تعميم ظالم وجائر تستهدف الطلبة الكرد وتساهم في تفاقم معاناتهم
كورداونلاين
المحامي مصطفى أوسو
( مكتومي القيد ) هي من آثار ونتائج وإفرازات..، الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962 الذي بموجبه تم تجريد عشرات الآلاف من العوائل الكردية في هذه المحافظة من جنسيتها السورية
تعميم ظالم وجائر
تستهدف الطلبة الكرد ( المكتومي القيد ) وتساهم في تفاقم معاناتهم ومأساتهم
تعتبر مسألة المواطنين الكرد ( المكتومي القيد ) في محافظة الحسكة، من أكثر المسائل الداخلية السورية خطورة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والإنسانية...، وذلك بسبب حرمان هؤلاء المواطنين الذين يعيشون في سوريا أباً عن جد، من جميع حقوقهم المدنية المترتبة على حقهم الطبيعي في أن يكون له جنسية.
وصيغة ( مكتومي القيد ) هي من آثار ونتائج وإفرازات..، الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962 الذي بموجبه تم تجريد عشرات الآلاف من العوائل الكردية في هذه المحافظة من جنسيتها السورية، حيث سجل معظمهم في سجلات خاصة لدى دوائر الأحوال المدنية باسم ( أجانب محافظة الحسكة )، أما القسم الآخر فقد تم تجاهلهم تماماً واصطلح على تسميتهم ( مكتومي القيد )، وهم الأفراد الذين لا يملكون أية وثائق تدل على هويتهم وشخصيتهم.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وأعداد هؤلاء الأشخاص ( المكتومي القيد ) في تزايد مستمر نتيجة الولادات الجديدة، حيث أن أي عقد زواج بين أي رجل كردي ( مكتوم القيد ) وبين أية امرأة سواء كانت تتمتع بالجنسية السورية أم لا، يكون ناتج الأولاد حتماً ( مكتومي القيد ).
لسنا في هذه الزاوية القصيرة، بصدد شرح المعاناة العامة والشاملة... للمواطنين الكرد المجردين من الجنسية السورية في محافظة الحسكة ( مكتومي القيد ) في كافة أوجه ومجالات الحياة، وإنما سنتناول هنا جزء من هذه المعاناة، نعتقد إنها غاية في الخطورة والأهمية، ألا وهي حرمان الطلبة الكرد ( المكتومي القيد ) من متابعة دراستهم وتحصيلهم العلمي، فرغم المزاعم والتأكيدات السلطوية، بوجوب معاملة ( أجانب محافظة الحسكة ) معاملة المواطنين السوريين في كافة أمورهم ومعاملاتهم...، ورغم أن الدستور السوري النافذ لعام 1973 نص على أن الدولة تكفل حق التعليم ومتابعة التحصيل العلمي لجميع مواطنيها... وأن المواطنين السوريين متساويين أمام القانون في الحقوق والواجبات...، ورغم أن المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية التي وقعت عليها الحكومات السورية وتعهدت بتطبيقها وتنفيذها، تكفل أيضاً حق كل شخص في التعليم ومتابعة تحصيله العلمي...، وتؤكد على حق كل فرد في التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة فيها، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر...، إلا أن الممارسات والقوانين والمراسيم والإجراءات والتعاميم... الاستثنائية، والتي تفوح منها رائحة العنصرية وتتسم بالعنصرية والشوفينية، الصادرة بين الفينة والأخرى عن هذه الجهة السلطوية أو تلك... في محافظة الحسكة، والتي تستهدف بشكل أساسي المواطنين الكرد في هذه المحافظة، تدحض تماماً تلك المزاعم والتأكيدات، وتبين بوضوح وجلاء وجود سياسة تفرقة وتمييز عنصريين بحق أبناء الشعب الكردي عموماً والمجردين من الجنسية السورية بموجب إحصاء عام 1962 بشكل خاص وتشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوقهم وحرياتهم الأساسية.
وهنا نضع في الميزان أحد هذه التعاميم العنصرية، التي تحرم المواطنين الكرد ( المكتومي القيد ) من حقهم في الدراسة ومتابعة التحصيل العلمي، وهو التعميم الصادر عن مدير التربية بالحسكة، ذي الرقم ( 4623 / 4 ص ع ) تاريخ 17 / 9 / 2008 ويطلب فيه من مديري مدارس التعليم الأساسي والثانوي وجوب التقيد التام بعدم منح الطلاب ( مكتومي القيد ) في مرحلة التعليم الأساسي تسلسل دراسي وبعدم منح الطلاب ( مكتومي القيد ) في مرحلة التعليم الثانوي أية وثيقة مختومة بخاتم المدرسة، وتحت طائلة المسؤولية القانونية.
وبنتيجة هذا التعميم الظالم والجائر، فأن الطلاب الكرد ( المكتومي القيد ) الذين حصلوا على شهادة التعليم الأساسي ويرغبون التقدم لشهادة التعليم الثانوي بصفة أحرار ( غير مداومين في المدارس الحكومية في الصفوف التالية لحصوله على الشهادة المذكورة ) لا يستطيعون إتمام إجراءات التقدم للامتحانات المذكورة، لكون دائرة الامتحانات ومديرية التربية في محافظة الحسكة، تشترطان ضرورة وجود تسلسل دراسي للطالب مع الأوراق المطلوبة للتقدم للامتحانات، وفي حال كان الطالب ( المكتوم القيد ) الحاصل على شهادة التعليم الأساسي قد تقدم بشكل نظامي ( المداومين في المدارس الحكومية في الصفوف التالية لحصوله على الشهادة المذكورة ) لامتحانات الشهادة الثانوية ونجح فيها، فأنه يحرم من الحصول على وثيقة إتمام المرحلة الثانوية وتبقى هذه الوثيقة ( الشهادة ) مرهونة في دائرة الامتحانات حتى يحصل هذا الطالب على الجنسية السورية أو على إخراج قيد ( أجانب محافظة الحسكة )، وهذا الأمر مستحيل المنال لأنها مرتبطة بسياسة الدولة تجاه أبناء الشعب الكردي في سوريا ولا توجد حالياً أية آفاق لتجاوز هذه السياسة العنصرية المقيتة، مما يحول بين الطالب وبين متابعة دراسته وتحصيله الجامعي، وهذا ما يزيد في تفاقم مأساة ومعاناة هؤلاء المجردين من الجنسية السورية.
وإذا كان ما قلناه: من أن هذا التعميم المجحف وغيره من التعاميم والإجراءات والقوانين والمراسيم...، تشكل أحد الأوجه المتعددة لسياسة التمييز والاضطهاد القومي الممارس بحق الشعب الكردي في سوريا، وتتعارض مع القوانين الوطنية السورية والدولية...ً، فإنها تتنافى أيضاً مع طبيعة المرحلة التي تجتازها البشرية والمتسمة بشيوع وانتشار مبادئ الديمقراطية والتعددية، واحترام حقوق الإنسان، ولا تنسجم مطلقاً مع طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، والحاجة الملحة لتمتين الجبهة الداخلية لمواجهة كافة التحديات وتلبية شروط الاستحقاقات القادمة.
ومن هنا، فأن تجاوز هذا الوضع البائس ورفع الغبن والظلم والاضطهاد عن الشعب الكردي في سوريا وإلغاء القوانين والإجراءات الاستثنائية المطبقة بحقه وإعادة الجنسية السورية إلى المجردين منها وإلغاء النتائج السيئة والإفرازات السلبية والآثار الضارة للإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة 1962 ومنها حرمان الطلاب الكرد ( المكتومي القيد ) من متابعة دراستهم وتحصيلهم العلمي، يعتبر أولاً خطوة لا بد منها من أجل إعادة الحقوق إلى أصحابه وإحقاق لمبادئ العدالة والمساواة... بين المواطنين، وتكريس لمفهوم المواطنة الحقيقية، وهو يساهم ثانياً في تعزيز مكانة سوريا وزيادة ثقلها ودورها الدولي والإقليمي، وهو يتناغم ثالثاً مع التطورات الدولية التي حصلت خلال العقود الأخيرة الماضية فيما يتعلق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما أنه يؤدي رابعاً وأخيراً إلى تطور سوريا ونموها وازدهارها في كافة مجالات الحياة
[1]