الفولكلور والفكر القومي الكردي
حيدر عمر
لقد رأينا سابقاً، أن المتنورين الكرد أصدروا في ما بين عامي ( 1898 - 1913) مجموعة من الصحف، ونشر الرئيس الأمريكي ويلسون مبادئه الأربعة عشر عام ( 1918 )، التي عُرفت في التاريخ بمبادئ ويلسون الأربعة عشر، والتي كان لها صدى واسع في العالم، وجذبت اهتمام الشعوب والأمم المستعمرة، و خاصة البند الثاني عشر، الذي وضع حق تقرير مصير الشعوب والأمم الخاضعة للدولة العثمانية في أيدي تلك الشعوب نفسها. لعل لهذه المبادئ، و للحركة الأرمنية و حركات شعوب البلقان و الشعوب العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، والسياسات الاتحاديين الترك القومية، وانهيار الدولة العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1919 ) و قبلها الحركات القومية في أوروبا في القرن التاسع عشر. لعل كان لكل ذلك تأثيره المباشر في حركة التنوير الكردية، فظهرت مجموعة من المتنورين الكرد، يدعون الكرد إلى الإقبال على دراسة التاريخ الكردي و البحث فيه. و كان هذا دافعاً لهم لأن يتفاعلوا مع تاريخ الكرد و كردستان باهتمام كبير، و ظهر هذا الاهتمام خلال مقالات تُشرت في الصحف آنذاك، فقد كتب أحدهم باسم (كردي بدليسي) في العدد الأول من صحيفة زين / الحياة، التي صدرت عام ( 1919 ) مقالة تحت عنوان اسطورة ضحّاك المعروفة لدى الكرد، تحدّث فيها عن انتصار ( كاوا ) الحداد على الطاغية و إعلان يوم الانتصار باسم نوروز بمعنى اليوم الجديد، عيداً وطنياً للشعوب الإيرانية بمن فيهم الكرد، و ثمة مقالة أخرى في العدد السادس عشر من الصحيفة نفسها ترى ضرورة البحث عن أيامنا الخاصة، أي أيام الانتصارات و الانكسارات، ليتم ت ثبيتها و إحياؤها، مما يدل على أن متنوّري تلك المرحلة اتجهوا نحو الدراسات التاريخية و الفولكلورية و إحياء التاريخ الكردي. ثمة مقالة أخرى للكاتب يامولكي زادة منشورة في العدد الخامس من صحيفة زين. هذه المقالة تتحدث عن الخصائص الأساسية المواقف المتنورين الكرد في تلك المرحلة حول تاريخ الكرد . و تعيد إلى الأذهان ما قدمه الكرد إلى الحضارة البشرية ، وانطلاقاً من ذلك ، فإنه ليس من الصعوبة أن يستعيدوا دورهم الحضاري، و يبنوا دولة لهم. كانت إعادة إحياء الثقافة الكردية أحد أهداف تلك الصحيفة، و لذلك تنوعت موضوعات مقالاتها، بين الفولكلور و التاريخ و الأدب، مثل رائعة أحمد خاني مَم و زين والقصص و الشعر، مما يدل على أن كُتّابها كانوا قد أدركوا أن الثقافة عامة، أقصد الفولكلور، و اللغة والأدب، أهم أعمدة الهوية القومية. لعلى المتنوّر عبدالله جودت ( 1869 - 1932 ) أحد أولئك الذين نادوا بالبحث في التاريخ الكردي، فهو يرى أن أمة لا تاريخ مكتوباً لها، كأنها لم تعش، و لهذا قال : على الرغم من الصعوبات التي تواجهنا ، علينا أن نجمع عناصر الثقافة الكردية و ننشرها في كتب مطبوعة . و يكتب المتنوّر كمال فوزي في الصحيفة نفسها سلسلة مقالات عن بعض أنواع #أدب الفولكلور الكردي#، مركزاً على القيمة القومية والتاريخية لهذه الأنواع، من حيث أنها تتضمّن حقائق تاريخية، شرط أن تكون دراستها على ضوء المناهج العلمية. وهذا ما يوحي بتأثره بأعمال الفولكلوريين الغربيين. ولعل بتأثير كل ذلك أيضاً، تأسست جمعية كرد تعميمي معرفت و نشريت / الجمعية الكردية للنشر وتعميم المعرفة عام ( 1919 ). التي يعتقد مؤسسوها أنه لا يمكن تحرير الشعوب و الأمم بالنضال السياسي فقط، بل لا بد من النضال الثقافي و الأدبي و التربوي وفق الأسس و المناهج العلمية. و من هنا ركزت الجمعية في برنامجها الذي نشرته في العدد العاشر لصحيفة زين على دور الفولكلور و التاريخ و اللغة في إحياء الروح القومية لدى الشعوب، وفق ما جاء في:
. البند الثاني : تتطلع الجمعية إلى طبع و نشر دواوين الشعراء و مؤلفات المؤلفين باللغة الكردية .
. البند السادس : تنشر الجمعية مجلة خاصة بالأمثال و الحكم ، بحيث يكون لأمثال اللهجات المختلفة ركنها الخاص .
. البند السابع : تجمع الجمعية المعلومات المتعلقة بالعادات و التقاليد الكردية ، بالإضافة إلى القصص و الأغاني الشعبية .
. البند التاسع : ستترجم الجمعية الكتب التي كتبها الباحثون الغربيون والشرقيون عن الشؤون الكردية وتنشرها .
. البند العاشر : ستنشر الجمعية أعمال ( مؤلفات الكرد قديماً و حديثاً).
. البند التاسع عشر : تعمل الجمعية من أجل تأسيس متحف تُعرض و تُحفظ فيه الأعمال اليدوية التي يصنعها الرجال و النساء و جميع الأدوات المصنوعة في مختلف المدن والمناطق . مما تقدم يتبين لنا أن عمل المتنورين الكرد في ميدان الفولكلور و الدعوة إلى جمعه و تصنيفه و دراسته، و إحياء التاريخ الكردي بدأ مع تفتح الوعي القومي لديهم، و خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك نتيجة تغييرات أصابت المنطقة ككل أثناء احتضار الدولة العثمانية و بعد انهيارها.
. المصدر :
حيدر عمر : أدب الفولكلور الكردي (دراسة ) الطبعة الاولى 2018 -اسطنبول - صفحات (53-54-55-56). [1]