شفق نيوز/ هي واحدة من الناشطات الكورديات الفيليات، ولدت في بغداد، وفي طفولتها شهدت تهجير الكثير من الكورد الفيليين من العراق فذهبت أُسرتها إلى إيران، وتربت في بيت آل اهله على أنفسهم التحدث باللغة الكوردية بشكل جدي.
السيدة سندي ميرزا، دخلت مجال العمل الاعلامي الكوردي وكتابة الشعر وقصص الأطفال منذ ثلاثة عقود والمشاركة في كتابة العديد من الكتب والصحف والأعمال الأدبية كجزء من خزينة ذكرياتها خلال ثلاثين عاما من عمر هذه الناشطة الأدبية والمثقفة الكوردية.
على الرغم من ان الكورد الفيليين قبل اي شيء عرفوا بالإبادة الجماعية (الجينوسايد) الذي تعرضوا له؛ ولكن، وبشهادة التاريخ، فإنهم كانوا سباقين في العمل التجاري والسياسي والعمل الثقافي، وخصوصا في الصحافة والأحزاب وتأسيس المنظمات المدنية NGO الكوردية والأعمال الخيرية في بغداد، وبسبب الريادة في تأسيس الحركة الكوردية، دفعوا الضريبة وتعرضوا لجرائم كبيرة.
ولسندس ميرزا دور واضح في الكثير من الاعمال الصحفية والاعلامية الكوردية، وترجع سبب عملها في تلك المجالات المتعددة الى الاضطرار بسبب قلة الكادر النسائي الناشط، وهي من الأعضاء المؤسسين لمؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيليين في بغداد.
وهذا الحوار، دردشة من اجل التعرف على الخدمات المستمرة التي تقدمها هذه السيدة والتي لا يمكن أن يكون عمل شخص واحد او مجموعة واحدة بمفردها، وبما لديها عاطفة الأم وإخلاص الأخت والمكانة النسائية التي تمتلكها سندس ميرزا والتي أوقفتها جميعا من اجل ابناء جلدتها.
شفق نيوز- لنعد إلى الوقت الذي عدتم فيه بعد عقود من البعد عن الوطن، الى مسقط الرأس، ومدينة طفولتكم، بغداد الحنين، حدثينا قليلا عن ذلك الوقت؟
سندس ميرزا: بعد سقوط نظام صدام عام 2003 عدنا الى بغدادنا، وفورا عملنا على تطبيق تجاربنا في العمل الصحفي لأناس كان قد تم حرمانهم حتى من لغتهم وهويتهم.
وفي ذلك الوقت قام السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان حينها - ومن اجل خدمة ابناء الكورد المظلومين - بمساعدتنا لبناء مؤسسة ثقافية باسم مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيليين.
وكان العراق حينها مبتلى بالأفكار والآراء السياسية والقومية والتعصب الديني والعشائري، التي كانت المنطلق لتأسيس الأحزاب السياسية، ولم يكن هناك من يهتم بالثقافة والعمل الثقافي، ونحن كأقلية قومية في بغداد جعلونا ضحية لألاعيب السياسة والتفرقة والتعصب المذهبي والعشائري الأعمى، والأدهى من كل هذا تنفيذ المشاريع الجهنمية مثل التعريب، الذي أحرق هويتنا؛ وحينها رأينا ان امتلاك مركز ثقافي يقوم بإحياء ثقافتنا، ووسط اعلامي بإمكانه ان يوصل صوتنا لآذان الوطن، أوجب من الخبز الذي نتناوله في العشاء، لكي يكون بإمكاننا الصراخ بأننا موجودون وأحياء، ولن نعود امواتا بيد مغسلي الموتى الشوفينيين، ونريد أن نتعامل مع الأحياء في هذا البلد، فالعراق الذي نعرفه هو عراق له حسنة أنه ليس ملكا لشعب واحد اذ انه يتوافر على تعددية الأصوات والألوان، وهذا من أفضل حسنات العراق المنسية.
شفق نيوز- يعني حرب الهويات؟
: كلا، الكورد الفيليون ما زالوا ضحايا الحروب، ولم يكونوا أبدا من دعاتها، ومع الاسف ان كل ما جرى عليهم أجبرهم على الدفاع عن حقوقهم، والوقوف بوجه التمييز، وفي هذه السنوات بذلنا كل جهودنا لتشجيع العراقيين لتغيير نظرتهم ليكون بإمكانهم النظر إلينا من وجهة نظر اخرى. نحن في تلك السنوات رفعنا اصواتنا ونادينا باننا من ابناء هذه الارض وان الاختلاف في اللغة أو العشيرة لا يمكن أن يكون سببا في رمي هذا الجزء من أبناء الوطن في نار جهنم ويتنعم الجزء الآخر في فردوسه، لا نحن ولا هم نتعرض لكوارث مثل الإبادة الجماعية بسبب اختلاف لغة الأقلية الكوردية الفيلية مقابل الأغلبية العربية.
شفق نيوز- ماذا بشأن إحياء اللهجة المحلية الكوردية الفيلية في بغداد، اوضحي لنا هذا؟
: نحن وجميع العراقيين في بغداد نتقن اللغة العربية وهو أمر ليس سيئا، ولكن السيء في الأمر أن نكون كوردا ولا نتمكن من التكلم بلغتنا الكوردية. نحن نقول نحن احياء ولسنا امواتا، ولذلك لغتنا لم تمت ايضا واننا مثلما ان نريد حياتنا يتوجب ان نريد ان تبقى لغتنا حية ايضا وهذا الامر بالنسبة لنا ليس بأقل من الذهاب والتواجد في البرلمان والدولة والحصول على المناصب والدرجات، ونحن تصدينا لهذا العمل المهم والثقافي لانه بعد سبعة عشر عاما ما زلنا نرى ان حكومة بغداد مازالت لاتريد الاعتراف بهوية الكورد الفيليين ولاتريد ولاتستطيع ان تعيد لغتنا.
شفق نيوز- وماذا فعلت الاحزاب السياسية الكوردية؟
: ينبغي للأحزاب الكوردية ان تجيب على هذا السؤال بنفسها، فهذه السلطة السياسية التي يحصل عليها الكورد، لم تر بغداد منها اي خير. مع الاسف في الأيام التي تلت سقوط صدام لم يكن لدى الكورد اي برنامج واليوم مازالوا لا يملكون اي برنامج من أجل تخليص الكورد الفيليين من الظلم والجور الذي وقع عليهم ومازال موجودا (الحرمان من الحقوق والحرمان من اللغة بالنسبة للكورد الفيليين).
شفق نيوز- قسم من الأعمال التي قمتِ بها كانت اعمالا إذاعية، لماذا الإذاعة؟ ولماذا في بغداد؟
: مع الاسف نحن لم نمتلك من المال والسلطة ما يمكننا من امتلاك قناة تلفزيونية ومن جهة الاخرى فان الكورد اعني كورد بغداد بعد نصف قرن من التعريب المتواصل لم يكن لديهم الاستعداد الكافي للقراءة والكتابة باللغة الكوردية ولا يمتلكونه اليوم ايضا، ولهذا توجهنا نحن نحو (الاذاعة والصوت) وهو أسهل من الكتابة وهذا اولا.
وثانيا أن بغداد هي عاصمة العراق من جهة ومازالت مكانا لسكن اكبر عدد من الكورد، ومن الممكن أن نقول إذا لم يخف الناس انفسهم ويعودوا الى اصلهم، تصبح بغداد اكبر مدينة يسكنها الكورد في العراق. مع الاسف الكورد في بغداد كثيرون ولكن قليل هم من يتكلمون الكوردية فيها.
في تلكم الأيام، كان ناسنا قد نسوا لغتهم الام، ورأينا من الواجب أن نبدأ من نقطة التي لها أكبر تأثير، من أجل هذا بدأنا برنامجا اذاعيا لمدة 12 ساعة باللغتين الكوردية والعربية، ومن ثم أصبح البث ليلا ونهارا حيث أصبح له صدى واسعا.
شفق نيوز- بالنسبة لعائلتكم.. لقد استنفر جميع اعضائها للدخول في خضم هذا العمل..
: إذا أردتم الصراحة فإنّ العراق اسوأ مكان للاقليات المحلية ولمعيشة الكورد الفيليين والعمل الإعلامي صعب جدا جدا داخل مدينة بغداد.
نعلم أن أي عمل تشوبه المشكلات وفي الحين الذي يكون هناك عمل وليس هناك من يعمل، ما الذي علينا فعله؟ انا وشريك حياتي كنا منذ البداية متوافقين في الأفكار حول هذا المشروع، وعملنا فيه معا ومن ثم دخلت ابنتنا المضمار عندما كبرت قليلا واصبحت عضوا في أُسرة شفق وعملت في قسم الأطفال وقدمت بعض الأعمال الخاصة بالأطفال.
انا حينها قدمت برامج مثل (قصص للاطفال) و(الحياة والاسرة) و(فراشات شفق) و(حواء) فضلا عن قراءة الأخبار والموضوعات المنوعة السياسية والادبية والاجتماعية. وحينها وبسبب قلة الكادر قدمت الكثير من البرامج وتقريبا اكثر من نصفها كنت مضطرة لتقديمها لعدم وجود اشخاص اخرين بإمكانهم إنجاز مثل هذه الأعمال، واكرر ان العمل في إنجاز أغلب تلك الأعمال معا كان بحكم الاضطرار وكان عملا صعبا جدا.
شفق نيوز- واحد من تلك البرامج التي كان لها صدى واسع، كان برنامجا للاسرة بعنوان (الحياة والأسرة) تحدثي لنا عن انجازات ذلك البرنامج؟
: هذا البرنامج، كان برنامجا لإحياء الثقافة والأعراف الكوردية، والاشياء التي طواها النسيان منذ أمد بعيد، ولم يعد لها وجود في الوقت الحاضر، وعملنا فيه لتعريف الأجيال الكوردية الحالية للإستماع إليها والتعرف على مضمونها. وعدا ذلك تمكنا من خلال البرنامج من العمل على تواصل الأسر الفيلية مع بعضها بشكل مباشر والتعرف على بعضها وأن يلتقوا لان اغلبهم تم تهجيرهم من قبل نظام صدام وفقدوا بعضهم وأخفوا هويتهم في السنوات الأربعين الماضية.
ونحن دوما نراعي ان اي برنامج نقوم بتقديمه حتما سيكون له هدف وهدفنا هو استرجاع الهوية الكوردية الفيلية ومن دون تعصب ولا تعنصر. في تلك الأوقات كانت اذاعة شفق الاذاعة الوحيدة ولم تستطع اية اذاعة اخرى ان تدخل بيوت الكورد الفيليين في بغداد ويكون لها صوت صارخ فيها ولها هذا الكم الكبير من المستمعين.
وقضية الكورد الفيليين في العراق كانت لها دوما أحاديث سياسية وحزبية فقط وليست ثقافية وكانت شفق لاول مرة كسرت تلك القاعدة ومضت نحو آفاق اخرى في محاولة استرجاع الهوية الكوردية المستلبة وأشاعت لونا ورائحة وحالة ثقافية كوردية بين الاسر الكوردية.
شفق نيوز- كم حكاية سردت للاطفال؟
: انا بنفسي لا أعلم عددها، وبعد حفنة من السنين أخبرنا مخرجو الصوت في الإذاعة بأنها تعدت ألف حكاية في برنامج باللهجة الفيلية لاطفالنا.
شفق نيوز- ليس فقط في بغداد، لم يتم سرد الحكايات والقصص لحد الآن في العراق كله بأي من اللهجات المحلية الكوردية الأخرى، هل كانت كل تلك الحكايات والقصص من تأليفك؟ ام انك استفدتِ من العربية واللغات الاخرى للترجمة الى اللغة الكوردية؟
: قسم منها كانت عربية وعالمية وانا اقتبست فكرتها وبنيت عليها قصصا وحكايات كوردية فيلية، نرى انها تصلح لمستمعينا، والقسم الآخر كانت من الفلكلور الكوردي وقمنا بتطويرها وتحديثها والقسم الأكبر كانت من تأليفي كنت اكتبها واقدمها خلال البرنامج. وكانت هذه أجمل تجربة في حياتي وفي عملي الأعلامي لأنني كنت أشاهد وأسمع أن مستمعينا من الاجداد والجدات يترقبون بشوق بالغ مع احفادهم للاستماع الى تلك القصص والحكايات.
شفق نيوز- أين مكانة المرأة في قضية الكورد الفيليين؟
: انا لا انظر الاشياء بعين كوننا رجالا او نساء، وتاريخنا يثبت هذا التوجه، لانه مع الاسف الظلم الذي مارسه صدام والصداميون كان شاملا وعاما تعرض له الكبار والصغار والشيبة والعجائز والنساء والرجال والاطفال من الكورد الفيليين ودمر كل شيء، واليوم يتوجب علينا جميعا ان نبني هوية جديدة وعصرية للكورد الفيليين ومن المؤكد أن حصة المرأة أكبر بهذا الصدد.
واليوم هو اليوم الذي علينا، كما كنا نفعل في السابق، ان نكون الى جانب الرجال للمشاركة في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد، وليس مهما أن يكون عددنا يساوي الرجال بل الشيء المهم الذي نناضل ونكافح من اجله، دعونا لا نجعل منه مسألة رجال ونساء.
شفق نيوز- ماذا تريدين القول في ختام هذه المقابلة؟
: اقول ان بغداد مليئة بتاريخ الكورد الفيليين وهي تحمل تاريخنا في مهد كأنها تحتضن ابناءها.
يقال ان الاقوام الذين لا يعيرون أهمية للغتهم وثقافتهم وتاريخهم ولا يحمونها من الداخل يشبهون شجرة تيبست جذورها وستأتي اخيرا رياح تائهة تطرحها أرضا.
ان الظلم والجور الذي وقع على الفيليين خلال نصف قرن حرمهم من الحياة وأخّرهم وارجعهم الى الوراء بحيث ليس من السهل عليهم النهوض من جديد، ولكن نحن على ثقة إذا قمنا كأبناء بررة مثل اجدادنا وجداتنا بالتفكير في السعي وبذل الجهود فلن يبث فينا اليأس، لاننا نستطيع ان نلوي هذه الأيام الصعبة ونقول بأن المستقبل لنا.[1]