دور الكومينات في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية
محمد سعيد شيخموس
ما هو الكومون ؟ هل ساد نظام الكومونات عبر العصور القديمة ؟ كيف يتم تشكيل الكومونات ؟ هل الكومون يحقق التمثيل الصحيح للشعب في مراكز القرار؟ ما الذي يجعلنا نقول إن الكومون هو أساس النظام الديمقراطي ؟
* الكومون : هو أصغر خلية مجتمعية ، يتشكل من عدة عائلات ، تعيش في منطقة جغرافية محددة ، كالحارات أو الأحياء أو القرى الصغيرة ، يضم في عضويته عدة عائلات و عشرات الأفراد من كلا الجنسين ممن تزيد أعمارهم عن ستة عشر عاماً .
* هل ساد نظام الكومونات عبر العصور ؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الولوج في التاريخ الإنساني ، حيث ظهور المجتمع الطبيعي الذي نشأ من علاقة التزاوج بين فردين )أُنثى و ذكر ( و تشكيل عائلة تربطها علاقات اجتماعية ، حتى و إن كانت بدائية بسيطة ، لكنها صنفت الأحياء في مجموعتين ؛ عالم الحيوانات و عالم البشر. و مع التزايد العددي للناس أصبح التجمع أكبر من العائلة ، و بدأت هذه التجمعات تأخذ مسميات بدءاً من )الكلان ( وصولاً إلى مشروع المفكر عبدالله أوُجلان )الأمة الديمقراطية ( . ففي العصر الحجري القديم والجديد كانت تلك التجمعات تسمى ب ) الكلان ( ويتراوح عددها بين العشرين و الثلاثين فردا ، وضمن ) الكلان ( لم تظهر المشاكل الاجتماعية ، فما كان يُشغِلُ هذه التجمعات الصغيرة هو البحث عن الطعام عن طريق الصيد أو قطف الثمار الموجودة في الطبيعة ، و بمعنى آخَر ، فردْ ) الكلان ( كان مُكَرِّساً حياته لخدمة ) الكلان( دون أن يُفَكِّرَ بامتيازات ذاتية ، و قد استمر هذا النظام من التعايش ملايين السنين. ومع التزايد العددي للبشر وانتشارهم في أرجاء المعمورة بدأ التمايز و الخصوصية في العادات و السلوكيات و التعايش الطبيعي ، لكنه بقي إلى وقتٍ قريب متمسكاً ببعض صفات مجتمع ) الكلان ( ، إلى حين ظهور الأثنيات و الاقتصاد الرأسمالي ، هذه المجموعات البشرية التي استقرت قرب الأنهار و مصادر الطعام ، و بقيت روح التعاون و التعاضد سائدة بين أفراد الجماعة، سواءً كانوا في القرى أو في الكهوف.
وعلى المستوى الإداري كانت هذه المجموعات البشرية ، باسم العائلة أو العشيرة أو القبيلة أو غيرها من المسميات ، تلتزم بالعادات والتقاليد التي كانت بمثابة قوانين غير مُشرَّعة ، تخدمها و تحل مشاكلها ، مثلاً : كان هناك مجلس للعشيرة أو القبيلة يقومُ بوضع و إيجاد الحلول لجميع النزاعات ضمن العشيرة أو القبيلة، ودون أن يكون هناك قوات أمن و بوليس، ويلتزم المُذنب أو مرتكب جريمة تخالف قوانين ) عادات و تقاليد ( العشيرة بالحكم الذي يصدر بحقه من مجلس العشيرة .
وعلى مستوى العمل كانت الروح الجماعية حتى وقت قريب ، أي قبل عشرات السنين، أفضل مما هي عليه في السنوات الأخيرة ، وكمثال على ذلك؛ إذا أراد ت عائلة ما أن تُسَيِّعَ سقف بيتها ) تضع الطين على سطح البيت ( يجتمع شباب القرية أو الحي و يُنفذون العمل خلال ساعات ، و هكذا ينتهي أهل القرية من هذا العمل خلال أسبوع دون أن يدفع أحد منهم قرشاً واحدا .
و على مستوى العلاقات الاجتماعية إذا ألمّت مصيبةٌ بعائلةٍ ما، كأن يحترق بيتها، أو يجرفه فيضان، فإن أهل القرية يقومون بالتبرع لها بالأثاث و يبنون لها بيتاً جديداً .
هذا النظام من التعايش هو نظام ) الكومون ( بحد ذاته، دون أن يكون له تسمية محددة، و التشابه واضحٌ في آلية العمل ضمن المجموعتين ، مثلاً : عند حدوث خلاف بين عائلتين ضمن التجمع السكاني )العائلة ، العشيرة ، القبيلة( كانت تُشَكل لجنة من كبار السن و الحكماء ليحلوا الخلاف ، هذه اللجنة التي تُسمى في ) الكومون ( بلجنة الصلح ، و بمعنى آخر فقد كان نظام الكومينات سائداً قديماً في الممارسة العملية ضمن التجمعات السكانية الصغيرة خاصة .
كيف يتم تشكيل الكومونات ؟
لأن الكومون ) الكومين ( هو تشكيل وحدة سكانية ضمن مساحة جغرافية معينة تحدد مسبقاً من اللجنة المكلفة بتشكيل ) الكومون ( ، تقوم هذه اللجنة بزياراتٍ لكل العائلات تسبق الاجتماع الذي يُدعى له أبناء القرية أو الحي لانتخاب مجلس )الكومون ( وتثبيت عضوية المنتسبين له لشرح أهمية ) الكومون ( في بناء النظام الديمقراطي و الذي يُسهِّل عملية التواصل بين الأفراد و المؤسسات ، و يتم دعوة المواطنين بموجب بطاقات دعوة رسمية ، يحدد فيها الوقت والتاريخ و مكان الاجتماع. وعند الاجتماع يقومُ أحد أعضاء ديوان تشكيل )الكومون ( بإلقاء كلمة يبين فيها أهداف تشكيل ) الكومونات ( ،ألا وهي تنظيم المجتمع بحيث يكون قادرا على إدارة نفسه و تسيير شؤونه ، و يأتي بأمثلة يُقارنُ فيها بين المجتمع المنظم و غير المنظم ، كأن يقارن مثلاً بين عائلتين كلٌّ منهما مؤلفة من ستة أفراد الأولى تعمل وفق برنامج و نظام يلتزم به الجميع ، والأُخرى فوضوية لا تنظيم لها .
والهدف الثاني من تشكيل ) الكومون ( هو توفير آلية لتقديم الخدمات للشعب بأسهل الطرق و أسرعها و أقلها مخالفات ، و لتوضيح ذلك هناك مثال عن توزيع جرات الغاز المنزلي عن طريق الكومينات ، فإدارة ) الكومون( أكثر من يعرف الواقع الحقيقي للقاطنين في )كومينها ( ، بعد ذلك يتم فتح باب الترشيح لمجلس ) الكومون( و يُحدد قبل بدء الترشيح و التصويت عدد أعضاء مجلس ) الكومون( ثم تتم العملية الانتخابية بالتصويت السري و تعلن أسماء الفائزين بعد الفرز مباشرة و يتم اختيار الأكثر أصواتاً من كلا الجنسين للرئاسة المشتركة لمجلس ) الكومون ( ، و يُشترط و جود نسبة 50ب 0/0 لكلا الجنسين في المجلس
* هل ) الكومون ( يُحقق التمثيل الصحيح للشعب في مراكز القرار ؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نوضح بأن الخطوة الثانية بعد تشكيل ) الكومون ( هي تشكيل مجالس خطوط القرى و مجالس الأحياء في المدينة ، و يتم تشكيل هذه المجالس من مجالس ) الكومينات ( ضمن عملية انتخابية يحضرها جميع أعضاء مجالس ) كومونات ( الحي أو خط القرى . والخطوة الثالثة هي تشكيل مجلس المنطقة من مجالس خطوط القرى و الأحياء بنفس آلية تشكيل مجالس خطوط القرى و الأحياء .
و المجلس العام للمنطقة يشرفُ على مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية بشكلٍ غير مباشر و يراقب عملها ويقترح المشاريع، ويشارك في وضع السياسة العامة للكانتون .
* ما الذي يجعلنا نقول: إن ) الكومونات ( هي أساس النظام الديمقراطي الحقيقي ؟
للإجابة عن هذا السؤال أيضاً علينا العودة إلى وظائف ) الكومون ( و لجانه، ذكرنا سابقاً بأن )الكومون ( يتشكل من تجمع سكاني يتراوح عددهم بين خمس عشرة و خمسين عائلة ، ينتخبون مجلسهم الذي يُشَكلُ لجانه حسب الحاجة ويتخذون القرارات التي تخدم أعضاء ) الكومون ( و لا يُفرض على ) الكومون( من الحكومة المركزية ) الإدارة المركزية ( أيُّ قرار لا يخدم مصالح مواطني )الكومون ( ، ف ) الكومون( له إرادة و هوية اجتماعية و سياسية ، ولا هيمنة عليه من أيِّ جهةٍ كانت، و نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي يتخذ ) الكومونات ( قاعدة أساسية في بنائه الهيكلي هو أفضل الأنظمة التي تلائم خصوصية شعوب الشرق الأوسط عامة و روج آفا خاصة ، و هذا النظام يُمثلُ أعلى درجات الديمقراطية ، فعلى مستوى ) الكومون ( الذي يتشكل من مجموع سكان قرية ما عندما يوجد بينهم أناس مختلفون عن الوسط المحيط باللغة أو الدين ، يكون لهم حق التعلم بلغتهم الأم ، و ممارسة طقوسهم الدينية ، ولا تفرض عليهم لغة أو ديانة أُخرى .[1]