آزاد كردي_
لم يعد من العسير أن نفهم الآن، لماذا تصر الإدارة الذاتية على مقاضاة عناصر تنظيم #داعش# الآن؟ ولماذا تعاود بين الفينة والأخرى طرحه على الأقل إعلامياً؟ على الرغم مما يشكله هذا الملف من عبء وخطر كبيرين على المنطقة إلى الآن، ومن الواضح أن” محاكمتهم” هو العمل الوحيد الصحيح.
للإدارة الذاتية كل الحق بأن تقاضي عناصر من تنظيم داعش بعد كل الذي فعلوه بالسوريين في فترة سيطرتهم على مساحة واسعة من الجغرافية السورية. فداعش لم يكن ليستطيل ويتمدد بهذا الاتساع خلال برهة من الوقت لولا الدعم الذي يتلقاه من المحتل التركي الذي لعب دور الأم المغذية لوجوده واستمراره عبر إمداده بالعتاد والسلاح والتمويل والدعم اللوجستي بأن يكون غولاً وبيدقاً خطراً لينفذ كل التحركات والأجندات التركية.
عناصر داعش مارسوا السادية بكل للكلمة من معنى إذ لم يمتلكوا شهية سفك الدم فحسب بل وصلوا في جرائمهم إلى حد الشراهة وعدم الشبع وخاصة من الشعب الكردي ولا سيما الإيزيديين. ومن هنا غلب على داعش التغني بنشوة القتل وسفك الدم من أي شيء آخر. فهم يعتقدون أنه كلما تم الاقتصاص وإبادة الكرد بأسلوب وحشي ودموي، فأنهم اقتربوا من تطبيق اليوتويبا المفضلة لديهم.
ومن الجلي القول إن داعش حاول تنفيذ مخططات الاستخبارات التركية الكونترا والميت فما عجزت عنه طوال عقود للإجهاز على الكرد نفذه تنظيم داعش بكل دقة متناهية. وبلغ من إرهاب داعش أنه يساوي بالإجرام المحتل التركي مع فارق بسيط أن الأول يقاتل نيابة عن الثاني بالوكالة. وإذا كان هناك حديث يجري في أروقة الإدارة الذاتية حالياً عن محاكمة عناصر من داعش فهو من الطبيعي شرعنة الحقوق أمام ذوي ضحايا ومفقودي تنظيم داعش.
وتتجه الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا إلى إجراء محاكمات لآلاف العناصر من تنظيم داعش المحتجزين لديها منذ سنوات، وجاء ذلك على لسان المتحدّث باسم دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، كمال عاكف، في تصريحات صحافية، بأن الإدارة الذاتية بصدد إجراء محاكمات لبعض عناصر تنظيم داعش المحتجزين في السجون لديها، موضحاً بأن المحاكمات ستشمل الذين ثبت ارتكابهم جرائم، ومن سُجِّلت بحقهم شكاوى، وتلطّخت أيديهم بدماء أبناء المنطقة.
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على هزيمة قوات سوريا الديمقراطية لتنظيم داعش بسوريا في مارس 2019، وأسر الآلاف من عناصره في سجون واحتجاز أفراد عائلاتهم في مخيم الهول، فأن ذلك يقود إلى التساؤل، ما دواعي رغبة الإدارة الذاتية لإجراء محاكمات لعناصر من تنظيم داعش الآن رغم أنها تجدد دعواتها تلك بين فترة وأخرى؟
للإجابة عن ذلك التساؤل ثمة هناك العديد من النقاط المهمة التي تجعل من إجراء المحاكمات لعناصر داعش ضرورة قصوى وأمراً ملحاً لا غنى عنه وهي وفق السياق الآتي:
تجاهل نداءات الإدارة الذاتية: منذ تحرير مناطق الإدارة الذاتية من إرهاب داعش وهي تطالب الأمم المتحدة لحث الدول التي لديها رعايا معتقلين في سوريا إلى الإسراع في ترحيلهم، والبالغ عددهم ثلاثة آلاف إرهابي ولأكثر من خمسين دولة، وهم الأكثر خطورة من الآخرين لما يملكونه من صورة خاطئة عن تنظيم داعش في سوريا أو العراق غير آبه بعقبى الأمور بالإضافة إلى تأثيرهم الكبير برعايا الدول في بلدانهم الأصلية.
تفكيك مخيم الهول: إن محاكمة عناصر داعش تعني بطبيعة الأحوال، فك مخيم الهول حيث وجدت الأرضية مع بدء عمل دولي مشترك لإغلاق مخيم الهول تحت رعاية الحكومة العراقية والأمم المتحدة، من خلال تشكيل أربع مجموعات فرعية عراقية ودولية، في مجالات “الحماية القانونية للأطفال”، “الأمن والمساءلة للبالغين”، “إعادة التأهيل”، “إعادة الاندماج والخدمات الانتقالية”، خصيصاً أن نصف المحتجزين في المخيم من العراقيين تقريباً. ولا شك أن فك مخيم الهول من شأنه خلق أريحية للإدارة الذاتية للالتفات إلى مجالات أخرى كالشؤون الإنسانية والأمنية والاجتماعية.
تحييد ما تبقى من داعش: لا يزال يراهن تنظيم داعش على العودة من جديد وأنه بمقدوره قلب الطاولة على قوات سوريا الديمقراطية واستعادة زمام الأمور بمساعدة المحتل التركي. وليس ببعيد عن هذا التوجه، ففي العشرين من شهر كانون الثاني/يناير، هاجمت مجموعات تابعة لتنظيم داعش، سجن الصناعة الواقع في الجهة الجنوبية لمدينة الحسكة أقصى شمال شرق سوريا، الهجوم الذي استمر لقرابة تسعة أيام، انتهى بمقتل العشرات من عناصر تنظيم داعش وبعض معتقليه داخل السجن، إضافة إلى استشهاد قرابة 140 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية وحامية السجن التابعة لها. وإذا أخذنا بالحسبان ازدياد عمليات تنظيم داعش ضد قوات سوريا الديمقراطية، مشكلاً حالة من الفوضى في عدة مناطق وبالأخص دير الزور.
إن محاكمة عناصر تنظيم داعش بعد كل هذه السنوات الصعبة، أصبحت ضرورة لا مناص منها في هذا الوقت بالذات ليس لأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تطرحه نظراً لرؤيتها في خطورة تجاهله من المجتمع الدولي في الفترة المقبلة بالمنطقة باعتبار أن مآلات تأجيله ستكون خطيرة للغاية وهو ما يتطلب من الإدارة الذاتية إنهاؤه بالمحاكمة، وكما يقال: “الباب الذي يجيء منه ريح سده واستريح”.[1]