=KTML_Bold=أزمة الشرق الأوسط وسبل الحل 2=KTML_End=
نجم عبد الله
أسباب الأزمة: القضية تحتاج إلى تحليل الأبعاد التاريخية، والثقافية، والسياسية، والجغرافية للوضع المعاش على أرض الواقع.
فنظام الانتداب والاستعمار القديم كان يدير الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، ثم ترك مكانه بعد الحرب العالمية الثانية للدول القومية، التي أنشأها الاستعمار الحديث، ولأنه شكّل طبقة من البيروقراطيين وجعلتهم مهيمنين على كل جزء من الجغرافيا، التي جزؤها بالمسطرة، ومثلما أتوا بفيصل على سدة حكم العراق بعد أن تعهدوا له بإنشاء الدولة العربية الكبرى، جاؤوا بمنظر القومية العربية الأول، ساطع الحصري إلى العراق، وبتطوير هذه النظرية من قبل المؤسس الأيديولوجي لحزب البعث في سوريا (ميشيل عفلق) وصلاح البيطار، أصبحت الهوية القومية العربية على ما هي عليه الآن. بعد أن قام ميشيل عفلق بتأسيس حزب البعث، ونشر سم القومية والتعصب، الذي نُفي بعدها إلى الأردن، ثم إلى فنزويلا من النظام الذي أنشأه، ليعود بعدها إلى العراق فيدخل في تنافس عدائي مع النظام في سوريا.
إن مجيء البعث إلى السلطة في العراق وسوريا 1963، كان لانقلابات ضباط الجيش القوميين والمتعطشين الى السلطة، وهؤلاء كانوا يسعون إلى أهداف سياسية من خلال خداع الشعب باستخدام مفاهيم الإسلام والاشتراكية، ولكسب الدعم السوفيتي استخدموا شعار الاشتراكية، أما داخليا فلم يكن إلا لخداع طبقة الكادحين من أبناء الشعب، وفي الحقيقة لم يكن لهم أي علاقة بالاشتراكية. العامل الأساسي الذي أثر في المنطقة وجعلها تتخبط في مستنقع الجهالة والتخلف هو قضية الذهنية المتحكمة في المنطقة. فبعدما كان الشرق الأوسط مهد الحضارة النيوليتية، ومنبع الأديان والفلسفات، والثقافات، بدأ الجمود فيها خاصة منذ القرن الثاني عشر عندما أنكر الفلسفة والاجتهاد في الدين، وقتل خيرة أبنائه من الفلاسفة، ورواد العلم من الباحثين عن الحقيقة. عندئذ أُسدِل الستار على التاريخ المجيد ليبدأ فصل الظلام والدوغمائية.
بالطبع لدى البحث في أسباب وعوامل العد التنازلي لشعوب الشرق الأوسط، لا يمكن إنكار عامل الذهنية الجنسوية، التي أوصلت الحياة إلى نهاية مسدودة، فالرابطة ما بين المرأة والحياة عميقة جداً. الحياة الحرة تتطور بالمرأة، لكن نزعة الجنسوية الاجتماعية (استملاك المرأة، الناموس) أسقطت المرأة وتوجه المجتمع إلى الحضيض مع الانكسار الجنسي للمرأة.
من جانب آخر وارتباطاً بالعوامل التي ذكرناه آنفاً، فقد تراجع الشرق الأوسط على الصعيد العلمي والفلسفي والسياسي والاقتصادي بعدما كان منهل العلوم في العالم. ولم يكتفِ بذلك، بل تأثر بالذهنية الغربية وخاصة الفكر الاستشراقي، الذي أنكر إرادة شعوب الشرق الأوسط واستصغرها. لهذا كانت التغييرات الجارية في المنطقة بمنظور فوقي للغرب، وعلى الرغم من ولادة التيارات الثورية العالمية، وتصاعد حركة الشبيبة والحركات المناهضة للنظام، وظفر ثورة أكتوبر في روسيا التي أثرت على الشرق الأوسط أيضاً، إلا إن تلك التيارات والحركات وشعوب المنطقة لم تتمكن من الخلاص من دوغمائية الاشتراكية المشيدة، ولم تتحرر من فلك النظام العالمي، ومن فاشية الدول القومية. لذا بعد انهيار الاشتراكية المشيدة في بداية تسعينات القرن الماضي، تقزمت وتقلصت دور الحركات الثورية والاشتراكية.
بالفعل كانت الحداثة الرأسمالية تعد أسسها المادية منذ 200 عام، وبما أن الدين والمعتقد الإسلامي قوي جدا في الشرق الأوسط والمجتمع العربي كان لابد من اتخاذ بريق الإسلام. في الحقيقة لم يكن له علاقة بالإسلام أيضا بل كان وسيلة لتحقيق أغراضهم السياسية فقط.
كانت السمة الأساسية لحكم حزب البعث العربي على الشعوب والجماعات، أنهم أصبحوا حجر الطاحونة ينتج شكلا موحدا للنظام العبودي. فلم يكونوا حتى مثل السلالة الحاكمة في العصور القديمة، ولا يمتازون بشيء من الرحمة والفضيلة، لهم صلاحيات لا حدود لها، تقاسموا الأرض واحتكروها، بنوا عليها مزارع، وتوارثوا السلطة لسنين عديدة، لم تخطر بأذهانهم الديمقراطية والحرية والتفكير بالآخر والتعاطف معه، من الممكن أن تكون بعض الدول الغربية الليبرالية الرأسمالية قد أدركت معنى لها، ولكن فيما يتعلق لدكتاتورية البعث فكانت تعني الهيمنة والعنف والتعذيب اللامحدود لمواطنيها، وعند المجيء إلى ادعاءات البعث في تطوير الوحدة العربية، ورغم تداولها خطابيا لعشرات السنين، فمن الأهمية بمكان معرفة أسباب عدم نجاحها وفهم نواياهم الحقيقية، ففي أعوام 1958- 1961 أُسِّست الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر، ولم تستمر سوى ثلاثة أعوام، ولا يمكن تسميتها بوحدة لما عاشته من اختناقات ومشاكل عظيمة، ولأنه لم تكن أهدافهم بناء وحدة المجتمع الديمقراطية. كل واحد منهم كان يسعى لجعل نفسه طاغية. ولا قيمة لشيء عندهم إلا كرسي السلطة، ولم يتركوا شيئا إلا وبذلوه لأجلها. رسخوا الغطرسة والتفوق فيما بينهم، وأشعلوا الحروب والقتال، ووضعوا المتفجرات تحت التضامن الاجتماعي المتبقي، وعوضا عن تحقيق الوحدة، عمقوا التجزئة والفرقة وأوصلوها إلى حالة يصعب تصورها.
وبالمثل في سوريا، قوة الدولة المستبدة التي أنشأها البعث، تحولت إلى آلة لنسج العنف والعسكرتاريا وخلق مواطنين كالعبيد. الاستخبارات وقوى الأمن جعلوا المجتمعات تنزف دما، وبالأخص الكرد، تم إنكار هويتهم القومية ولغتهم وحقوقهم الثقافية، وجعلوا من التعريب سياسة أساسية وجردوا الآلاف منهم من الهوية الوطنية وجعلوهم أجانب في أرضهم، وأنشؤوا الحزام العنصري بجلب الآلاف من العرب وأسكنوهم في القرى والأرض الكردية بعد أن سلبوها من أصحابها الأصلاء، هذا الإنكار والتعريب والظلم والإبادة والعنف والتعذيب، كلها ممارسات طبقت بحق الكرد، وبحق كل فرد أو مجتمع يجرؤ على مقاومتهم والوقوف في وجه سياساتهم. ففي 12-03-2004 نهبت منازل وأملاك العشرات من الكرد وأحرقت، ولم يكن الكرد وحدهم المتأثرين بسياسة التعريب، فقد كانت لها تأثيرات سلبية على العرب أنفسهم، وعمقت وطورت العداوة والكراهية وعدم الثقة والتعصب بين الشعوب، حيث أن الشعب السرياني الآشوري، والكلداني، والآرامي، والأرمني، الذين لهما تاريخ عريق وأصيل فرضت عليهما سياسات التهميش والإقصاء بحق قوميتهم ولغتهم وثقافتهم وكسائر الشعوب في سوريا، فقد طبقت عليهم سياسات التعريب والقمع السياسي تجاه أحزابهم وتنظيماتهم ولم تعترف بفرص تطورهم الحر، هذه الشعوب هي ذاكرة الشرق الأوسط، فهي مجتمعات متقدمة في العمارة والفن والعلم والثقافة، وبإبقاء هذه المجتمعات تحت الضغط والهيمنة، تأخر تطورها الاجتماعي وأثرت سلبا على تطور سوريا أيضا ومن الواضح أن من يطور هذه السياسات الظالمة واللاإنسانية، ليس الشعب العربي، هؤلاء هم القوى الحاكمة التي استولت على الدولة من أجل مصالحها وعوائلها، وقد أصبحت جميع الشعوب التي تعيش في سوريا قرابين لهذه السياسات الدنيئة، ومن نتائجها السلبية، أنهم أصبحوا مثل الوحوش الضارية تأكل المجتمع وتستهلكه، أن ما تبعه نظام البعث من العنف الدموي والإنكار بحق الشعوب، والجماعات، والنساء، والشباب، والمثقفين، وحقوق الإنسان كان من الأسباب الرئيسة في الفوضى، والأزمة الحالية في سوريا، وأتت نتائجها لتستهلك مجتمعا بأسره.
بالتأكيد إن استمرار مرحلة الفوضى في سوريا لا تقتصر على نتائج الضغط الممارس من قبل النظام فقط، في الحقيقة وصل النظام إلى حافة الانهيار، ولولا دعم القوى الخارجية لما تصورنا بقاءه عدة أشهر، وبالتالي أن وصول سوريا إلى هذا الوضع وبقدر ما يتحمله النظام من مسؤولية، تتحمله القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها تركيا أيضا، ومن خلال تنظيم وتطوير تركيا والداعمين لها من الدول الإقليمية لداعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من التنظيمات الظلامية اللاإنسانية وتحويلها إلى آلة للمجازر وتدمير الإنسانية. هي القوى التي ابتليت بها شعوب المنطقة وخصوصا الكرد، وتشكل تهديدا لقوى المعارضة الديمقراطية، هذه القوى الظلامية التي تقف وراءها تركيا تشكل تهديدا لشعبنا يفوق مئات المرات فاشية هتلر. والمهمة العاجلة التي تواجهنا هي تصفية هذه القوى الإرهابية وإنقاذ المجتمع من شرها. حان الوقت للقوى الدولية والأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها النظرية والعملية.
=KTML_Bold=نموذج الإدارة الذاتية=KTML_End=
هل كل إدارةٍ ذاتيةٍ، ديمقراطيةُ الطابع؟ يبدو، أن الطابع الديمقراطي لا يدمغ دمغته على أشكال الإدارات، حيث هنالك العديد من أشكال الإدارات الذاتية الموجودة في العالم، تأخذ البعض منها مكاناً بين نظام الدولة، والبعض الآخر تأخذ شكل الدول المستقلة الإقليمية، كما هناك الإدارات الذاتية الثقافية، والإدارات الذاتية الخاصة باللغات…الخ. تظهر الإدارات الذاتية في الأماكن التي تعيش فيها القوميات والأديان والإثنيات المختلفة، حيث لا تظهر الحاجة إلى وجود إدارةٍ ذاتية في الأماكن، التي تعيش فيها قومية واحدة، أما الإدارة التي نتحدث عنها فهي الإدارة الذاتية الديمقراطية، ذات المحتوى الغني، وبطبيعة الحال إذا أضفنا كلمة الديمقراطية على الإدارة الذاتية فهذا يعني إضفاء تغير كبير على فلسفتها ونظامها أيضاً، ولا يعني أنها دولة مستقلة وإنما هي نظام الشعب الذي يدير شؤونه بنفسه، لذلك لكي يتم فهم محتواها بشكل جيد يتطلب تعريف ذهنية الدولة حتى ولو كان بشكل مختصر.
من المؤكد أننا إذا عرفنا الإدارة الديمقراطية بأنها دولة إقليمية أو الهدف منها إقامة دولة مصغرة، سنتوصل إلى نتائج خاطئة للغاية. فمنذ بداية تغيير البراديغما، حلل المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان الدولة، وكشف عن حقيقة الدولة وأسقط أقنعتها. في النهاية ما الذي ظهر إلى الوسط نتيجة تلك التحليلات؟ ظهر بأن نظام الدولة ليس نظاما معبراً عن الشعب، فهو لا يمثل الشعب وقد خرج إلى الوسط رغماً عن وجوده، لذلك لا يمكن أبداً لهذا النظام أن يعبر أو يمثل جميع الشعوب أو القوميات، ومهما تم تعريف الدولة من الناحية النظرية بهذا الشكل لكن من الناحية العملية يظهر بوضوح أنها لا تعبر عن تلك الحقيقة. لأن الدولة منذ بداية نشوء الحضارة ومنذ بداية تأسيسها، ظهرت على أساس امتصاص كدح الشعوب واستغلال الشعب لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه المستقبلية، نتيجة لذلك يقوم الأشخاص المتسلطون والمستبدون باستغلال عرق جبين الشعب. وتقوم الدولة بالقضاء على ما بذله الشعب من مجهود باستثناء حفنة من الأشخاص، اللذين يستفيدون من نظام الدولة. لذلك لكي تحافظ الدولة على وجودها واستمرارها تقوم بشكل دائم باستعباد الشعب، حيث تجذر عمق اقتدارها عبر استعباد الناس، لهذا السبب لا يمكن أبدا أن يتفق حرية المجتمع والناس مع مصالح الدولة، وإنما على العكس من ذلك سوف تقوم الدولة بتعميق العبودية أكثر.
الدولة والحرية مصطلحان مضادان ومتناقضان. عندما تتواجد الحرية والديمقراطية والمساواة في مكان ما لا يمكن أن تتواجد مفاهيم الدولة في ذلك المكان نفسه، والعكس صحيح إذا تواجدت الدولة والهرمية وحب السلطة في مكان ما لا يمكن أن نتكلم عن وجود الحرية والمساواة والديمقراطية في ذلك المكان. لذلك بسبب الأسباب التي ذكرناها في الأعلى نستطيع القول، إن القائد عبد الله أوجلان تخطى فلسفة وذهنية الماركسية واللينينية التي استهدفت بناء الدولة، ورفضت تلك الأفكار. وفي هذا النطاق اتخذ من الذهنية التي تريد بناء مجتمع طبيعي وديمقراطي وبالاستناد على أساسا تحقيق حرية المرأة والعمل على إقامة جميع مؤسساته على هذه الذهنية. ونموذج الإدارة الذاتية يعتبر من النماذج الأكثر عصرية وتحديثاً والتي تمتلك ذهنية ديمقراطية وجديدة وتستطيع كل الأطراف أن تعبر عن وجودها في داخل هذا النظام.
وهو المجتمع الذي يستطيع تحقيق التوازن المطلوب مع الدولة في إطار معادلة الديمقراطية؛ لأن هذا المشروع يهدف إلى بناء مجتمع يتمتع بالأخلاق ويعرف كيف يمارس السياسة من أجل مصالحه المادية والمعنوية العامة. هذا المشروع لا يهدف إلى بناء دولة جديدة أو هدم الدولة القديمة، بل يهدف إلى بناء المجتمع المتميز عبر التنظيمات المدنية، والمجالس ولجان المجتمع التي وصلت إلى مستوى من الإرادة والطاقة والقوة المنظمة القادرة على إضعاف هيبة الدولة وقوتها ونفوذها وتحويلها إلى هيئة تنسيقية لكيلا تستطيع السيطرة على المجتمع والوقوف ضد إرادته. المجتمع الذي يستطيع تحقيق التوازن المطلوب مع الدولة في إطار معادلة الديمقراطية والدولة. هذا المشروع يهدف إلى تحويل المجتمع إلى كيان يستطيع به حل مشاكله بقوته الذاتية ويدير نفسه بإرادته الذاتية مثل هذا المجتمع يستطيع الوصول الى خلق التوازن مع الدولة من خلال تأسيس المجالس على مستوى القرى والبلدات والمدن والأقاليم إلى جانب بناء التعاونيات الاجتماعية المنتجة.
يهدف مشروع الإدارة الذاتية إلى بناء المجتمع عبر تنظيمه من الأسفل نحو الأعلى وبشكلٍ أفقي (عرضي) لكي يشمل كل الشرائح الاجتماعية دون إقصاء أو تهميش أية شريحة، أو ثقافة، أو لغة أو لون أو جنس أو دين. الدور الريادي في هذا المشروع يعود إلى المرأة والشبيبة. لأن المرأة هي أول وأقدم قومية وجنس مستعبد ومقهور من قبل الدولة كمؤسسة معادية للمجتمع من حيث الأساس. كما أن المرأة هي الأكثر تواقاً إلى الحرية والقيم المجتمعية الأصيلة والسلام والعدالة بسبب وضع العبودية المثقلة التي تعيش فيها. أما بالنسبة إلى الشبيبة فهي أكثر شريحة اجتماعية تملك الطاقة الديناميكية (سيطرة العاطفة والوجدان والهيجان على العقل) والخيال والأفق السائر نحو سماء الحرية وهي معرضة للمذابح الخاصة الهادفة إلى الاستيلاء على القلوب والعقول وتحويل الإنسان إلى كائن غرائزي لا يملك الإرادة. من هذا المنطلق ستلعب الشبيبة الدور الأساسي الريادي في بناء هذا المشروع إلى جانب المرأة.
ويعدُّ مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، الدرع الحصين لحماية المجتمع الأخلاقي والسياسي بتنظيمه ووحدته وتضامنه وحرصه على الدفاع عن مكتسباته.
النموذج الفيدرالي حل لسوريا والشرق الأوسط
في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة والصراعات الطائفية والمذهبية والقومية والانقسامات، التي يشهدها الشرق الأوسط، والمساعي التي تتمحور حول إيجاد حل لهذه المشاكل العالقة والتي بائت بالفشل مراراً. فالفوضى التي تعيشها المنطقة والصراعات التي تفتك ببنية المجتمع وتحصد الأفكار والأرواح يوميا وتحول البلاد لحمامات من الدماء التي تهدر في طواحين وقودها الجهل والمادية والصراع على السلطة والمساعي التي تأبى التربع على المجتمع بعقلية طائفية ودينية وقومية. لأجل التوصل لحل جزري وشامل للقضايا التي تعاني منها المجتمع الشرق الأوسطي، قبل كل شيء يجب الوصول لتحليل شامل وعميق للمشاكل والأوبئة التي خلفتها انظمة الدولة والتي تربعت على كدح الشعوب، ذلك عبر التاريخ وعن طريق سياسة الترهيب والاستغلال والقمع والمجازر التي ارتكبتها بحق الشعوب والبشرية جمعاء. ففي كل وهلة ووهلة يخرج لنا نظام جديد ولكنه في الجوهر لا يختلف من النظام الذي قبله لأن الذهنية هي نفسها، أي ذهنية الدولة والتسلط والقمع والترهيب ومن دون مراعات إرادة الشعوب والتطرق لمعاناتهم وإيجاد الحلول الجذرية للقضايا التي تعاني منها المجتمع. فكل ما يعانيه الشرق الأوسط من ويلات ومجازر وانقسامات وحروب، هي نتيجة عقلية الدولة والسلطة التي تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة وهي موجهة من قبل دول وقوى خارجية لا تريد الخير والاستقرار للمنطقة. لأن منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لها ساحة مصالح وساحة تصفية حسابات وسوق لصرف أسلحتها وإقامة تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية والتحكم بإرادة ومصير الشعوب.
بالنظر لكل هذه المشاكل التي يعاني منها المجتمع، نرى أن الخيار الأفضل لأجل خلق مجتمع ديمقراطي وحر سوف يتم عن طريق النظام الفيدرالي الديمقراطي؛ لأن المجتمع المنقسم والذي يتعرض للتهديدات من الخارج والداخل ولعدم الدخول في دهاليز الحروب الطائفية والمذهبية والقومية والتي لا نهاية لها. لا بد من تطبيق نظام فيدرالي يقي المجتمع والشعب من الويلات والحروب والدمار الذي يلحق بالبلاد على مر التاريخ وليكون بادرة خير وأمل وسلام وتكامل وتلاحم بين طوائف المجتمع الشرق الأوسطي.
وبالنظر للوضع الذي يعيش فيه كل من العراق وسوريا والقيام بإسقاط الضوء على الأحداث والمجريات التي تمر بها المنطقة، عندئذ سوف نشاهد بأن نظام الأمة الديمقراطية والنظام الفيديرالي الديمقراطي الخيار الأكثر جدوى للتعايش السلمي والحياة المشتركة التي تطبق فيها الديمقراطية والحرية بكل معنى الكلمة.
ويمكن رؤية آثار جميع الحضارات التاريخية التي تشكل فسيفساء من الشعوب والمجتمعات والألوان المتعددة التي عاشت معا على مر التاريخ، ومن المعروف أن العرب، والكرد، والسريان، الآشوريين والتركمان، والشيشان وغيرها من الشعوب والجماعات، عاشت منذ مئات السنين في محبة وأخوة وسلام وعلى مر التاريخ القديم في الشرق الأوسط، ونتاج تأثيرات الأنبياء والحكماء الذين خاطبوا الضمائر وسعوا من أجل الوصول للحقيقة وتحقيق العدالة للبشرية جمعاء، وعلى صرخاتهم وثقافة الآلهة الأم والتراث الأخلاقي الأسمى الذي يأخذ قوته من عمق جذور التاريخ الاجتماعي والتراث الثقافي التاريخي الغني لمزوبوتاميا، ومن البنية الديمقراطية الكومينالية للمجتمع الطبيعي الذي لم يرغب بمجتمع الدولة المركزية منذ نظام القبائل واتحاد العشائر على مر تاريخ الحضارة وحتى يومنا الراهن.
أما فيما يتعلق بالأسباب الحالية فهي مرتبطة بما يحدث بالتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة. فقد دخلت الأزمة والصراعات عامها السادس، وقد شهدت روج آفا وخصوصا كوباني أشد وأعنف هذه الصراعات والحروب، وسطرت فيها أعظم الملاحم البطولية في هذا القرن. بالتأكيد لم تنتهِ الحرب بعد، ولا يمكن إلا أن نفكر بأنها أتت بمرحلة ومنعطف تاريخي مهم وكل هذه الحرب وهذا النضال كان من أجل تحقيق أهداف الشعوب والجماعات في الديمقراطية والحرية. لأن جميع شعوب المنطقة وخصوصا الكرد حاربوا لأجل الحياة معا في بلد تسوده العدالة والحرية والديمقراطية، كان هذا في الوقت نفسه من أهداف الربيع العربي ومُثُله العليا، والأمر الذي سيجعل هذا الخيال حقيقة هو التحرك الثوري الذي سيقوم بتطوير مشروع الفيدرالية في سوريا والشرق الأوسط.
الأهم من ذلك أنه من غير الواضح متى ستنتهي الحرب في سوريا، وما الذي سيحمله المستقبل لنا؟ وبماذا سيأتي؟ وعليه فلا وضوح للسلام والاستقرار، ويمكن للحرب أن تستمر لخمس أو عشر سنوات أخرى، مع ذلك يجب تنظيم الشعوب والجماعات في المناطق التي حررتها وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، وتشكيل إداراتها الذاتية وبناء نظام قادر على حل مشاكلهم الاجتماعية. وعليه فإن تنظيم ذلك يعدُّ مهمة عاجلة وضرورية لتلبية هذه الحاجة. وسيمنح مشروع الفيدرالية تحقيق الديمقراطية لسوريا وللشرق الأوسط، ويسهل حل المشاكل وإنهاء سفك الدماء، وسيكون منطلقا هاما لبناء سوريا حرة وشرق أوسط ديمقراطي.[1]