حوار/ غاندي إسكندر
ابنة عفرين وجبل كُرمينج آخينا ولات الفتاة التي جمعت بين طيات حروفها قطوفاً من الوجع، والفرح العفريني، غنت، وعزفت الألحان بين ثنايا جبل الأحلام، وألقت الشعر على جداول نهر عفرين، تقول في حوار لصحيفتنا روناهي: “طبيعة عفرين البهية تُحرك في الإنسان مشاعر الإبداع” وتضيف، قد شاب الشعر، وشابت معه قصائدي بعد رحلة النزوح من أرض الزيتون، رافضة مصطلح أدب ذكوري، وأدب نسائي وتعتبره أضحوكة، وتعدُّ العزف والغناء والشعر ملجأها من متاهات الغربة وأنين اللجوء، وقد جاء الحوار على النحو التالي:
لو تُحدثينا عن بداياتكِ في الكتابة؟
البداية كانت جيدة كون زوجي أيضاً شاعر، و هذا ما ساعدني على أن أبحر رويداً رويداً إلى قلب القصيدة فقد كنت بدايةً أساعده من خلال عزفي لآلة البزق، وكان يدخل بعض مفرداتي و أفكاري في جسد قصائده وقد كنت على الدوام أشاركه الرأي في كتاباته، هذا الجو العائلي ساعدني كثيراً في كتابة قصيدتي الأولى.
هل حققت قصيدة النثر طموحات الشعراء، وأنتِ من كُتّابها أم مازال هذا النوع من القصائد في رحلة البحث عن الهوية؟
أعتقد أن قصيدة النثر هي ابنة المرحلة التاريخية وهي لا تزال حديثة الولادة مقارنة مع عمر الشعر الكلاسيكي لذلك أعتقد بأنها لا تزال تبحث عن ذاتها كنص أدبي وسط تموج سفينة العلم، والحداثة.
ماهي أهم مصادر ينابيعكِ الأدبيّة وروافد أنهاركِ الشعريّة؟
أنا أنتمي إلى بيئة ريفية لا تزال تحافظ على نقائها، وصفائها الأخلاقي، والطبيعي ولا غرابة عندما يزور أحد ما هذا الريف الجميل “عفرين” أن تنتابه رغبة في كتابة قصيدة أو تلحين أغنية، فجمال عفرين و طبيعتها البهية تحرك في الإنسان المقدرة على الإبداع.
آخينا ولات الساكنة حالياً في القارة العجوز هل هي الفتاة ذاتها التي كانت تلعب بجدائلها في رِحاب جبل الأحلام في عفرين؟
كنت كذلك إلى ما قبل 2015 فقبل هذا التاريخ كنت أكتب بروح فتاة مراهقة تحلم تحت ظل شجرة السماق، والزيتون بربط جدائل قصيدة، وفي كل صباح كانت الشمس تطل عليَّ مع زقزقة العصافير، وكأس ساخن من الأعشاب البرية مع صوت شيريفان، أما بعد هذا التاريخ فقد شاب الشعر، و شابت معه القصيدة فكيف نكتب عن الفرح، والجراد ينهش ربيعنا هناك، واللون الأسود يخيم على جبالنا، وسهولنا.
أنتِ فنانة، وعازفة بارعة، وشاعرة, أين تجدين نفسك في العزف والغناء، أم في عالم الشعر؟
أهوى الشعر، والعزف، والغناء, وأعشق الفنون الثلاثة فصوت البزق يرد لي الروح، ويمتلكني فرح لا حدود له حين أكتب شعراً يعبّر عن جرح الوطن، و الألم الذي بداخلي، وبطولات شهدائنا، الشعر أكتبه بدموعي ففيه ألم مميز، وأحياناً أتوجه بالغناء، وهذا يمنحني روحاً جديدة و مقاومة.
وماذا عن مشاركاتكِ في الملتقيات الثقافية والأدبيّة والفنيّة، وما هو جديدكِ في ميدان الشعر والفن؟
هنا في هذه البلاد الباردة أحاول أن أدفأ روحي بالكتابة، و قراءتها أمام الحضور فلا أتردد في تلبية الدعوات، فقد شاركت في العديد من الأمسيات، والملتقيات، وهذا مفيد، ومحفز جداً لروح الإبداع، وقد كان آخر ملتقى في مدينة لوبيك بدعوة من الجمعية الكردية هناك في شمال ألمانيا بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم.
ماذا تمثّل المفردات التالية في شعر آخينا ولات (عفرين, شجر الزيتون, الحب, الوطن, الغربة, الحلم)؟
مفردة عفرين: تعني لي الحياة، وتختصرها، وهي عموماً حياة كل عفريني حيث أعتقد بأن الرب كان عرشه هنا قبل صعوده إلى السماء، ولذا أرواحنا تأبى أن تنسى مكان الرب، وبعدنا عنها هي مسألة مؤقتة سنعود يوماً، ونحمل لها في قلوبنا كل ما هو جميل.
شجرة الزيتون: تعني الأصالة، والقداسة، الحب صديقي الدائم، وأنيسي القريب، أما الوطن: آه ما عساني أقول عنه، وطني مجروح الآن كعروسة فُجعت بخبر مقتل زوجها ليلة عرسها, الغربة: عجوز شمطاء تسرق منا عمراً كان يمكن أن نقضيه في رحاب وطننا الجميل, أما الحلم: فهو كالتفاحة الحمراء الي غصت بها سندريلا عندما أكلتها.
هل في الشعر شيء اسمه استراحة محارب، أم أن الشاعر متورط في الشعر طالما فؤاده ينبض؟
لا أعتقد أن هناك شيء اسمه استراحة الشعر حتى لو انقطع الشاعر عن الشعر لفترة زمنية طويلة، أو قصيرة، الشعر والقصيدة تنمو في عقل الشاعر ووجدانه بشكل مستمر، وهذا ما يحدث لي فأحياناً أكتب خلال شهر قصيدة واحدة، ومع ذلك في كل يوم وأنا أخرج لتأدية واجباتي ترافقني فكرة قصيدة ما.
ما هو رأيكِ بمصطلح أدب ذكوري وأدب نسائي؟
هذا مضحك بالنسبة لي، وهذه التسمية آتية من خلفية ذهنية اجتماعية متخلّفة، فلماذا لا نجد في الغرب مثل هذه التسمية، فهم قد تجاوزوا هذا التقسيم، والتراتبية الجنسية عموماً، فأنا حين أُعبّر عن فكرة ما أنسى أنوثتي، وأكتب بروح الإنسان فقط.
حبذا لو نختم الحوار بقصيدة لها وقع خاص في نفسك وكلمة تختمين بها هذا الحوار الجميل؟
من أنا؟
أنا عفرينيّة
أنا زهرة الرمان
أنا عطر الريحان
أنا جدائل الحروف
أنا الرمز العصي ….
الفريد … الغريب …
الوحيد
لا شبيه لي
من أنا ؟
أنا عفرينية الجرح
والهوى
يستوطنني وطني
وأستوطن في نزيفي
سأظل مَعلَماً في الأحداق
والضمائر
من أنا؟
أنا القوافي
أنا الابتسامة على شفاه الملايين
أنا الصمت و دمعة الشوق
من أنا ؟
أنا فاطمة الزهراء
أنا الخنساء
أنا آناهيتا
أنا جلجامش
أنا إنانا
أنا سحر الورد
على أجفان العاشقين
أنا المعابد والمزارات والمراقد
من أنا ؟
أناعفرينية
دمعتي تعطي للكلمات المعاني
تعجز الأفواه عن نطقها
و تجف أحبار الأقلام
قبل تدوينها
أنا من رسمت على سطح القمر
همسات من ربوع أوطاني
وغزلت النجوم بخيوط الشروق
أنا من طويت دفتر ذكرياتي
في نبضي المجروح
من أنا؟
أنا عفرينية
أنا استغاثة السلام
أنا الإنسان الذي ينزف مني
أنا التغريد الأبدية
أنا الشهيدة العفرينية
من أنا ؟
أنا عفرينية
في الختام كل الشكر والتقدير لصحيفة روناهي على هذا الاهتمام بالشعراء في الداخل والمهجر، فنحن كفئة أدبية من المجتمع بحاجة أن نوصل صوتنا الأدبي المجروح من خلال منابركم الصادقة والمجتمع بحاجة إلى تذوّق الأدب الحديث المعبّر عن أفراحه وأتراحه.[1]