برادوست ميتاني
التعريف بالدولة
هي دولة إسلامية شيعية، أُسست على يد الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن إبراهيم بن علاء الدين علي بن صدر الدين موسى ين صفي الدين إسحاق الاردبيلي الكردي، المولود سنة 1486م وقد سميت الدولة بالصفوية نسبة إلى الجد الأخير الذي هو صفي الدين إسحاق، وهو من ذرية فيروز شاه زرين كلاه الكردي، المنتمي إلى روجهلات كردستان في المنطقة المعروفة بالهضبة الإيرانية، وكانوا قد رافقوا الأمير الكردي “ماملان وهسوذان” إلى آردبيل عندما دخلها ظافراً، واستقروا فيها، لذا عندما أُسست الدولة الصفوية، بدأت من أردبيل بآزربيجان ودامت من 1501 م حتى 1736م وكان صفي الدين إسحاق، يتبع المذهب السني وبالأخص الطريقة النقشبندية وكان تلميذاً للشيخ تاج الدين زاهد الكيلاني، الذي هو ذو نسب كردي أيضاً، ولكن بعد بناء الدولة تحول الصفويون إلى المذهب الشيعي.
تأسيسُ الدّولةِ
استفاد إسماعيل الصفوي من عدم الاستقرار، الذي لحق بالمنطقة منذ الحروب، التي أشعلها المغول بقيادة جنكيز خان 1219م وإسقاطه للدولة الخوارزمية، وما لحق بالدولة العباسية من ضعف، وتفكك إلى إمارات محلية أسروية ضعيفة، وظهور تيمورلنك الغازي، الذي كان سبباً بدوره في نشر الحرب، وحالة عدم استقرار خلال دول عائلية كالتيمورية والايلخانية، وبقايا الأسر الأخرى كالكوركانية، وآق قوينلو وغيرها.
استفاد إسماعيل الصفوي أيضاً من النهج الأيديولوجي المذهبي الشيعي، ومن جده الشيخ جنيد الذي تمكن من بناء قاعدة شعبية متصوفة مهتمة بالطقوس الدينية، وإعمار العتبات المقدسة، كما أنه استفاد من تنوع التركيبة السكانية المتنوعة عرقياً، حيث الكرد، والفرس، والتركمانيون، والأزريون، وغيرهم، فكون وهو في ريعان شبابه جيشاً له من القزل باش من قبائل رملو، وشاملو، وتكلو المنتشرة في أرزنجان وكردستان، وأرمينيا وازربيجان وبلاد فارس فسيطر على مدينة تبريز وجعلها عاصمة له.
اتساعُ رقعةِ الدولةِ
بعد أن نجح الشاه إسماعيل الصفوي في سعيه بتأسيس الدولة، واتخذ من مدينة تبريز الكردستانية عاصمة له، انتقلت العاصمة من تبريز إلى قزوين في أيام الشاه طهماسب، ثم إلى أصفهان في عهد الشاه عباس.
شملت الدولة آذربيجان، إيران، البحرين، أرمينيا، شرق جورجيا، أفغانستان، تركمانستان، باكستان، سوريا، أوزبكستان، الكويت، العراق، شمال قوقاز وتركيا وكردستان.
الوجهُ الحضاريُّ للدولةِ
كانت الدولة جسراً حضارياً بين الشرق والغرب، ومفصلاً اقتصادياً قوياً لذلك الجسر، فوصلت إلى مستوى الرقي والتقدم في عهد بعض الشاهينشاهات الذين بنوا القصور والربطات، التي أصبحت قلاعاً محصنة، وأسسوا الأسواق، والمقاهي والجسور، والقناطر، واهتموا، وشجعوا الرسم الفني، والأشغال المعدنية، وكذلك برعوا في صناعة المنسوجات وخاصة السجاد العجمي، واهتمت الدولة بالشعر، حيث أن مؤسس الدولة إسماعيل الأول كان شاعراً والشاه طهماسب رساماً، وقد رعوا ورشاً فنية عائدة ملكياً إلى الفنانين، ما ساهم في تشجيع الفن وتطوره وانتشاره.
كان للعلماء مكانة خاصة في الدولة، أشهرهم المحقق الكركي، العلامة المجلسي، والشيخ البهائي، وكان للمرأة دورها السياسي والاجتماعي، ومنهن: تاجلو بيكم، ماهين خانم، بريخان خانم، مهد عليا، زينب بيكم، شاهزادة بيكم، خان بيكم وديلارام خانم وغيرهن وقد برز من ذريتهم فلاسفة، ومفكرون، أهمهم عبد الرحمن الكواكبي في حلب بسوريا 1855م.
الدولةُ الصفويّةُ والجانبُ القوميُّ الكرديُّ
مما لا شك فيه هو أن الصفويين كرد، وهي حقيقة لا غبار عليها. إذ تعود جذورهم إلى كرد روجهلات كردستان، وانتقلوا كما أسلفنا سابقاً إلى أردبيل في آزربيجان التي تحدهم من الشمال، والتي هي بدورها منطقة كردية، وكردستانية كانت أبان الدولة الميدية، تحمل اسم ميديا الصغرى وآتروبات، ولكن باحتلال الترك لها نهشتها سياسة التتريك، وألبستها ثوباً عرقياً وثقافياً زائفاً.
ما زالت حتى الآن تحظى العائلة الصفوية بذرية منتشرة في كردستان وغيرها، إذ أن ذرية الشريف عبد الجبار تعيش في باشور كردستان باسم السادة الجبارية، ولها آلاف العوائل منتشرة فيها، وهم كرد، على المذهب السني، وهم كما أسلفنا من ذرية “السيد” عبد الجبار، الذي كان أخاً لإسحاق صفي الدين، اللذين كانا من ذرية العارف الكبير السيد جبرائيل أمين الدين، وكذلك وجود آل الحيدري الموسوية الكردية أيضاً في باشور كردستان.
ثمة مصادر عديدة تثبت كردية العائلة الصفوية، منها كتاب صفوة الصفا النسخة الأصلية لابن بزاز الأردبيلي – للأستاذ رضا بهلولي وكذلك الموسوعة الإيرانية، التي أُسست في الجامعة الكولومبية، وكذلك العديد من المؤرخين والمراكز الفكرية الكردية المعاصرة، وفي الجانب الآخر تعج المراكز الثقافية، والمصادر الأخرى بكتابات، وكتب تنكر ذلك وخاصة أولئك المنطلقون من دافع عنصري، وكثيراً ما يقع المؤرخ، أو القارئ في فخها، وذلك لأن الكرد لم يصبحوا دولة قوية وموحدة بعد ظهور الدولة الإسلامية في كردستان، ما أثر سلباً على تدوينهم للتاريخ بشكل عام، وأصل الصفويين بشكل خاص، بالإضافة إلى وقوع القارئ الكردي أيضاً، تحت تأثير كتابات الأنظمة المعادية للوجود الكردي، وثقافته وتاريخه، لدرجة عدم اجهاد بعض الكرد أنفسهم، في البحث عن تاريخ أجدادهم، لذلك كثرت المصادر المدونة من قبل من ينكرون الأصل الكردي للصفويين خاصة، وللتاريخ الكردي عامة، كما أن العديد من الكتاب والمؤرخين ربما وقعوا في الخطأ، فأحياناً عندما نسبوا الكتابة والاصل البهلوي للغة والكتابة الفهلوية إلى الفرس فقط، وذلك لتداخل -أن لم نقل وحدة اللغتين الكردية والفارسية – وخاصة بعد قضاء الأخمينيين الفرس على الدولة الكردية الميدية، واعتمادهم على لغتهم وثقافتهم الكرديتين، ومن ثم طورها زمن الدولة الساسانية الكردية، التي جعلها الكثير من الكتاب والمراكز الفكرية على أنها فارسية، وبما أن الصفويين ظلوا يستخدمون الكتابة الفهلوية، على أنها “فارسية” وهم يجهلون حقيقة أنها كردية، واستخدمت على أنها فارسية بقصد تارة، وبغير قصد تارة أخرى، بالإضافة إلى اعتماد أولئك على المصادر السلطوية للترك، والفرس، والعرب وغيرهم، ولا يخفى هنا أيضاً الدافع العنصري لدى العديد من المثقفين، والمؤرخين في طمس الثقافة الكردية، وحقيقة وجودها وخاصة عندما يغيرون بطون الكتب بحقائق مزيفة، مثلما فعلوا مع المصدر الرئيسي لأصل الصفويين، الذي هو كتاب صفوة الصفا لابن بزاز الاردبيلي المعاصر للأحد كبار العائلة، الذي هو “السيد صفي الدين”، فقد تلاعبوا بالكتاب بحجة التنقيح، وغيروا من النسب الكردي للعائلة، ومن ثم نشروا في مراكزهم الكتاب المزيف واعتمد عليه العديد من المؤرخين، والمفكرين، والقراء، سواء عن عمد أو غير عمد.
نفتقر نحن الكردَ إلى معلومات كاملة عن أولئك الأجداد، وإذا عثرنا عليها يكون بشق الأنفس، وبشكل غير محايد من قبل أولئك الكتاب، وذلك عندما يستفيدون منها أيديولوجياً بإثارة التفرقة بيننا وبين القوميات الأخرى؛ بسبب العامل الخلافي والصراع بين أصحاب تلك الأقلام، مثال الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، وذكرهم للخلافات التي حصلت أبان الدولة الصفوية من قبل السلطة مع الكرد، بأن الشاه طهماسب إسماعيل 1576م، ارتكب جرائم مع كرد لورستان وكرمنشان، وكذلك جرائم الشاه عباس الكبير ضد كرد أورمي، وإصداره لفرمان بالقضاء على عشيرة الموكرياني الكردية، حيث قتل الآلاف من نسائهم وأولادهم، وتهجير الآلاف منهم. فقد يلعب سبب آخر في عدم جلية ووضوح الخصوصية الكردية للدولة الصفوية، وهو عدم بروز العامل القومي حينذاك، وذلك بسبب الانتماء الديني عامة، والمذهبي خاصة، عندما أثر ذلك على العامل الاجتماعي، وهو زواج العائلة الشاهنشاهية الصفوية من بنات القوميات الأخرى، كالفرس الشركس، والتركمان وغيرهم، وكذلك بالعكس فتشكلت عائلات مختلطة اجتماعياً، بما فيها والدة مؤسس الدولة إسماعيل الصفوي، التي يقال: إنها ذات أصول يونانية، كما أن المصلحة الشخصية تلعب أحيانا دوراً في انكار البعض لقوميتهم، وذلك بإعلان انتمائهم إلى النظام السلطوي في الدولة، وذلك ما حدث بقوة مع الأسف مع العديد من القوى الاجتماعية الكردية، وخاصة خلال مجيء الإسلام إلى منطقتنا، ما آثار سلباً على حقيقة الانتماء القومي الكردي مع العديد من الدول والإمارات، والعشائر، والشخصيات الكردية.
ثمة عامل آخر في عدم جلية الجانب الثقافي، أو القومي للدولة هو الثقافة الإسلامية المنتشرة، والتي استمدت قوتها من ثقافة القرآن الكريم حيث الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وسنته والطقوس الدينية، التي سبّبت في إضعاف العامل القومي وعدم التشبث به.
لذلك كله كان الشعور القومي ضعيفاً حينذاك، وخاصة مع القوى السلطوية الكردية، وقد تجلى هذا بوضوح في بدايات عام 1500 مع الأمراء والعشائر الكردية، وبصورة أكبر مع الدولة الصفوية، عندما دب الصراع بين العثمانيين وبينهم، واختيار الأمراء الكرد الذين بلغ عددهم (23) أميراً الوقوف إلى جانب الشاه إسماعيل الصفوي ضد العثمانيين، وإرسالهم وفداً منهم إلى الشاه إسماعيل الصفوي، وربما قد جاء هذا الموقف من قبل الأمراء الكرد بسبب كردية العائلة الصفوية، والتي لم تعرها الدولة الصفوية أية اهتمام، بل عمل الشاه على التنكيل بالوفد الكردي، الذي جاء إليه في تبريز للانضمام إليهم بثقلهم الكامل، بما فيه تقديم الجند بالآلاف للوقوف في وجه السلطان العثماني سليم ياووز الأول، وقد جاء رفض الشاه إسماعيل الصفوي سبباً في انضمام الحيش الكردي برعاية الأمير الكردي إدريس بدليسي إلى الجبش العثماني في معركة جالديران 1514 وإلحاق الهزيمة بالصفويين، واحتلال العثمانيين بمساعدة الكرد للعاصمة الصفوية تبريز، ومن ثم السيطرة الكاملة على إرث الدولة العباسية.
ضعف الدولة وانهيارها
لكثرة الحروب بين الدولة مع الدول المجاورة وخاصة العثمانيين والأفغانيين، وإرهاق الجيش، ضعفت الدولة ومما زاد الطين بلة هو بعد وفاة الشاه عباس، الذي رحل دون أن يعين خلفاً له، تسلم حفيده الشاه صفي ثم ابنه عباس الثاني، ثم سليمان الأول، وكانوا حكاماً ضعفاء، قلت هيبة الدولة في عهدهم، ومن بعدهم تدهورت أوضاع البلاد اقتصادياً أكثر، فتغلغل الفساد في مفاصلها وبصورة أكبر في عهد شاه حسين، ما أدى إلى ثورة الشعب، ولكن الشاه حسين قمع ثورته بالعنف، ما أدى إلى فقدان شعبيته، وفي ظل ذلك الوضع المتردي كان هجوم الأفغان بقيادة الغازي محمود، الذي احتل أصفهان 1722م، وإعدامه للشاه حسين، والسيطرة على العرش وتأسيس نظام صفوي ضعيف 1736م موالٍ له، أدى إلى انتقال الحكم إلى الزند الكرد، والأفشريين ومن ثم القاجاريين وبذلك انتهى الحكم الصفوي 1736م، بعد أن حكمها 11 شاهينشاها ًاولهم إسماعيل الأول، وأخرهم عباس الثالث.
في الختام نقول: إن هذه العائلة الكردية خلفت ذرية عريقة منتشرة في كردستان، والهند، والشرق الأوسط ومصر وغيرها، ولأهمية دورها التاريخي والفكري أردنا أن نزيح عنها ثوب الضلال عن نسبها، كحماية الحقيقة من الاندثار، ولإظهار دور الكرد في إحدى محطات التاريخ في خدمة الحضارة الإنسانية. [1]
المصادر:
معالم الحضارة في العصر الذهبي من خلال كتب الرحالة -مصطفى موسى محمد شرف
صفوة الصفا (النسخة الأصلية لابن بزاز)– رضا بهلولي
موقع سطور الالكتروني -مقالة بعنوان الحريم الصفوي اضاءات جديدة -محبوبة مجيد زادة
مجلة المجتمع -العدد 2024 لعام 2012م -مقالة للدكتور فرست مرعي
مركز تحقيقات ومطالعات شيخ صفي الدين اردبيلي الالكتروني – مقالة بعنوان ملاحظات عن الشيخ صفي الدين الاردبيلي، اسلافه وعشيرته وذراريه بقلم الدكتور السيد علاء الدين الجوادي.
مختصر تاريخ ملوك الدولة الصفوية للأستاذ ناظم عبد الله سعد
موسوعة تاريخ إيران السياسي للأستاذ حسن كريم الجاف
التاريخ الإسلامي للأستاذ محمود شاكر.