=KTML_Bold=الدور التركي الوظيفي لخدمة المؤامرة الدوليّة ضد الكُرد والإسلام=KTML_End=
د. علي أبو الخير
المُتتبع لسيرة القائد عبد الله أوجلان نجده يبحث عن السلام في أرض الاستبداد، فهو مُفكر قبل أن يكون سياسياً، ويحمل غصن الزيتون حتى ولو حمل البندقية، وبسبب ذلك فإنه عاش المنفى الفكري والاعتقال البدني، وعندما بدأ بحث عن حق شعبه ووجد نفسه وجهاً لوجه ضد الرأسمالية العالمية الباطشة، والدولة التركية الوظيفية، فقد خرج من البلاد عام 1980 بعد ملاحقات أمنيّة من النظام التركي، حيث اختار القائد أوجلان اللجوء إلى الشعب العربي، دون سواه فعبر إلى سوريا ثم لبنان وهناك ارتبط بحركات الكفاح الفلسطينية وعقد مؤتمر حزبه بأحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، وذلك قُبيل الغزو الصهيوني للبنان.
في سنة 1984، أطلق من منفاه ثورة الكفاح المسلح بقيادة حزب العمال الكردستاني، لتقابل السلطات التركية الهجمات التي شنها الحزب بحرب إبادة ضد الكرد، وصنّفت أنقرة وحلفاؤها الغربيون الحزب على أنه منظمة إرهابية.
وعلى الرغم من التطور الجذري في فكر وفلسفة القائد أوجلان الذي ظهر في الكتب والمجلدات التي أخرجها للفلسفة الإنسانية المعاصرة وما طرحه من حلول لمشكلات المنطقة عبر التعايش السلمي في “الشرق الأوسط الديمقراطي” بدلاً من مشروع تركيا وإسرائيل والغرب “الشرق الأوسط الجديد”، فإن وجود القائد أوجلان في السجن إلى اليوم يُمثّل دليلاً على دور تركيا في هذا المشروع الاستعماري، للهيمنة على المنطقة، ودور تركيا الوظيفي في تنفيذ هذا المشروع، وعقاب الدول أو الشعوب التي تقف في وجهه وعلى رأسها الشعب الكردي.
باتت أبعاد المؤامرة الدوليّة أكثر وضوحاً، فتلك المؤامرة التي تورطت فيها أكبر قوى الهيمنة العالمية، والتي بدأت بأسر القائد عبد الله أوجلان لا زالت مستمرة إلى يومنا الراهن ضد شعوب الشرق الأوسط ورسم مستقبلها حسب مصالح قوى الهيمنة، تلك القوى استطاعت أسر القائد بدنيّاً، ولكنها لم تتمكن من أسره فكرياً، أو كسر إرادته في توجيه الشعوب إلى السبيل الذي ينهي استعبادها واستغلالها، ورأى في الدفاع عن الشعوب مهمة تاريخية على عاتقه، واستطاع تجاوز كل المُعيقات والحواجز الموضوعة أمام إيصال فلسفته وأفكاره إلى الشعوب… فلقد وجدت قوى الهيمنة أن فكر ورؤى القائد أوجلان ستشكل عقبة أمام ما تخططه لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها، لذا قررت تحييده، وعندما سلمته إلى النظام التركي، مما يدل على أن المخطط والمنفذ أكبر من الدولة التركية، حيث وضعت تلك القوى نظاماً خاصاً للقائد الأسير في سجن منفرد خاص في جزيرة نائية معزولة عن العالم، ولا زالت تُشرف عليه جاعلين من النظام التركي واجهة لكافة ممارساتها.
إن مؤامرة اعتقال القائد أوجلان، لم تكن سوى حلقة في سلسلة مؤامرات تعرّضت لها شعوب المنطقة، لتكون المسألة الكردية على موعد مع أول محاولة لإعطاء الكرد بعض حقوقهم في تقرير المصير والانضمام إلى المنظمة الأممية، عصبة الأمم كشعب ودولة مستقلة، لكن الأطماع الدولية والتطرف القومي الذي قامت عليه الدولة التركية في مطلع العشرينيات من القرن الماضي وقف أمام هذه المحاولة، على الرغم من قبول السلطنة العثمانية المهزومة معاهدة الصلح التي أقرّت استقلال كردستان والشعب الكردي، في معاهد “سيفر”، التي قبلت بها الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، عندما بدأت أوروبا في اقتسام تركة ما كان يسمى “رجل أوروبا المريض” العثماني، ثم وقّعت تركيا على هذه المعاهدة يوم 10-08-1920، ونصّت بنود المعاهدة الخاصة بهذا الشأن على حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و63 من الفقرة الثالثة في المعاهدة، وكعادة الدولة التركية في نقض العهود والمواثيق، رفضت الحركة القومية التركية بزعامة كمال أتاتورك، بعد أن تولت الحكم في تركيا في 29-10-1923، وما ورد في هذه المعاهدة، وأصرّت على تسوية جديدة تحققت لها بالفعل في معاهدة “لوزان” 1923، التي تجاهلت ما أقرته معاهدة “سيفر من حقوق الكرد، وأبرمت معاهدة لوزان عام 1923 بين تركيا ودول الحلفاء المنتصرة في الحرب، وأسست الجمهورية التركية برئاسة كمال أتاتورك، لتتولى بموجبها تركيا دورها كدولة وظيفية في الشرق الأوسط معتدية على حقوق الكرد بتطرفها القومي، ومعادية للإسلام والشيوعية بتطرفها العلماني وتحالفها مع الغرب الرأسمالي، ومؤدية لوظيفتها في إقامة شرق أوسط متشرذم ومُقسّم، تُهضم فيه حقوق الشعوب، قبل أن يعيد أردوغان استغلال الدين في السياسة التركية لدغدغة مشاعر الإسلاميين بالمنطقة بتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما لخصه القائد عبد الله أوجلان بقوله “كل من يقوم بزعزعة هذه الجمهورية الصغرى –تركيا- التي حددت مكانتها ودورها ووظيفتها في الشرق الأوسط، ورسمت ملامح مضمونها بناءً على المعاداة الصارمة للإسلام والكرد والشيوعية، وكل من تسوّل له نفسه لتحريفها عن مجراها، سوف يعتبر عدواً لدوداً، لن يدخر أي جهد لإبادته والقضاء عليه”.
إن ما ذكره القائد عبد الله أوجلان يتحقق اليوم، على يد الدولة التركية التي يقودها أردوغان متسلحاً بالتعصب الديني والقومي جنباِ إلى جنب، فانهارت جهود السلام مع حزب العمال الكردستاني عام 2015، لتشن الدولة التركية حملة إبادة سياسية بحق السياسيين الكرد في تركيا، وسط تصعيد تركيا لتدخلها العسكري في سوريا ضد الكرد السوريين، فاحتلت مدينة عفرين في أوائل عام 2018م، وشنت عدوانها على شمال وشرق سوريا، لتمارس الدولة التركية ومرتزقتها، جرائم حرب بحق الكرد السوريين مستهدفة التطهير العرقي وإعادة هندسة ديموغرافيا المنطقة لمحو الهوية الكردية..
لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولا يحيق المكر إلا بأهله… سينتصر القائد وينتصر الحق الإنساني والإسلامي والكردي أيضاً.
[1]