أحمد دالي
هو ليس مجرّدَ مصطلح جغرافي أو تعبيراً عن تجمعات بشرية #“الشرق الأوسط#”. إنه تركيب لغوي مركب من كلمتين فقط ليس إلا، لكنه في جوهره ينطوي على دلالات مكانية تحمل الكثير من التشعبات العرقية والأثنية، وعلى الرغم من أنه أي الشرق الأوسط يتغنّى بجملة من المدائح التاريخية والصفحات الروحية، ويتباهى بأسبقيته على أماكن وجغرافيات كثيرة من هذا العالم بمناقب ومآثر محمودة؛ إلا أنه في الوقت نفسه كان وما يزال هذا الجزء من الشرق بؤرة للصراع العالمي إن لم نقل إنه من أكثر بؤر الصراع اشتداداً واستعاراً على مرّ الزمان.
دوائر الصراع في الشرق الأوسط تكاد لا تتوقف، لأن مسارات هذا الصراع في أساسها بالغة التعقيد والتشعّب والانشطار، ولأن هذا التنوع القومي والديني والأثني ظلّ ومازال يشعل فتيل التناحر والتباعد كلما تطلب ذلك، حتى غدا هذا الجزء من الشرق بحيرة تغرق فيها العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، نتيجة تصاعد المخاطر وتضارب المصالح وتصارع القوى. إن ردّات الفعل السلبية الناجمة عن كل هذا تصطدم بها شعوب المنطقة نفسها، فهي التي تدفع ضرائب وفواتير صراعات وحروب في غالب الأحيان ليس لها يد فيها، بل نستطيع أن نقول إنه في أغلب الأحيان قد لا تدري شعوبها بما يدور من حولها من تجاذباب وتباعدات بين القوى المهيمنة، وما يُرسم لها من أقدار وحدود اصطناعية وأقدار جبرية. الشرق الأوسط في الوقت الراهن يحمل في جعبته حرباً تتسم بالعالمية أو ذات امتداد دولي على الإرهاب، على اعتبار أن كبريات القوى في العالم تشارك في هذه الحرب، وفي هذه البقعة من العالم بالتحديد، وعلى الرغم من أن ظاهر الأمر يوحي أن العدوّ واحد وهو الإرهاب إلا أن واقع الحال ليس كما يبدو من النظرة السطحية للأمور، فهذه التقاربات بين القوى العالمية الفاعلة والمؤثرة تنطوي على مصالح متناقضة فيما بينها، أو مع بعض القوى الإقليمية المؤثرة في المشهد الشرق أوسطي، حيث تتبدل المعطيات على الأرض، وهذا ما يستدعي في كل مرة التغيير في المواقف، ويحدث أن تبرز أولويات طارئة على السطح سواء عن قصد ومنهجية، أو كردّ فعل على المستجدات الطارئة، وهذا كله بطبيعته يقود إلى رسم خيارات جديدة. لا يبدو التواجد الغربي في منطقة الشرق الأوسط حديث العهد؛ أي مع انطلاق ما يُسمى الربيع العربي وما نتج
عنه من صراعات وحروب داخلية وتداعيات وإرهاصات لتدخلات خارجية، من بينها ظهور الحركات والفصائل المتطرفة على المشهد، مثل داعش والنصرة وشبيهاتهما، بل إن إعلان آلة الحرب على الإرهاب والفكر الإرهابي وزعاماته في الألفية الجديدة يعود إلى أحداث أيلول 2001 وما تبعها من الحرب على أفغانستان، ثم الحرب على العراق، ومع كل تلك المشاهد الغارقة في الغموض والإبهام تبقى الأدوات السياسية الكفيلة بحلّ قضايا وصراعات الشرق الأوسط مغيّبة ومجهولة إلى يومنا هذا، في ظلّ تصاعد دور آلة الحرب والقتل والتدمير، ويظلّ إغفال وتهميش الشروع في تحولات ديمقراطية تكون كفيلة لحلّ القضايا والصراعات القومية العالقة سيّد الموقف.
ميادين وأشكال الصراعات في الشرق الأوسط
صراعات الشرق الأوسط مفتوحة على ميادين ومجالات غنية وثرية، فهي غير متوقفة على الصراع على الأطماع التوسعية وحروب احتلال الأراضي، وليست محصورة في خلق بؤر الأزمات وافتعالها ومن ثم
تسويقها إلى خارج الحدود. إن صراعات الشرق الأوسط اللا منتهية تجد في كل مرة من ينفخ في نارها ويزيدها اشتعالاً، ويبدو أنه ثمة أرضية خصبة للتعارك والمصارعة في منطقة غنية جداً بالأعراق والقوميات والديانات والأثنيات، إلى جانب غناها بالثروات الطبيعية السطحية والباطنية، وليس خافياً على أحد أن زمام إدارة الشرق الأوسط وتسيير أمور شعوبه المتعددة واستثمار خيراته وثرواته المتوفرة؛ ليس بأيدي حكومات
وإدارات هذا الشرق في غالب الأحيان، فالقوى المتحكّمة بالعالم لا تستثني من تحكُّمِها هذه البقعة بما تحتويها ومن عليها. بالعودة إلى ميادين الصراع والأزمات الموجودة في الشرق الأوسط، فهي صراعات قديمة حديثة في آن معاً،
لأن هذه الجغرافيا لم تعرف الهدوء والسكينة والاستقرار يوماً، فأحد أشكال الصراع هو “الصراع القومي” الذي كان وما يزال كبركان نشِط لا يعرف الخمود، بفعل النزعات الإقصائية والمتطرفة التي تنكر على الآخر
وجوده قبل الحديث في الحقوق أصلاً، ثم يأتي “الصراع الديني” الذي يستمدّ قوته وشرعيته من السماء، ووفق هذه الشرعية التي لا تترك لأحد مجالاً للتكلم فيها؛ فإن كل فريق يجد في فضاء شريعته أنه على الحقّ وغير على باطل، ناهيك عن التفرعات والتشعبات والمذاهب المتصارعة المتناقضة داخل كل ديانة على حدة، من هنا وُلد ما يمكن أن يكون تسمية حاضرة وبقوة بمسمّى “الصراع الديني”. بالإضافة إلى الميادين السابقة سنجد أن الثقافات أيضاً تتخبّط وترزح تحت نوع آخر من الصراع؛ هو صراع إنكار الهوية والثقافة الخاصة بكل شعب وملّة، وصراع إلباس الآخر المختلِف ثقافةً مفصّلة ومعينة وإرغامه على ارتدائها، ومن ثم فرض لون واحد ولو بالقوة والإكراه بدلاً من ترك الأمور تجري مجراها الطبيعي في منطقة مثل الشرق الأوسط، تتميز بكل هذا الغنى الحضاري والثقافي والقومي والديني والتاريخي والروحي. بقي أن نقول إن تلك المجالات والميادين للصراعات كانت وماتزال تأخذ أشكالاً وصوراً متعددة لتطبيقها على الأرض وفرضها على البشر، وقد لا تكون آلة الحرب وحدها الوسيلة المعروفة في هذا الشأن، وإنما سنجد أن اقتطاع الأراضي واحتلالها، وترهيب الإنسان، وتشويه الأخلاق، والتلاعب بالبيئة والطبيعة، جميعها وسائل وأدوات وأشكال تدخل في خدمة الصراعات، ويتم توظيفها من قبل راسمي وواضعي السياسة الدولية العميقة لتبقى المنطقة دائماً على شفير الحرب واللا استقرار، ولتبقى شعوبها على صفيح ساخن من الاستسلام واليأس
والهجرة. أبرز الصراعات القومية في الشرق الأوسط طالما أن الشرق الأوسط غني بشعوبه وقومياته، ومع غياب الحريات وتغييب الديمقراطية، وبالإضافة إلى الأسباب التي أوردناها فيما سبق؛ فإن أبواب الصراع القومي ستبقى مشرعةً، وسيكون في كل مرة هناك من
يصب الزيت على النار.
الصراع العربي التركي
الصراع العربي التركي صراع قديم حديث متشابك، فمن جهة كانت هناك مشاكل الأطماع التوسعية العثمانية التركية في الأراضي العربية سابقاً وحالياً وليس من الغريب أن تستمر لاحقاً، ومن جهة ثانية كان ثمة صراع على زعامة العالم الإسلامي والوصاية على الأماكن المقدسة وتسلّم مفاتيحها، وهذه النزعة لا يمكن أن تختفي من الذهنية التركية العثمانية، إذ لا يمكن للتاريخ أن يحذف من ذاكرته القرون الأربعة من الزمن التي حكم فيها
العثمانيون المنطقة العربية بجميع شعوبها، وباستثناء “قصيري الذاكرة أو فاقديها” فإنه لا يمكن لأحد أن ينسى تلك المظالم العثمانية بحق جميع المكونات والتشكيلات السكانية في المنطقة، ثم إن الذهنية الاحتلالية للدولة
التركية الحديثة لم تتوانَ لحظة في تصيّد كل فرصة سانحة لتحقيق أطماعها في الأراضي العربية، من لواء إسكندرون إلى الوقت الحالي، إذ تحتل تركيا حالياً مناطق واسعة من الجغرافية السورية، وإن لم تكن مناطق متصلة ببعضها، ولكن يبقى الاحتلال احتلالاً، والفعل والنية للاحتلال قائمة سواء أصالةً أم بالوكالة. إن الاجتياح التركي الأخير في الأراضي السورية أثار أفكاراً تستحق التوقف عندها مجدداً ومطوّلاً، فقد وجد المتأمل في الحالة السورية أنه أمام مشهد دموي يستدعي الماضي المشين للحكم التركي على المنطقة، وهو ما يدعو القارئ المتبصّر المتأمّل إلى الربط بين التاريخ العثماني الاستعماري والأفعال والممارسات التركية الحديثة، وحينها سوف تتكشّف الأطماع التركية العثمانية وتظهر إلى العلن، وسوف يبرز بوضوح لا يدعو إلى الشكّ اللعب التركي على وتر المذهبية والطائفية، كما هو الحال في دعم تركيا لفصائل وجماعات بعينها في سوريا.
وفي مصر هناك صراع عربي تركي من نوع خاص، يمكن أن نقول إنه صراع بارد، وهو نابع من دعم تركيا للإخوان المسلمين، وهذا ما يزعج مصر ويدفعها إلى اتخاذ مواقف سياسية من تركيا وتوجهاتها في المنطقة العربية عموماً وفي مصر على وجه الخصوص، هذا إلى جانب التدخل التركي في ليبيا، ودخولها في تجاذبات مع بعض دول الخليج العربي على حساب إيذاء سوريا والشعب السوري، وهذا الأمر أيضاً أدى إلى خلق صراعات باردة جديدة بين باقي دول الخليج وتركيا، بالإضافة إلى العلاقات غير المستقرة بين العراق
وتركيا بشكل شبه دائم.
هناك الصراع التركي الكردي، والصراع التركي الأرمني، والصراع التركي الفارسي، بل إن تركيا لا تكاد تخلو من الصراعات مع جميع جيرانها وجميع الشعوب التي تعيش على جغرافيتها الشاسعة، ولا يمكن بأي
شكل من الأشكال إخراج هذه الصراعات من دائرة الصراع القومي، فالسلطنة العثمانية لم تكن تتعامل بفوقية وعنجهية مع الشعوب المنضوية تحت راية الحكم العثماني سواء بالترغيب أم بالترهيب إلا على أساس أنهم
من قوميات مختلفة عن القومية التركية، وعلى أساس أنها شعوب لها كيانها ولغتها وخصوصيتها، ومن المحتمل أن يكونوا مصدر خطر على العثمانيين وحكمهم، ولذلك فإن التاريخ سجّل تلك الحقبة بصفحات من الظلام والسواد، والأمر مستمر إلى يومنا الحاضر، وبصفحات ليس أقلّ ظلماً وظلاماً من سابقاتها هذا إن لم تزد عليها، لأن الدولة التركية الحالية تعرف جيداً نسيجها وتركيبتها السكانية والديمغرافية، وماذا يعني إذا ما
توفرت مقومات الديمقراطية وانفتحت الشعوب المتنوعة التي تعيش فيها على حقوقها، وهذا بطبيعة الحال يقود إلى صراع قومي يظهر في منازعات عسكرية وأزمات سياسية، وتندرج القضية الكردية في تركيا تحت هكذا نوع من المسائل والصراعات، فهي قضية شعب ذي قومية مستقلة وهوية قائمة بذاتها وتحمل جميع المقومات المطلوبة مثل اللغة والتاريخ والآمال والتطلعات المشتركة والجغرافيا.
الصراع التركي الفارسي
في أواخر القرن السادس الميلادي (588 589) وقعت حرب بين الفرس والأتراك تُعرف في التاريخ باسم “الحرب الفارسية التركية الأولى”، وبالتحديد بين الإمبراطورية الساسانية الفارسية وإمارات الهياطلة التركية
ومنها إمارة غوكتورك أكبر تلك الإمارات، إذ بدأ ذلك الصراع عندما غزا الأتراك الإمبراطورية الساسانية الفارسية، لكنه انتهى لمصلحة الساسانيين بانتصار حاسم وتمكنوا من استعادة الأراضي الساسانية المحتلة.
ثم كانت “الحرب الفارسية التركية الثانية” بين الأعوام (606 608) ميلادية مع غزو غوكتورك والهياطلة للإمبراطورية الساسانية مجدداً، وانتهت هذه الحرب أيضاً كسابقتها بهزيمة الأتراك على يد الساسانيين.
أما “الحرب الفارسية التركية الثالثة” فكانت على عكس الحربين السابقتين من حيث ميدان وأرض المعركة، فقد اندلعت هذه الحرب في القوقاز بدلاً من آسيا الوسطى، وانطلقت الأعمال الحربية في عام 627 للميلاد
على خلفية الحرب البيزنطية الساسانية. ثم كانت سلسلة طويلة من الحروب العثمانية الصفوية، بين القرنين الساس عشر والثامن عشر للميلاد، إما على أسس مذهبية وإما على أسس وأطماع توسعية، وصولاً إلى الوقت الراهن وما يشهده من منافسة بين الدولتين الجارتين حول مدّ النفوذ في كل من العراق وسوريا بالدرجة الأولى، وفي منطقة الخليج العربي بالدرجة الثانية، فحيث تكون المصالح متناغمة يكون هناك توافق سياسي، وكلما تناقضت المصالح وتضاربت برز على سطح العلاقات بينهما توترٌ يحمل طابعاً ذا صراع على أساس قومي تاريخي قديم “فارسي تركي”.
الصراع التركي الأرمني
الشعب الأرمني من الشعوب العريقة في منطقة الشرق الأوسط، وهو مثل باقي أكثر شعوب العالم ليس محصوراً في البقعة الجغرافية التي تحمل اسم دولة أرمينيا كدولة قومية لهذا الشعب، فالشعب الأرمني منتشر في عدة دول ومنها تركيا، والحقيقة أن جميع الشعوب في العالم باتت متداخلة جغرافياً، فلكلّ شعب جاليات كبيرة أو صغيرة بصرف النظر عن العدد في دول ومجتمعات أخرى، وقد تصل أعداد أفراد بعض الجاليات في بعض الأحيان إلى عدد يفوق عدد سكان دولة مستقلة. على العموم يمكننا تلخيص الصراع التركي الأرمني بلمحة عن المجازر التي ارتُكبت بحق الأرمن الذين كانوا يعيشون ضمن السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بداية القرن الماضي، وهو الأمر الذي مازالت تنكره الدولة التركية التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، لكن الوقائع التاريخية تشير إلى ارتكاب تلك المجازر، وقد شهدت السنوات الأخيرة تحرّكاً دولياً ولو خجولاً نحو
الاعتراف بمجازر الأرمن في تركيا. حصلت أرمينيا على استقلالها عام 1918 وتم الإعلان عن الجمهورية الأولى، على مساحة 12 ألف كيلو متر مربع، وعاصمتها ييريفان، كان ذلك عند توقيع أول اتفاقية مع تركيا حيث اعترفت تركيا باستقلال أرمينيا، وفي عام 1919 تم تحرير مساحات أخرى من الأراضي الأرمنية لتصل مساحتها إلى 60 ألف كيلو متر مربع، وبعد مؤتمر باريس عام 1920 حصل اعتراف دولي بأرمينيا، وفي مؤتمر سيفر وقّعت الدول العظمى وتركيا على اتفاقية مؤيدة لأرمينيا، ولكن الصراع بين تركيا وأرمينيا عاد إلى الظهور مجدداً مع تسلم حكومة أتاتورك زمام السلطة في تركيا، وبذلك خُلقت ظروف جديدة، وعلى إثر ذلك لم تعترف الحكومة الكمالية لا بتلك الاتفاقية ولا بجمهورية أرمينيا، ونتيجة لهذا الواقع الجديد تم التوقيع في شهر آب من العام 1920 على اتفاقية في موسكو بين روسيا وتركيا تعترف بموجبها روسيا بوحدة أراضي تركيا، فأصبحت هذه الاتفاقية بهذا الشكل عائقاً أمام استقلال وسيادة أرمينيا.
الصراع العربي الفارسي
يعود تاريخ هذا الصراع إلى ما قبل الميلاد على شكل اتهامات متبادلة من كل طرف للآخر، فالفرس منذ القديم وإلى يومنا هذا يتهمون العرب بأنهم كانوا سبباً بشكل أو آخر في الزوال التدريجي للدولة الساسانية ونهايتها، في حين أن العرب يحمّلون الفرس في كل مناسبة سانحة مسؤولية نهاية بعض الكيانات العربية، وقد اشتدّ هذا العداء الفارسي العربي وتنامى مع الحقبة الإسلامية، فقد أخذ الصراع بعداً دينياً على خلفية الغزوات العربية
ذات الطابع الإسلامي ومحاولتهم فرض دينهم الجديد على الفرس،” هذا بحسب رؤية الفرس للمشهد وتحليلهم له”، وهذا ما لم يرضَ به الفرس الذين يعتقدون أن هذه الغزوات أقصت الديانة الزردشتية السائدة بين شعوب
بلاد فارس، لتطغى بذلك النزعة الدينية على الحقيقة المبطّنة للصراع القومي بين شعبين، هذا الصراع الذي يسعى في الخفاء إلى مدّ النفوذ والتوسّع على الأرض والسيطرة على المناطق. الشكل الآخر للصراع الفارسي العربي أخذ طابعاً مذهبياً، حيث أصبح المذهب الشيعي جزءاً مرتبطاً بالقومية الفارسية في مقابل المذهب السني الذي ينضوي تحته الغالبية العظمى من العرب المسلمين، بالإضافة إلى
مشاكل الصراع على الأرض كما في العراق، والمخاوف العربية كما في دول الخليج، ومحاولة إيران التدخل في شؤون عدد من الدول العربية الأخرى.
الصراع العربي الإسرائيلي
هذا الصراع الذي كان في وقت من الأوقات حديث الساعة في المحافل العربية والإسلامية وعلى المنابر الإعلامية؛ ما يزال يعيش حالة غير واضحة من ناحية الوصول بالصراع إلى حلول نهائية، وعلى الرغم من
أن الصراع محصور بالشعب الفلسطيني وأرض فلسطين، إلا أن الموضوع أخذ بعداً قومياً يتجاوز الحدود الفلسطينية، إلى درجة أن بعض الدول العربية اتخذت من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صراعاً عربياً
يخصّ الأمة العربية بأكملها، ومع أن هناك قرارات أممية من مجلس الأمن الدولي بخصوص فلسطين، ومع وجود أطروحات ومبادرات دولية وأممية حول حلّ الدولتين “إسرائيل وفلسطين”، إلا أن القضية ماتزال عالقة
ولا وجود لآفاق حلول واضحة أو قريبة. ولا يغفل على أحد التطور في مسار العلاقات العربية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت فكرة التطبيع بين عدة دول عربية مع إسرائيل، وبغضّ النظر عن الإرهاصات التي تولّد عنها هذا التطبيع، سواء كان الموضوع يستوي على نار هادئة منذ وقت قديم أم إنه ظهر بشكل طارئ نتيجة ظروف وتجاذبات موضوعية معينة، على خلفية ما تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط عموماً والدول العربية بشكل خاص؛ فإن العبرة في الختام أن هذا التطبيع سيكون من شأنه أن يخفف من حدّة اللغة السياسية على الأقل والخطاب الدبلوماسي بين الطرفين، وهو ما قد يؤدي بالنتيجة إلى تخفيف حدّة الصراع مع الأيام.
خاتمة
من الواضح أن معظم الصراعات القائمة في العالم أجمع ومنه الشرق الأوسط؛ قائمة على أساس المطامع والمصالح المتضاربة، وإذا كانت المصالح والتقاطعات الاقتصادية والتوسعية وفرض الهيمنة تأخذ أبرز
أشكال وأسباب تلك النزاعات والصراعات، إلا أنه لا تخلو في بعض الأحيان من المواقف الأيديولوجية والدينية والمذهبية، وفي الوقت نفسه لا تخلو من الكثير من الدوافع القومية، لتأخذ الصراعات في نهاية
المطاف طابعاً قومياً يهيمن على الأسباب والصور الأخرى، وبالتالي يطغى الطابع القومي على مجمل النزاعات المعروفة في العالم بأسره ومن ضمنه الشرق الأوسط. واقع الحال أن الحلول تكاد تكون مفقودة ومستعصية في حالة اتخاذ الصراع طابعاً قومياً، في حال ما إذا كانت السلطات الحاكمة التي بيدها مفاتيح جميع الأمور ومقاليد كل الحلول؛ إذا كانت هذه السلطات ذات طابع
شمولي تسلطي سمته إنكار الآخر المختلف معه وإقصاؤه، وهذه النماذج متوفرة في دول وقوميات الشرق عموماً، وخاصة تلك التي أخذها جنون العظمة التاريخية أو المصطنعة، والحال هذه؛ لا بدّ من أن يصعب التعامل مع من يجد في نفسه صاحب دماء زرقاء ملكية، أو من يظن في نفسه أنه أفضل خلق الله وخير البشر، لأن الأمور حينها تختلط ببعضها، فيختلط التعصب القومي بالديني، وينصهر الفكري بالعنصري والثقافي
بالمذهبي والمعرفي بالفوقي، وكل ذلك يتحطم في النهاية على صخرة العصبية الإنكارية للآخرين.[1]