بدء الهجوم البربري في منطقة بهدينان
بتاريخ 22/ 23 آب وردنا من عدة مصادر، بما فيها مفرزتنا التي أرسلناها إلى العمق في بير موس، وفق الاتفاق مع حدك حيث كان من المقرر أن يرسلوا هم أيضا مجموعة لتلتحق بقواتنا للتحرك والاستقصاء، وحال تأكدنا من صحة المعلومات أرسلنا في الحال وفداً بقيادة أبو فارس إلى سيدرا، لكن حدك أكد أنهم لم يتلقوا شيئاً من مصادرهم، وسوف يرسلون مفرزة للتحقق من الأخبار حول تحشد قوات السلطة.
وبتاريخ 24 آب بدأت أولى العائلات تغادر القرى والنزوح للجبال تحسباً من دخول الجيش لقراهم في بينارينكي و خوربني وتوجهوا إلى كاره يقصدون الحدود التركية، كما وصلتنا معلومات من مصادرنا حول نزوح الفلاحين من قراهم في مناطق مختلفة، وعشنا بحالة قلق مشفوعة بفوضى، وبدأ الخوف ينتشر بين أفراد عوائل مراني أيضا، بحكم عدم وجود وسائل للنقل وعدم وجود قرار بخصوصهم من قبل الحزب وقيادة بهدينان.
بتاريخ 24/25 آب ليلا تحركت القطاعات العسكرية من محاور عديدة لتضع طوقاً محكماً وفق خطة عسكرية محكمة.. المحور الأول الموصل/ فلفين دهوك/ سميل/ زاخو والمثلث العراقي السوري التركي ومن زاخو التفّ نحو الشريط الحدودي باتجاه باطوفة وناحية كاني ماسي.
المحور الثاني دهوك سرسنك- العمادية- ديرالوك- بارزان.
المحور الثالث الشيخان أتروش مجموعة قرى البرواري و المزوري المحاذية لمقر مراني وجبل كاره.. ومن جهة ثانية في نفس المحور تقدم الجيش من أتروش نحو قرى دزي و بينارينكي وبانية في أطراف زاويته وسواره توكه. المحور الرابع عقره - باكرمان ومجموعة قرى دشت نهلة. كانت الآليات المرافقة للتقدم تنقل الجنود والدبابات والمدفعية بعيدة المدى والمدعومة بتشكيلات الجحوش، وتسارعت وتيرة الأحداث ولم نغادر المقرات، كان الوضع في مراني كما هو انتظار في انتظار، وخلال ساعات بدأ النزوح الجماعي الكثيف لأهالي القرى التي تجاوزت المقرات الحزبية واتجهت نحو شعاب الجبال والطرق المؤدية نحو الحدود التركية، عبر معابر كاره الوعرة المتشعبة.
في هذا اليوم أبرقنا إلى مجموعة الدشت للانسحاب والالتحاق الفوري بالمقر. تحت ضغط هذا التحول وبإلحاح من العوائل تقرر إرسال وفد بقيادة أبو فارس من جديد إلى سيدرا لمعرفة موقف حدك.. عاد وأكد.. أن مقرهم فارغ لم يبق فيه أحد.. لقد غادروا مقرهم دون أن يعلمونا! .. أدركنا هذا بعد فوات الأوان.. بقينا نواجه تطورات الحدث السريع لوحدنا.. حيث عقدنا اجتماع سريع لقيادة القوة وقررنا سحب العوائل على شكل مجموعات.. أول مجموعة تحركت لتغادر مراني عصر يوم25 آب مكونة من عائلة جمال اطوشي وشاكر دوغاتي وخلات بوزاني وسعيد وخدر السنجاري.
قبل مغادرتهم وصل أبو داود قادماً من سوريا عبر الفوج الثالث عن طريق كلي آشوا، الذي توجهت نحوه المجموعة المذكورة.. استغرب أبو داود من وضعنا وقال: من يوم أمس إلى اليوم وأنا أحاول عبور الشارع مع نصير واحد فقط ولم نفلح بسبب سلسلة الآليات العسكرية التي تتوجه في أرتال متلاصقة عبر الشارع دون انقطاع، مما حال دون عبورنا، وأكد: من المستحيل عبور العوائل من هناك وأقترح التفكير بطريق آخر، لكن أبو سالار لم يعر رأي أبو داود أهمية، وأصر على مغادرة العوائل بهذا الاتجاه.
لم نعارض إصراره.. تحركت المجموعة.. لكنهم عادوا فجر اليوم التالي منهكين ومرعوبين مما شاهدوه من تجمعات عسكرية على الشارع لم يتمكنوا من اختراقها فعادوا إدراجهم محملين بالخوف والرعب، ناهيك عن التعب والإنهاك والضجر. كان لعودتهم تأثيراً كبيراً علينا.. وبدأنا نشعر بخطورة الوضع وإحكام الطوق حولنا، لكننا لم نيأس.. بدأنا بالتحرك وقررنا مغادرة الجميع للمقر يوم 27 آب نحو الزيبار باتجاه كافيه، وأبقينا مجموعة صغيرة في موقع الدوشكا لانتظار مفرزة الدشت.
علماً أن الطيران الحربي بدأ بإسقاط القنابل الكيماوية على آفوكي وقرى سوار واسپندار و خورپني وقد شاهد أنصار الدشت سقوط الطيور والحيوانات النافقة بسبب القصف الكيماوي، كما شاهد الأهالي عدداً من الضحايا الذين أصابهم هذا السلاح الفتاك .. أما المجموعة الأنصارية التي عبرت من المنطقة في نفس اليوم وفي اليوم الثاني فقد تعرضت إلى مشاكل في الرؤيا واحمرار العيون بفعل بقايا السم الكيماوي ..
تحركنا مع الجموع الحاشدة من أهالي القرى نحو الزيبار بقوافل متتالية في حالة نفسية صعبة، تميزت بحدوث انهيار وانكسار نفسي لدى غالبية المواطنين شلت قدرتنا للتحكم بالوضع.. بدأنا نستبعد أية إمكانية للمقاومة.. كان الأهالي قد تركوا ممتلكاتهم بما فيها المواشي يستعجلون السير للوصول إلى مكان آمن بين الزيبار وبارزان التي يفصل بينها معبر روي شين المائي على امتداد نهر الزي الذي عبرت منه قوافل بشرية هاربة قبل يومين فقط ، من الذين تحركوا قبلنا بتاريخ 24 آب وعبروا النهر بسلام.
لكن المفاجأة كانت عند وصولنا إلى معبر كلي كافيه، حيث شاهدنا الحشود الكبيرة للبشر الذين يمرون من معبر إجباري ضيق يحد من سرعة وكثافة العبور و يتطلب الصبر والانتظار.. لهذا بقينا في قرية سفري الخربة.. في اليوم التالي صباحاً واصلنا السير.. كان قد سبقنا عدد من الناس و العوائل من أهالي القرى الذين وصلوا مشارف كافيه، لكنهم تفاجئوا بوصول الجيش إليها.
كنا في مدخل الوادي حينما شاهدنا أول المجموعات تعود إلينا من جديد تاركة كافيه، بينهم عدد من أنصارنا ( أبو سربست و أبو عمشة و أبو داود و علي حاول - جمال مراني) الذين سبقونا في المسير..
أصوات القصف تسمع من قريب وسحب الدخان تتعالى في السماء من البيوت المحروقة في القرى التي دخلها الجيش و الجحوش.. المدفعية تقصف الطرق والمرتفعات بكثافة غير طبيعية كأنها القيامة والطوفان اجتمعا معاً..
حينما أدركنا أن طريق كافية مغلق بسبب سيطرة الجيش، ولا نستطيع مواصلة السير، وان العوائل التي وقعت في قبضة الجيش والسلطة قد تمت تصفيتهم فوراً بما فيهم الذين كانوا على حافة نهر الزي توقفنا مع الجمع المذعور.. كانت المواجهة بين المتوجهين نحو كافيه والمنسحبين منها في تلك اللحظات الإنسانية المرعبة نقطة انعطاف في النفوس الحائرة التي كانت تبحث عن وسيلة وطريق للنجاة، لكنها فوجئت بالطوق المحكم حولها فأزداد التوتر وازداد القلق، وبدأت معالم الانهيار النفسي تتجسد في حالات البكاء والردود العصبية وعويل النساء والأطفال، ويأس العجائز والشيوخ. تحول المشهد إلى مأساة إنسانية حقيقة تنزع الأرواح من أجسادهم .. فدبت الحيرة وأشكل الوضع على الجميع، فقدت أية إمكانية للتفريق بين الأنصار والمواطنين، وبين المواطن والقائد السياسي.
الكل يواجه خطر الموت والمطلوب في هذه اللحظات العصيبة اكتشاف وسيلة للنجاة .. لم يكن أمام البعض إلا التفكير بالتسليم للسلطة وقواتها في دشت نهلة هكذا بدأ البعض من الأهالي ينجرف لحتفه، وهو موقن من أنه سيلاقي الموت لا محالة.. لكنه قرر في لحظة صمت ويأس أن ينزلق لأقرب طوق نجاة من الموت.. ولم يكن طوق النجاة إلا الموت ذاته يكرر نفسه بأشكال مختلفة في الزيبار وبقية القرى والمدن المطوقة .
إننا نتحدث عن الزيبار وكافيه في هذه الأسطر.. لكن ما جرى في بقية المناطق بما فيها قرى بري كاره ومناطق العمادية لم يكن إلا صورة أخرى لهذه المأساة البشرية .. كان الموت يسود في كردستان التي اقتحمتها جحافل البربرية من عدة محاور تزحف نحو المسالك والمعابر تغلقها ساعة بعد أخرى ..
كنا قبل يومين قد أبرقنا لرفاقنا في الفوج الثالث في كلي هسبه عن مدى إمكانية مساعدتنا في حالة توجهنا نحوهم .. أجابوا في ردهم المؤلم .. لقد فات الأوان لا نستطيع أن نقدم لكم أي شيء .. كانت البرقية الأولى التي تحمل كلماتها السرية طعم الموت .. الموت .. الموت .. الذي يتحكم بنا من كافة الجهات .. و المطلوب منا أن نفعل المستحيل.. لنا.. لعائلاتنا.. لرفاقنا.. لأصدقائنا.. للجمهور المحاصر.
كنا مطالبين بخلق المعجزات في هذا الظرف المحتدم.. المطلوب منا فتح ثغرة في جدار الموت، عسى أن تفضي بعيداً عن فكي العنكبوت الذي تحول إلى كائن خرافي يفترس ليس البشر وحدهم.. بل حتى الجبال باتت لا تسلم من خطورته.
العنكبوت هذا ما أطلقه العسكريون الفاشست الذين خططوا للجريمة بكل أبعادها طوقاً .. خلف طوق .. يغلفه طوق آخر.. أطواق فيها الحياة تعتصر والبشر تدمر .. لم يعد أمامنا من خيارات .. كان الفاشيون قد سدوا المنابع والعيون التي تتدفق منها المياه .. أرادوا محو كل شيء يبعث على الحياة فمهمتهم هي نشر الموت ليس إلا .. الموت من جديد يطوقنا ونحن على مشارف كافيه.
الجيش تواجد في كافة القرى، من چم شروت وچمي چال في الزيبار ودشت نهلة.. هكذا بدأت أول مجموعة أنصارية تفكر بتسليم العوائل مع الأهالي، أثناء لقاء سريع جرى في مدخل الوادي المطل على دشت نهلة، بشرط استطلاع رأي وموقف الجحوش الزيباريين، على اعتبار وجود شيء من التعاطف الإنساني من قبلهم، خاصة وأنهم يتقدمون الجيش أثناء الحركة .. كنا في وضع إنساني صعب لا نستطيع أن نفرق بين الصحيح والخطأ عند طرح هذا الموضوع للمناقشة.
لكن اذكر للتاريخ أن علي حاول وأبو عمشة قد اعترضوا على هذا الرأي ورفضوه.. وبقوا متمسكين بعائلاتهم .. ولم تبقى أية قوة منظمة قادرة على فعل شيء باستثناء الأنصار الشيوعيون حيث انتهى وجود حدك وبقي منهم أفراد بمن فيهم مسؤول محلية الشيخان علي خنسي الذي لم نعرف إلى أين ذهب وكيف اختفى ولا غيره من الكوادر.
كنا نحن أصحاب العوائل أمام خيارات صعبة بحكم مسؤوليتنا الأخلاقية التي تفترض انقاد الرفاق والأنصار والعوائل والناس في آن معاً .. كان الجواب الذي وردنا من الجحوش بعدم تسليم العوائل ووجود قرار بتصفيتهم فوراً من قبل السلطات قد حسم الموقف وأنهى النقاش الذي دار حول إمكانية تسليمهم، لهذا واصلت العوائل طريقها للاحتماء في شعاب كاره..
بدأنا نواجه فكرتين الأولى تؤكد صحة الرأي الوارد من الجحوش والثانية تنفيها وتحلل الخبر/ الجواب بأنهم أي الجحوش ينوون تجميع العوائل في أماكن محددة كي يجري تصفيتهم بشكل تام بالسلاح الكيماوي.
في صباح اليوم التالي اختلطنا من جديد مع العوائل التي نفذت مئونتها وعانت من الجوع والعطش، حاول عدد من الأنصار بينهم أبو سربست وعلي حاول التوجه إلى قرية أركن للحصول على الماء والطعام، لكنهم تعرضوا إلى إطلاق النار من قبل الجحوش وتمكنوا من جلب القليل من الماء فقط، وحمل علي حاول كمية من بذور الشلب غير المقشر وجلبها معه لتكون وجبة غذاء لأطفاله. بقينا يومها موزعين بين الناس للاستراحة والنوم رغم القلق و الخوف. في هذه الأجواء عقدنا لقاء سريعاً للتباحث بمصيرنا ومصير العوائل.. كان المجتمعون كل من ( أبو سالار وتوفيق وأبو سربست وأبو ناتاشا وأبو عمشة واعتقد أبو سلوان أيضاً ) .. قررنا..
أولا الابتعاد عن العوائل وإبقاء البعض من الأنصار معهم لترتيب أوضاعهم وتوفير احتياجاتهم..
ثانيا حل كافة التشكيلات العسكرية وربط القوة والمجاميع بقيادة الفوج مباشرة، أي إلغاء الفصائل والسرايا..
ثالثا عدم الحركة نهاراً وعدم إشعال النيران في الليل ..
رابعاً تشخيص عدد من الأنصار لملاحقة الماشية المتروكة التي كانت تسرح بين السفوح دون رعاة والاستفادة من اللحم للغذاء يجري توزيعه على الجميع. وأذكر أنه التحق بنا في هذه الأجواء بقية الرفاق، الذين كانوا في الدشت مع المجموعة التي أبقيناها في مراني لانتظارهم يوم 30 آب، ونقلوا لنا ما شاهدوه في المناطق والقرى التي مروا بها ومتابعة الجيش لهم، وكذلك الوضع في أطراف مراني ومحيط المقر ومشاهدتهم للطيور والحيوانات النافقة من جراء الكيماوي، كما نقل لنا الرفاق الآتين من الدشت لأول مرة انعكاس هذا الهجوم على أوضاع منظماتنا الحزبية في الشيخان والقوش وتلكيف وبقية المدن في أطراف الموصل، التي انتابها القلق الشديد بحكم شراسة الهجوم ونوايا السلطة وما قد تلحقه من أضرار بالتواجد السياسي للحزب والمعارضة في كردستان، وما ينتاب الجماهير من مخاوف حقيقية على مستقبلها.
استمر الوضع على هذه الشاكلة خمسة أيام متتالية لغاية الثالث من أيلول كنا فيها نغير أماكننا في المساء، من موقع لآخر لمدى لا يتجاوز الكيلومتر الواحد منتشرين بين الأشجار بغية البقاء بالقرب من بركة ماء لم تكفي لنا للأسف إلا ليوم واحد فقط، ترافقت مع أعراض إسهال وأمراض مختلفة من جراء الاعتماد على اللحم في التغذية لوحده دون وجود الخبز أو أي شيء آخر معه وقد أصيب الأطفال بالإسهال، كذلك النساء والرجال لاحقاً، إلى حد لم يكن بالإمكان السيطرة على الخروج في حالات كثيرة، ولم نكن نملك أية وسيلة علاج في حينها، وكانت العين الوحيدة سنسول الماء في (بوطكي) التي كانت موقعاً لرعاة الغنم في الربيع ولا يتعدى ماؤها صنبور ماء صغير يصطف حوله طابور من العطشى يفوق الخمسين شخصاً في كل لحظة ويتطلب الانتظار لمدة طويلة في النهار ولساعة أو ساعتين في الليل للحصول على زمزمية ماء واحدة فقط لا تروي شخصين.. مع ذلك اضطررنا للتوجه نحوها كي نستفيد من مائها بالرغم من كثافة الوجود البشري فيها.
في الثالث من أيلول قبل الانتقال إلى موقع ينبوع بوطكي شكلنا مجموعة من أنصار ورفاق عقره معهم آخرين لاستطلاع مدى الإمكانية للعبور من مناطق الزيبار وبارزان نحو إيران رغم بعدها عن الحدود مكونة من الأنصار هاوار كمسؤول عسكري وكاروان وملازم رزكار وأبو ناتاشا وريبوار وشيروان وكمال جيكي وسالم وهوبي، وقد انفصلوا عنا وتحركوا في نفس الليلة لكن في اليوم التالي انفصل عنهم كاروان مع نصير آخر بعد أن أوضح لهم أنه مكلف بمهمة خاصة من أبو سالار، وللحقيقة يسترسل توفيق:
لم نكن نعرف طبيعة هذه المهمة وليس لنا علماً بها، وواصل البقية سيرهم نحو معبر الماء، لكنهم فشلوا في عبوره حسبما أكد أبو ناتاشا بعد عودته إلينا مع سالم وهوبي وحدهم في حين تعرض بقية الأنصار إلى مصير مجهول بعد وقوع كمال و رزكار في الكمين فقرر هوبي وسالم وأبو ناتاشا الرجوع، في حين واصل هاوار مع شيروان و ريبوار طريقهم نحو عقره، وهناك وقعوا ضحية كمين دبره لهم عملاء النظام ممن وثقوا بهم من أقاربهم ومعارفهم، ولم يتطرق أبو سالار للمهمة التي كلف كاروان بها في حينها ولزم الصمت.
في تلك الظروف لم نكن نعرف ما يجري حولنا بعد انعدام أية وسيلة لتبادل الأخبار والمعلومات، ولم نعرف بقية صفحات مخططات العدو وجيوشه، وانعدم الاستطلاع، أصبحنا شبه معزولين بين شعاب الجبال، ومن حولنا يقل التواجد البشري شيئاً فشيئاً.
ومن هذا المكان أيضا أرسلنا مجموعة استطلاع صغيرة مكونة من جمال اطوشي و شاكر و علي حاول إلى مقر مراني لمعرفة ما يجري هناك، تبين لهم أن الجيش لم يدخل المقر نهائياً، والمواد التموينية باقية كما هي، وجلبوا معهم بعض الحاجيات البسيطة، وعادوا يؤكدون أن الوضع شبه آمن هناك .. مما غير من مزاجنا وفتح آفاقاً لتجاوز المحنة والجوع والمرض، فتقرر تشكيل مجاميع للذهاب إلى المقر لجلب المواد الغذائية، ولا تستغرق هذه المهمة سوى سويعات، يجري فيها الانتقال عبر سلسلة جبل كاره بطرق غير مطروقة سابقاً تتطلب الصبر، لكنها توفر الأمان بحكم بعدها عن قوات الجيش المنتشر في القرى المحيطة بالجبل.
هكذا تناول الأطفال وبقية أفراد العوائل والأنصار وجبات من الغذاء عوضتهم بعض ما فقدوه من جراء الجوع في الأيام السابقة، ودعونا من منطلق إنساني الأهالي للاستفادة من موادنا، لكننا اكتشفنا بعد أيام قليلة أن الأهالي قد فرهدوا كل مخزوننا عند العودة للمقر من جديد مع السادس من أيلول، حيث سمعنا ونحن نتوجه إلى مراني نبأ إعلان العفو المرقم 736 من إذاعة بغداد، الصادر من مجلس قيادة الثورة وينص على.. إعفاء المتواجدين في كردستان عفواً عاماً.. الذي شكل بداية مرحلة جديدة كانت ملامحها توجه الناس من شعاب الجبال ووديانها نحو مراكز تجمعات الجيش للاستسلام والاستفادة من إعلان العفو.
وهكذا بدأت الجموع تترك مخابئها وتلجأ للقرى التي يتمركز فيها الجيش مع الجحوش على أمل الخلاص من المحنة التي لحقت بهم بعد تركهم لبيوتهم ومساكنهم وملاحقة الجيش و الجحوش لهم .. فكانت محنة جديدة أشد قسوة وفظاعة كما سنبين لاحقاً حينما نتتبع المشوار بعد مرحلة العفو والتسليم
#صباح كنجي#
فصل عن الأنفال.. سينشر على حلقات.. مقتطف من تدوين سيرة ذاتية ل توفيق الختاري.. أعدها الكاتب في سياق سلسلة لقاءات قبل 5 سنوات بعنوان.. ( توفيق الختاري في يومياته ومذكراته بين الكند والجبل ) ..[1]