=KTML_Bold=الإدارة الذاتية؛ النظام الذي يحطم درع مقدسات المستبدين=KTML_End=
تتعرض الإدارة الذاتية إلى حملة تشويه ممنهجة على كل الصعد. ورغم أن الدول الإقليمة تسعى منذ فترة طويلة إلى ضرب نظام الإدارة الذاتية من خلال الهجمات العسكرية والاحتلال والحصار وغيرها، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ من هي هذه الأطراف وإلى ماذا تسعى؟
الإدارة الذاتية هي نموذج إداري يحتضن جميع شعوب المنطقة تحت سقفها، حيث تضمن مختلف المجتمعات تمثليها ضمن هذه الإدارة. وعلى عكس نظم الدولة القومية التي لا تقبل أي كلمة للأفراد أو المجموعات أو الأحزاب، ولا تقبل حتى انتقادات صغيرة، فإن نظام الإدارة الذاتية يتّسم بالإرادة والموقف الجماهيري. ورغم أن معظم حملات التشويه لا تحقق أهدافها، ولكن من الأهمية بمكان معرفة كيفية إفشال حملات التشويه ضدّ الإدارة الذاتية، وكيف يمكن لأي فرد عادي ضمن المجتمع أن يطرح آرائه وأفكاره إزاء الإدارة الذاتية؟
بغض النظر عن أساليب القدح والذمّ، فإذا كان بإمكان الأفراد بكل هذه السهولة انتقاد النظام الذي يعيش فيه، فما الذين يعنيه هذا الأمر؛ هل هذا النظام جيد، أم أنه نظام سيئ بحسب وجهة نظر أولئك الذين يقودون حملات التشويه؟
بداية لا بد من الإشارة إلى مجتمعات الشرق الأوسط قائمة على أسس الهيمنة والاستبداد، والرفض والعقاب وضمان مصالح الدولة القومية. وإذا كانت الدولة القومية التي تأسست في القرن العشرين لا زالت قائمة وقادرة على الاستمرار، فإن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى نظام الاستبداد والتفرد والمركزية. وإلّا ما كان بإمكان أي نظام استبدادي أن يبقى على رأس السلطة لمدة 20 أو 30 عاماً متواصلة. وما كان للقمع والاضطهاد والظلم أن يتحول إلى نمط وشكل للحياة، وما كان للمجتمعات أن تستكين بهذه السهولة.
الدولة القومية قائمة بشكل أساسي على القمع والاضطهاد. والقمع والاضطهاد يهدف على بناء مجتمع يخدم مصلحة بعض الفئات والشرائح. وهذه هي حقيقية دولة البوليس، ودولة الجيش أو دولة العصابات. هذه الميزة والخاصية، ورغم الاختلافات التباينات من دولة إلى أخرى فإنها الميزة الأساسية والنظام السائد في جميع دول الشرق الأوسط.
وبناء عليه، دعك من أن ينتقد الأفراد الدولة أو يطالبوا بمحاسبتها على هذا النظام السائد، بل إنه ليس بإمكان الأفراد حتى التعبير عن أنفسهم. ففي تركيا على سبيل المثال، يواجه من ينتقد رئيس الجمهورية عقوبة السجن. والوضع ليس مختلفاً في الدول الأخرى. لأن الدولة مقدسة. والدرع الذي يحمي هذه القداسة هي عنف السلطة، والقمع والاضطهاد وفرض الاستسلام، وكسر الإرادة وفرض العبودية. وكل كلمة ضد الدولة المقدسة تعتبر جريمة بالنسبة لنا. الدولة المقدّسة هي الدولة التي يستمد فيها رئيس الدولة المقدّسة، أو رئيس الوزراء من تلك الدولة.
أما الجانب الآخر فهو جانب معاكس ومختلف تماماً. وبمعنى آخر فإن بديل الدولة المركزية، أو الدولة القومية، هو الأمة الديمقراطية. والنظام القائم اليوم في مناطق شمال وشرق سوريا يعتبر نواة الأمّة الديمقراطية.
في نظام الأمّة الديمقراطية تكون المجتمعات هي صاحبة الإرادة والقرار. الإدارة لا تكون من الأعلى كما هي الحال في الدولة القومية، بل يتم تنظيم الإدارة من الأسفل. السلطة الأعلى في الإدارة مجبرة على تنفيذ القرارات التي أقرّتها إرادة المجتمع. وعليه فإن الأشخاص الموجودون على السلطات العليا، إنما موجودين من أجل خدمة المجتمع، وليس من أجل السلطة. وهذا المجتمع ليس مجتمعاً متفرداً، بل مجتمع قائم على مشاركة جميع المكونات. لا طبقات، لا استغلال. وعليه لا يوجد أسياد وخدم. القوانين يتم سنّها بما ينسجم مع الوحدة الديمقراطية للمجتمع والمساواة بين الشعوب. ويتم فرض العقوبات على الأشخاص الذين يعملون من أجل ضرب هذه الوحدة الديمقراطية، أو تعمل على تقسيم المجموعات الإثنية و المعتقدات و الثقافات، أو تهمشها أو تعاديها. من حق الجميع توجيه الانتقادات للنظام، أو التحدث عن النظام، وهذا الحق مقدس مكفول للجميع.
فإذا كانت الإدارة الذاتية هي كما وصفناها أعلاه، فإنها على عكس الدول القومية المستبدة والمركزية، تجسد هوية الأمة الديمقراطية. ولهذا السبب فإن الأطراف التي تعتبر الدولة القومية أداة لا بد منها من أجل البقاء في السلطة، تواصل عدائها لنظام الأمة الديمقراطية. وتعمل هذه الأطراف على تشويه سمعه الإدارة، والتشهير بها، وإطلاق الدعاية المضادة التي تعتبر من أهمّ أسلحتها. وكلما نجحوا في تعكير المياه، فإنهم يضمنون البقاء على رأس السلطة لفترة أطول.
وإذا أمعنّا النظر فإننا لن نجد أشخاصاً يستطيعون التعبير عن رأيهم وتوجيه الانتقادات في أي دولة قومية، بقدر ما هو موجود ضمن حدود الإدارة الذاتية. فكل شخص يوجه النقد بكل سهولة إلى الإدارة الذاتية يمكنه ملاحظة الفرق الشاسع بين النظامين. يكفيهم فقط أن يتذكّروا النظام السابق الذي كانوا يعيشون فيه. فعلى سبيل المثال خلال فترة حكم النظام البعثي في سوريا، كان كل كلمة صغيرة ضد النظام كافية لتكون سبباً لفرض العقوبات، أما في الإدارة الذاتية فالأمر مختلف. كما يمكن لكل فرد ضمن الإدارة الذاتية أن يعبّر بكل أريحية عن ثقافته ودينه ومذهبه وانتمائه العرقي. وهذا الأمر من مستحقات الشخصية الحرة. ولكن في تركيا مثلاً، الكل أتراك، وهذا ما يفرضه دستور الدولة التركية القومية. وعدا ذلك فإن الجميع معرض للعقوبة بسبب هويته، ومعتقده ولغته، والقوانين هي التي ترسخ هذا الأمر.
ولكن لهذا الأمر أيضاً بعض العقبات، فالنسبة لنا، نحن الأشخاص الذين نطالب بالحرية، من الأهمية بالنسبة لنا أن نقوم بالمقارنة بين النظامين. لأننا يجب أن نخدم الأشخاص القائمين على السلطوية، والرأسماليين الذين يستغلون كدحنا. ويجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل إيجاد نقد بناء دون الوقوع تحت تأثير الدعايات السوداء التي تروج لها الحرب الخاصة، وأن نعمل حين يلزم الأمر أن نجعل من النظام أكثر ديمقراطية.
إذاً علينا أن نكون يقظين، لأن المتسلطين يتربصون بنا، وينتظرون أي فرصة أو وقت يتاح لهم للعودة وفعل كل ما بوسعهم من أجل تحقيق مصالحهم.
يجب أن ندرك جيداً أن المستبدين يعملون على الدوام لاستغلال الاختلافات الاجتماعية ضد بعضها البعض، وتواصل سلطتها على هذا الأساس. وهم يظهرون أنفسهم بأنهم الأشخاص الذين يرغب بهم الجميع، وأن كل من حولهم هو أشخاص خطرين. إذاً فإن علينا أن لا نضع جهودنا، ولا مشاعرنا، ولا قيمنا المعنوية في خدمة أولئك الأشخاص الذين لا يهمهم سوى تعزيز سلطتهم واستمرارها.
يجب أن لا تكون آلامنا، ومعاناتنا أو مقدساتنا في خدمة الرأسماليين والمتسلطين وأن لا تكون أداة من أجل الاستعمار. من المؤكد إن هناك ضرورة للنقد الحاد أيضاً من أجل تحقيق نظام أكثر ديمقراطية وحرية. ويجب تصحيح الأخطاء، وأن يعمل النظام على تحقيق الأفضل دون الخروج عن النهج الأساسي. ولكن يجب أن لا تصبح آلامنا ومستحقاتنا ونواقصنا أيضاً أداة في يد شخص لتحقيق المنفعة. مثل هؤلاء الأشخاص والمجتمعات هي التي يمكنها تجسيد الوطنية الحقيقية أو الإنسانية والحرية الحقيقية.[1]