=KTML_Bold=القيادات الكوردية والقراءات السياسية=KTML_End=
– محي الدين شيخ آلي نموذجاً –
#بير رستم#
نود بداية وقبل الخوض في مسألة نعتقد أن لها حساسيات معينة، ولأسباب عدة لسنا في معرض عرضها، أن ننوه إلى بعض النقاط والقضايا حتى لا يفهم الموضوع؛ موضوع مقالنا، خارج سياقها المعرفي – الحواري والذي نهدف من وراءه إلى “وضع النقاط على الحروف” ومحاولة منا بأن نطرح بعض القضايا والتي تتعلق بالمسألة الكوردية في سوريا كما هي دون غموض أو “خطاب تقية”، كما كانت تفعلها الأحزاب الكوردية سابقاً وما زال البعض يمارسها من “قادة” الحركة السياسية في سوريا، وهذه ليست مزايدة على أحد أو محاولة منا “لتشويه” سمعة أحد؛ فإن كنت تحمل وجهاً حسناً، فلا يمكن لقول أو خطاباً “متجنياً” أن يشوهه.
نعم إننا نقول ونؤكد على أن الحركة السياسية الكوردية لعبت وما زالت تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في حياة مجتمعنا الكوردي وتحملت قياداته، وفي مختلف المراحل، أعباء جمة وكبيرة وتعرضت للملاحقات والاعتقالات والتعذيب وإلى ما هنالك من صنوف القهر والهوان، وما زال الأمر كذلك، ولكن ذلك لا يعني أن نسكت عن أخطاءها وجبنها في بعض المراحل إن لم نقل في أكثرها ويا للأسف. وأيضاً إننا نؤكد على إننا لسنا من هواة “نشر الغسيل الوسخ”، مع العلم إن الغسيل الوسخ يجب أن ينظف وينشر و إلا فإنه سوف يحمل إليك الكثير من الجراثيم والأوبئة، ومن هذا المنطلق نحاول أن نقرأ في بعض المواضيع والتي تقترب من المسألة الكوردية، إن كانت من جهات عربية أو كوردية ولكن دون أن نحمل، ولأي جهة أو طرف أو شخصية سياسية – ثقافية، أي شيء من الحقد والضغينة، بل إننا نحمل قدراً كبيراً من الود والاحترام لأكثر تلك الشخصيات والجهات، إلا تلك التي ترفض أن تحترم نفسها وذلك قبل أن تحترمها الآخرين.
ونضيف، ولربما هنا نختلف مع العديد من الكتاب والمثقفين الكورد وغير الكورد والذين يُحملون الحركة السياسية الكوردية كل مآسينا وويلاتنا وأخطاءنا، أي ما معناه إنهم يُحملون الأحزاب الكوردية ما آلت إليه أوضاع الكورد في سوريا، وهم محقون في جزء كبير من المسألة، ولكن أن نعفي أنفسنا نحن المثقفين عن تحمل أي مسؤولية، على الأقل الأخلاقية – المعرفية، فإننا نحاول مرة أخرى أن ندفع بالقضية في اتجاهها الخطأ، وبالتالي نحاول فقط أن نبرئ ذمتنا. نعم نحن المثقفون والكتاب نتحمل أيضاً جزءاً مهماً من المسؤولية فيما آلت إليها الأوضاع في البلد عامة وما أفرزتها على صعيد القضية الكوردية على وجه الخصوص؛ وذلك عندما ابتعدنا عن الحراك السياسي ولم “ننخرط” في العمل الحزبي، إما ضعفاً وخوفاً على ذواتنا المتضخمة والمتسرطنة، على الأقل أكثريتنا إن لم نقل “بالمطلق”، كوننا لا نؤمن بالمطلق، أو لنبقى خارج الدائرة وبالتالي نجٌلد الذين داخل الحركة بسياط “نقدنا” والذي نفرغ من خلاله عن احتقاناتنا الداخلية لسلوكية مثقفٍ مهزومٍ ومقهور.
بعد هذه المقدمة الإيضاحية من جانبنا، سوف نحاول أن نقرأ في مقال السيد “محي الدين شيخ آلي” والمنشور في مجلة الحوار العدد المزدوج 46-47 شتاء وربيع 2005م وأيضاً المنشور بتاريخٍ سابق ٍ له في جريدة السفير ليوم 16-3-2005م. وتحت عنوان “أكراد وعرب: تفاهم وتخاصم”. وإننا سوف نبدأ من العنوان؛ حيث إن العناوين هي مداخيل ومفاتيح المقالات، بل إنها تعبٌر عما تحملها من معاني ومفاهيم. إننا نلاحظ بدايتاً بأنه يسير على خطى منذر الموصلي في عنونة مقاله – وهنا نود أن ننوه بأننا لا نقارن بين كل من السيد محي الدين شيخ آلي من جهة وبين منذر الموصلي من الجهة الأخرى، فالمقارنة الكلانية والشاملة بين الرجلين هو نوع من الإجحاف والرعونة الأخلاقية، ولكننا نقارن بين مقولتين سياسيتين لكل منهما وقد جعلاها عناوين لطرحهما السياسي؛ حيث إن لهذا الأخير أيضاً (منذر الموصلي)، وكما نعلم جميعاً، كتاب باسم “عرب وأكراد”، وبالتالي فإن السيد شيخ آلي قام فقط بفعل انقلابي، ولكن على مستوى السطح واللفظ والعنوان ودون أن يكون ذاك الانقلاب في مستويات العمق والمعنى والمضمون؛ فانقلب “عرب وأكراد” منذر الموصلي إلى “أكراد وعرب” السيد شيخ آلي.
ثانياً وما نلاحظه عند السيد محي الدين ومنذر الموصلي، ومن خلال العنوان؛ إنهما يخطئان في طرحهما للقضية الكوردية في سوريا، وذلك عندما يطرحانها وكأنها قضية “تخاصم” أو صراع بين الشعبين الكوردي والعربي، وليست هي بقضية وطنية ديموقراطية وعلى أنها بين هذه الشعوب والمكونات الاجتماعية والكتل السياسية والتي تحسب على المعارضة من جهة وبين السلطات والكتل والنخب السياسية الموالية لها من جهة أخرى؛ فها هو السيد شيخ آلي – وكما قلنا – يسير على خطى منذر الموصلي وذلك عندما يعنون مقاله ب”أكراد وعرب: تفاهم وتخاصم”، وكأننا نحن الكورد؛ أي الشعب الكوردي من طرف والأخوة العرب، كل العرب في الطرف الآخر، إما على “تفاهم” أو “تخاصم” وأن القضية ليست قضية صراع وإثبات وجود وهوية من عدمه بين الحركة الكوردية وأصدقاءه من ناحية، ومن الناحية الأخرى من يرفض هذا الوجود والهوية الكوردية والمتمثلة أساساً في السلطات المتعاقبة على البلد. وهذه نعتبرها، وخاصة إذا أتت من جانب أحد المحسوبين على النخبة السياسية الكوردية كالسيد محي الدين شيخ آلي، إما قصوراً في القراءة ومن ثم الرؤية والتحليل السياسي، أو جبناً سياسياً ولن نقول املاءات سياسية؛ لأننا نرفض مبدأ تخوين أحد، وهاتين الصفتين – والتي ذكرناهم – لا تليقان بشخص يريد أن يقود حركة سياسية لشعب يبحث عن هويته وإثبات أحقية وجوده على أرضه التاريخية.
ثم نقرأ بعد العنوان ما يلي، وذلك حيال المسألة الكوردية والاهتمام الإعلامي بها مؤخراً، فيكتب السيد محي الدين: “منذ مدة غير طويلة، يشهد الإعلام العربي اهتماماً بقضية الأكراد بفعل مؤثرات سياسية طارئة، ومناخات لم تكن مألوفة بالأمس، سواءً في العراق وتركيا أو سوريا وإيران بهذه الجدية أو تلك، وكذلك حيال أوضاع الجالية الكردية في لبنان بمستوى مناسباتي متقطع”. إننا كنا لن نعلق على ضعف وركاكة الصياغة والمعاني لدى السيد محي الدين لو كان “شخصاً عادياً” ويتحدث في مجلس شعبي، أما كونه شخصية اعتبارية وقيادية في الحركة الكوردية وينتج فعل وخطاباً سياسياً يترتب عليه نتائج مستقبلية على مستوى القضية والوجود، فنقول إن هذه الصفة الأخرى يجب أن تتوفر في الشخصية القيادية؛ وهي المقدرة على التعبير الدقيق والقوي وتماسك الخطاب السياسي عنده والقدرة على تحليل الأمور والأحداث، كونه صوت قواعدها وممثلها في المحافل والمنابر الإعلامية.
هذه كانت من حيث اللغة والتعبير. أما من حيث المعنى والطرح؛ طرح القضية الكوردية في سوريا على أنها “قضية الأكراد” وكأن العرب والآشوريين والسريان والمسلمين والمسيحيين والسنة والعلويين والبارتيين والبعثيين لا علاقة لهم بها، فأنها لعمري من عجب العجاب وخاصة من قيادي كوردي يرفض سياسة المحاور من جهة، كوردستانية كانت أم غيرها ومن الجهة الأخرى يطرح فكرة الوطنية السورية، كما هي دارجة هذه الأيام ومع العلم إننا أيضاً من المدافعين عن الوطنية السورية ولكن على أساس احترام التنوع التكويني السكاني وحقوقهم. نعم إننا نستغرب هكذا طرح من هكذا قيادي ونقول إن القضية ليست “قضية الأكراد” وحدهم، بل هي قضية وطنية ديموقراطية بامتياز؛ أي أن كل المكونات السورية معنية بها. وأما بالنسبة إلى المناخات السياسية السائدة في العالم، وليست في منطقة الشرق الأوسط وحدها، وصحيح إنها جديدة، ولكن نؤكدها لك بأنها ليست ولن تكون “مؤثرات سياسية طارئة” كما ظننتم؛ بل إنها نتيجة عوامل حضارية متعددة وهي ليست موضوع بحثنا لنستعرضها في هذا المقام.
أما تحليلكم بصدد الاهتمام الإعلامي وعلى ندرته – على حد تعبيركم – في الآونة الأخيرة بالقضية الكوردية في سوريا، وأيضاً ما أفرزتها سياسة “خير أمة أخرجت للناس”، فهو الآخر قاصر. وسوف نحاول أن نبين للقارئ رؤيتنا وذلك بعد أن نستعرض رؤيتكم. فإنكم تكتبون في سياق مقالتكم ما يلي: “ونادراً ما يولي الإعلاميون العرب اهتماماً لائقاً بالقضية أعلاه (أي القضية الكوردية والتوضيح من عندنا)، وذلك بتأثير متأت من خشبية السياسات الرسمية للنظام العربي، وفي مقدمته مؤسسات الجامعة العربية من جهة، وشعور ٍ سائد لدى البعض بفعل تفسيرات خاصة بهم، تفيد بأنهم (خير أمةٍ أخرجت للناس..) لينظروا من علٍ في التعاطي مع الأكراد وغيرهم من غير العرب باعتبار أن هؤلاء (أعاجم)ليس إلا من جهة ثانية، أضف إلى ذلك افتقار مراكز البحث والدراسات العربية لوجود أبحاث أكاديمية رصينة وإصدارات دورية تلقي الضوء على حقائق ومعطيات القضية الكوردية و.. هذه العوامل الرئيسية الثلاث تبقى تفعل فعلها في تشويه الوعي لدى الإنسان العربي بوجهٍ عام وتدفعه باتجاه السلبية واللامبالاة كلما جاء ذكر الأكراد و..”.
إن القراءة السابقة – وحسب رأينا – تنم وتعبر عن فقر فكري وضعف سياسي وعدم القدرة على التحليل والاستنتاج، وبالتالي عدم القدرة على بلورة برامج سياسية نضالية على ضوء ذلك؛ حيث نلاحظ بأن السيد محي الدين يرجع عدم اهتمام الإعلام العربي بالقضية الكوردية إلى ثلاثة عوامل وأسباب وذلك حسب رؤيته وقناعته، وسوف نحاول أن نبحث في كل منها على حدة. إننا نقول للسيد شيخ آلي بأن “السياسات الرسمية للنظام العربي” تجاه المسألة الكوردية ليست خشبية وفقط؛ بل هي سياسة إنكارية الغائية، أي لا يقر ولا يعترف بحقيقة وجودك كقضية أرض وشعب، وإننا نقول عن سياسة كهذه على أنها – وكما قلنا سابقاً- سياسة إنكارية. ولكن متى نقول عن هذه السياسة أو تلك على أنها خشبية أو متكلسة؛ ذلك عندما تقر وتعترف بوجود المسألة أولاً ولكنك تنظر إليها من خلال رؤية مصلحية ضيقة، ومهما كانت منطلقات وأسس تلك الرؤية؛ دينية – مذهبية، قومية – عنصرية، أيديولوجية – سياسية أو اقتصادية – مالية وإلى ما هنالك من “المسوغات والمبررات” والتي أخيراً تصب في مصلحة / طاحونة هذه الجهة أو تلك من صاحبة النفوذ والقرار والسيادة. وهكذا لو كانت هذه “السياسات الرسمية للنظام العربي” تقر بحقيقة القضية الكوردية في سوريا، وفقط كان الخلاف حول كيفية المعالجة وتمسكهم برؤية أحادية تخدم جهة واحدة، لقلنا بأنها سياسة خشبية، أما وفي ظل هكذا واقع؛ أنت مغيب فيه كأرض وشعب، فهي لعمري تحليل بعيد كل البعد عن الواقع الراهن.
أما ما يتعلق بالجانب الاستعلائي “لدى البعض (أي بعض العرب وهنا أيضاً التوضيح من عندنا) بفعل تفسيرات خاصة بهم، تفيد بأنهم (خير أمةٍ أخرجت للناس..) لينظروا من علٍ في التعاطي مع الأكراد وغيرهم من غير العرب باعتبار أن هؤلاء (أعاجم) ليس إلا”. فإننا هنا أيضاً نختلف معك في هذا “البعض”، بل نجزم ونؤكد بأن الغالبية العربية، وعلى المستويين النخبوي والشعبي، ينظرون إلى المسلمين من غير العرب ومن ضمنهم الكورد على أنهم وما زالوا ذميين وموالي، وهذا ما نجده في الشارع وفي جل الخطاب العربي بصدد القضية الكوردية، ولا داعي أن نجمل قبائحنا، فعصرنا هو زمن كشف المستور والمخبأ، لعلنا نصل إلى الحلول وما سياسة التجميل والرتوش والتصفيق إلا هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، ولذلك كفانا تهريجاً سياسياً.
وأما بصدد ما كتبتم عن “افتقار مراكز البحث والدراسات العربية لوجود أبحاث أكاديمية رصينة وإصدارات دورية تلقي الضوء على حقائق ومعطيات القضية الكوردية” فإننا نتفق معكم، مع العلم إن تلك المسألة مرتبطة بعوامل عدة أخرى ولكنها ليست مدار بحثنا هنا. وهكذا فإن هذه العوامل الثلاث وإلى غيرها العديد من الأسباب والعوامل الأخرى كضعف الحركة والخطاب السياسي الكوردي إجمالاً، وأيضاً غياب أو تغييب الحالة الديموقراطية في البلد وبالتالي غياب الدولة المدنية ومؤسساتها، وأيضاً هيمنة جهة سياسية – حزبية؛ حزب البعث على مقاليد السلطة في الدولة، وضعف أداء المؤسسات العالمية كهيئة الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، وسياسات العنف والنفي والقتل والموغلة في تاريخ شرقنا المبتلى بالفكر الشمولي ألإقصائي و.. غيرها من العوامل، كلها مجتمعة خلقت وتخلق “وعياً مشوهاً” في مجتمعاتنا في نظرته للآخر وليس فقط “لدى الإنسان العربي بوجهٍ عام” بحيث “تدفعه باتجاه السلبية واللامبالاة كلما جاء ذكر الأكراد”، وبالمناسبة فإن “الإنسان العربي” أو جلهم – كما أكدنا سابقاً- ليس سلبياً لا مبالياً تجاه القضية الكوردية، كما تقولون، بل هو يتعامل بعقلية عروبية قومجية مع المسألة الكوردية.
نعم إننا نؤكد ومرة أخرى بأن الموقف العربي الرسمي والشعبي، ودون أن ننسى بعض المواقف الإنسانية هنا وهناك وعلى ندرته من جانب بعض القادة أو المثقفين العرب، وذلك حيال القضية الكوردية، هو ليس بالموقف السلبي أو حالة اللامبالاة، وإننا لنقول عن موقف طرف أو مجموعة ما تجاه مسألة وقضية معينة بأنه سلبي ولا مبالي فقط في حالة واحدة؛ وذلك عندما لا تهمهم تلك المسألة “لا من بعيد ولا من قريب” وبالتالي يهمشونها. أما في الحالة الكوردية – العربية وفي ظل مجموعة “المشاريع” العنصرية والمطبقة حيال الوجود والمسألة الكوردية في سوريا وأيضاً وفي ظل موقف الغالبية العربية نخباً وجماهيراً من المسألة الكوردية، فهي ليست بحالة اللامبالاة كما يكتبها السيد محي الدين في مكاناً آخر بأن “السلبية واللامبالاة هاتين في الثقافة السائدة لدى الكثيرين في الوسط العربي غالباً ما توٌلدان لديهم نزوعاً باتجاه العنصرية والشعور بالتفوق، فتثيران نعرات ضارة تشكل رافعة لحالة احتقان وحوادث مؤسفة واضطرابات تهدد السلم الاجتماعي هنا وهناك نحن جميعاً بغنى عنها”. وإننا لنسأل السيد محي الدين ما يقصده من وراء هذه العبارة الأخيرة “حوادث مؤسفة”؛ فإن كان يعني بها “أحداث” آذار لعام 2004 فلقد كانت انتفاضة حقيقية في وجه ممارسات سياسات خاطئة، مع العلم إننا لسنا من دعاة العنف، ولكن يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وكفانا لعباً بالألفاظ وعلى الآخرين.
ومن بعد هذه المقدمة الغير موفقة، من جانب السيد محي الدين، للموقف العربي تجاه القضية الكوردية وخاصة الإعلامي منه، ينتقل إلى موضوع آخر ألا وهو إثبات أقدمية هذه الأقوام العربية والتركية والفارسية وأخيراً الكوردية في هذه الجغرافية ودون أن يتطرق إلى غيرهم من الأقوام والأعراق والتي هي سابقة في أقدميتها بالمنطقة على الكثير من تلك الأقوام والأعراق التي يذكرها كالسريان والآشوريين. وهكذا يفهم من سرده لهذه المسألة بأنه سوف يحاول أن يثبت الجغرافية الكوردية كغيرها من الجغرافيات الموجودة على الأرض والخارطة الشرق أوسطية ولكنه، وسوف نقولها صراحة، يمارس مرة أخرى “خطاب تقية” في طرحه لجغرافية كوردستان والذي ألحق بالدولة السورية الحديثة، وذلك عندما يكتب: “الأكراد تعرضوا أكثر وأشد من العرب لمآسي الحروب والتجزئة وفق مصالح وأهواء الدول الكبرى في مستهل القرن المنصرم، فباتوا منضوين في أطر كيانات جمهورية لأربع دول رئيسية في المنطقة هي تركيا وسوريا والعراق وإيران، تفصلهم عن بعضهم البعض أسلاك حدود سياسية مكرسة بالعديد من المواثيق والاتفاقات الدولية، فارتبط تطور ومصير كل جزء من الأكراد بمصير وتطور مجتمع ودولة، كلٍ على حدة، و.. “. وهكذا نجد أنه مرة أخرى لا يسمي الأشياء بأسمائها؛ فالأجدى والأصح والأدق أن يقول: (ارتبط تطور ومصير كل جزء من كوردستان وليس “الأكراد” بمصير وتطور مجتمع ودولة، كلٍ على حدة).
وهناك مغالطة أخرى يقع بها السيد شيخ آلي وذلك عندما “يتحدث” عن الوجود الكوردي في سوريا حيث يقول: “نزعم في هذا السياق على سبيل المثال أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري، فهم يشكلون..”. لاحظوا أولاً عبارة “أكراد سوريا”؛ إننا ومن خلال رفضنا لهذه العبارة والصياغة لحقيقة الوجود الكوردي في سوريا لا يعني رفضاً لسوريا كوطن يضمنا جميعاً، وإنما نرفض ما هو كامن خلف ذلك من إلغاء لجغرافية كوردستان الملحقة بالدولة السورية، هذه أولاً، وتالياً ما يتعلق بالوجود الكوردي من عدمه؛ حيث أنه وبعد إلغاء مفهوم الجغرافية؛ ها هو يكتب: “نزعم في هذا السياق على سبيل المثال أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري”. وكأن السيد محي الدين في شكٍ من الوجود الفعلي للكورد، أو على الأقل بأنهم “يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري”، وذلك حتى على المستوى البشري وتواجدهم في جغرافيتهم الملحقة بالدولة السورية والتي نعتبرها جميعاً وطناً لنا؛ ليكتب: “نزعم.. أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز..”، وكأن الوجود الكوردي كثاني مكون وقومية في البلد هي محل شك وريبة.
وبالمناسبة فإن مفهوم الوطنية لا تعني أن تلغي ذاتك ضمن مفهوم سوريا ذات الصبغة العروبية الحالية وذلك كما تم إلغاءك؛ أنت الآخر ضمن مفهوم “أخوة في الدين” ومن بعده “الأممية”؛ حيث كان الوحيد والذي يتخلى عن خصوصياته الثقافية والتاريخية والجغرافية، بمعنى ما عن هويته الحضارية وتحت المفاهيم والشعارات السابقة هم الكورد وحدهم، وبينما كان الآخرين وما زالوا يصبغونها بهوياتهم وخصوصياتهم ومن خلالها؛ أي خلال تلك المقولات والمفاهيم والهويات العامة والشاملة، يحاولون ابتلاع الآخر. والآن جاءت دور الوطنية لتفعل فعل سابقاتها؛ وهنا نود أن لا يفهم من طرحنا هذا إننا ندعو إلى تفتيت أوطاننا، بل نقول ونؤكد هنا أيضاً إن من مصلحة شعوبنا أن تبقى في بلدان موحدة، بل إننا دعونا أكثر من مرة لقيام اتحادات وفيدراليات أكبر رقعةٍ وأكثر حضوراً ودوراً وفي كل النواحي وعلى أساس احترام خصوصيات وحقوق كل المكونات الوطنية في تلك الجغرافيات المتحدة.
وأخيراً فإن السيد محي الدين شيخ آلي؛ “سكرتير حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا يكيتي” كما ينوه إليه في آخر المقال، يصدمنا ويفاجئنا بالطرح التالي وذلك عندما يدعي بأن “الأجندة الكردية على الصعيد البرنامجي العملي واضحة”، ولا نعلم أي أجندة وبرامج يقصدها السيد محي الدين وأي وضوح؛ فإن كان يرمي من وراء ذلك إلى تلك الكتيبات التي تعرف وتعطى للقواعد الحزبية على أنها “منهاج” أو “برنامج” الحزب “فوالله” – مع إننا لا نملك أية قناعات دينية ولكننا ها قد حلفنا كأي مسلم حقيقي، حيث هكذا أطروحات تجبرك أن تؤمن بأن هناك قوى غيبية تسيير أحزابنا كما “تسيير” أكواننا وبلداننا، وذلك كما آمن ذاك الخبير عندما أطلع على الاقتصاد السوري ولم يستطع أن يدرك كيف يمكن أن يدُير ويدبر المواطن السوري حياته المعيشية – نعم؛ إن هكذا طروحات وادعاءات؛ بأن “الأجندة الكردية على الصعيد البرنامجي العملي واضحة”، ومن جانب أحد الذين قضوا جل حياتهم ضمن جسم الحركة السياسية الكوردية لشيء يدعو إلى “الإيمان بالله الواحد الأحد والقادر الجبار ولا حول ولا قوة إلا بالله العليٌ العظيم” ولن نضيف عليه قولاً آخر.
جندريسه-2006
[1]