=KTML_Bold=موت سريري لمعاهدة لوزان=KTML_End=
إلهامي المليجي
قرن كامل مر على توقيع معاهدة لوزان” 1923-2023″، وما تزال قائمة، لكنها تعاني من موت سريري. فعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها في نوفمبر من عام 1918م، أبرمت حكومات الحلفاء المنتصرين (الوفاق الثلاثي؛ المملكة المتحدة-بريطانيا العظمى، وإيرلندا، والجمهورية الفرنسية الثالثة، والإمبراطورية الروسية)، اتفاقاً مع الدولة العثمانية عُرف باسم معاهدة سيفر في أغسطس 1920، تقاسمت بموجبه أراضي الدولة العثمانية.
بموجب تلك المعاهدة فرض المنتصرون شروطهم، وتقاسموا مساحات واسعة من أراضي الدولة العثمانية، ما أدى إلى أن بعض القوميات، غير التركية في الدولة العثمانية، حصلت على استقلالها، فأشعل القوميون الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ما عرف بحرب الاستقلال، وخاضوا حرباً شرسة ضد الحلفاء حققوا خلالها انتصاراً ملموساً، ما سمح لهم بالتفاوض والوصول إلى ما يطلق عليها معاهدة لوزان، التي تمت في يوليو من عام 1923 بعد مفاوضات في أحد فنادق مدينة لوزان السويسرية، استمرت زهاء ثلاثة أشهر.
أنهت المعاهدة ستة قرون من حكم السلطنة العثمانية، وأعلنت علمانية الدولة، ورسمت الحدود الجغرافية للجمهورية الجديدة، مع تخلي دول الحلفاء عن تعويضات الحرب العالمية الأولى.
وتضمَّنت المعاهدة تنظيم استخدام المضائق البحرية في تركيا، وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب، وفرضت السيادة الدولية عليها، ووضعت مبادئ وشروط الإقامة والتجارة والقضاء. ونصت على حماية الأقليات الدينية؛ وبموجبها تخلت تركيا عن سيادتها على عدد من الدول، وأعادت رسم الحدود بين كل من بلغاريا واليونان.
ونصت معاهدة لوزان على حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا، والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة وحقوق وحرية المواطنين ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون، بغض النظر عن الأصل، والقومية، واللغة، والدين، كما ألزمتها بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة، أم في الاجتماعات العامة، أم في مجالات الدين والتجارة، والإعلام والنشر. مع التأكيد على حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
ويرى المراقبون: أن “معاهدة لوزان” الثانية تجاهلت استقلال القومية الكردية، ومنح الكرد دولتهم المستقلة، كما نصت معاهدة سيفر، حتى أصبح الكرد وقضيتهم العادلة أحد أسباب التوتر في بلدان توزعهم الأربعة: (تركيا-العراق- إيران- سوريا)، وتصاعد تعقيد الأزمة مع فرض أنظمة تلك البلدان هويتها على الكرد في نطاق جغرافيتها، كما تم حرمانهم من جميع حقوقهم، ما دفع الكرد للثورة على ظلمهم؛ فمارست تلك الأنظمة التنكيل والاضطهاد والقتل والتهجير القسري، الذي كان له بالغ الأثر على الأمن والاستقرار في تلك البلدان.
ومن بين التداعيات، التي نجمت عن المعاهدة تبادل قسري للسكان بين تركيا واليونان. وألحق شرق الأناضول بتركيا الحالية، في مقابل تخلي الأتراك عن المطالبة بمساحات في سوريا والعراق، كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد قرن من توقيع معاهدة لوزان: هل آن الأوان لمراجعتها، خاصة أننا نشهد إرهاصات تنبئ عن تشكيل نظام عالمي جديد، وإنهاء النظام الذي كان نتيجة للحرب العالمية الثانية؟
من المفارقات المثيرة للانتباه أن الكرد والنظام التركي -بالرغم مما بينهما من خلافات حادة-يتفقان على رفض معاهدة لوزان، ويطالبان بمراجعتها، فتركيا ترفضها تحت دعوى أنها اقتطعت من أراضي السلطنة العثمانية بعض الأراضي، والكرد يرفضونها باعتبارها تجاهلت حق الكرد في إقامة دولة كردستان الكبرى.
فكمال أتاتورك، وحزب الاتحاد والترقي، الذي ادعى العلمانية، وجاء على أنقاض الإمبراطورية العثمانية التوسعية، حافظ على ميراث أسلافه العثمانيين القائم على اضطهاد الشعوب المغايرة، وقام بحرب إبادة ممنهجة، وتهجير قسري، وتغيير ديموغرافي، وعمل على محو الهوية القومية بحق اليونانيين والعلويين والكرد، تمثل ذلك جلياً في قمع انتفاضات الشعب الكردي في كوجكري عام 1921 والشيخ سعيد النقشبندية عام 1925 وأغري (جبال أرارات) عام 1930 بقيادة حسان نوري باشا، ودرسيم التي وقعت بين عام 1937 و1939 في منطقة درسيم بزعامة سيد رضا.
وعلى نهج أتاتورك جاء أغلب الحكام الأتراك رافضين حقوق الكرد، وممارسين القمع الممنهج ضد الشعب الكردي المطالب بحقوقه في العيش بكرامة.
ويرى مراقبون، أن رجب طيب أردوغان وحزب العدالة الإسلامي، يمهّدان للانسحاب من اتفاقية لوزان؛ بغية استعادة حلم العثمانية مجدداً، من خلال احتلال الأراضي، التي سبق أن تحررت من الاحتلال التركي طبقاً للاتفاقية، عبر إثارة نزاعات عرقية ودينية، وتغذية الولاء لتركيا تحت دعاوى دينية متجسدة من خلال التنظيمات الدينية، التي تدين لتركيا بالولاء، وكذلك إحياء نعرات عرقية داخل بعض السكان المنحدرين من أصول عثمانية في سوريا، والعراق، وليبيا.
ما يعني أن إحياء الإمبراطورية العثمانية مازال حلما يراود الأتراك، خاصة حزب العدالة، وهذا سيكون في حال تحققه على حساب أراض عربية في العراق، وسوريا، وليبيا، ما يتطلب يقظة عربية لمواجهة الأطماع التوسعية التركية، وهذا في اعتقادي يستوجب دعما عربيا للكرد في نضالهم ضد الفاشية التركية.
كيف يكون الدعم وأشكاله، وعلى أي أسس، وضمن أي محددات؛ هذا ما سنتناوله في مقالنا القادم، إن كانَ في العُمرِ بقيَّةٌ.
[1]