منير أديب
مخيم الهول قنبلة موقوتة تنفجر كل يوم في وجه العالم من دون أن يشعر، وليس كما يعتقد البعض أنها قابلة للانفجار في أي وقت. خطر المخيم يُخيّم على العالم، فتتناثر هذه الأخطار على كل دول العالم وليس على المنطقة التي يوجد فيها على بعد 35 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة #الحسكة# في شمال شرقي سوريا.
“الهول” ليس مجرد مخيم ولكنه مدينة كبيرة فيها قرابة 56 ألفاً ويزيد من عائلات “#داعش#” الذين انهزموا في مدينة الرقة السورية والتي كانت تمثل عاصمة الخلافة التي تولاها أبو بكر البغدادي، ولك أن تتخيل هذا العدد الكبير من هذه الأسر متلاصقة في مكان واحد. ليس ذلك فقط، وإنما تتعايش في هذا المكان حتى بات بمثابة مركز تدريب وتأهيل على التطرف والإرهاب.
لك أن تتخيل سكان هذا المخيم وغيره من المخيمات التي يقيم فيها “الدواعش” من خمسين دولة، فإذا تحدثنا عن مخيم الهول فإن نصف الأعداد التي فيه من العراقيين، بينما يوجد فيه قرابة 18 ألفاً من السوريين وهناك 8500 من جنسيات أخرى، وكل هؤلاء يمثلون صداعاً في رأس العالم من دون البحث عن حلول له.
ڕبما تبدو خطورة الأمر عندما نعلم أن هذا التجمع الذي يضم نساء “داعش” وعجائزها يضم أيضاً قرابة 27 ألف طفل، أي أننا نتحدث عن نصف المخيم من الأطفال، الذين يكبرون على حلم عودة خلافة آبائهم التي سقطت، ولعل هؤلاء الأطفال رضعوا هذه الأفكار من عقول أمهاتهم كما كانوا يرضعون الحليب من أثدائهن.
سقطت دولة “داعش” في 22 آذار (مارس) في العام 2019 أي قبل ثلاث سنوات، فإذا افترضنا أن متوسط عمر الأطفال في هذا المخيم عشر سنوات تقريباً، فأنت تتحدث عن شباب قارب عمره الخمسة عشر عاماً، أي أننا لا نعتبرهم أطفالاً وإنما هم مقاتلون سوف يواجهون العالم بأكمله، وهؤلاء ليسوا ألفاً أو ألفين وإن كان هذا الرقم كبيراً ولكنهم 27 ألفاً، وهو رقم ضخم ربما لا يقل عن أعداد عناصر “داعش” عندما أقاموا مملكتهم في 29 حزيران (يونيو) عام 2014.
وهذا ما يدفعنا إلى وصف هذا المخيم على وجه التحديد بأنه قنبلة موقوتة تنفجر كل يوم وتصل شظاياها إلى العالم بأكمله من دون أن يتدخل لإيقاف هذا الخطر، فضلاً عن القضاء عليه، ولذلك يتحمل العالم المسؤولية كاملة عن الأخطار المحتملة جراء استمرار هذا المخيم بهذه الصورة وما سوف يترتب عليه.
“الهول” مخيم ضمن مخيمات أخرى لعوائل “داعش” في الشمال السوري، قد يكون هو الأخطر نظراً الى الأعداد الضخمة التي تقيم فيه، ولكن هذا لا يمنع أن بقية المخيمات تمثل خطراً هي الأخرى، وكل هذه الأخطار تُضاف إلى خطر السجون التي يوجد فيها “الدواعش” أنفسهم في الشمال السوري.
وهنا يمكن القول إن المكون الكردي في سوريا يُحارب الإرهاب نيابة عن العالم، رغم عدم قدرته على ذلك، فقد أنهك بهذه الحرب، وأغلب التقارير الاستخبارية تؤكد عدم قدرته على المواصلة أو أنها تستشعر الخطر باستمرار الوضع على ما هو عليه.
لا تمتلك “قوات سوريا الديموقراطية” جهاز استخبارات يمكنها من معرفة دبيب النملة داخل هذه المخيمات العالية الخطورة أو حتى سجون “داعش”، وهذا ما يُعرضها ويُعرض العالم للخطر. هذه القوات تعيش أزمة قومية تدفع ضريبتها بأنها حاربت “داعش” نيابة عن العالم وتقوم بحراسة سجون هذا التنظيم ومخيماته من دون أن يفكر العالم في عودة “الدواعش” إلى بلدانهم التي جاؤوا منها.
وهنا نلحظ عملية ابتزاز من العالم ضد المكون الكردي الذي يتحمل العبء وحده، ونحن لا ندافع عن الأكراد، ولكننا نحاول أن نقرأ الخطر الذي يضرب العالم عما قريب نظير استمرار وجود مخيمات “داعش” بهذه الصورة، ولذلك على العالم أن يتحرك سريعاً لمواجهة هذا الخطر وتحمل مسؤولياته قبل أن يستيقظ على مأساة جديدة قد تنتج منها دولة جديدة ل”داعش”.
كل التقارير الاستخبارية تؤكد صعوبة، بل واستحالة السيطرة على مخيم الهول، وهذا ما أدى إلى انتشار عمليات القتل فضلاً عن فرض الأتاوات وانتشار شبكات التهريب فيه، فقد فرض “داعش” قوانينه داخل المخيم معتبراً أنه نواة دولته الجديدة، وقد كان ولا يزال هناك ضحايا له في داخله.
بعض المنظمات الإنسانية تنتشر داخل المخيم، والحقيقة أن هذه المنظمات مجرد واجهة لعمل استخباري وربما تأخذ العمل الإنساني ستاراً لها، هذه المنظمات ترفض رفضاً باتاً تقسيم المخيم أو فصل الأطفال عن أمهاتهم لتقليل خطر تأثر الأبناء بما لدى الأمهات من أفكار متطرفة.
وهنا يمكن القول إن هذه المنظمات تُريد أن يبقى تنظيم “داعش” في القمقم، والهدف ليس تفكيك هذا التنظيم المتطرف ولكن حتى تظل أفكاره حيّة من دون أن تموت، فطريقة التفكير الصحيحة لا تحيد عن ضرورة تفكيك المخيم وليس تقسيمه، وهذا التفكيك يستتبع عودة النساء والأطفال إلى بلدانهم التي أتوا منها، وما دون ذلك سوف يظل معدل الخطر فوق التصور من بقاء هذه المخيمات بهذه الصورة.
ما يؤكد أن المخيم يمثل خطراً على أمن العالم هو أن خلايا “داعش” الموجودة في داخله حيّة وتنمو بصورة كبيرة، ولعل حركة الأموال في المخيم تؤكد هذا المعنى، فضلاً عن شبكات التهريب التي تعمل على قدم وساق، وهنا يمكن القول إن تجارة رائجة نشأت على هامش وجود هؤلاء المتطرفين داخل المخيم.
ودليل حياة هذه الخلايا أنها تمتلك أسلحة، فضلاً عن الأنفاق التي تقع تحت أيديها وتقوم بتخزين الأموال فيها ويتم اكتشافها صدفة، وتستعد من خلالها لتهريب العوائل من المخيم وسط توجه للتنظيم المتطرف استعداداً لمعركة “فك الأسوار” والتي تعني تهريب كل “الدواعش” من داخل المخيم.
تنتشر في المخيم عمليات التحرش والحمل، وهنا يمكن أن نقول إنه بات بؤرة يتولد فيها الإرهابيون، وقد تعدى كونه بيئة تدريب وتأهيل إلى صناعة الإرهاب، هذه الصناعة لا يمكن مواجهتها إلا بتفكيك هذا المخيم وإعادة تأهيل القاطنين فيه بعد دمجهم في الحياة داخل دولهم التي أتوا منها.[1]
المصدر: صحيفة النهار