ب. د. #فرست مرعي#
في 12-03 1921م، انعقد المؤتمر في فندق سميراميس في القاهرة وحضره جميع كبار الشخصيات العسكرية والمدنية البريطانية من فلسطين وبلاد ما بين النهرين ومصر، بالاضافة الى العراقيين الحاضريين من أعضاء إدارة الانتداب لبلاد الرافدين. وصف تشرشل التجمع، الذي استمر أسبوعين، بأنه أحد (أربعين حراميًا)، وقضى وقت فراغه في ممارسة هوايته الجديدة في الرسم الزيتي والعمل على مخطوطة تاريخه في الحرب العالمية الأولى. وحضر المؤتمر أربعون خبيراً في شؤون الشرق الأوسط منهم وزير الحربية البريطاني (ونستن تشرشل) الذي نقل الى وزارة المستعمرات، وبدوره قام بتأسيس دائرة لشؤون الشرق الاوسط لتصبح مهمتها تخطيط. السياسة البريطانية في تلك المنطقة، ومن أبرز الحاضرين:
السير برسي كوكس - المندوب السامي البريطاني في العراق.
غيرترود بيل - السكرتيرة الشرقية للمفوض السامي للعراق.
توماس إدوارد لورنس - مستشار خاص للمكتب الاستعماري.
هيوبرت وينثروب يونغ – المستشار العسكري للمكتب الاستعماري.
جعفر العسكري - وزير الدفاع في أول حكومة في مملكة العراق.
ساسون حسقيل - وزير المالية في أول حكومة في مملكة العراق.
المارشال الجوي هوج ترينتشارد - رئيس الأركان الجوية (المملكة المتحدة).
نائب المارشال الجوي جيوفرى سالموند - قائد القوات الجوية في الشرق الأوسط.
هربرت صموئيل - المندوب السامي في فلسطين.
المشير إدموند النبي - المندوب السامي في مصر.
جيفري آرتشر – المندوب السامي البريطاني في الصومال.
الميجر نويل - عضو مشاور.
المستر بادوك - أمين عام المؤتمر.
وفي #مؤتمر القاهرة# هذا جرى تعيين لجنة خاصة سميت بلجنة كوردستان وبرئاسة وزير المستعمرات نفسه المستر تشرشل وكان الاعضاء المشاركون من المسؤولين البريطانيين هم كل من: برسي كوكس، المس بیل، لورنس، یونگ، بادوك، والميجر نويل كعضو مشاور، فجرى في يوم 15 -03- 1921 اجتماع رابع للجنة السياسية حيث تمت مناقشة ودراسة مسألة كوردستان على ضوء التعديلات التي طرأت على معاهدة سيفر في شهر أب/ اغسطس عام1920م، وتقرر ان تجرى ادارة كوردستان الجنوبية بطريقة خاصة، وبين كوكس انه سبق ان أعلم مجلس الوزراء العراقي بأنه سيدير المناطق الكوردية شخصيا لمدة سنة وبموجب معاهدة سيفر(= 1920م) ثم سيعاد النظر فيها بعد تلك المدة،
واشار كوكس الى انه تلقى رسالة احتجاج من الوزارة العراقية على هذه السياسة حيث كانت تلك المناطق تدار من قبل متصرفين عراقيين باستشارة ضباط سياسيين بريطانيين ومن قبل الموظفين الكورد، ومن الواضح هنا ان مجلس الوزراء العراقي برئاسة السيد (عبد الرحمن النقيب) قبل ان يعين فيصل ملكا على العراق يطالب بادارة المنطقة الكوردية المتمثلة بكوردستان الجنوبية في هذا الوقت المبكر، ويدل ذلك على الرغبة ليست البريطانية وحدها وانما العراقية ايضا بضم هذا الجزء من كوردستان الى الولايتين العراقيتين الاخريتين بغداد والبصرة، أي ضم جزء من الكورد و كوردستان ويبدو أن ذلك يتخطى في اهميته مسألة النفط.
وحول موقف الكورد في كوردستان الجنوبية فقد ذهب كل من كوكس والمس بيل الى ان قسما من هؤلاء الكورد لا يمانعون بالمشاركة في الانتخابات العامة للبرلمان العراقي رغم انهما يشكان في موقف سكان السليمانية بهذا الخصوص. وعقب يونگ على ذلك بأنه ليست هناك حاجة لانتظار الانتخابات حتى يتفق الكورد على قرار ما ، وانما اعطاؤهم الصلاحيات لادارة منطقتهم بحرية واستقلالية وبأشراف المندوب السامي، وبعد استفسار من تشرشل أفصح الميجر نويل عن اعتقاده بضرورة ان يدير الكورد شؤونهم باستقلالية رغم احتمال صدور قرار عكس ذلك، واضاف بأنه يرى قيام حاكم واحد على المنطقتين الكورديتين وان يقرر الكورد في غضون ستة اشهر ما اذا كانوا يريدون الانضمام الى العراق.
وعلق يونگ على ان هذه الفترة مناسبة لاجراء انتخابات في المنطقة الكوردية لانتخاب مجلس خاص لبلدهم، واضاف ان القوات الاجنبية لا ضرورة لها في تلك المنطقة اذا تم تشكيل قوة من الكورد انفسهم لحفظ الأمن، وقد ايده تشرشل في ذلك مضيفا أن بالامكان تقديم مساعدة مالية لرئيس كوردي مع مسؤولين آخرين ليتولى أمور المنطقة. وقد ذهب تشرشل الى حد القول ان القيام بعكس ذلك سيؤدي الى عدم الاستقرار وان إي امير شريفي مهما اظهر نفسه كشخص ديموقراطي، فأنه ما ان تتوفر لديه القدرة والقوة فليس بعيدا ان يتجاهل مشاعر وامال الكورد وان يناهض مطالب الاقليات القومية مثل الشعب الكوردي.
ورأى ان من ایجابيات اقامة تلك الدولة الكوردية هي كونها ستصبح منطقة عازلة بين تركيا والعراق، ولكن المندوب السامي (برسي كوكس) يبرر ذلك بقلة الموارد المالية لادارة المنطقة الكوردية، ثم يعود يونگ الى الكلام مؤكدا على افضلية ان تكون هذه المنطقة مستقلة، ويعود كوكس مرة اخرى معربا عن أمله في أن يقرب سير الاحداث المنطقة من العراق فيما بعد، وعن حدود المنطقة الكوردية تلك مع العراق، فقد رد (الميجر نويل) على استفسار من تشرشل بالقول إن أفضل الحدود بين القوميتين هي التى تمر أسفل منطقة التلال(لعلها جبال حمرين).
وفي النهاية عبر تشرشل عن اعتقاده بأنه يجب على السياسة البريطانية عدم تجاهل الشعب الكوردي واكد على ضرورة ان يدار البلدان (= العراق وكوردستان) بشكل منفصل على ان يتقاربا بالتدريج، ويظهر ان اللجنة لم تصدر قرارا نهائيا بشأن المنطقة الكوردية، لكنها وضعت الخطوط الاساسية للسير عليها، ومنها ضرورة ان تدار ولاية الموصل (= كوردستان الجنوبية) المرتبطة بالانتداب مباشرة من قبل المندوب السامي ويفضل ان يشارك مجلس محلي من الرؤساء الكورد في هذه الادارة وتقديم المساعدة المالية ومساعدات اخرى لها للحفاظ على حدودها وتشكيل قوة ليفي كوردية تحل محل القوات البريطانية التي ستنسحب، وتم تكليف احد المسؤولين وهو المستر (كروسلاند) بحساب مقادير الاموال التي ستتوفر من هذه التبدلات لعام (1921 – 1922م).
ويبدو من المباحثات التي جرت في المؤتمر حول كوردستان، والسياسة البريطانية المنوطة بذلك الجزء من كوردستان المتمثل بكوردستان الجنوبية، فالمسؤولون في لندن امثال تشرشل ويونگ بالاضافة الى الميجر نويل الذي كان يعمل في المنطقة الكوردية يميلون الى تشكيل ادارة كوردية مستقلة عن العراق، مع التأكيد على تشكيل قوة ليفي كوردية لحماية تلك الحدود من تعديات الاجانب ولحفظ الامن، وكان اختيار رئيس او زعيم كوردي ليحكم المنطقة، ميزة اخرى مضافة الى مشاركة موظفين ومتصرفين كورد ليديروا شؤونهم وان كان ذلك مع مشاورة بريطانية، اما الجانب الآخر من السياسة البريطانية فيتمثل بجعل تلك المنطقة جزءاً من الادارة في بلاد ما بين النهرين(= العراق) وهذا الجانب كان يمثله برسي كوكس والمس بيل.
ولابد من الاشارة الى انه وبالرغم من اقتراح اجراء تعديلات على معاهدة سيفر فيما يخص المناطق الكوردية، وعقد مؤتمر لهذا الغرض ومن ثم عقد مؤتمر آخر للمسؤولين البريطانيين في القاهرة، فأن الاراء البريطانية كانت وماتزال ترى ضرورة تأسيس ادارة اوتونومية(= الحكم الذاتي) لتلك المنطقة، فقد بعث تشرشل رسالة الى كوكس في بغداد.
مشيرا الى أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية البريطانية ومسؤول مكتب وزارة المستعمرات في جوابهما على سؤال طرح عليهما حول سياسة الحكومة البريطانية، فقد افصحا بضرورة ان يتم عرض اقتراح على عصبة الأمم واضافة بند للمادة (15) من نظام الانتداب حول ميسوبوتاميا(= بلاد ما بين النهرين – العراق) يتضمن عدم الممانعة في تأسيس ادارة اوتونومية لتلك المناطق التي يشكل فيها الكورد الغالبية في شمال بلاد ما بين النهرين وبالشكل الذي تراه الدولة المنتدبة مناسبا، وطلب تشرشل رأي كوكس حول ذلك الاقتراح، ويبدو ان كوكس لم يجد الرد على تلك الرسالة، فبعث تشرشل وبتاريخ18 نیسان/ ابريل رسالة اخرى حول الموضوع نفسه ملتمسا ارسال الرد وبسرعة، واخيرا جاء رد كوكس على تلك المقترحات برسالة في 22-04-1921م مقترحا ما يلي:
1- استبدال تعبير الادارة الذاتية بالادارة الذاتية المحلية.
2- ازالة مصطلح شمال ميسوبوتاميا لانها تعكس الرغبة في فصل المنطقة الكوردية من العراق، وفي بغداد يقفون ضد هذا التوسيع، وبالاضافة الى ذلك فأن أي توسيع للحكم الذاتي الكوردي وبإشراف من بريطانيا ومن دون مشاركة المسؤولين العرب، سيكون سببا في وقوف العديد منهم ضد هذا التوسيع، واضاف كوكس انه سيبذل جهده للتنسيق مع كبار الرجال المعروفين في المنطقة والمسؤولين والضباط السياسيين البريطانيين في المناطق الكوردية للتحضير لتأسيس ادارة تحظى برضى العراقيين والكورد على حدٍ سواء .
ومن الواضح ان كوكس بعد هذه الاراء التي تبادلها مع وزير المستعمرات تشرشل، وبعد تفكير في الاسس الجديدة السياسية التي يجب اتباعها في كوردستان الجنوبية قد وضع اقتراحين لادارة تلك المنطقة وذلك في رسالة له الى تشرشل بعثها بتاريخ 21 -06-1921م ويدور محور هذين الاقتراحين على ما يلي:
1- أن تبقى المقاطعات الكوردية جزءا من العراق.
2- ان تشجع على الانفصال.
وقد كان هو يميل الى الاقتراح الاول مع تأكيده على ان يكون البرنامج المعد لهذه المنطقة اكثر جاذبية مما سيقدمه الاتراك، ولكن ليس بالقدر الذي يؤدي الى الانفصال. ويتضح بذلك تفضيل المندوب السامي في بغداد لجعل تلك المنطقة جزءا من الادارة في بلاد ما بين النهرين. (سروة أسعد صابر، كوردستان من بداية الحرب العالمية الاولى الى نهاية مشكلة الموصل، 155 – 156).
وجاء رد تشرشل في 24 حزيران من ذلك العام موضحا أنه أكد مرارا على ضرورة التمييز الواضح منذ البداية بين ذلك الجزء من بلاد ما بين النهرين (كوردستان الجنوبية) الذي يجب ان يدار مباشرة من قبل المندوب السامي في بغداد في الوقت الحاضر ومهما كان مصيره النهائي، وبين ذلك الجزء الذي يقع في جميع الاحوال تحت سيطرة حكومة بلاد ما بين النهرين. وأشار تشرشل الى برقية بتاريخ 25 أيار وعما اذا كان كوكس يعتبر كركوك كجزء من كوردستان او بلاد ما بين النهرين، وبأنه أوضح وقتذاك الفوائد المحتملة لفصل كركوك عن العراق، وهنا بصر تشرشل على ضرورة التمييز بين المنطقة الكوردية أي كوردستان الجنوبية وبضمنها كركوك عن باقي الاجزاء الأخرى من بلاد ما بين النهرين.
وأضاف تشرشل في معرض رده ذاك أنه في برقيته تلك كان ينوى تأليف دويلة حاجزة مؤلفة سكانيا من العناصر غير العربية بين العراق وتركيا وأوضح تشرشل السياسة التي يفضلها والتي عرضها على كوكس لمعرفة رأيه فيها، فبالنسبة لخط الحدود بين المنطقتين الكوردية التي يديرها كوكس مباشرة وبلاد ما بين النهرين التي تديرها حكومتها الخاصة بها، فضل ان يكون المعيار لذلك الحد السكاني هو المناطق العربية الصرفة وليس المناطق الكوردية الصرفة، واعتبر ان مدن: كفرى واربيل وكركوك ليست عربية، وإن لم تكن كوردية صرفة، وحدد الخط المستد من مشوراداغ الى تجانه محيطا بالموصل ومتبعا الحد السكاني للشعب العربي الصرف ولغاية زاوية الحدود الفارسية(= الايرانية) في ضواحي مدينة قلعة نفط(= جنوب خانقين) كحد للمناطق غير العربية.
وقد علق كوكس على تلك الاراء التي تقدم بها تشرشل مبينا أن الخطة تبدو جذابة من وجهة النظر البريطانية البحتة وان الجماعات الكوردية المعنية سوف لن تعارضها. أي ان السياسة البريطانية حتى ذلك الوقت كانت تحبذ تأسيس كيان كوردي في كوردستان الجنوبية مع التذكير برغبة الكورد انفسهم باقامة مثل هذا الكيان.
ولكن كوكس في تعليقه على آراء تشرشل تلك لم يكتف بذلك بل أضاف بأنه یری صعوبات في تنفيذ هذه الخطة مشيرا الى انه في حالة تطبيق مقترح تشرشل في تكوين منطقة كوردستان الجنوبية تجمع السكان غير العرب، فأن الاقليات المتواجدة في هذه المنطقة قد لا ترغب بفرض تلك الحكومة عليها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ذكر كوكس ان المتطرفين من القوميين العرب سوف يستاؤون من ذلك التصرف وسيعارضونه.
وهكذا فأن كوكس يقلق من وجود معارضة من الاقليات في تلك الدويلة العازلة المقترحة من قبل تشرشل، على نوع الحكومة التي ستؤسس فيها فكيف لا يقلق كوكس من معارضة تلك الاقليات مضافا اليها السكان الكورد في تلك الدويلة من ان تفرض عليها حكومة عربية في بغداد قد لا ترغب بها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهو يخشى من رد الفعل الذي سيظهر من المتطرفين العرب ولا يحسب حسابا للرغبات والمطاليب التي اطلقها الوطنيون الكورد في المطالبة بالحرية و الاستقلال على ارضهم وبلدهم، والتي ملأ بها الكورد المؤتمرات المنعقدة في باريس وما قدموه من مذكرات الى ممثليات تلك الدول ومضافا اليها ردود الفعل الوطنية من حركات قام بها الشيخ محمود الحفيد في كوردستان الجنوبية وحركات اخرى في اجزاء اخرى من كوردستان كانت تطالب بالحقوق المشروعة لمواطنيهم في تكوين كيان خاص بالكورد.
ان صدى معاهدة سيفر ينعكس على السياسة البريطانية في كوردستان الجنوبية. فعند التمهيد لاجراء الاستفتاء لانتخاب المجلس التأسيسي، اقترح المندوب السامي البريطاني في بغداد السر بيرسي كوكس في كتاب صدر في تموز 1921م فيما يخص اشتراك المناطق الكوردية في هذه الانتخابات، ان الحكومة البريطانية تفسح المجال لهذه المناطق للاشتراك او عدمه في انتخابات المجلس التأسيسي حسب منطوق معاهدة سيقر رغم انه اوضح في النهاية رغبة الحكومة العراقية في انضمام هذه المناطق اليها وعدم انفصالها عنها. وبعد تنصيب فيصل ملكا على العراق فقد اثار بدوره مستقبل المسألة الكوردية في كوردستان الجنوبية ومدى علاقتها بالسلطة الحاكمة في العراق وذلك في مقتبل فترة توليه ذلك المنصب حيث تناقش مع المندوب السامي السركوكس حول ذلك الموضوع.
ففي ذلك النقاش تساءل الملك فيصل عن السياسة الحقيقية للحكومة البريطانية خاصة وان هناك حركة استقلال كوردية واسعة في كوردستان تركيا وايران فهل ان كوردستان الجنوبية ستنفصل بشكل تام عن العراق وتلتحق بالكورد الشماليين، وعندها ماذا سيكون هدف الحكومة البريطانية، وذكر كوكس مبدأين تم على اساسهما مناقشة هذه القضية في مؤتمر القاهرة، الأول هو ان الحكومة البريطانية ترى من مصلحة العراق وجود حاجز قوي تمثل بمناطق كوردية تحت النفوذ البريطاني تمتد بين العراق وايران. أما المبدأ الثاني فهو اعتبار هذه المناطق جزءا لا يتجزأ من العراق مع تعيين موظفين كورد وادارتها من قبل المعتمد السامي بالتشاور مع الحكومة العراقية، اما رأى كوكس نفسه فيمكن تلخيصه بالرغبة في مشاركة المقاطعات الكوردية في انتخابات المجلس الوطني بشرط توفير اتفاق محلي باشراف بريطاني، وطلب اخيرا من حكومته ان تهتم بالموضوع وان تقوم بدراسته، وجاء رأي وزارة المستعمرات مثمنا آراء كوكس وفيصل مع التذكير بعدم ارغام الكورد على أن يحكمهم العرب اذا لم يريدوا هم ذلك.
وهنا يتضح المسار الذي تم وضعه في مؤتمر القاهرة بشأن المسائل الكوردية والذي حرصت فيه الادارة البريطانية ان يتم فيها ضمان ادارة ذاتية للكورد في كوردستان الجنوبية، هذا من جهة ومن جهة اخرى كانت بنود معاهدة سيفر الخاصة بكوردستان ماتزال ماثلة للعيان وتعطي لهذا الجزء من كوردستان خصوصيته في الانضمام مستقبلا لدولة كوردستان، وليس الحاقها بالحكومة العراقية كجزء منها، ويتضح ذلك اكثر من رد وزير المستعمرات في ضرورة ان تراعى رغبات الكورد في هذا المجال. (سروة أسعد صابر، كوردستان من بداية الحرب العالمية الاولى الى نهاية مشكلة الموصل، ص151 – 159).
ومن جهة أخرى يذكر الأستاذ جرجيس فتح الله أنه جاء في المذكرة التي قدمتها (دائرة الشرق الأوسط) للجنة السياسة في (مؤتمر القاهرة آذار 1921) ما يلي:
رأينا القويّ. أنّ المناطق الكوردية الخالصة القوام يجب أن لا تدخل في الدولة العربية التي ستقام في ميسوبوتاميا (العراق الحديث)، بل يجب العمل من جانب حكومة صاحب الجلالة وبقدر المستطاع على تشجيع مبدا الوحدة الكوردية، ورعاية الهوية القومية للأكراد. إنّ امتداد المنطقة التي ستتيح لحكومة صاحب الجلالة المجال والقدرة على مواصلة هذه السياسة، سيعتمد بحكم الضرورة على الشروط النهائية لتسوية سلمية مع تركيا. ومهما بلغت هذه المنطقة الكوردية من مساحة فاعتقادنا أن سيطرة حكومة صاحب الجلالة ستسهل بوجود نوع ما من نظام كردي مركزي، يلحق به مشاور سياسي بريطاني.
على أن يكون هذا المشاور السياسي البريطاني مرتبطاً بالمندوب السامي البريطاني في ميسوبوتاميا - أي العراق - ومن خلاله ستكون صلته بحكومة جلالته.
في اجتماع اللجنة في القاهرة يوم 15-03-1921م تحدث (السير برسي كوكس) حول محتويات مذكرة (دائرة الشرق الأوسط) فقال إنّ الكورد هم أغلبية (وهذا اعتراف ضمني من قبل البريطانيين بالشعب الكوردي)، سواء في منطقتي كركوك والسليمانية والمناطق الشمالية من ولاية الموصل التي تؤلف جزءً لا يتجزأ من العراق فاعترض (هربرت يونكَ) واقترح إقامة دولة كوردية فوراً ومن دون تأخير وأن توضع تحت الوصاية المباشرة للمندوب السامي البريطاني في العراق ولا أن تكون جزءً من العراق الجديد أو ضمن مسؤولية حكومته (العراق الجديد). وأيدّه (ميجر نويل) في ذلك.
وكان من رأي (ونستون تشرشل) وزير المستعمرات أنه يفضل حكماً ذاتياً كاملاً لكوردستان الجنوبية Home Rule فقد يكون من المفيد لخلق دولة كوردية عازلة بين الضغوط التركية من (الخارج) وبين قيام حركة عراقية معادية لبريطانيا من (الداخل) وأعرب عن موافقته لما أبداه من رأي كلَّ من (هربرت يونكَ) و(ميجر نويل). وعقب بقوله إنّ حكومة عربية في المستقبل العراقي ومن ورائها جيش عربي ستتجاهل الطموحات والأماني للشعب الكوردي وستضطهدها كأقلية، وأضاف يقول محذراً إن لم يتح للشعب الكوردي المجال ليحكموا أنفسهم بأنفسهم وصُير (أجبروا) إلى إلحاقهم بالدولة العربية الجديدة (العراق الجديد) فإن أي أمير شريفي (نسبة إلى شريف مكة ويقصد هنا فيصلاً) مهماً بدأ ديمقراطياً.
ومتسماً بروح الحياد ما أن يجد نفسه أصبح في موضع قوة، ليس ببعيد أن يقف في سبيل الطموح القومي للشعب الكوردي ومصالح الكورد كأقلية عنصرية ولذلك يبدو ألا سبيل وتوفيقاً للمصلحة البريطانية إلا إقامة دولة كوردية مستقلة عازلة Buffer State بين العراق الجديد وتركيا الحديثة.
وختمت اللجنة في القاهرة اجتماعها بتبنّي توصية (هربرت يونكَ) في إبقاء جنوب كوردستان منفصلاً عن العراق الجديد، وساند هذا الاقتراح كل من (ونستن تشرشل) و(ميجر نوئيل) والعقيد (لورنس) وهم الأغلبية وعارض (السير برسي كوكس وكَيرترود بل- مس بيل)، ولم يؤخذ رأي السكرتير (بابكوك) ولم يتدخل في المناقشة، إلا أن الأكثرية وضعت قيداً احترازياً مجاملة (للسير برسي كوكس) هو أن يبقى هذا القرار غير معمول به حتى يتيسر الوقت (بعد ثلاث سنين؟) ليتهيأ للكورد رأي تمثيلي قد يحبذ أو لا يحبذ الانضمام إلى العراق الجديد العربي.
واستقر الأمر في الأول من مايس/أيار عام 1921م على هذا الأغلبية حبذت أو أرادت في الواقع جنوب كوردستان منفصلاً عن العراق الجديد العربي على أن توضع مسؤوليته على عاتق المندوب السامي البريطاني في العراق وساندت دائرة الشرق الأوسط في وزارة المستعمرات ووزيرها ونستن تشرشل في هذا الموضوع مساندةً قوية.
إلا أن سياسة مضادة تصيب المرء بالدوار حقاً قدر لها أن تطفو على السطح خلال الأشهر القلائل التالية من عام 1921 تم خلالها تمييع قرار الأكثرية في مؤتمر القاهرة آذار 1921م بل تجميده ثم تصفيته وتفضيل خطة (السير برسي كوكس) بالأخير وتطبيقها بكل الكوارث التي نجمت عنها وكان (السير برسي كوكس) صاحب الدور الرئيس بمساندته ومعاونته (كَيرترود بل) مس بيل (السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق العربي الجديد).
قيل أن (برسي كوكس) كان واقعاً في أسر الإفتراض بأن العراقيين القوميين العرب أصلاً لا يريدون كوردستاناً مستقلة وتحت تأثير فكرة الصعوبة التي سيواجهها في إيجاد زعيم كردي طيّع متمثل للأوامر البريطانية إلى حد مناسب لإنشاء هذا الكيان الكوردي المستقل (الدولة الكوردية المستقلة) وربما كان مأتى سياسته هذه الإصرار العربي على أنه لا يمكن عمل دولة عربية جيدة (العراق) من ولايتي بغداد والبصرة فقط.
ويجب أن لا ننسلى رأي مستشار وزارة الداخلية العراقية )سي. جي. أدموندز( بهذا الخصوص عندما يقول: إن المطلب الذي وضعناه أمام مؤتمر لوزان ليس حماية أقلية وإنما تزكية وتثبيت حق الحياة لشعب عظيم حرّ مستقل داخل بلاده الخاصة به.( سي. جي. أدموندز، كورد وترك وعرب، ص416).[1]