تواجه منطقة #سري كانيه#/رأس العين ومقاطعة #كري سبي#/تل أبيض بعد مضي نحو 3 أعوام على احتلالهما خطراً يهدد هويتهما السورية، وذلك مع استمرار السعي التركي على الأرض لتحويلهما إلى مناطق تركية والعبث بتركيبتهما السكانية والعمل على زعزعة استقرار المنطقة عبر شن الهجمات انطلاقاً منهما وابتزاز أكثر من مليون شخص في الحسكة بسلاح المياه.
مضت نحو 3 أعوام على #احتلال تركيا# منطقة سري كانيه/رأس العين ومقاطعة كري سبي/تل أبيض، ففي العام 2019 احتلتهما بعد هجوم شنته في ال 9 من تشرين الأول، وأدى إلى تهجير 300 ألف شخص من سكانهما.
أرادت تركيا تحقيق جملة من الأهداف باحتلال كري سبي وسري كانيه، أبرزها القضاء على الإدارة الذاتية وما حققته من مكاسب على الأرض، والأهم من كل ذلك، المضي في سياسة احتلال كامل الشمال السوري.
إحياء الميثاق الملي
لا يزال بعض مسؤولي دولة الاحتلال التركي يحلمون بإعادة العهد العثماني، وما رافقه من احتلالٍ لأراض شاسعة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومع المتمسكين الحاليين بزمام السلطة في تركيا هنالك مساعٍ لتحقيق ذلك الحلم عن طريق إحياء وتطبيق ما يعرف ب الميثاق الملّي.
ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى وخسارة الدولة العثمانية البائدة معظم الأراضي التي احتلتها، اجتمع بعض القومويين الأتراك ووضعوا تصوراً للأراضي التي يزعمون أنها تعود بأصلها إلى الأتراك، وذلك لإقامة وطن قومي لهم.
ذلك ما نتج عنه وضع ما يسمى ب الميثاق الملّي، الذي ينص على أن أراضي من روج آفا وشمال سوريا وجنوب كردستان وأجزاء من اليونان وأرمينيا تعتبر أراضٍ تركية.
لكن المتغيرات والتحديات التي واجهتها الدولة العثمانية آنذاك حالت دون تحقيق ذلك الهدف، ثم كانت اتفاقية لوزان عام 1923 لتضع الحدود الحالية للدولة التركية لمؤسسها مصطفى كمال أتاتورك.
في حين أن ذلك لم يضع نهاية لأحلام التوسع لدى الدولة الفاشية التركية، فالنقاشات في الداخل التركي لدى بعض القومويين تٌظهِر الحفاظ على تلك الأحلام، فلا يزال يقال في الكثير من الأوساط إن حلب والموصل وكركوك ولايات تركية.
وقد تبنت سلطات حزب العدالة والتنمية الذي تحالف فيما بعد مع حزب الحركة القومية الفاشي هذه الأحلام، وعملت منذ بداية رياح التغيير في الشرق الأوسط انطلاقاً من العام 2010 على ذلك، فالبداية كانت من خلال دعم جماعات متطرفة تابعة للإخوان المسلمين بغية إسقاط بعض الحكومات في المنطقة للهيمنة عليها سياسياً، لكن بعد الوصول إلى قناعة تامة بعدم نجاعة تلك السياسة بدأت تركيا بالتدخل بشكل مباشر في المنطقة، فأرسلت قوات لاحتلال باشور (جنوب كردستان) وروج آفا شمال سوريا، وليبيا.
بعد احتلال جرابلس وإعزاز والباب وعفرين، توجهت تركيا لاحتلال سري كانيه وكري سبي في إطار مساعيها الهادفة إلى احتلال كامل الشمال السوري وبعمق لا يقل عن 30 كيلو متراً، كما هو الحال في جنوب كردستان.
فيما لا تزال دولة الاحتلال التركي تهدد باحتلال المناطق السورية شمالاً، وتواصل الحرب على الكريلا في باشور لاحتلال مساحات واسعة هناك، ما يؤكد النوايا التركية بإحياء ما يسمى بالميثاق الملّي.
استهداف المشروع الديمقراطي
اعتمدت دولة الاحتلال التركي منذ اليوم الأول نهج العداء ضد ثورة روج آفا التي عاشتها مناطق شمال وشرق سوريا، وذلك لأنها تناقضت مع مصالحها في سوريا؛ فتركيا التي لا تهمها مصلحة السوريين تبحث عن تدمير سوريا وشعبها على حساب احتلال أراض سوريا، ووضع البلاد كلها تحت الهيمنة والوصاية التركية.
إلا أن الثورة في روج آفا واعتماد مشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية في التنظيم والإدارة والحماية، كان ولا يزال يمثل عائقاً أمام مساعي التوسع التركي وتطبيق الميثاق الملّي، لذلك أعلنت دولة الاحتلال التركي الحرب على أبناء المنطقة.
في البداية أطلقت تركيا يد وكلائها النصرة وداعش ومجموعات من الجيش الحر لمهاجمة روج آفا، لكن بعد فشل تلك الهجمات، تدخلت بنفسها واحتلت مناطق جرابلس وإعزاز والباب عام 2016 وعفرين عام 2018 ثم كري سبي وسري كانيه عام 2019، ولا تزال تسعى لاحتلال المناطق السورية.
ترى دولة الاحتلال التركي في المشروع القائم في شمال وشرق سوريا خطراً يهدد الديكتاتورية والشوفينية التي قامت على أسسها الدولة التركية، فهي ترفض التعدد والديمقراطية وتخشى من تسلح الشعبين الكردي والعربي بالفكر المستنير ما يقطع الطريق أمام الهيمنة التركية على العقول والجغرافيا.
فأحد الأهداف التركية في سوريا هو السعي لإحداث فتنة بين الشعب السوري على أساسٍ عرقي، ومحاولة خلق صراع كردي – عربي، وما يثبت هذه الفرضية هو إقدام دولة الاحتلال التركي على تهجير الكرد بعد احتلال المناطق السورية بشكل مباشر، وتوطين أسر المرتزقة من مناطق سورية أخرى.
ويمثل هذا التوجه التركي خطراً على السلم في الشرق الأوسط والعالم، إذ أن رفض تركيا للتعددية والديمقراطية والمساواة بين المكونات سيكون من شأنه تأجيج الأزمات في المنطقة واستمرار الصراع والحروب إلى ما لا نهاية.
بينما يمثل المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا فرصة أمام الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط للعيش بكرامة والحصول على حقوقها المسلوبة وتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق.
تغيير ديمغرافي - تتريك - نموذج للفوضى!
استكمالاً لسياسات الاحتلال، اتجهت تركيا فور احتلالها للمناطق السورية إلى تغيير تركيبتها السكانية بشكل يضمن لها إنشاء بيئة حاضنة للاحتلال لضمان استمراره، فهجرت غالبية السكان الكرد من المناطق المحتلة، كما طردت العرب الذين رفضوا سياسات الاحتلال التركية.
في عفرين وبحسب بعض الإحصائيات، انخفضت نسبة الكرد من 90 بالمئة إلى ما يقل عن 25 بالمئة، والحال لا يختلف في سري كانيه وكري سبي وغيرها من المناطق المحتلة.
فدولة الاحتلال التركي أقامت العشرات من المستوطنات على أراضي السكان الأصليين الذين هجرتهم بدعم من منظمات دولية، وتخطط مؤخراً لترحيل الآلاف إلى المناطق المحتلة لإسكانهم في الوحدات السكنية الاستيطانية.
رئيس دولة الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان قال في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ال20 من أيلول/سبتمبر المنصرم، عن إقامة دولة الاحتلال التركي 100 ألف منزل، ووجود خطوط لبناء أكثر من 200 ألف مسكن في 13 منطقة تحتلها في شمال سوريا ستوفر عودة مليون شخص إلى سوريا، وفق مزاعمه.
ويحصل أردوغان على دعم دولي مباشر وصريح لعمليات التغيير الديمغرافي التي يستهدف فيها هوية المنطقة وتركيبتها السكانية بشكل يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية ويمثل جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي.
إلى جانب ذلك، فسلطات الاحتلال تعمل على تتريك المناطق المحتلة بشتى الوسائل، انطلاقاً من إصدار بطاقات تعريف تركية، إلى تغيير العملة من الليرة السورية إلى التركية، ورفع الأعلام التركية وصور أردوغان والقادة العثمانيين، وتحويل أسماء المدارس والشوارع والحدائق إلى أسماء تركية عثمانية.
كما يتردد وزير داخلية دولة الاحتلال التركي سليمان صويلو إلى جانب مسؤولين أتراك رفعي المستوى بشكل دوري في زيارات إلى داخل الأراضي السورية المحتلة، كما لو أنها ولايات تركية.
لكن دولة الاحتلال التركي وعلى عكس ما تزعمه بشأن إقامة ما تسمى ب المنطقة الآمنة، حولت المناطق التي تحتلها شمال سوريا إلى بؤرة للفوضى والتطرف، وعممت اللااستقرار ليصبح من واقع حال الحياة اليومية للسكان المحليين.
إذ تشهد تلك المناطق انتشار المئات من المجموعات المسلحة المرتزقة. إذ تقتسم هذه المجموعات المناطق فيما بينها وتحكم المنطقة بالسلاح ويمارس مرتزقتها جرائماً وانتهاكات يومية بحق السكان من قتل وتعذيب ونهب وخطف ثم الإفراج مقابل دفع فدية مالية.
بيد أن هذا النموذج الذي أقامته دولة الاحتلال التركي في تلك المناطق يمثل صورة أولية للشكل الذي تريد تركيا أن تكون عليه سوريا، حيث الفوضى والدمار ومشاهد القتل والدماء والصراعات الداخلية في كل مكان وفيما بين الجميع، بشكل يمثل تحدياً حقيقيا لمساعي الحل في سوريا.
العبث بالتاريخ
ولتغيير الحقيقة على الأرض في المناطق التي احتلتها تركيا وتنوي البقاء فيها طويلاً، تعمل دولة الاحتلال التركي على العبث بتاريخ المنطقة من خلال تخريب المواقع الأثرية ونبشها ونهب محتوياتها، وذلك سعياً لتغيير الحقائق التاريخية.
ففي مقاطعة كري سبي/تل أبيض جرف الاحتلال التركي ومرتزقته ونهبوا عدة مواقع أثرية في المقاطعة منها تلة الدهليز بناحية سلوك، وتل صهلان الأثري بقرية خربة الرز، وموقعين في قرية حمام التركمان هما مدينة الفاو والصبي الأبيض، بالإضافة إلى السماح للصوص الآثار بالتنقيب في مواقع أخرى.
كما أجرت قوات الاحتلال التركي عمليات حفر وتنقيب عن الآثار في تل حلف الذي يعود تاريخه إلى الألفية السادسة قبل الميلاد واستخرج لقى أثرية وفخارية لم يعرف إلى أين نقلت فيما بعد، لكن يرجح أن الآثار المسروقة من المواقع الأثرية تنقل إلى داخل الأراضي التركية بإشراف من جهاز الاستخبارات.
كما أفادت مصادر أخرى بقيام المجموعات المرتزقة بالبحث عن الآثار في أحياء المحطة والعبرة والكنائس في سري كانيه بحجة البحث عن الأنفاق، وذلك بعد نحو عام من احتلال المنطقة.
ويعتبر معلم تل حلف الأثري من أحد المعالم التي تدل على عراقة وقدم التاريخ الكردي في المنطقة، لذلك فإن دولة الاحتلال التركي تسعى لطمس وإمحاء هذا التاريخ.
تهديد حياة مليون شخص في الحسكة
منذ اليوم الأول لاحتلال منطقة سري كانيه/رأس العين ودولة الاحتلال التركي لم تكف عن مهاجمة المنطقة بشتى الوسائل، وكانت إحدى هذه الوسائل استخدام محطة مياه علوك التي تغذي مدينة الحسكة بالمياه كسلاح ضد المنطقة وشعبها.
ففي أواخر آب/أغسطس المنصرم، قطعت تركيا للمرة ال 28 المياه عن الحسكة التي يقطن فيها أكثر من مليون نسمة، وذلك في ظل انتشار الأمراض المعدية في المنطقة، بشكل يخالف القوانين والأعراف الدولية والمبادئ الإنسانية.
يتماشى ذلك مع الاستهداف التركي اليومي بالطائرات المسيّرة لمناطق شمال وشرق سوريا إلى جانب عمليات القصف المدفعي والصاروخي على طول الحدود، والتي تسبب على الدوام خسائر مادية وبشرية، إلى جانب حبس مياه الفرات عن سوريا والعراق والسعي من وراء ذلك إلى ضرب الحياة في المنطقة وتهجير السكان لاستكمال مخطط احتلال كامل المنطقة.
(د)
ANHA
[1]