#دياري صالح مجيد#
قضية لم تُعطى بعد بعدها الذي تستحقه فما بين القومية والمذهب تشتت اوصال قضية كان من الممكن ان تاخذ بعداً اهم واوسع لو احَسنَ القائمون عليها كيفية التعاطي معها وبما يلائم الوضع الاقليمي والدولي الحالي وبما يحقق العدالة المُغيبة دوماً عن سماء المدن والازقة التي يقطن فيها ابناء هذه الشريحة التي لا يُعرف بعد لها اي رقم يُعتد بذكره سوى تخمينات تزيد او تنقص بطريقة مُزاجية تصل احيانا الى حد المبالغة التي لا يستسيغها المنطق .
احدى اسباب ضياع هذه القضية لا تعود الى ما يُمارس في العراق ماضياً وحاضراً من تمميز تجاه ابناء هذه الشريحة الواسعة فحسب , وانما بفعل ضعف اداء العديد من المؤسسات التي نصبت نفسها ناطقاً رسمياً باسم الكورد الفيلية في العراق دون ان تكون في موقع يؤهلها للقيام بمثل هذا الدور المهم والحيوي من اجل ترسيخ مباديء انسانية جديدة افتقدنا لها في زمن كان يقوم في اساسه على امتهان الكرامة الانسانية بكل اشكالها وعناوينها المُثقلة بصور التعاطي البشع مع ملفات العديد من العراقيين ومنهم بالطبع ابناء هذه الشريحة التي تتقلب على جمر القومية ونار المذهب دون ان تحصد شيئا في هذا الصراع المرير الا الوعود تلو الوعود .
على اية حال لقد اخذني الفضول كثيراً واحببت ان اتعرف على اذا ماكان هنالك نوع من الاهتمام الغربي بهذه القضية التي كتب عنها العديد من المثقفين الاكراد منهم والعرب ( العراقيين ) على السواء وبطريقة تنم عن ابداع اولئك بشكل يستحق منا الاحترام والتقدير , لكن يبقى لأيصال القضية الى خارج حدود العراق وخارج اروقة القاعات المكيفة التي يجري فيها النقاش بشان هذه القضية , نحو عقول المفكرين العرب والاجانب , دور مهم وجوهري في ترسيخ عملية التعاطي الانساني مع ملف مهم من ملفات العراق التي لم يُعطى لها اي اهتمام حقيقي يُذكر خارج اطار المزايدات السياسية والدعاية الانتخابية الخاصة بها , لذا تفاجئت بان هذه القضية لا تشغل مساحة توازي حجمها الحقيقي لدى كتاب العرب والغرب على السواء , باستثناء بعض السطور البسيطة التي وجدتها في بعض المقالات القليلة جدا , ومنها مقال نشرته الكاتبة اليزابيث كامبل التي تعمل في المنظمة الدولية للاجائين وهي في الاساس منظمة انسانية في واشنطن وتعمل هذه المنظمة منذ اواخر سبعينيات القرن الماضي في مجال متابعة احوال اؤلئك الذين تسقط عنهم الحكومات الجنسية لاسباب سياسية , حيث يشير الموقع الرسمي لهذه المنظمة الى ان عدد اولئك الذين اُسقطت عنهم الجنسية في دول العالم المختلفة قد وصل الى 12 مليون نسمة , وهي مسألة جعلت من السيدة اليزابيث تختار التخصص بالشان العراقي ومشكلاته المتنوعة ومنها قضية الكورد الفيلية .
الامر المفاجيء في مقالة السيدة اليزابيث انها كانت تحوي , رغم كونها مقالة قصيرة ( انظر ترجمتنا لها في موقع الحوار المتمدن العدد 2997) , العديد من الاشارات التي تُظهر بوضوح حجم الاهتمام الذي افرزته هذه المشكلة من لدن الباحثة التي اشارت مثلا الى قانون الجنسية العراقية لعام 1924 ومن ثم الى القرار 666 الذي تم بموجبه اسقاط الجنسية عن هذه الشريحة وكذلك اشارتها المهمة لحقيقة كون من بقي من هؤلاء في العراق قد سٌلبت منهم المواطنة عبر مصادرة الوثائق العراقية التي تثبت كونهم عراقيي الاصل , وهي معلومات اقول جازماً لا يُعرف عنها الكثير في الاوساط الثقافية العراقية – العربية والغربية على السواء , اذا لا زال الكثير لا يعرف عن هذه القضية اي شيء غير تلك المعلومات المشوهة التي رسختها وسائل الاعلام المعادية للكورد عموما في اذهان الاخرين , والسبب هنا يعود ايضاً الى ضعف تواصل المنظمات الكردية مع الباحثين العرب والاجانب في توضيح الصورة وكشف الحقيقة عن هذه القضية .
هناك امر اخر يثير استغراب ودهشة المرء عندما يعرف بوجود عدد كبير من المؤسسات والمنظمات التي تقول انها ممثلة عن هذه الشريحة , لكن للاسف لم نجد فيها اي تعاون مع مثل كُتاب هذه المقالات من الاخوة والاخوات العرب والاجانب , فلا يوجد تكريم مثلا للعرب المناصرين للقضايا القومية غير العربية ولا يوجد احتفاء بمثل هذه الشخصيات وهي عديدة في العراق , كما لا يوجد اي اتجاه نحو ترجمة ما يكتبه الباحثون الغربيون وبلغات مختلفة حول هذه القضية وان كان مجرد سطور , اذ ربما يقود التعاون معهم في هذا المجال وعبر ارسال مقالات عربية مترجمة الى الانكليزية , الى توسيع دائرة الاهتمام بهذه القضية , على الاقل بهدف البحث عن عناصر ضغط داعمة باتجاه ضمان عدم تكرار ذات الماساة في المستقبل , اذا ما جاءت حكومة لديها ذات التوجهات من الكورد بشكل عام .
قبل فترة من الزمن كنت في حديث مع امراة كردية حول هذه القضية وقالت لي بان القضية الفيلية جزء اساس من مجمل القضية الكردية , لكن الفرق الوحيد ان ابناء هذه الشريحة كانوا الحلقة الاضعف في سلسلة التاريخ والجغرافية الكردية , لذلك استخدم النظام السابق كل الامكانيات المتاحة لديه في قطع هذه السلسة التي نجح في محاولة فرط عقدها بشكل كبير بتهجير الكرد الفيلية واسقاط الجنسية عنهم والعمل على ترويع وتشريد من بقي منهم في العراق , فكانت الكارثة التي تسببت في انهيار منظومة اجتماعية مهمة .
رأي لا يقل صواباً عن رؤية السيدة اليزابيث , لذا امنياتنا ان يجتهد كل من موقعه لخلق منظومة داعمة للقضايا المصيرية العربية منها والكردية على السواء في منطقة لا يحترم قادتها الاقليات ولا يؤمنون بحقهم في الحياة , وهو امر اضعف قضية هذه الشريحة العراقية المهمة وافقدها الكثير من عناصر الدعم التي هي اليوم بامس الحاجة اليها , لذا لا يسعنا في نهاية هذا المقال الا ان نعبر عن عظيم امتنانا للسيدة اليزابيث ومن يسير على خطاها , عل في ذلك نوع من التكفير عن الذنب الذي ارتكبته القيادات الامريكية و الغربية من تجاهل للقضية الفيلية , حيث كانت تقف موقف المتفرج من تلك التراجيديا القائمة على اساس التطهير العرقي , دون ان تحرك ساكناً في ذلك الحين وهو امر اخر يستحق الاهتمام على اعتبار ان العلاقات الدولية في ذلك الزمن لعبت دوراً عادةً ما يُسقط من الحسابات في مراجعة هذا الملف الخطير !! .[1]