الحاج ابراهيم الحاج فتاح قادر الزنگنة
المناضل القومي، رجل السلام الاجتماعي، الانسان والاب المكافح
مقدمة:
هذه المقالة هي عبارة عن لمحات اساسية ومختصرة من تاريخ الحياة السياسية والاجتماعية لاحد الشخصيات البارزة اللامعة في منطقة جنوب كوردستان و تحديدا في جلولاء.
ابراهيم الحاج فتاح هو احد الشخصيات البارزة في المنطقة على كافة الاصعدة، اجتماعيا، سياسيا و اقتصاديا. فقد كان ناشطا اجتماعيا في مجال السلام الاجتماعي و كان له الشخصية القوية ذات الكلمة المؤثرة والمسموعة لفض النزاعات و حل المشكلات الاجتماعية لكل من يطرق بابه سائلا المساعدة. كما ان له تاريخ حافل في النضال السياسي و المشاركة في حركة التحرير الكوردستانية بالصفتين، الرسمية كعضو في الحزب الشيوعي العراقي(منذ شبابه)، و غير الرسمية بعد ان ترك صفوف الحزب بشكل رسمي(بعد خروجه من السجن 1967) واستمراره في النضال القومي بشكل طوعي غير رسمي. لقد حكم عليه بالسجن السياسي مرتين و قضى عقوبة السجن لاكثر من خمس سنوات، ونفي و ابعد عن موطنه و تم ترحيله و تجريده من ممتلكاته من قبل النظام البعثي المقبور.
اما على الصعيد الاقتصادي، فقد كان رجلا عصاميا كون نفسه من الصفر بالعمل الشاق اكثر من مرة، و جمع ثروة لاباس بها لم ينعم به، بل ساعد الكثيرين و قدم يد العون لجميع من حوله، سواء من الاهل والاقارب او سكان المنطقة. لقد عاش خمسة وخمسين سنة فقط، وكان عمره القصير غنيا بالنضال و الكفاح و العمل الدؤوب.
- طفولة قصيرة و تحمل المسؤلية المبكر
ولد ابراهيم الحاج فتاح في عام 1932 في قرية قربلاغ التابعة لقضاء كفري لابوين من اعيان المنطقة. لقد كانت الدراسة صعبة انذاك مما وجب عليه الذهاب الى خارج القرية للدراسة، وقد مر بظروف صعبة نتيجة مرض والده فاضطر الي ترك الدراسة بعد الابتدائية، لاسيما انه كان الابن الوحيد لأبيه. توفي والده الحاج فتاح في1952 فاضطر الابن الى ادارة ممتلكات الوالد من ثروة حيوانية و اراض زراعية. انتقل بعدها الى القرية الجديدة شيخ لةنكةر واستقر فيها حيث كان عدد القاطنين فيها لايتعدى عدة بيوت.
- زواج مع نضال سياسي
تزوج ابراهيم الحاج فتاح من(عائشة) كريمة رجل الدين و السياسي القومي الملا سيد حكيم الخانقيني في 1953. لقد عاشت عائشة سيد حكيم وترعرعت في كنف عائلة مثقفة في مدينة خانقين، الا ان شهرة ابراهيم فتاح كونه شابا ذو شخصية واعدة و نفاذة و انسان يساعد الغير و يعمل بجد واخلاص, قد اقنع بنت المدينة و اهلها بهذا الزواج فانتقلت للعيش معه في القرية و سرعان ما ولد حب عامر بين الزوجين الشابين و تحولت الفتاة الصغيرة بنت المدينة الى زوجة وام وحبيبة رجل عاشت معه السراء و الضراء و كانت خير عون وسند له في كافة مفاصل حياته المليئة بالمتاعب. من هنا بدات الحياة السياسية و النشاطات المنظمة ضمن الحزب الشيوعي العراقي. ففي 1960تم ابعاد الزوج الى مدينة الرفاعي التابعة لمحافظة الناصرية جنوب العراق أثرعمله ضمن صفوف الحزب المذكور، و عاشا معا لمدة ثماني عشرة شهرا في تلك المدينة الصغيرة حيث كان لديهم ستة اطفال. عاد الى قريته شيخ لةنكةر بعد اصدار قرار بالعفو ليلقى القبض عليه مجددا ويسجن لمدة ثلاثة اشهر في قضاء كفري.
لم تثني التهديدات و النفي و السجن من عزيمته لذلك واصل العمل السياسي الى ان تم القبض عليه في 1963 وتمت محاكمته و حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات اخر وذلك في نفس اليوم الذي حدث فيه الانقلاب على الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم حيث قتل على يد الثوار.
قضى ابراهيم فتاح فترة سجنه في نكرة سلمان السيئة الصيت ولم يتم الافراج عنه بعد انقضاء مدة الحكم، لان النظام البعثي الفاشي قد اشترط عليه ان يوقع على وثيقة يتنصل فيها من افكاره وانتمائه للحزب الشيوعي العراقي وهو لم يفعل و كان قد قرر مع رفاق له انهم مستمرون بالنضال. طالت فترة السجن بعد مدة الحكم الى ان تدخل رفاق له في الحزب ممن كان لهم تأثيرا على السلطة الحاكمة أنذاك بسبب مكانتهم الاجتماعية والسياسية، فافرج عنه خالي اليدين من عمل و املاك في 1967.
- العودة الى الوطن و البدء من نقطة الصفر
خرج ابراهيم الشاب ذو الخمسة و ثلاثين عاما من السجن خالي اليدين. عاد الى قريته ليجد انه قد تم الاستيلاء على ممتلكاته. لم يهدا الشاب المعيل لاسرة مكونة من زوجة وستة اطفال و استانف حياته و بدأ من الصفر حيث انتقل الى بلدة جلولاء التابعة لمحافظة ديالى انذاك, و بدأت مع الانتقال صفحة جديدة من حياة مضنية لكن مثمرة من كافة النواحي منذ 1968.
افتتح محلا صغيرا في بوابة سوق جلولاء مقابل مركز الناحية لكي يكون تحت اعين ازلام حزب البعث ليراقبوا تحركاته ونشاطاته. وفعلا بدأ الشاب الطموح مسيرته الجديدة بكسب ثقة اهالي المنطقة بشخصيته الكاريزمية اللامعة النفاذة وببراعة اسلوبه في التعامل معهم و تفانيه و اخلاصه في العمل و ارادته القوية، وقد حقق نجاحا في ما كان يصبوا اليه و تحول الى مصدر الهام و ثقة الاهالي و طور تجارته و ازدهرت اعماله.
لقد عانى الكثير على يد حزب البعث من تهجير و ترحيل و سجن و قهر ولكنه حقق نجاحات كبيرة بفضل ايمانه بقضيته و ثقته بنفسه و كسب ثقة من حوله الى ان وافته المنية في متوسط العمر في 25-02-1987 عن عمر يناهز الخامسة والخمسين. وهنا اذكر مقتطفات من سيرة حياته من خلال ذكريات اولاده.
الابن البكر بؤلا ابراهيم فتاح، تخرج من كلية الادارة و الاقتصاد في جامعة السليمانية و قد جرح في الحرب العراقية- الايرانية و هاجر على اثر الاصابة الى اوروبا و هو يعيش هناك الان مع زوجته و ابنته. يقول بؤلا، لقد كان ابي مقربا جدا الي كوني ابنه البكر، لقد كنا بمثابة اصدقاء. لقد طلب منه الحزب الشيوعي العراقي في سنة 1972 ان يحمل مسؤلية الحزب في منطقة ديالى، فتحدث الي و تشاورنا الموضوع سوية و توصل الى قرار رفض فيه القيام بهذه المهمة و كان قد استقال من الحزب بشكل رسمي بسبب الضغوط السياسية وكم المشكلات التي كان البعثيون يفتعلونها. اتذكر مدى صلابته و تفكيره العميق و كيفية توصله الى هذا القرار. لقد كانت العائلة الصغيرة قد كبرت و اصبح الان ابا لثمانية اولاد، علاوة على عدم تمكنه من العمل بحرية بسبب كونه مراقبا من قبل اعضاء حزب البعث يشكل مستمر ومتشدد. ومن الجانب الاخر كان حبه لوطنه و ابناء وطنه و قيمه الكوردستانية الاصيلة دوافع قوية بداخله، لذلك قرر بحزم و ذكاء مواصلة العمل و النضال بشكل فردي وذلك بتقديم المساعدات للبيشمةركة سرا وبشكل طوعي.
يتذكر سرباز الابن الثاني كيف انه كان يسافر الى القرى التي كان فيها البيشمركة ليوصل لهم المؤن من طعام و ملبس و كيف كان يجد طريقه بخداع قوات الامن و نقاط التفتيش حيث كان يخبىء المواد في السيارة و ياخذ اخوتي الصغار ووالدتي معه لكي يشعر الامن بالخجل و لا يفتشوا السيارة حيث كان يخرج وقت الفجر مصطحبا اخوته الصغار نياما. لقد نجحت فكرته و ظل يواصل المساعدات الي قريتي ((عاليان و حاصل)) في منطقة الزنكنة و ((بويسانة سوور)) في منطقة شارةزوور. تؤكد الاخت الصغرى ميديا هذه المعلومة حيث كانت هي الطفلة النائمة في حضن الام. ميديا هي صغرى بنات الحاج ابراهيم تقول،اتذكر الاحداث فيما يشبه الحلم، لقد كان اخي نياز صغيرا حينها(وهو يصغرني بثلاثة اعوام)، كانت امي تحملني من الفراش في وقت متأخر من الليل و اثناء الفجر و كانت تقول لي بهدوء واصلي النوم في السيارة فنحن مسافرون و احيانا لم اكن استطيع مواصلة النوم فكان ابي يهمس لي بنعومة، تظاهري بالنوم عند اقتراب تقطة التفتيش، لكن الغريب في الامر انني اتذكر الاحداث و اتذكر كما لو انني كنت افهم الوضع و ادرك المخاطر فكنت اتصنع النوم و بعد نقطة التفتيش كنت اعود الي مرحي و سروري كوننا مسافرون الى البيشمركة.
تتذكر الام و الاولاد عدد المرات التي تم فيها اباحة بيتهم و ممتلكاتهم وترحيلهم قسرا، ففي 1975 قد تم ترحيل عدد من العوائل الكوردية الى منطقة الطارمية في جنوب العراق، وبعدها عادت العائلة الى جلولاء مرة اخرى ليتم ترحيلم الى الجنوب مرة اخرى في 1995 ولكنهم اضظروا الى رشوة ازلام البعث الفاشي هذه المرة، وفروا هاربين الى كوردستان واستقروا في اربيل.
- ذكريات نظالية ومرة
يروي كافة افراد العائلة من اولاد وبنات ابراهيم فتاح هذه الذكرى و بنفس الطريقة من امتزاج المشاعر مابين الشعور بالافتخار والالم والالتزام بقيم والدهم القومية الكوردستانية. فهم جميعا يصرون على الاشارة الى نقطة في غاية الاهمية لديهم، وهي: ابراهيم فتاح له ستة بنات و خمس صبيان و جميعهم يحملون اسامي كوردية على الرغم من سياسة البعث الشوفينية تجاه الكورد المتمثلة في التعريب والتهجير والترحيل قسرا، كان جميع اهالي جلولاء ومن يعرفهم يتعجب من اصرار هذا الرجل القومي على تسمية اولاده باسامي كوردية، فقد كان العرب يسخرون منهم وذلك لعدم قدرتهم على لفظها وفهم معانيها، كما ان الاسماء الكوردية كانت تسبب لهم المشاكل مع البعث في جميع الدوائر الحكومية و غيرها. لكن الطرافة في الموضوع هي الروح الطيبة الغنية و المليئة بالامل و الطموح في مستقبل دولة كوردية حيث كان ابراهيم فتاح يسمي اولاده حسب المناسبات، القومية او الشخصية، لكن اولاده جميعا يحملون ذكريات و معاني سامية لاسمائهم.
بؤلا، الابن البكر معناه الفولاذ، حيث ولد بعد وفاة الحاج فتاح و الاسم يرمز لصلابة ابراهيم الشاب الذي فقد والده و اصبح مسؤلا عن اعمال ابيه و ممتلكاته في مقتبل عمره و بدأ حياته الزوجية و السياسية ايضا.
كولزار التي تعني الحدائق الغناء هي البنت الآولى التي كانت رائعة الجمال وهي بمثابة الحديقة التي تجلب السعادة و الهناء للاسرة الصغيرة و الجديدة، بات صفة الاسم لصيقا لشخصية كولزار التي تحاول جاهدة الابقاء على العلاقات الطيبة بالاهل في كرميان منذ ان تركتها و تعيش الان مع زوجها و اولادها في هةولير. اما البنت الثانية، فهي مهاباد على اسم جمهورية مهاباد الكوردية، تعمل كمعلمة في هةوليَر. ياتي بعدها سرباز حيث تعني الجندي المدافع عن كوردستان وهو خريج كلية الزراعة و يعيش الان مع اولاده في اوروبا. ان ذكاء سرباز و تفانيه في حب العائلة و كوردستان قد جعله يحتفظ بارشيف غني من الصور النادرة و المعلومات القيمة التي لاتنتهي بهذه المقالة، وهو من اغنانا بالصور المرافقة للمقالة.
اشتي هو الابن الثالث، يعني السلام، كانت شخصيته وديعة و مسالمة و كان طول الوقت يعمل مع الوالد، تزوج في بداية التسعينات من القرن الماضي ورزق بثلاتة بنات و صبي الى ان وافته المنية في02-07-2015 ليترك جرحا لايندمل في العائلة، يعيش اولاده حاليا وزوجته في كلار حيث كان يعمل و يعيش هناك.
نيشتيمان، اي الوطن، البنت الثالثة التي سميت شغفا بكوردستان و كانت شخصيتها الحنونة و الخدومة بمثابة وطن لجميع الاخوة والاخوات والجميع يسميها الام الثانية، لقد توفيت بشكل مفاجيء و تركت جرحا اليما في 21-08-2012
افين، البنت التي في السن تقع وسط اخوانها و اخواتها تعني الحب الذي ينتصف العائلة، تفخر باسمها اكثر من بقية اخواتها واخوانها حيث ان لها اسما بالاضافة الى معناه السامي, بل انه حسب كلماتها: من الرائع ان اجد ابي الكرمياني قد اهداني اسما باللهجة البهدينية، مما عمق شعوري بحب و وحدة كوردستان، افين كاتبة صحفية وحاصلة على شهادة ماجستير في علم الاجتماع وتعيش الان في هةولير مع ابنها. اواز، اي النغمة هي البنت الناعمة كالنغمة الهادئة، تعمل كمشرفة تربوية و تعيش مع زوجها و ابنائها في العاصمة هةوليَر، و اراس سمي على اسم نهر اراس الذي عبره البارزاني و رفاقه، يدرس القانون و يقطن هةوليَر. اما ميديا، فقد سميت على اسم موطن الكورد الاصلي، وهي حاصلة على شهادة دكتوراه في علم الاجتماع وتعمل كاستاذة علم الاجتماع في جامعة سوران، وتعيش مع زوجها وابناءها في هةولير. و الاخ الاصغر نياز، التي تعني النية, فقد سمي بهذا الاسم و هو كشخصية، يعتبر مصدرا للعزم و النية الطيبة، فنان و ملهم الجيل الجديد في العائلة و خريج اكاديمية الفنون الجميلة. يعيش معظم اولاد و بنات ابراهيم فتاح الان في العاصمة هولير وهم متواصلون مع اهلهم في كةرميان و قد بنوا حياتهم الاجتماعية بنجاح في اربيل و جميعهم عازمون علي تكملة مابداه والدهم من حياة ناجحة و كريمة و حب و تفاني لكوردستان.
ملاحظة: لقد شارك جميع اولاده و بناته في جمع هذه المعلومات و كتابة المقالة.