رغم الخلافات لكن يجمعهم العداء للكرد
إبراهيم حميدي: لم يبد الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري #صالح مسلم# اي قلق من أي تعاون سوري – تركي ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والإدارة الذاتية التي تدير مناطق شمال سوريا وشمالها الشرقي، بدعم من التحالف بقيادة اميركا. لكنه أعرب عن الارتياح من التقارب العربي مع دمشق. وقال: نحن لسنا منزعجين من العلاقات السورية – العربية - الكردية بل نرحب بها.
نتمنى على الأقل لهذه المصالحة، أو التقارب، أن لا يكونا على حساب الشعب السوري. وأضاف: النظام يريد إعادة سوريا إلى ما قبل 2011 وهذا غير ممكن. لذلك أعتقد أن موقف الدول العربية يجب أن يكون مشروطا ببعض القوانين الديموقراطية وعلى الأقل احترام الشعب السوري واحترام مكوّنات سوريا في الحل السياسي والقرارات الأممية الصادرة، القرار 2254 وغيره، وأعتقد أن الدول العربية ستضع بعض الشروط على دمشق.
وسئل عن الحوار مع دمشق، فأجاب: كان هناك حوار قبل فترة والآن لا حوار. الاخوان العرب الآخرون، نأمل أن يساهموا في هذا الموضوع ويحثوا الرئيس بشار الأسد على مناقشة الأمور للتوصل إلى حل معين. وأضاف أن قوات قسد قدمت التضحيات لأجل السيادة والحماية السوريتين ربما أكثر من الجيش السوري. فلماذا لا تكون نواة الجيش السوري المستقبلي لسوريا الديموقراطية. وعن العلاقة مع اميركا، قال: بعض الناس يردد أننا عملاء للولايات المتحدة. نحن لسنا عملاء لأميركا ولم نتلق يوما أوامر منها. أميركا أتت إلى سوريا عندما اقتضت مصلحتها ذلك ونحن مصلحتنا تطلبت التعاون. وقال إنه في حال انسحاب أميركا من سوريا، لن يسمى ذلك خيانة. لأن الخيانة تحصل عندما يعطونك وعدا ويخلفون الوعد. هم لم يعِدونا يوما بالحماية، ويقولون علنا إننا لن نحميكم ولن ندافع عنكم ولن نحارب تركيا من أجلكم.
وعن روسيا، قال مسلم: لدينا علاقة قديمة معها طبعا، وكنا نتمنى أن يكون الروس وسطاء وأن يفرضوا الحل بحكم علاقتهم مع الحكومة السورية. وهنا نص الحديث الذي جرى عبر الهاتف في 18 أبريل/نيسان:
الإدارة الذاتية نموذج للحل في الشرق الأوسط
هناك مبادرة سياسية أطلقتها الإدارة الذاتية لحل الازمة السورية، كيف ترى مستقبل هذه الادارة في شمال وشمال شرق سوريا؟
الإدارة الذاتية نموذج للحل في الشرق الأوسط، حيث كانت هناك مشاكل وتعقيدات. فالحرب العالمية الأولى بدأت من الشرق الاوسط ولا تزال النزاعات مستمرة هناك، والدولة القومية لم تُعزَّز حتى الآن. تقدّم الإدارة الذاتية نموذجا غريبا عن كيفية تعايش الشعوب، ونتمنى أن ننجح فيها فنثبت الأمور ونرسخها بحيث تنتشر أخوّة الشعوب ونصبح نموذجا ليس فقط لنا بل لكل سوريا والشرق الأوسط.
تقصد انها نموذج بديل من الدولة القومية؟
في بدايات القرن العشرين، كانت هناك ثلاث امبراطوريات عالمية تتحارب في ما بينها: الفرنسية والبريطانية والعثمانية، والأخيرة عُرفت بالرجل المريض. من هنا انطلقت الفكرة: ما البديل من الرجل المريض؟ فكان الاقتراح، لنؤسس دولا قومية ونضع فيها أعواننا لإدارة تلك البلاد فنحصل على خيراتها. الانتدابان الفرنسي والبريطاني على المنطقة كان لتعليم الشعوب كيفية إدارة أمورهم ثم نصّبوا أناسا لا يتعارضون مع مصالحهم. الدول القومية كانت لخدمة قوى الهيمنة العالمية.
احتكرت الدول القومية السلطة وتقاسمت الثروات مع القوى الخارجية، فوقعت النزاعات بين تلك الدول، واستمرت حتى بعد الحرب العالمية الثانية.
الآن تريد الشعوب أن تكون لها كلمتها، وأن تكون السلطة نابعة من الشعب. أوروبا تنبّهت إلى هذا الأمر، إذ أدركت بعد الحرب العالمية الثانية أن لا جدوى من الدولة القومية التي تفتحت بذورها مع الثورة الفرنسية وانتشرت في كل أوروبا، وتسبب التنازع في ما بين الدول إلى مقتل ملايين البشر. فكان لا بدّ من التوصل إلى حل يقوم على اعتراف كل دولة بقوميتها وخصائصها وعلى انشاء الاتحاد الأوروبي ورفع الحدود بين الدول التي أصبحت تتنافس بالأموال بدل الدماء. هذا هو التوجه العالمي، وأثبت وعي الناس أن القتال غير مفيد ويدخل في خدمة احتكار السلطة والثروة.
العصب الأساسي للإدارة الذاتية
لكن العصب الأساسي لالإدارة الذاتية هو القومية الكردية، فكيف يمكن التوفيق بين الأمرين؟
القومية الكردية عانت كثيرا. كردستان التاريخية كانت فيها شعوب كثيرة. الناس الذين عاشوا بين الأكراد منهم من انصهر ضمن بوتقتهم عبر التاريخ، لكن عندما حان وقت تأسيس الدولة لم يعترفوا بكردستان ولا بالوجود الكردي.
هناك 4 مناطق، والكل يحاول الاستقواء على الكردي فيها: السوري يريد تذويبه والسيطرة عليه، وهذا ما يفعله العراقي والتركي والايراني. جميعهم أنكروا الكردي وأنكروا كردستان.
الفقير يناضل من أجل حريته، لكن الكردي هو الأكثر معاناة عبر تاريخ الدولة القومية ومآسيها الدولة ومجازرها، من حلبجة (في شمال العراق) وغيرها، إلى آلاف القرى التي تشرد أهلها واضطروا إلى الهجرة. هناك الآن نحو ثلاثة أو أربعة ملايين كردي في أوروبا، والأكراد منتشرون في كل بقاع العالم، وهم تركوا كردستان التي نُهب فيها كل شيء. الكردي مهجّر في بلده وعارٍ وجائع، لذا يضطر الى الهجرة. الكرد هم الأكثر معاناة من التذابح ومن الدولة القومية الفاشية، لذا هم الأكثر بحثا عن الحرية وعن وسيلة عيش كريمة مع جيرانهم حتى لا يُهانوا. وجدوا أن الأفضل أن يعيشوا معا كجيران ويتقاسموا رغيف الخبز بدل أن يتقاتلوا لاحتكار السلطة والثروة. وهذا ما بادرنا به في شمال وشرق سوريا.
قائد ملهم... ومفكر
ما هي علاقاتكم مع الأقاليم الكردية الأخرى بأوضاعها المختلفة؟
علاقتنا مع الأحزاب الأخرى في كردستان هي علاقة أبناء وطن واحد وقومية واحدة ودماء واحدة وتاريخ مشترك ولغة مشتركة وثقافة مشتركة.
لكن منذ بداية القرن العشرين أصبح كل جزء في كردستان يسيطر عليه غريب: في سوريا البعثيون، الكماليون في تركيا، صدام سابقا في العراق، والشاه سابقا في إيران. كل جزء يبحث عن الحل المنفرد الذي يناسبه.
يستعملون الكردي السوري ضد الكردي التركي، والكردي العراقي ضد الكردي الايراني.
أصبحوا يستغلون الكردي ضد الأكراد الآخرين بحسب حاجاتهم. فلنتفاهم على الأقل في ما بيننا، لكي لا نكون موضع استغلال، فلا يحصل تقاتل بين الأخوة.
هذه الناحية مهمة، ونحن لا نتهم أي حزب آخر، بل نتجنب المواجهة، ونريد أن نحافظ على الأخوّة والصداقة، ونتعاطف ونتعاون، وهذا هو الأمر السائد في جميع أجزاء كردستان.
ما هي العلاقة بزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان؟
هو مفكر وفيلسوف، خرج من قلب المعاناة الكردية. إنه شخص عاش مأساة الشعب الكردي في كل خلية من خلاياه، وتفاعل معها منذ نعومة أظفاره. إنسان ذكي وحكيم وذو فكر. خلال عيد النوروز عام 1973 راودته فكرة إنشاء حزب مع مجموعة مخلصين، فشكلوا حزب العمال الكردستاني سنة 1978. ثم انتشر الحزب وبدأ بالكفاح المسلح في شمال كردستان في 1984، وتوسع، ولاقى شعبية جارفة في جميع أجزاء كردستان. لذلك هو قائد ملهم ومحرك للشعب الكردي الذي يفتخر بأن لديه شخصا بهذه المواصفات ويملك القدرة على قيادة مسيرة الديموقراطية.
عبدالله قائد ملهم وليس قائدا ميدانيا، يعطي أفكارا وفلسفة، وهناك من يقتنع بأفكاره، وثمة أحزاب كثيرة حتى من المعارضين وغير المعارضين تتبنى أفكاره، وفلسفته أصبحت عالمية ولم تعد كردية فقط.
نحن في حزب الاتحاد الديموقراطي نعتبره رائد الفكر للأمة الديموقراطية التي نصنعها الآن.
أوجلان يقيم الآن في معتقل تركي، وتتهم تركيا ودول أخرى حزب العمال الكردستاني بأنه تنظيم إرهابي...
أُسِر أوجلان بمؤامرة دولية (في بداية 1999 بعد اخراجه من سوريا نهاية 1998) اشتركت فيها قوى عالمية في مقدمها دول الناتو وخلية تابعة للحلف. عندما يكون شخص واحد في طائرة وتُغلق كل المطارات الأوروبية في وجهه حتى لا يتوجه إلى المحكمة الدولية في هولندا، هذه دلائل تشير إلى أن كل قوى حلف الأطلسي وغيرها وراء أسره وتسليمه إلى تركيا. تركيا تلعب دور حارس السجن فقط. العزلة المفروضة على أوجلان صادرة من قوى الهيمنة العالمية التي تدير سجن إمرالي.
حزب العمال الكردستاني لن يقف ضد مطالب الشعب الكردي في شمال كردستان وتركيا، وعندما حمل السلاح فعل ذلك بعدما سُدّت في وجهه جميع الأبواب، السياسية والديبلوماسية وحتى الثقافية. شعب محاصر وملاحق ويسجن، لا بد أن يبحث عن مجال، لذا توجه بعض الشباب الى الجبال للدفاع عن أنفسهم. قد يكون بعضهم قتل عملاء في صف العدو الذي يحاربهم في بيتهم، في بداية ظهورهم في 1984 - 1985.
التخطيط كان لإقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير
تركيا عضو في الناتو، الذي يمثل قوى الهيمنة العالمية، وهو تعاون مع تركيا كي تطلق صفة الإرهاب على حزب العمال الكردستاني، على الرغم من أن الحزب لم يقم بأي عملية ضد الأميركيين أو الأوروبيين. الدول الأوروبية تصف الحزب بالإرهاب تعاطفا مع تركيا، وليس لأي سبب آخر. فالحزب لم يقم بأي عملية إرهابية ضد أي دولة من الدول أو ضد فرد من الأفراد، لم يهاجم أبراجا ولم يقتل جنودا ولا يزال لديه حتى الآن مراكز تدريب شتى في جبال كردستان، وهي لحماية الشعب الكردي فقط.
المؤامرة الدولية حيكت للقبض على أوجلان، خلال سنة 1998 لأن التخطيط كان لإقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير. وجدوا أن الرجل يمكنه أن يغيّر المعادلة لأنه استطاع جمع الصوت الكردي الذي يضم أكثر من خمسين مليون كردي في الشرق الأوسط، وأظهره كقوة. لم يكن للكرد مكان في الشرق الأوسط الكبير الذي كانوا يعملون على إنشائه. ورأوا أن أوجلان بقوته وحزبه وبإحيائه للشعب الكردي سيكون مؤثرا جدا في المعادلة، وهذا ما لم يكن في الحسبان، لذلك قرروا التخلص منه، باعتقاله وتسليمه إلى تركيا. أرادوا التخلص من العقبة التي يمكن أن تواجههم في مشروعهم لالشرق الأوسط الكبير.
الأكراد قاوموا مع الفلسطينيين
كانت هناك علاقة قديمة بين حزب العمال ودمشق، ثم قطعت العلاقة. الآن ثمة وساطة روسية بين دمشق وأنقرة، واجتماعات أمنية سورية – تركية. هل أنت قلق من هذا التعاون؟
تعاون حزب العمال الكردستاني مع النظام السوري لأن هناك أحداثا تفرض نفسها عبر التاريخ. أو هناك ظاهرة معينة تحاول الإفادة منها والبناء عليها. عندما ظهر حزب العمال الكردستاني عام 1978 كانت الأوضاع غير مستقرة في تركيا وكانت هناك توقعات دائمة بحدوث انقلاب عسكري بين يوم وآخر. ثمة تجربة سابقة بالنسبة إلى اليسار التركي عندما ظهر عام 1970 كانت له علاقات مع المنظمات الفلسطينية. في 1979 – 1980 مع الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا، أقام الأكراد علاقات مع المنظمات الفلسطينية، حتى أن بعض الرفاق حصلوا على هويات فلسطينية استعلموها للانتقال إلى لبنان. هذا ما حصل وليس عبر الدولة السورية. وكانوا وجودين ضمن المنظمات الفلسطينية في لبنان، وعندما حصل الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 قاوموه. الفلسطينيون هربوا إلى بيروت وتعرضت بيروت لحصار دام أربعة أشهر. الوحيدون الذين ناضلوا وقاوموا. كانوا من الموجودين وبينهم الكرد وجماعة حزب العمال الكردستاني ضمن المنظمات المقاومة، وكانت لديهم معسكرات في البقاع. وهم دافعوا.
هل قاتل أوجلان الاسرائيليين؟
رفاقه طبعاً قاتلوا الاسرائيليين. وسقط 13 شهيدا منهم في قلعة الشقيف. هم ماطلوا وقاتلوا واسرائيل عرفت أن الأكراد يقاومون مع الفلسطينيين. بعد عودتهم إلى المعسكر في البقاع طالبهم الجيش السوري، كما فعل الفلسطينيون بالمغادرة. الأكراد رفضوا مغادرة المعسكر وقالوا إن رفاقا لنا استشهدوا في لبنان ونحن باقون هنا ولن تتمكنوا من اجبارنا على المغادرة.
اتفقوا على إعطاء الأكراد منطقة معينة لإنشاء معسكر لهم. في ذلك الوقت أسست سوريا بعد الاجتياح عام 1983 - 1984 علاقة مع حزب العمال الكردستاني كونه يضم مقاتلين ومحاربين. سوريا أرادت انشاء صداقة للإفادة منهم ضد تركيا، وهذا ما حدث. في سوريا حتى الآن لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه زوّد الحزب المال أو السلاح. سوريا كانت فقط تستطيع منع الآخرين من مهاجمة المواقع الكردية. تركوا المجال مفتوحا لتركيا لمحاربة الأكراد، ومن جهة أخرى كانوا يسهّلون الحصول على ورقة مهمة لعناصر من أجل عبور السلاح من لبنان عبر الحدود وتسهيل عبور مجموعات بين لبنان وسوريا أيضا. تلك كانت العلاقة بين الحزب وسوريا.
سوريا لم تقدم لا المال ولا السلاح إلى حزب العمال الكردستاني. كان هناك تنسيق سياسي بينهما حسبما تتطلب المصلحة السورية ومصلحة الحزب. وذلك للتوضيح.
تركيا معادية منذ ذاك الوقت، وعندما يتطرق الأمر الى المسألة الكردية، يخرج الأتراك عن طوعهم ويفقدون صوابهم لأنهم يعرفون أنه إذا قوي الكردي فقد يثأر للمجازر التي ارتكبتها تركيا في حق الأكراد، من 1925 حتى اليوم. مئات الآلاف من الكرد ذبحوا، والأكراد يشعرون بالحقد وبأنهم تعرضوا للخيانة.
الخلافات بين الأتراك والسوريين كبيرة، لكن يجمعهم العداء للكرد
هل أنت قلق الآن من تعاون تركي – سوري ضدكم؟
عندما جرى الحديث عن لقاء بين (الرئيسين) بشار الأسد ورجب طيب أردوغان وعن تقارب بين النظامين السوري والتركي وصفناه بالزواج القسري. العداء بين الطرفين قديم، منذ ضمّ لواء اسكندرون وحتى من زمن الانتداب الفرنسي. هناك مآس كثيرة تعرض لها السوريون على يد الدولة التركية والفاشية التركية ولن تُلغى بجرّة قلم. في خصوص مسألة أوجلان عندما وقعوا اتفاقية أضنة (في 1998) بين رئيس شعبة الأمن السياسي في سوريا ورئيس المخابرات التركية، كانوا يريدون القضاء على كل شيء كردي ضمن سوريا. ولذلك خوفهم من المسألة الكردية يتزايد. البعثيون سياستهم معروفة وما كانوا يمارسون ضد الكرد.
الخلافات بين الأتراك والسوريين كبيرة، لكن يجمعهم العداء للكرد. لا أعرف إن كانوا سيتوصلون إلى اتفاق، لكني أرى أن الظروف الموضوعية غير متوفرة والتوازنات غير متوفرة. ونحن نعتبر أنفسنا سوريين ونريد بعض الحقوق للشعب السوري بمن فيه الشعب الكردي. لا عداء مع الدولة السورية واليوم أعلنت الادارة الذاتية برنامجها: سوريون يدعون إلى بعض الديموقراطية ليتنفسوا. لذلك إذا حدث أي تقارب بين الأتراك والسوريين، فسيكون على حساب الكرد وعلى حساب الشعب السوري، وآنذاك لن يكون أمامنا إلا المقاومة فلا وسيلة أخرى. أنا متوجس طبعا.
مستقبل الادارة الذاتية
ما هو مستقبل الادارة الذاتية إذا حصل التعاون بين انقرة ودمشق؟
من الناحية العسكرية ليس الأمر من مسؤولياتي، ولكن بحكم معرفتي بشعبنا فإن قوات سوريا الديموقراطية (قسد) تستطيع الدفاع عن نفسها. من ناحية أخرى، علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هناك احتمال 1 في المئة للتعاون بين انقرة ودمشق، ويجب أن يكون لدينا قلق حتى نقدر أن ندافع عن أنفسنا. أجد أن الاحتمال ربما أقل من واحد في المئة.
خلال شهر مايو/أيار هناك انتخابات تركية، هل تتوقع قبل تلك الانتخابات عملية عسكرية تركية في شمال سوريا أم تتوقع تفاهما سوريا - تركيا خلال هذا الشهر؟
لا أعرف، الأوضاع ضبابية ولا شيء واضحا. الاجتماع دونه عوائق كثيرة. لديَّ رأي في الانتخابات التي ستجري، والنظام التركي الحاكم في أضعف حالاته من الناحية الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية. الانهيار الحاصل في تركيا، اقتصاديا وديبلوماسيا وسياسيا، سببه المسألة الكردية والحرب التي تشنها تركيا على الشعب الكردي منذ ثماني سنوات، دمرت كل القرى في كردستان، في شمالها وغربها وجنوبها في الجبال. هذه الحرب دمرت تركيا. أي بلد يدخل في حرب يدفع الثمن. هذا بالإضافة إلى المشكلات التي تواجهها تركيا سياسيا وديبلوماسيا من الناحية العالمية نظرا إلى خرقها حقوق الانسان وعدم التزامها أي مبادئ أخلاقية أو انسانية أو اتفاقات دولية، إلى درجة أن القرارات التي تتخذها محكمة حقوق الانسان الأوروبية لا تطبق في تركيا.
أردوغان ضعيف داخليا وخارجيا والجميع ينتظر رحيله. لذلك يمكن أن يقوم بأي خرق أو أي شيء، ومن ضمن ذلك القيام بعملية عسكرية في سوريا، لزيادة شعبيته. أنا لا أتوقع ذلك، لأن تركيا لا تستطيع الاستمرار في هذا الوضع، لكن على الرغم من كل شيء علينا أن نكون مستعدين وجاهزين للدفاع عن أنفسنا.
خلال شهر مايو/أيار هناك قمة عربية وهناك تطبيع عربي مع دمشق. ما هو موقفكم من هذا التطبيع مع دمشق؟
نحن لسنا منزعجين من العلاقات السورية – العربية - الكردية بل نرحب بها. وعندما كنا ضمن هيئة التنسيق الوطنية (تكتل سوري معارض في دمشق) كنا أول من دعا في بداية الحرب السورية إلى مناقشة القضية السورية في الجامعة العربية بدل أن يتدخل فيها أطراف آخرون. وربما كنا كحزب أول من دعا إلى ذلك وتوجهنا إلى الجامعة العربية ونحن لسنا منزعجين من التقارب. لكن نجد من الصعب أن يأتي العالم العربي لإعادة العلاقات مع النظام السوري كأن شيئا لم يكن، بعد كل المآسي التي حصلت وكل الخراب الذي جرى وسقوط مئات آلاف الشهداء وتهجير الملايين. نجد هذا الأمر صعبا، وفيه ظلم في حق الشعب السوري.
نتمنى على الأقل لهذه المصالحة، أو التقارب، أن لا يكونا على حساب الشعب السوري. فالنظام لا يزال على ذهنيته التي نعرفها والتي نتعامل معها، لا يزال يريد إعادة سوريا إلى ما قبل 2011 وهذا غير ممكن. لذلك أعتقد أن موقف الدول العربية يجب أن يكون مشروطا ببعض القوانين الديموقراطية وعلى الأقل احترام الشعب السوري واحترام مكونات سوريا بالحل السياسي والقرارات الأممية الصادرة، 2254 وغيره، وأعتقد أن الدول العربية ستضع بعض الشروط (لاستئناف العلاقات مع النظام السوري).
كان هناك حوار مع دمشق، والآن لا حوار
هل هناك حوار بينكم وبين دمشق؟
كان هناك حوار قبل فترة، والآن لا حوار. نتمنى أن تأخذ الحكومة السورية مبادراتنا في الاعتبار وتبدأ مشوارا جديدا. الاخوان العرب الآخرون، نأمل أن يساهموا في هذا الأمر ويحرّضوا الرئيس بشار الأسد على مناقشة الأمور للتوصل إلى حل معين. الآن لا حوار. في الماضي القريب، قبل أشهر، كانت هناك لقاءات لكن ذهنية النظام لا تزال هي نفسها، وتتمثل في العودة إلى ما قبل 2011.
نحن جزء من سوريا أولا، والثورة السورية قامت لتطالب بالديموقراطية والحرية للشعب السوري، ونحن نلتزم الديموقراطية والحل السلمي. المشروع الأهم هو مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية، وهو نموذج لسوريا المستقبل. ما ندعو إليه، تطالب به مناطق سورية مختلفة. الكل أصبح يطالب بالإدارات الذاتية التي تقوم ضمن دولة واحدة وحكومة مركزية وسلطات تابعة. تبقى نقطة واحدة هي أن المواطن السوري لم يعد يقبل بأي شيء إن لم يكن شريكا في القرار السياسي. لم يعد ممكنا أن يتفرد مجلس معيّن بالقرارات السياسية. يجب احترام إرادة الشعب السوري وقراراته.
قسد قدمت التضحيات لأجل السيادة السورية
ماذا عن مستقبل قسد؟
قسد قدمت التضحيات لأجل السيادة السورية والحماية السورية ربما أكثر من الجيش السوري، ولكن هناك صراع على المناطق التي حررتها قسد من الإرهاب ومن تركيا. قسد أكثر فاعلية من الجيش السوري، فلماذا لا تكون نواة الجيش السوري المستقبلي لسوريا الديموقراطية.
تجربة السودان وليببا والعراق يبدو أنها عززت مواقف الحكومات العربية في اتجاه تعزيز ودعم السلطة المركزية؟
هنا يكمن الخطأ، نحن نعتبر أن هناك احتكارا للسلطة، والجيوش العربية، في ظل القومية، تحمي السلطة والثروات، ولا تحمي الشعب. الجيوش تحمي السلطة ولم يحصل أن حمَت الشعب. رأينا في سوريا عندما تعرضنا لتهديدات، كيف ترك الجيش المناطق وتوجه إلى دمشق لحماية النظام وحزب البعث. ليس هذا الجيش الذي نريده. قوات سوريا الديموقراطية (قسد) تريد حماية الشعب وليس حماية السلطة. نرى نتيجة احتكارات السلطة في السودان، حيث الشعب مغلوب على أمره، غير منظم، لا يعرف كيف يتصرف وليس هناك مؤسسات. جاءت قوى وتسلّطت على الشعب. حميدتي (محمد حمدان دقلو) و(عبد الفتاح) البرهان لا يتنازعان لمصلحة الشعب السوداني. كل منهما يحتكر جزءا من السلطة والثروة ويحاول الحفاظ عليه.
إذا لم تأتِ السلطة المركزية من الشعب، وفق مؤشرات معينة، وإذا كانت لا تمثل الشعب، فستكون علّة عليه. يجب مقاربة الأمر حدسيا؛ السلطة المركزية وجيش لحماية السلطة، غير الجيش الذي يحمي الشعب والدولة.
الغطاء الاميركي
يبقى جانب مهم وهو العلاقة مع الأميركيين. رئيس الأركان الاميركي مارك ميللي كان موجودا في شمال شرق سوريا، هل قدم لكم تأكيدات أن الوجود الاميركي قائم ومستمر؟
رئيس الأركان جاء من أجل مسألة عسكرية والتقى بأقرانه من أجل محاربة الإرهاب وليس من أجل أي مسألة أخرى. ونحن كسياسيين لم نلتقِ به ولم نعرف بزيارته إلا بعد مغادرته سوريا.
العلاقة هي علاقة مصلحة بين طرفين، أميركا لها مصلحتها ونحن لنا مصلحتنا. المصلحة المشتركة كانت محاربة الإرهاب في كوباني. تدخل الأميركيون ووجدوا أننا نحارب الإرهاب عن صدق، لأنها مسألة وجود بالنسبة إلينا، ووجدوا أننا القوة الفعالة، فقرروا التعاون معنا، وهذا التعاون لا يزال مستمرا.
أميركا حاولت إيجاد قوة أخرى صادقة معها في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط، وحاولت تشكيل كتائب تدريب زودتها الأموال والأسلحة لكنها فشلت كلها. إذا أرادوا فعلا القضاء على الإرهاب والحفاظ على مصالحهم في الشرق الأوسط، فيجب أن يكون هناك على الأقل شريك صادق في ما يقوم به. ما دمنا موجودين ونحارب الإرهاب فإن العلاقة مع الأميركيين مستمرة على هذا الأساس. أعتقد أن الشراكة تبقى قائمة ما دام الإرهاب موجودا وما دام داعش موجودا وما دام الإرهابيون يهددوننا، والدول التي تدعم الإرهاب، مثل تركيا وغيرها، تستخدم الإرهاب ولا تزال تزود الإرهابيين الأسلحة.
بعض الناس يردد أننا عملاء للولايات المتحدة. نحن لسنا عملاء لأميركا ولم نتلق يوما أوامر منها. اميركا أتت الى سوريا عندما اقتضت مصلحتها ذلك، ونحن مصلحتنا تطلبت التعاون. أعطي مثلا واحدا: كان يجب علينا تحرير الرقة من داعش، لو قمنا بذلك منفردين من دون التحالف الدولي لتطلب الأمر ربما خمس أو ست سنوات مع خسائر لا يمكن تحديدها. عندما تعاونا مع التحالف الدولي للقضاء على داعش وتحرير الرقة، تم ذلك في خمسة أشهر، فوفّرنا الجهد والمال. فلماذا لا نتعاون؟
لم نحرر الرقة من أجل اميركا أو التحالف الدولي، حررناها لأن السيارات المفخخة التي كانت تنفجر في كوباني والقامشلي كانت تأتي من الرقة.
كل شيء ممكن حسب مصلحتهم
هل أنت قلق من طعنة في الظهر أو من خيانة أميركية؟
كل شيء ممكن حسب مصلحتهم. ذهبوا من اجل أهداف معينة وعندما حققوا أهدافهم أو حتى حين لم يحققوها، غادروا. هم فعلوا ذلك معنا، في رأس العين وفي تل أبيض، نحن لم نطلب منهم حمايتنا ولكن حسب الوعود التي عرضوها، ذكروا أنهم موجودون وسيحاربون، وفي الوقت ذاته أعطوا الضوء الأخضر لأردوغان لمهاجمتنا، وفعلا قام بذلك. نحن قاومنا، حتى في عفرين. الروس والتحالف الدولي، ألم يكونا قادرين على منع تركيا من احتلال عفرين؟ توافقوا وفق مصالحهم، ونرى أن ذلك خطأ، لكننا لا نستطيع تصحيح الآخرين. بل نصحح ما نقدر عليه. إذا اقتضت مصلحة اميركا مغادرة سوريا فلا خيار لنا إلا الاعتماد على أنفسنا كما نحن الآن نعتمد على أنفسنا ونأخذ تدابير.
هل تسميها خيانة؟
الخيانة تحصل عندما يعطونك وعدا ويخلفون الوعد. هم لم يعِدونا يوما بالحماية، ويقولون علنا إننا لن نحميكم ولن ندافع عنكم ولن نحارب تركيا من أجلكم. لذلك اذا تطلبت مصلحتهم المغادرة فهم سيغادرون. نحن نرى أن مصلحتهم تفرض عليهم البقاء في الشرق الأوسط والاستمرار في محاربة الإرهاب معنا لأنهم لن يجدوا أفضل منا.
تقاطع نيران وسط احتكاك أميركي – روسي
انتم واقعون في تقاطع نيران وسط احتكاك أميركي – روسي على الضفة الأخرى. كيف تتمكنون من إدارة العلاقة؟
لدينا علاقة قديمة مع الروس طبعا وكنا نتمنى على الروس بحكم علاقتهم مع الحكومة السورية أن يكونوا وسطاء وأن يفرضوا الحل. كانوا وعدوا بفرض الحل، لكن ذلك لم يحصل. ربما لا يزالون يتصرفون بمنتهى البراغماتية خاصة في علاقتهم مع تركيا. هذه البراغماتية لا أعتقد أنها ستفيدهم ولن تعود بفائدة علينا. هذه البراغماتية لا تليق بالروس بالنظر إليهم كقوة ودولة عظمى. ونتمنى أن يتمكنوا من المساهمة والضغط على النظام لإيجاد الحل السياسي.
هل أنتم بالفعل وسط تقاطع نيران؟
لسنا وسط تقاطع نيران، لدينا قواعد مشتركة مع التحالف الدولي ونحن ندافع عن أنفسنا بدل الدفاع عنهم إذا حدث اعتداء. وقع اعتداء ايراني على إحدى القواعد، إذا أرادوا التحارب فليتحاربوا بعيدا عنا. الايرانيون ليسوا موجودين عندنا بأي شكل من الأشكال، هم موجودون لدى النظام. لسنا في تقاطع نيران لكن المنطقة ككل ملتهبة وعلينا التعامل مع هذا الواقع.[1]