عبدالله جعفر كوفلي
الكورد والصراع السني الشيعي
يبدو جلياً من مجريات الاحداث (السياسية والعسكرية) في العالم ان الحرب مرحلة من العلاقات الدبلوماسية بين المؤسسات والافراد وتنتج عنها افرازات عديدة بين رسم الحدود من جديد ومنح الحقوق للبعض على حساب الاخرين وضرب احلامهم ادراج الرياح وما ان تبدأ حرباً إلا وتفكر الاطراف لتحقيق اكبر الاهداف السياسية ببسط النفوذ وارغام الخصم بالرضوخ لمطالبه والسيطرة على الاراضي ومصادر الطاقة وتأمين مصالحها التجارية والاقتصادية والامنية.
اذاً الصراع قديم منذ وجود الانسان وصفة متلازمة معه وبات نمطاً من انماط حياته فهو في صراع مستمر مع بيئته وبني جنسه.
يبدو أن للسياسة في كل مرحلة أدواتها وأهدافها ففي اثناء الحرب العالمية الاولى وبعدها بدأت المؤتمرات تعقد والاتفاقات تبرم لتبدو خريطة الدول بشكل لم يسبق لها ولم تكتف الدول العظمى بالحدود الطبيعية بل رسمتها كما تشتهيها ومن اجل ايقاف المد الشيوعي الاممي والفعال في حينه فكرت تلك الدول بتأسيس الدول القومية ودعم الحركات التحررية القومية وفعلاً تم تأسيس الدولة التركية والفارسية والدول العربية وانشاء وطن قومي لأسرائيل في قلب منطقة الشرق الاوسط ونتيجة لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية حرمت القومية الكوردية من انشاء كيان مستقل من قوة وغطرسة القوميات المحيطه بها والانقسامات الداخلية للكورد انفسهم وادخل العالم في حرب باردة طالت لحوالي نصف قرن وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتغيرت معها مفاهيم عديدة وظهرت مصطلحات جديدة وباتت امريكا القطب الاوحد وتقرر مصير الشعوب في البيت الابيض وتصرفت كأنها سيدة العالم وامنها القومي في مأمن من التهديدات والاخطار ولكن لم تدم طويلاً فبعد احداث (11 سبتمبر 2001) بدأت امريكا تفكر باعادة رسم خارطة الشرق الاوسط وان التقسيم السابق لم يعد تجني الفائدة المرجوة ولكن هذه المرة على اساس طائفي بين المذاهب الاسلامية نفسها وخاصة المذهب السني والشيعي أي سنشهد ولادة دول سنية وأخرى شيعية واطلقت امريكا عنان ايران الدولة الشيعية والراعية للتشيّع والمدافعة عنه بالرغم من الصراع الظاهري القائم بين كليهما حيث ان نيران الصراع الشيعي السني كانت قائمة منذ فترة طويلة ولكنها برزت الى الوجود بشكل واضح في العراق بعد عام 2003 ووصلت ذروتها في اعوام (2006 و2007) بحرب اهلية غيرت من ديموغرافية المنطقة واعلنت ايران عن نواياها بالهلال الشيعي من ايران الى لبنان عن طريق العراق و سوريا واستفادت من مجريات الاحداث وظهور الجماعات الارهابية واخيراً (داعش) واليمن هي الاخرى تشهد هذا الصراع وفي دول الخليج يظهر بين فترة واخرى هذا الصراع و لكن في شكل مظاهرات واعتقالات وتكمن استفادة امريكا والدول الغربية من هذا الصراع في:-
تقليل خطر الاسلام على الغرب و دخول الاعداد الغفيرة من شعوبهم للدين الحنيف وانشغال المسلمين بهذه المأساة ونسيان دورهم الاساسي في الحياة.
جعل منطقة الشرق الاوسط سوقاً لبيع الاسلحة المتنوعة المحرمة استخدامها في دولهم في مقابل تأمين مصادر الطاقة لهم وخاصة النفط والغاز الطبيعي وغيرهما.
تأمين أمن اسرائيل باعتبارها جزءاً من امن امريكا ففي السنوات السابقة كانت اسرائيل في مرمى نيران الدول العربية والاقليمية المحيطة بها ولكن في ظل هذا الصراع تنسى هذه الدولة.
محاربة الفكر المتطرف (السني والشيعي) وجعله جبهتين متضادتين بعد ان كان يوحدهم الموقف من الغرب.
دعم الاقليات الموجودة في منطقة الصراع مثل المسيحيين وغيرهم.
المشاركة في اعمار ما دمرته الحرب الطائفية والاستثمار الاقتصادي في هذه المنطقة.
والسؤال المطروح هو ما مدى استفادة الكورد من الصراع القائم بعد ان فشلت جهودهم في المرحلة السابقة وهل يتمكنون من التمسك بمبادئهم القومية ويعملون من اجل بناء كيان قومي مستقل لهم، ام انهم سيدخلون الصراع مجبرين ويكونوا جزءاً من الصراع القائم وهل يشعر الغرب بمظلومية هذا الشعب القادر على تحقيق المعجزات ويدعمه في تقرير مصيره القومي وسط الانقسام الداخلي للقوى السياسية الكوردستانية بين جبهة سنية و اخرى شيعية غير معلنة ولكن تصرفاتهم تنذر بذلك بين من يرى نفسه قريباً من ايران الشيعية واخرين بجوار المحور السني من تركيا والسعودية وقطر وان ما يفرض نفسه هل ان جهود الكوردستانيين تهدر في هذه المرحلة كسابقتها ام ان القيادة السياسية ستكون في مستوى المسؤولية و تلعب دورها و هذا هو المنتظر منها لصعوبة الموقف والمرحلة، لأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى، وأن معركة تحرير الموصل التي نحن على ابوابها أوضح بصورة كاملة معالم هذا الصراع بين القوى المختلفة الداخلية والاقليمية ونحن على أمل بان القيادة الكوردستانية قادرة على العمل وتحقيق الانتصارات وسط الازمات وانقاض الصراعات وسنشهد ولادة كيان كوردستاني مستقل.[1]