الكورد الفيليون الشيعة والعرب الشيعة بين قانوني جهرم ورفحاء
جهرم ورفحاء معسكري إيواء يقع الأوّل منهما في إيران فيما يقع الثاني بالسعوديّة، في الأول عاش كورد فيلييون وهم من الطائفّة الشيعية فيما عاش في الثاني عرب من الطائفة الشيعية أيضا. الكورد الفيلييون تمّ تهجيرهم بمئات الآلاف بشكل منظّم وغير إنساني إبتداءا من الرابع من نيسان / أبريل 1980 حتّى العام 1992 ، بعد أن صادر النظام البعثي الفاشي أملاكهم المنقولة وغير المنقولة ووثائقهم الثبوتية وشهاداتهم الدراسيّة، وغيّب حينها ولليوم ما يقارب الستّة عشر ألف شابّة وشابّ منهم. وقد أصدر النظام البعثي حينها سلسلة قرارات غير إنسانيّة ومخالفة لكل القوانين والأعراف الدوليّة كتطليق الزوجة الكورديّة الفيليّة من زوجها العراقي غير المهجّر أو العكس، ما تسبّب بتدمير عوائل بأكملها علاوة على كون التطليق القسري هذا تسبّب مع الحروب الحمقاء للنظام والحصار القاسي على شعبنا في تدمير النسيج الإجتماعي للمجتمع بضربه أسس هذا النسيج أي العائلة المتماسكة.
الكورد الفيليّون هؤلاء وهم كما عرب الجنوب شيعة أثني عشريّة، عاشوا في مختلف المخيّمات التي أقامتها حكومة جمهورية إيران الإسلاميّة لهم في مختلف المحافظات الإيرانيّة، ويبقى (معسكري جهرم وجيرفت) الأشهر والأكثر عمرا من البقيّة. في تلك المعسكرات عاش المهجّرون الكورد الفيلييون عقوداً طويلة محرومين من حياة آدمية تليق بالبشر، وحتّى الوثيقة الممنوحة لهم من قبل السلطات الإيرانيّة كانت للتعريف فقط ولا سند قانوني لها. هناك في تلك المخيّمات ضاعت أجيال وأجيال، وهي تحلم يوما بالعودة لبلدها وتعويضها عما فقدته، ولتتعرّف على المصير الذي لحق بشبابها الذين إنقطعت أخبارهم ولليوم. هناك كان البؤس هو سيّد الموقف، وهو الذي لفّ ولا يزال يلفّ عشرات الآلاف من الكورد الفيليين المهجّرين، أو من أولئك الذين عادوا طوعا الى الوطن بعد الأحتلال الأمريكي و ” أنهيار ” النظام البعثي الفاشي.
لقد أستنطق الدستور العراقي في ديباجته عذابات الكورد الفيليين، وإعتبر البرلمان العراقي في قراره الرقم (18) لسنة “2011” بتأريخ 1/8/2011 ، وإستنادا الى قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا، والذي صادق عليه رئيس الجمهورية بموجب القرار رقم (6) لسنة 2012 بتأريخ 8/2/2012 ، على أنّ ما لحق بالكورد الفيليين الشيعة هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية (الجينوسايد). ويبدو ومن خلال عدم تنفيذ القرارات الصادرة وعدم وضوح آليات وطرق تنفيذها، والتمييز بين الفيليين وغيرهم من مكوّنات شعبنا وخصوصا العرب الشيعة المدلّلون في معسكر رفحاء، من أن هذه القرارات لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به أو أنّ حبرها جفّ حال كتابته كما تبخّرت عذابات الكورد الفيليين التي نصّ عليها الدستور بديباجته طائفيّة المحتوى.
الكوردي الفيلي الشيعي، لازال لليوم يدفع الرشى لإعادة أملاكه التي صادرها نظام البعث المجرم أمّا أمواله المنقولة فأنها أصبحت أثر بعد عين. الكوردي الفيلي الشيعي، لازال يبحث عن شبابه المغيّب لليوم دون أي بصيص أمل في معرفته عن طريقة إبادتهم ودفنهم. الكوردي الفيلي الشيعي ينظر الى الأحزاب الشيعية منتظرا صدور قانون “جهرم” لإنصافه، على غرار قانون “رفحاء” الذي أنصف حتى الطفل الرضيع أو الذي ولد في المخيّم وبأثر رجعي. الكوردي الفيلي الشيعي يريد معرفة مصير شبابه وإنصافهم، كما أنصف قانون “رفحاء” شباب معسكر الأرطاويّة ومنهم عدد لا بأس به من المحكومين بتهم جنائية وأخلاقية من السجناء الذين هربوا بعد الإنتفاضة الآذارية الى السعودية لينتقلوا بعدها عن طريق الصليب الأحمر الدولي الى اوربا واستراليا وأمريكا وكندا، والذين منحتهم الحكومة العراقية تعويضات سخيّة ورواتب ضخمة وبأثر رجعي بإعتبارهم سجناء سياسيين!!
أنّ سن قانون “رفحاء” لإنصاف العرب الشيعة، وعدم سن قانون “جهرم” أو “جيرفت” لإنصاف الكورد الفيليين وهم شيعة أيضا. دلالة على عنصرية الأحزاب الشيعية الحاكمة ومؤسساتها الدينية وليس طائفيتها فقط تجاه المكونات الاخرى من أبناء شعبنا. أنّ تعويض الرفحاويين بمبالغ خيالية وفتح حتى أبواب الدراسة خارج البلاد لأبنائهم، والكوردي الفيلي لازال يبحث عن حقوقه التي صودرت وأبناءه الذين غيّبوا هو وصمة عار في جبين العمائم والأحزاب والميليشيات الشيعية. كما وأنّ سكوت الكوردي الفيلي الشيعي أو هرولته وراء العمائم والأحزاب والميليشيات الشيعية، وعدم سؤاله عن سبب عدم سن قانون “جهرم” على غرار قانون “رفحاء” لأنصاف أبناء جلدته هو ذلّ ما بعده ذلّ لهذه العمائم والأحزاب والميليشيات.
الإنتخابات على الأبواب، ومنح الكوردي الفيلي صوته لأي مرشح إسلامي وإن كان كورديا فيليا سواء من خلال قائمة إسلاميّة أو من خلال الكوتا، يعتبر خيانة ما بعدها خيانة لدماء شهدائنا، خيانة لدموع أمهاتنا، خيانة لحسرات أطفالنا، خيانة لآلام آبائنا. ليسأل الفيلي وهو يقاتل في الحشد الشعبي قائده : لماذا أصدرتم قانون (رفحاء) ولم تصدروا قانون (جهرم) ؟ ليسأل عضو الحزب الشيعي أو من يؤازره وينتخبه مسؤوله الحزبي : ما هو تبريركم لمنح الرفحاويين تعويضات بمئات آلاف الدولارت وأهلي لازالوا يعانون الأمّرين، وأين قانون (جهرم) الذي يجب أن يوازي قانون (رفحاء)؟ ليسأل المؤمن الفيلي الشيعي أقرب معمم اليه : لماذا لا تطالب من على المنابر بسن قانون “جهرم” على غرار قانون “رفحاء” لإنصاف أهلي أم لأننا كورد؟
أيتها الأحزاب الشيعية الحاكمة .. أيتها الميليشيات الشيعية .. أيتها العمائم الشيعية … لن أنتخبكم لأنني لست بخائن لدماء شهداء الكورد الفيليين من أبناء جلدتي. لن أنتخبكم لأنني لا زلت أبحث عن رفات وقبور.. لن أنتخبكم لأنني لازلت أغصّ بدموع الأطفال الخائفين وهم يسيرون لأيّام بين الجبال .. لن أنتخبكم لأنني لازلت أبحث عن “چرغد” أمّي الذي عبثت به الرياح في العراء حيث نامت من تعب المسير .. لن أنتخبكم لأنني لازلت أبحث عن صور أهلي التي تبخّرت كما أجساد شابّاتنا وشبابنا .. لن أنتخبكم لأنني كوردي فيلي ذو كرامة ولينتخبكم من لا كرامة له .. لن أنتخبكم لأنكم عنصريّون.
المجد وأكاليل الغار للشهيد الكوردي الفيلي في ذكرى يوم إستشهاده.
لنورث أطفالنا والأجيال القادمة ذكرى فضاعات الهولوكست الكوردي الفيلي، ولنجعل هذه الذكرى عصّية على النسيان الى الأبد.
الخزي والعار لبعثيي الأمس واليوم من الحكّام العنصريين والطائفّيين المجرمين.
زكي رضا
الدنمارك
[1]