ديرك/ هيلين علي
في أقصى زاوية من شمال وشرق سوريا، وعلى بعد ستة كيلومترات من قرية عين ديوار وحوالي 22كم عن مدينة ديرك وحوالي 100م عن نهر دجلة، مواجه “جزيرة بوطان” في باكور كردستان، يقع الجسر الأثري، الذي يعد من أهم المعالم الفريدة في المنطقة.
نتحدث عن الجسر الروماني أو “برا بافت أو بافد” كما يسميه الكرد وأهالي المنطقة، وهو أهم المعالم الأثرية في إقليم الجزيرة شمال وشرق سوريا، الذي تختلف الآراء حول عهد بنائه، وقد كان مؤلفاً من ثلاث قناطر، لم يبق منه اليوم إلا واحدة، وهي الوسطى مع الأبراج الاثني عشر، والتي تدل على أشهر السنة.
المؤرخ والباحث الكردي “بهجت أحمد” تحدث عن الجسر لصحيفتنا روناهي قائلاً:” إن الجسر كان مؤلفاً من ثلاث قناطر، الأولى ارتفاعها 16م وعرضها 11م والثانية بعرض 22م والثالثة بعرض 66م، ولم يبق من القناطر الثلاثة إلا واحدة وهي الوسطى مع الأبراج الاثني عشر التي تدل على أشهر السنة. بني الجسر من الأحجار البازلتية السوداء والجص في هندسة جميلة وفريدة، إذ كل حجر له رمز ويقابله حجر آخر من الطرف الآخر للجسر وله نفس الرمز”.
وتابع أحمد:” يوجد على جسم الجسر الجنوبي أبراج فلكية ذكر الباحث الألماني “أرنست هيزرفيلد” في أبحاثه سلسلة من ثمانية أبراج فلكية منحوتة، وأرخها بالقرن الثاني عشر الميلادي، ووصف الأبراج الحجرية حسب الرسومات النافرة عليها على الشكل التالي، وهي تبدأ من اليمين: “الميزان شرف زحل، السرطان شرف الجدي، القاهر شرف الجدي، الشمس شرفه الأسد، الزهرة شرفها الحوت، السنبلة شرف عطارد، القمر شرفه الثور، الجوزاء”، كما لم يبقَ من الأبراج أيضاً اليوم إلا بعض منها”.
بالنسبة إلى تسمية الجسر باسم الجسر الروماني يوضح أحمد: “يعود ذلك إلى اعتقاد الباحثين، ومنهم سيزري وأوكونور وغاليزو، إلى أنه بني في زمن السيطرة الرومانية على هذه المنطقة، وخاصة أن طراز البناء مشابه للعمارة الرومانية، أما بشأن التسمية المتداولة بين سكان المنطقة، أي “برا بافت أو بافد” فكلمة “بر” تعني الجسر في اللغة الكردية أما كلمة “بافد” فهي كلمة سريانية تنقسم الى مقطعين “با” وتعني البيت و”فد” وتعني الرياح، نسبة إلى كثرة الرياح التي تهب عليه قادمة من جبل جودي الموازي للجسر”.
وأضاف المؤرخ بهجت: “هناك إشكالية حول تاريخ بناء الجسر، إذ تدور الكثير من التفاسير والتحليلات حول تاريخ بناء هذا الجسر، ومنه الرأي الذي يقول بأن بناء الجسر عائد إلى زمن الملك الآشوري “سنحريب”، وأن سبب بناء الجسر هو من أجل ربط مناطق الدولة الشرقية مع الغربية، وكذلك تسهيل مرور العربات الحربية، أحد أهم أسلحة الآشوريين الحربية، وكذلك الأبراج الفلكية الموجودة على الجسر، وتشابه الجسر مع جسر ليس ببعيد عن موقع هذا الجسر، ألا وهو جسر في مدينة زاخو (برا دلال)، الذي بني على شكل مشابه لهذا الجسر، حيث عثر بالقرب منه على ألواح مسمارية كتبت باللغة الآشورية، ومن أصحاب هذا الرأي الباحث “هاري ساكز”، الذي تطرق إلى بناء الجسور في كتابه “عظمة بابل وآشور”.
وبين أحمد: “أن هناك من يقول بأنه بني زمن الرومان، حيث طراز البناء روماني، وكذلك المنحوتات الحجرية على الجسر التي تصور الأرقام الفلكية وعلامات الزودياك والفرسان، التي تنسب إلى العمارة الرومانية، ويدعم هذا الرأي ما يؤكده علماء الأثار بأن هذا الجسر بني لتصريف المياه وتسهيل حركة العبور، التي تميزت به العمارة الرومانية في المناطق التي توجد فيها أنهار”.
وتابع أحمد: “هناك الرأي الذي يعتبر بناء الجسر تم في العهد الساساني، حيث في عام 337م قاد الملك “شابور الثاني”، حملة كبيرة باتجاه الغرب فسيطر على شنكال، ثم تابع طريقه شمالاً حيث بنى مدينة سميت على اسمه لاتزال موجودة حتى يومنا هذا، وهي قرية “بيشابور في باشور كردستان بالقرب من نهر دجلة”، وبعدها تابع طريقه إلى الغرب ليحقق الانتصارات على الإمبراطورية الرومانية، وقد بنى إلى الشمال من مدينة بيشابور جسراً، وكان الهدف من بناء الجسر تسهيل عبور التجار والبضائع القادمة من طريق الحرير البري، التي كان فرعها الجنوبي يمر من تلك المنطقة قبل التوجه نحو آسيا الصغرى وسورية، وكان نهر دجلة عائقاً رئيسياً أمام تلك التجارة، إضافة إلى الوقوف في وجه الخطر الروماني وتسهيل حركة الجيوش الساسانية عبر الجسر، انطلاقا من “بيشابور” بدل المخاطرة بها عبر السير طويلاً لتجنب نهر دجلة”.
وأشار أحمد: “إضافة لما سبق، هناك من يقول بأن الجسر بناه الوزير أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني، حيث لم يكتمل بناؤه لأنه الوزير أبو جعفر الأصفهاني ألقي القبض عليه، ودعم هذا الرأي الكثير من الباحثين، ومنهم “أرنست هيرزوفلد”، وكذلك أورده ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ، ولكن ابن الأثير أشار إلى انتهاء العمل في الجسر في عام 1164م، أي بعد وفاة الوزير الأصفهاني بحوالي عام، رغم عدم وجود أي مصدر يؤكد أن العمل في بناء الجسر استمر بعد وفاة الوزير الاصفهاني.
ويعد الجسر الروماني “برا بافد أو بافت” وجهة سياحية مهمة في إقليم الجزيرة، حيث يقع في قرية سياحية، فعلى جانبي الطريق الواصل بين مدينة ديرك وقرية عين ديوار حيث الجسر الروماني، أقصى شمال شرق البلاد، تمتد سهول خضراء بين الكتل البركانية السوداء، تواجهه سلسة جبال طوروس، وأسفل الجسر يجري نهر “دجلة” الموغل في التاريخ، وهو مطل على جزيرة بوطان الملحمية.[1]