خورشيد دلي
فجأة، ومن دون مقدمات أو أسباب مقنعة، غزت #جبهة النصرة# مدينة #عفرين# المحتلة، وتهدد بتوسيع مناطق سيطرتها في ريف حلب، فماذا وراء ذلك؟ وأين تركيا من غزوة النصرة الجديدة هذه؟.
يعرف الجميع أن جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، لصاحبها أبو محمد الجولاني، كبرت وسط رعاية تركية، وصمت إقليمي ودولي، حتى بدت قوة على الأرض، لها حكومة (الإنقاذ) وجيش على شكل إمارة إسلامية تهدد المناطق المحيطة بها، وعليه لا يمكن النظر إلى أهداف النصرة من غزوتها الجديدة لعفرين المحتلة، بعيداً عن سعي تركيا إلى ترتيب واقع أوراقها، وأدواتها، ودينامية سياستها في الشمال السوري، واللافت في التوقيت أن هذه الغزوة تتزامن مع الاستدارة التركية نحو دمشق، فما هي الأهداف التركية من وراء هذه الغزوة؟.
في الواقع، يمكن القول إن ثلاثة أهداف تركية تقف وراء هذه الغزوة، وهي: 1- تعويم جبهة النصرة، وجعل تقدمها على حساب الفيلق الثالث ومن معه من فصائل (الجيش الوطني) وسيطرتها على مناطق واسعة في ريف حلب، بمثابة القوة المهيئة للقيام بعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، وتحديداً في تل رفعت ومنبج بعد أن وجدت تركيا رفضاً إقليمياً ودولياً لعمليتها العسكرية التي قررتها منذ أشهر.
2- توجيه ضربة استباقية للفصائل المسلحة التي أظهرت رفضاً للمصالحة مع دمشق استجابة للاستدارة التركية نحوها، وكذلك توجيه ضربة للمسعى الأميركي تجاه هذه الفصائل وجعلها عقبة في وجه الاستدارة التركية، خاصة أن رفض هذه الفصائل تزامن مع تظاهرات شعبية مؤيدة لها في عدد من مدن الشمال السوري، وهو ما أجبر تركيا على مراجعة خطاب الاندفاع نحو دمشق، وأخذ هذا الرفض بعين الاعتبار لتبرير موقفها، بالقول إن ما تريده هو الوصول إلى تفاهم على الحل السياسي للأزمة السورية وليس المصالحة مع دمشق.
3- إن الاستراتيجية التركية البعيدة المدى في الشمال السوري، تتعلق بكيفية تقوية أوراقها في التفاوض مع الروسي والإيراني والنظام السوري، وهي في ذلك تراهن على جعل النصرة ورقة قوية في التفاوض كي تحقق المصالحة مع دمشق أكبر قدر من المكاسب لها، سواء في القبول بشروطها لإعادة اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق في إطار خططها لتغيير ديمغرافية شمال شرقي سوريا، أو التوصل إلى تفاهمات بشأن كيفية محاربة الإدارة الذاتية في شرقي الفرات، كل ذلك في إطار نظرتها القائمة إلى النصرة كورقة تفاوضية مستقبلية يمكن التضحية بها على طاولة البازار السياسي مع روسيا، وهو نهج اتبعته تركيا منذ معركة حلب في التعامل مع الأزمة السورية، وجعل أولويتها الوحيدة محاربة المكون الكردي في سوريا عبر شعارات مكافحة الإرهاب.
من دون شك هذه الأهداف التركية هي التي تقف وراء الغزوة الجديدة للنصرة لعفرين المحتلة، لكن الثابت أن طريقها إلى ذلك ليس مفروشاً بالورد، فعلى الأرض تهدد هذه الغزوة وجود الفصائل المسلحة التي لم يعد أمامها خيارات سوى مواجهة النصرة دفاعاً عن مناطق سيطرتها، كما أن المسعى التركي يشكل تحدياً للسياسة الأميركية الهادفة إلى الإبقاء على ورقة الفصائل المسلحة في إطار التطلع إلى تسوية الأزمة السورية وفق رؤيتها، ومنع دول محور أستانا (روسيا وتركيا وإيران) من فرض الحل الذي تريده على الأزمة السورية، وعلى الأرض أيضاً، فإن التطلع التركي إلى استخدام النصرة ورقة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال احتلال مناطق جديدة سيجابه برد عسكري قوي، خاصة أن النصرة مصنفة في قوائم التنظيمات الإرهابية، وعليه فإن حسابات تركيا لخلط الأوراق في الشمال السوري من أجل تقوية نفوذها، وتحقيق أكبر المكاسب السياسية قد لا تكون دقيقة، خاصة أن قضية التخلص من النصرة مستقبلاً إذ جرت التطورات وفق السيناريو التركي ليست سهلة كما يتوقع البعض في ظل امتلاكها لأسلحة هائلة، وأعداد كبيرة من المقاتلين، وهو ما يعني أن السيناريو التركي القائم على رهانات غزوة النصرة لعفرين المحتلة، قد لا يكون سواء فصل جديد من العبث بدماء السوريين وآلامهم على مذبح حسابات أردوغان، وتطلعه إلى البقاء في سدة الرئاسة من جديد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الصيف المقبل.[1]
المصدر: نورث برس