيوانات الأخرى (أحصنة، بغال، حمير، مناحل العسل)، وعدا توقف المداجن عن العمل، أو تدمير بعضها نهائياً، بسبب القصف والسرقات؛ إذ وصلت خسائر مواسم الزيتون (2018، 2019، 2020، 2021)- مصدر الرزق الرئيسي- إلى ما يقارب /250/ مليون دولار، إضافةً إلى فرض أتاوى وفدى وغرامات مالية مختلفة ومتواصلة عليهم، وكذلك تشغيل وتسخير البعض منهم دون دفع الأجور لهم. وكمؤشر على تدمير البنية الاقتصادية في عفرين، لم يبقى من أصل /850/ ورشة خياطة ألبسة كانت تغذي الأسواق السورية وبعض البلدان المجاورة، سوى /50/ فقط بعد الاحتلال وتعمل بحدودها الدنيا من الإنتاج، حيث أن الخسائر في المجال الصناعي والاقتصادي عموماً كبيرة، ونسبة البطالة أصبحت عالية والفقر واسعاً.
– إبعاد السكان والتغيير الديموغرافي: تَهجيرٌ قسري بالأعمال العدائية أثناء الحرب لأكثر من /250/ ألف نسمة من السكان الأصليين ومنع عودة حوالي /200/ ألف منهم من مناطق النزوح والداخل السوري، بسبب إغلاق سلطات الاحتلال معابر عفرين ومنع النازحين من العودة، فبقوا مشرَّدين في مناطق النزوح (بلدتي النبل والزهراء وقرى وبلدات الشهباء-شمال حلب…)، ومنهم من فرّ إلى حلب ومناطق كوباني والجزيرة، في وقتٍ أغلقت فيه السلطات السورية أيضاً ولا تزال جميع ممرات التنقل أمامهم. كما تم توطين ما يقارب /500/ ألف نسمة من عوائل المسلحين المرتزقة لدى تركيا وعوائل المستقدمين من غوطة دمشق وأرياف حمص وحماه وإدلب وحلب وغيرها في عفرين ونواحيها، وإسكانهم في منازل ومحلات وممتلكات السكان الأصليين وفي مخيماتٍ عشوائية، وبُنيت قرى استيطانية نموذجية، افتتحت اثنتان منها “بسمة، كويت الرحمة” بالقرب من قريتي “شاديره- شيروا، خالتا- جبل ليلون”؛ فشكَّل ذلك تغييراً كبيراً للتركيبة السكانية في المنطقة، حيث تدنت نسبة الوجود الكردي إلى أقل من /25%/ من المقيمين في المنطقة حالياً، بينما كانت نسبتهم قبل الغزو أكثر من /95%/، وقد عاد العشرات من الأفراد والعوائل خلال عام 2021م إلى ديارهم، فتعرضوا للابتزاز المادي وفرض الفدى المالية والتحقيقات والسجن لقسمٍ منهم، ولم يتمكن بعضهم من استرجاع ممتلكاتهم؛ كما شمل التغيير الديمغرافي مجالات أخرى، إضافةً إلى ضغوطات يومية تُمارس ضد الكُرد المتبقين في المنطقة، بغية دفعهم لترك أرضهم وممتلكاتهم وتحقيق هجرةٍ قسرية متواصلة؛ حيث أنّ هذا التغيير يرتقي إلى مستوى التطهير العرقي بحق إثنية متمايزة.
– التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المعاملة المهينة: يتعرض أهالي عفرين المتبقين إلى إهانات يومية وحالات ابتزاز واستفزاز، وعمليات اختطاف واعتقالات تعسفية واسعة النطاق، حيث أنّ معظم المختطفين والمعتقلين تعرضوا للتعذيب الذي يُعد ممارسةً روتينية، بينهم نساء وقُصَّر ومسنين، وجرى تهديد بعضهم بالذبح وفق مقاطع فيديو منشورة؛ ولايزال مصير حوالي /500- عدد تقديري/ منهم مجهولاً، وأهالي أغلب المفرج عنهم قد دفعوا غرامات أو فدى مالية وصلت أحياناً إلى /20/ ألف دولار. هذا، وخلال النصف الثاني من عام 2020م لنهاية عام 2021، أفرجت سلطات الاحتلال عن معتقلين تم إخفاؤهم قسراً بين /2-3.5/ أعوام، بعد أن تدهورت أحوالهم الصحية، الأمر الذي يؤكد على وجود السجون السرية، أشهرها سجن بلدة الراعي السيء الصيت الذي لم يُغلق ملفه بَعد، وقد توفى فيه حوالي /15/ دون تسليم جثامين أغلبهم لذويهم أو إعلامهم بوفاتهم، حيث دُفنوا في مكانٍ سري؛ وهناك خشية على حياة بعضهم بسبب الأمراض التي يعانون منها أو من تنفيذ حكم الإعدام بهم؛ كما أنّ أغلب المفرجين عنهم لا يجرؤون على التحدث عن السجون السرية والظروف التي مرّوا بها.
– الاضطهاد الثقافي والقومي: إن ما صرَّح به مراراً مسؤولون وجنود أتراك ومتزعمو الميليشيات وعناصرها عن تكفير الكُرد واتهامهم بالانفصال والإرهاب، وإطلاق مشايخ وشرعيي “الثورة والجهاد” فتاوى نهب ممتلكاتهم والإضرار بهم، تنم بالأساس من عداء عنصري وشوفيني نحوهم، حيث أنّ القمع والاضطهاد يطالهم بشكل ممنهج، في وقتٍ يتم فيه تفضيل المستقدمين عليهم، بل ودفعهم للاعتداء على الكُرد وممتلكاتهم. عدا محاربة الثقافة واللغة الكردية وتغيير معالم وأسماء قرى وبلدات وساحات عامة والسعي لتفكيك النسيج الاجتماعي، ومنع الكُرد من الاحتفاء بعيدهم القومي نوروز، والاعتداء على رموزهم، مثل تدمير تمثال كاوا وإزالة نُصب دوار نوروز وتغييره إلى دوار “صلاح الدين الأيوبي”. إضافةً إلى إجبار أهالي عفرين والمستقدمين فيها على إصدار بطاقات تعريف شخصية تمنحها سلطات الاحتلال باللغتين التركية والعربية، بغية صهر الجميع في بوتقةٍ مجتمعية جديدة وبهويةٍ “عثمانية جديدة”.
– الاضطهاد الديني: تعرّض الايزديون لانتهاكات عديدة، من تهجير وقتل وتعذيب وتشليح ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفاء بأعيادهم السنوية وكذلك إجبار بعضهم على الصلاة في الجوامع، وبُنيت مساجد في بعض قراهم نكايةً بهم، وتم العبث بمزاراتهم ومقابرهم وتخريب العديد منها؛ كما تعرضت الكنيسة المسيحية الوحيدة للسرقة والنهب والإغلاق، ورغم قلة أعداد المسيحيين، لا يجرؤ أحدهم على التحدث عن دينه؛ والأنكى من ذلك تعرّضت بعض المساجد إلى القصف أثناء العدوان، وسُرقت مقتنيات بعضها من سجادات وأواني نحاسية وأجهزة كهربائية وصوتية؛ حيث أن عفرين معروفة بطابعها الاجتماعي المنفتح ونبذ التعصب في المعتقدات الدينية، إلا أنّ الغزاة يستمرون في استجلاب ممارسات متشددة دينياً واجتماعياً ويعملون لفرضها على السكان الأصليين بجميع انتماءاتهم الدينية، لاسيما هناك حركة دينية نشطة بالمنطقة وفق النمط العثماني- الإخواني وبإشراف مباشر من “وقف الديانت” التركي. وتغيب مظاهر الاحتفاء والابتهاج في أعياد الفطر والأضحى عن أهالي عفرين عموماً وسط مشاعر الحزن والفراق وأجواء الاضطهاد والطغيان.
– التتريك والتطرف الديني وأفكار العثمانية الجديدة: تواصل الحكومة التركية سياسة التتريك ونشر التطرف الديني وأفكار العثمانية الجديدة في عفرين، بين أوساط الشباب والأطفال بشكلٍ خاص، عبر حملات إعلامية وتحت مسميات عديدة (جمعيات خيرية وثقافية ودينية، جامعة ومعاهد ومدارس خاصة، مراكز ثقافية تركية، مدارس إمام الخطيب، أنشطة شبابية، إحياء مناسبات تركية مع رفع العلم التركي بكثافة وتقليد شارة الذئاب الرمادية، دورات تدريبية…) وتعتمد مناهج دراسية مؤدلجة وتفرض تعليم اللغة التركية، إلى جانب محاربة ثقافة وتراث المنطقة عبر العديد من التغييرات والانتهاكات، بتوجيه من الاستخبارات التركية وإشرافها. وكذلك تستمر محاولات تغيير هوية وثقافة المنطقة وتخريب وسرقة ممتلكاتها الثقافية ومحو تاريخها، مثل تحويل مرقد “النبي هوري” الهرمي الروماني والمسجد المجاور له إلى مَعلم تركي- عثماني؛ الأمر الذي يشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح 14-05-1954م.
– تدمير واسع النطاق في الممتلكات والاستيلاء عليها: منذ اليوم الأول للعدوان، جرى تدمير منازل سكنية وممتلكات عامة وخاصة، ولجأ الغزاة إلى تعفيش المنازل ومصادرة الممتلكات والأموال، وقد سمي يوم 18-03-2018م، بيوم الجراد، لما تعرضت فيه مدينة عفرين إلى عمليات سرقة واسعة للمحلات والمستودعات والمنازل والآلات والآليات على مرأى ومسمع العالم، فالنهب والسلب والسطو المسلح حتى تاريخه جارٍ على نطاق واسع. معظم معاصر الزيتون ومعامل البيرين والصابون وورشات الألبسة ومحلات ومستودعات المنطقة الصناعية تعرضت للسرقة أو دفع أصحابها مبالغ مالية كبيرة للميليشيات من أجل حماية منشآتهم أو استعادة مسروقاتهم، كما يدفعون أتاوى شهرية. وعمليات الاستيلاء على محلات ومنازل وعقارات وأراضي زراعية مستمرة، خاصةً تلك العائدة للغائبين ولبعض الموجودين أيضاً، وعبر حِيَل وأساليب عديدة؛ والتي بمجموعها تتجاوز نصف ممتلكات أهالي عفرين. كما يمتنع المسلحون والذين تم توطينهم عن إخلاء منازل ومحلات عائدة لأهالي عفرين، رغم مطالباتهم المتكررة ورفعهم لشكاوى عديدة، إضافةً إلى طرد بعض العوائل الكردية من مساكنهم أو مساكن عائدة لأقربائهم بغية إسكان المستقدمين بدلاً عنهم.
– سرقة زيت الزيتون: “تعاونيات الائتمان الزراعي التركي” التي مُنحت صلاحيات استثنائية أصدرت لائحة بأسعار متدنية لشراء زيت الزيتون من منطقة عفرين خلال أربعة مواسم منصرمة، والذي يُباع في الخارج بأسعار باهظة، لتدرّ أرباح طائلة لتركيا والمتعاونين معها، ولتموّل بها الميليشيات الإرهابية المرتزقة، لاسيما هناك مركز تجاري تركي (مقره معصرة “رفعتية” – جنديرس) استولى على شراء كميات تصل لحوالي 80% من إجمالي إنتاج الزيت، وتم نقلها بالشاحنات عبر معبر “حمام” الجديد إلى هاتاي- تركيا دون المرور بالمنطقة الحرّة في مدينة “قره خان”، فلا تُسجَّل بشكل نظامي، أي دون الدخول في عملية “الاستيراد” رغم أنها تأتي من دولة أخرى، ليتم معالجة الزيت وبيعه للخارج تحت عنوان “صنع في تركيا”. لاسيما وأن ممثلين عن التعاونيات ذهبوا لأمريكا للترويج للزيت.
– الأسرى والحبس غير المشروع والاخفاء القسري: لم يفصح الجيش التركي عن أعداد الأسرى لديه ومصيرهم، كما أنّ لدى الميليشيات سجون خاصة، ولا يزال حوالي /500- عدد تقديري/ شخص معتقل مخفي قسراً ومجهولي المصير، وتُشير شهادات بعض المفرج عنهم إلى إخفاء حوالي /1500/ في سجن بلدة الراعي تحت التعذيب وفي ظروف قاسية، أُطلق سراح معظمهم؛ ولا يزال البعض بين أيدي العصابات المسلّحة كمختطفين يتوقف الإفراج عنهم على دفع ذويهم لفدى مالية كبيرة أو تم القضاء على حياتهم. وخلال النصف الثاني من عام 2020م لنهاية عام 2021، أفرجت سلطات الاحتلال عن معتقلين مخفين قسراً بين /2-3.6/ أعوام، الأمر الذي أكّد على وجود السجون السرية، خاصةً ذاك الفيديو المنشور في 28-05-2020م إبان شن ميليشيات “جيش الإسلام” هجوماً على مقرّ “فرقة الحمزات” (مبنى الأسايش سابقاً) في حرش المحمودية- عفرين، وظهر فيه /11/ امرأة مضى على تغييبهُنّ عامان.
– الاعتقالات العشوائية والتعسفية: عدا الخطف والاختطاف والاحتجاز وموجات التوقيف هناك حملات مداهمة واعتقالات عشوائية، بتُهم العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة التي مضى على غيابها ما يقارب الأربع سنوات، عسكرية كانت أم مدنية أو تطوعية خدمية أو حراسة ليلية وغيرها، حيث تقود الاستخبارات التركية الحملة عبر أدواتها المحلية (شرطة، محاكم، ميليشيات، شبكة عملاء…)؛ يترافق ذلك أحياناً بالضرب المباشر أمام أعين الأهالي والتعذيب في مراكز التحقيق وبمصادرة الهواتف النقالة وتفتيش المنازل والعبث بأثاثها مع توجيه الإهانات وأحياناً سرقة الأموال، حيث بعض الحالات تتكرر بحق نفس الأشخاص، لخمس مرات أحياناً، تطال النساء والقُصَّر والمسنين أيضاً، وتفضي إلى فرض عقوبة سجن لمدد وغرامات مالية مختلفة، وفي بعض الحالات بعقوبات أشدّ، كما حكم القضاء التركي على بعض المعتقلين المدنيين بالسجن المؤبد وبالحبس لمدد مختلفة على عشرات آخرين، تم نقل بعضهم من عفرين، وتطال الاعتقالات أبناء عفرين المقيمين في تركيا بناءً على وشايات وتقارير كيدية معدّة من قبل الاستخبارات التركية؛ وبهذا الخصوص ترتكب الحكومة التركية مخالفةً فاضحة للمادة /70/ من اتفاقية جنيف الرابعة /1949/ التي لا تجيز “لدولة الاحتلال أن تقبض على الأشخاص المحميين أو تحاكمهم أو تدينهم بسبب أفعال اقترفوها أو آراء أعربوا عنها قبل الاحتلال…”.
الاعتقالات العشوائية والتعسفية تقع على نطاق واسع عن سبق دراسة وتصميم، ليس فقط بحق المقربين من الإدارة السابقة بل بحق أغلب الكُرد – سكان المنطقة الأصليين، وليس المرام الأول منها توليد إيرادات مالية وحسب، بل أيضاً إهانة وترويع السكان الأصليين ودفعهم لترك منازلهم وممتلكاتهم، وإنشاء قاعدة بيانات أمنية عنهم لصالح الاستخبارات التركية، خاصةً وأن معظم مرتكبي الانتهاكات والجرائم لا يُحاسبون ويفلتون من العقاب بسهولة، في وقتٍ أصبح فيه القانون و(القضاء الذي تم تأسيسه في عفرين) أداةً للتنكيل بالمعتقلين والسكان الأصليين، وليس لإنصافهم ورد المظالم عنهم ولمحاسبة المجرمين والقبض على اللصوص؛ مما يؤكد بالدليل القاطع أنها سياسة عدائية ممنهجة تُساق ضد الكُرد بإشرافٍ تركي مباشر.
– رفض شكاوى المواطنين: معظم الذين تعرضوا للانتهاكات والجرائم لا يجرؤون على البوح عنها، خوفاً من عقوبات أشدّ، ولا تُجرى تحقيقات ومحاكمات عادلة حول الجرائم والانتهاكات التي تقع بحق المدنيين، كما لا تنظر سلطات الاحتلال بجدية إلى شكاوى المواطنين ولا تُعطيهم أجوبة مقنعة عليها، ولا تفصح عن مصير المعتقلين المخفين قسراً، وما بعض المحاكم المنشأة إلا للنظر في التهم الملفقة الموجهة ضد المعتقلين وتغريمهم، حيث أنّ معظم أهالي عفرين لا يتمكنون من رفع شكاوى أو دعاوى قضائية ضد من أجرم بحقهم، بل قد يُعاقبون مجدداً، ويُمنع البعض من توكيل محامين عنهم، لذلك تراهم يحجمون عن الإدلاء بالتصريحات أو الحديث عما تطالهم من انتهاكات وجرائم، بل يُجبر البعض منهم على الإدلاء بشهادات عكس ما هو واقع. كما جاءت “لجنة رد الحقوق” المشكلة في أيلول 2020م من بين متزعمي الميليشيات لتجميل وجه الاحتلال وللتغطية على تلك الجرائم الكبرى، وذلك تحت ضغط آلاف التقارير المنشورة عن الانتهاكات والجرائم المرتكبة.
– أضرار شديدة بالبيئة والغطاء النباتي: قبل الغزو كانت السلطات التركية قد جرفت مساحات زراعية وحراجية واسعة، بعمق 200-500 متر وبمحاذاة الشريط الحدودي بطول /150/ كم، لدى بنائها لجدار اسمنتي عازل، كما قامت آلياتها العسكرية أثناء العدوان بقلع آلاف أشجار الزيتون في العديد من المواقع، مثل “جبل بلال وجرقا، قرية درويش، قرية جيا”– ناحية راجو وقرى “حمام، مروانية فوقاني وتحتاني، آنقلة، أشكان غربي”- ناحية جنديرس وقرى “قرمتلق، جقلي”- ناحية شيه/شيخ الحديد، وبين قريتي كفرجنة ومتينا-ناحية شرّان، وفي جبل شيروا، بقصد إقامة قواعد عسكرية؛ وطالت الحرائق والقطع الجائر الواسع- لم تشهد المنطقة مثيلاً له من قبل- عموم الغابات الحراجية الطبيعية والاصطناعية وأشجار نادرة ومعمّرة، وكذلك قطع مئات الآلاف من الأشجار المثمرة (الزيتون وغيره) بشكلٍ جائر وآلاف منها بشكلٍ كلي، من قبل الميليشيات والمستقدمين، بغية التحطيب وصناعة الفحم والتجارة، حيث ترتقي تلك التعديات لمستوى إبادة البيئة؛ ووفق خبراء زراعيين إجمالي مساحات الغابات (الطبيعية /18500/ هكتار+ الاصطناعية /21000/ هكتار= 39500 هكتار) ونسبة التدهور فيها بين الحرق والقطع خلال أربع سنوات تقارب 50% منها.
بالإضافة إلى الرعي الجائر لقطعان المواشي بين حقول الزيتون والأراضي الزراعية، ليلحقها أضرار جمة، دون أن يجرؤا ويتمكن أصحابها على منعه.
إحدى ركائز السياسة العدائية التي يتبعها الاحتلال التركي ومرتزقته هي ضرب علاقة الإنسان الكردي في عفرين ببيئته الطبيعية وممتلكاته وبالتالي زعزعة جذور المجتمع وإضعافها.
– استهداف مواقع ومنشآت ومساكن مدنية: لم يتردد الجيش التركي في استهداف بنى تحتية ومواقع ومنشآت مدنية، من مشفى ومراكز طبية ومنشآت للدواجن والمواشي ومدارس وجوامع ومزارات دينية ومباني إدارية وأفران خبز ومحطات لمياه الشرب والري ومنشآت سد ميدانكي ومعاصر للزيتون أثناء العدوان، وتعرّض قسمٌ كبير منها إلى التخريب المتعمّد والسرقات، مثل شبكتي الهاتف الأرضي والكهرباء العامة، ولا يزال الكثير من المنشآت والبنى التحتية خارج الخدمة، إذ شُيِّد بدلاً عن البعض منها منشآت تابعة لمؤسسات تركية، كما تم استهداف منازل في مراكز النواحي وقرى تابعة لها وإحراق البعض منها، أثناء الاجتياح العسكري.
– الاستيلاء على بعض القرى: عمد الجيش التركي والميليشيات الموالية له والتابعة للإئتلاف السوري- الإخواني إلى الاستيلاء على بعض القرى ومنع أهاليها من العودة إليها، مثل (“قسطل جندو، بافلون، سينكا، بعرافا”- شرَّا/شرّان، “جلبر، كوبله، ديرمشمش، زريكات، باسليه، خالتا”- روباريا، “جيا، درويش”- راجو، “شيخورز، قوتا”- بلبل، تلّف- جنديرس…)، واتخاذها مقرّات عسكرية أو مساكن للمسلحين.
– اضطهاد المرأة، الاغتصاب والإكراه على الزواج: بالأصل تلك الميليشيات الجهادية السلفية تضطهد المرأة ضمن مجتمعاتها دون وازع، من تعدد الزوجات وفرض الحجاب وانتشار الدعارة وغيرها، وهي التي تواظب على اضطهاد المرأة الكردية في عفرين وفق ذات الذهنية؛ فرغم إحجام معظم من تطالهم الانتهاكات والجرائم عن فضحها أو رفع شكاوى ودعاوى قضائية بحق مرتكبيها، تتوارد أنباء عديدة عن حالات التحرش الجنسي بمختلف أشكاله والإكراه على الزواج أو استغلال القاصرات، وعن حالات اختطاف واغتصاب والقتل العمد. ونظراً لفقدان الأمان تحجم نسبة كبيرة من الفتيات عن ارتياد المدارس الإعدادية والثانوية خوفاً من التعرّض للانتهاكات، خاصةً القاطنات في القرى.
– تدمير مقابر ومواقع أثرية، سرقة الآثار: استهدف العدوان التركي مواقع أثرية عديدة بالقصف الثقيل مثل (تل عين دارا الأثري، نبي هوري، تقلكه، مارمارون…) وأوقع فيها أضرار جسيمة لتختفي معها معالم تاريخية، كما أن سلطات الاحتلال تغض النظر عن عمليات سرقة الآثار والبحث عنها، بل وتشرف وتشارك في أغلبها، مثل ما جرى في حفر ونبش مواقع وتلال (هوري، عين دارا، براد ومار مارون، برج عبدالو، قيبار، جنديرس، كمروك، سيمالك، زرافكه، كتخ، دروميه، دوديرا ميدانكي، مروانيه تحتاني، جرناز، بازاريه، خرابه علو، كئورا، بليلكو…) والكثير من المزارات الإسلامية والإيزدية، بحيث لم يبقَ موقعاً أثرياً -على كثرتها- في عفرين إلاّ وتعرّض للنبش والسرقة والتخريب بمختلف الأدوات البسيطة والثقيلة. ومن جهةٍ أخرى تم استهداف مقابر الشهداء في (كفرصفرة، متينا، كفرشيل) وأضرحة شخصيات دينية وثقافية، مثل ضريح الدكتور نوري ديرسمي، وتخريب مقابر وشواهد قبور مكتوب عليها باللغة الكردية.
– إشاعة الفوضى والفلتان: لم تلجأ حكومة أنقرة إلى بسط الأمن والأمان في منطقة عفرين، ولم تمارس مسؤولياتها في تأمين النظام والسلامة العامة وحماية المدنيين، وقد شكّلت مجالس محلية لم تكن إلا أدوات لتنفيذ سياساتها، بل وأفلتت يدّ الميليشيات الإرهابية لترتكب أفظع الجرائم والانتهاكات، التي تقاتلت فيما بينها أحياناً كثيرة على خلفية نزعات مقيتة وتصفيات داخلية وخلافات حول السرقات ونطاق النفوذ. كما وقعت تفجيرات إرهابية بين المدنيين أدت إلى وقوع ضحايا شهداء وجرحى، إذ كثرت التفجيرات بعبوات ناسفة، لاسيما استهداف بعض متزعمي الميليشيات وعناصرها. ومن جانبٍ آخر نتيجة تبادل قصف القوات التركية وميليشياتها مع مناطق سيطرة الجيش السوري تعرّضت مدينة عفرين لهجمات صاروخية أدت لوقوع أضرار مادية وضحايا قتلى وجرحى.
– بنى تحتية ضعيفة وتدني الخدمات: السرقة والتخريب المتعمّد طال بُنى تحتية أساسية، من شبكات ومحطات ومراكز الكهرباء والاتصالات ومياه الشرب ومدارس ومعاهد وجامعة وشبكات وقنوات الري الزراعي ومجموعات توليد الطاقة الكهربائية والبلديات، وتم إشغال بعضها كمقرّات عسكرية، فأصبحت في أدنى مستوى لها أو معدومة، ولاتزال الخدمات المقدّمة متدنية، بل وأهلكت الأسعار المرتفعة ونقص المحروقات كاهل الناس؛ إلى جانب تحييد خدمات معظم مؤسسات الحكومة السورية.
– استخدام أسلحة محرمة: وردت أنباء من الإدارة الذاتية أن الجيش التركي استخدم قنابل عنقودية، وكذلك غاز الكلور في قرية “أرنده”- شيه/شيخ الحديد، أثناء الاجتياح العسكري.
– التمثيل بالجثامين: أثناء الحرب نشر المسلحون الجهاديون مقاطع فيديو تُظهر اعتدائهم المقزز على جثامين شهداء مقاتلين كُرد، حيث أن إجرامهم بحق جثمان الشهيدة بارين كوباني كان الأفصح عن مدى الحقد الدفين في نفوسهم. كما أن الميليشيات لم تسمح للأهالي بدفن جثامين شهداء مقاتلين كُرد بعد انتهاء الحرب، إذ بقيت في العراء ومكشوفة لأشهر.
– مُهجَّرو عفرين قسراً: المهَّجرون المقيمون في مناطق الشهباء ومدينتي نبل والزهراء وتل رفعت وديرجمال وبعض قرى وبلدات جبل ليلون- شمال حلب، الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري وضمن النفوذ الروسي، يعيشون حياةً بائسة، إذ أن عددهم حوالي /75/ ألف نسمة، منهم /9/ ألاف يقطنون في خمسة مخيمات، محاصرون من الجهات الأربعة- سجن كبير- ويُمنَعون من التنقل من قبل قوات الحكومة السورية وميليشيات المعارضة والجيش التركي، وغير مشمولين ببرامج الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية، وهم يعانون من تدني فرص العمل والخدمات من كهرباء ومياه الشرب والصحة والتعليم وغيرها، ومطلبهم الأساس هو العودة إلى ديارهم. ومن جهةٍ أخرى تتكرر حالات قصف القوات التركية والميليشيات المرتبطة بها لقرى وبلدات شمال حلب والتي نزح إليها أهالي عفرين، مخلفةً أضرار مادية وضحايا شهداء وجرحى، مثل ما جرى في مجزرة تل رفعت بتاريخ 02-12-2019م.
– بناء جدار عازل: بنى الجيش التركي جدران اسمنتية حول مقرّاته وقواعده في مركز مدينة عفرين ونواحيها، وهي مخدمة بكافة المستلزمات، كما بنى جدران من كتل خرسانية بارتفاع مترين قرب قرى كيمار وجلبر ومريمين- جنوب شرق عفرين، في خطوةٍ مشبوهة وتمهيداً لبناء جدار عازل للمنطقة عن شمال محافظة حلب؛ ولا تزال منطقة عفرين منفصلة عن مدينة حلب، ولا يوجد حتى معبر إنساني بينهما.
أثناء الحرب على عفرين لم تلتزم تركيا بقرار الهدنة الصادر عن مجلس الأمن رقم /2401/، تاريخ 24-02-2018، ولا تلتزم بمضامين قرار مجلس الأمن 2254(2015)، من حيث “اتخاذ الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي”، رغم سيطرتها الفعلية الكاملة على المنطقة عسكرياً وإدارياً وسيادياً. فالمنطقة محتلة، وعلى تركيا تَحمُّل مسؤولياتها وواجباتها، وكذلك الالتزام بالقانون الإنساني الدولي.
منطقة عفرين واقعةٌ في حصارٍ مطبق وتعتيمٍ إعلامي تفرضه سلطات الاحتلال التركي ومرتزقته، وتعاني من تفاصيل مؤلمة في الحياة اليومية لسكانها الأصليين، وهي مغلقة أمام زيارات وسائل الإعلام ووفود منظمات حقوقية ومدنية مهتمة بحقوق الانسان، ووفود برلمانية، سوى لحالات فردية متناغمة مع الراوية التركية.
إن نداء أهالي عفرين أينما كانوا هو إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الميليشيات الإرهابية من منطقتهم، وعودة جميع النازحين إلى ديارهم، وحسب البند /1/ من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة /1514/ تاريخ 14 كانون الأول1960، الذي ينص على “إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين”، فإن الكُرد يواصلون كفاحهم العادل بكافة السبل والوسائل المشروعة دفاعاً عن قضيتهم وفي تعرية سياسات تركيا العدائية وفضح الانتهاكات والجرائم اليومية المرتكبة.
كما يناشدون المعنيين جميعاً على المستوى الكردستاني والوطني السوري والدولي، للعمل على كسر الصمت حيال الأوضاع السيئة السائدة في عفرين، وحث حكومة أنقرة لوضع حدٍ للانتهاكات والجرائم وإنهاء احتلالها للمنطقة وإعادتها للسيادة السورية وإدارة أهاليها.
المكتب الإعلامي-عفرين
حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
[1]