حسن حاتم المذكور
مآساة الكرد الفيلية لا تشبه غيرها ’ فأضافة لحجمها الكارثي فهي يتيمة الأبوين’ فلا الطائفة تلتفت اليها ’ ولا القومية تتذكرها مع انهم قدموا لكلاهما فوق ما يستطيعون’ مشكلتهم هي’ ان انتمائهم للعراق وارتباطهم بالوطن هما الأكبر والأهم’ وهذا سبب ليتم قضيتهم .
العراق يتألم من جرح تركته محنتهم ’ والوطن يحمل خجلاً لعدم الوفاء لهم’ فأذا كنا لا نلوم سلطة الأراذل العفالقة فما عذر ثلاثة حكومات اشتركت فيها احزاب طوائف وقوميات ونخب ورموز مكتضة برامجها وتصريحاتها وانشائها بمفردات الوطنية والأنسانية والديموقراطية وتمثيل الشعب من دون ان تلمس ذلك الجرح النازف على امتداد اكثر من ( 37 ) عاماً او التفاتة تخفف فيها من وطاءة الأوجاع .
هجّروا من وطنهم تاركين اموالهم وممتلكاتهم والأعز من كل ذلك بناتهم وابنائهم ’ فكل عائلة فقدت نصفها او ثلاثة ارباعها’ اختطفهم اوباش دخلاء على الوطن’ مجزرة خطف وحشية من الجامعة والمدرسة والملاعب وحدائق الأطفال واحضان الأمهات حيث انتحر الضمير الأنساني من الوريد الى الوريد بطريقة جنونية’ فكانت شريحة بألآفها بين قتيل ومهجر ومطارد’ وظل ما تبقى من الأمهات والأخوات والزوجات والعمات والخالات يحملن امل اللقاء بمن سرق من بين احضانهم’ والأباء تبحث عيونهم في سماء العراق عن خبر ووهم وفرج كاذب مع ان المفقودين مزروعين اشلاءً في تراب العراق وارواحاً يمزقها الحنين والفضول لمعرفة مصير من غادر الوطن .
الكرد الفيلية مصابين بداء ارتفاع ضغط الوطنية’ ففي النضالات الجماهيرية هم اول الضحايا وفي الصراعات الطبقية هم اول الشهداء دفاعاً عن حق الفقراء’ وفي مواجهات الوفاء الوطني الأنساني سقطوا قتلى وجرحى خلف راية ثورة 14 / تموز وزعيمها الوطني’ وفي ساحات القضية الكردية سقت دمائهم ارض كردستان’ ومن اجل مستضعفي عرب الجنوب والوسط العراقي حملوا في طبعهم التقاليد الكربلائية لجدهم الحسين ( ع ) فداء وتضحية من اجل الحق والعدل ’ وعلى جبهة الفكر والمعرفة مقاتلين اشداء من اجل حرية الكلمة وتحرير الثقافة الوطنية تلك هي الصفات والسجايا التي كلفتهم كل ذلك العناء التاريخي .
العراق لا زال يعاني عورة فقدانه شريحة لا يمكن لجماله ان يستكمل روعته بدون حضورها’ والوطن يتوجع لضياع الأعزاء من ابناءه في متاهات الغربة ’ آمالهم تزدحم على ابواب الوطن العزيز’ والحارس القديم الجديد غير مرحباً بقدومها ولا راغباً بفتح الأبواب خوفاً من تدفق الأعصار الوطني في الشارع العراقي .
ثلاثة حكومات شفطت ولفطت ووزعت المنهوب بين العائلة والمقربين من افراد الحزب والعشيرة دون ان تفكر بأعادة شيء من الحق لأصحابه .
لقد سكب الكرد الفيلية مواقفاً مشرفة تحت اقدام الوطن والأهل’ ورغم بشاعة الخذلان وعدم وفاء الآخرين’ لا زال العراق في عيونهم بريئاً يستحق اكثر مما منحوه وتلك جمالية لا ينافسهم عليها مدعٍ او مضلل .
هل لا زال الوطن مستباحاً … ولا زال الأنسان فيه مغيباً … والعراق اهمل جروحه … والشارع العراقي فقد ذاكرته.. والنخيل مل الأنتظار … والرافدين اصابهما رمد اليأس … وفقدت بغداد عاطفة الأمومة … وتناسا الناس ضميرهم المهجر … ؟
ام لا زال العراق كما كان ذاك العراق بأهله .
اذن من يفتح ابواب الوطن للكرد الفيلية … من ينتظرهم في احتفالية الوفاء … من يجبر خاطرهم ويغسل ذاكرتهم من اوجاع المآساة … ويزيل عن اضبارة معاناتهم اغبرة النسيان ويرفعها من الرفوف الخلفية ويضعها امانة مقدسة في دفيء احضان الوطن … ؟
احياناً الوم نفسي على تكرار مفردتي (الكرد الفيلية) وهم من بين من منحوا العافية والروعة لحروف العراق الأربعة … فهم العراق مهجراً وغريباً وجريحاً … وهم العراق جميلاً .
فهل تستطيع الحكومة ان تخلع عنها عار سابقاتها … وترفع عن وجه العراق حرجه وخجله ازاء ابناءه … وتقدم وبأسم الوطن والشعب اعتذاراً مبداءياً مقروناً بفورية العمل على اعادة كامل حقوقهم المادية والمعنوية وبأجراءات قانونية حاسمة تزيل كامل مظاهر الحيف الذي لحق بتاريخهم الوطني وانتمائهم العراقي وحالات التشرد والأغتراب والضياع والآم جروح محنتهم .
هل يستطيعها رئيس الوزراء… ؟
سننتظر لكننا فارغي الصبر .
متى سيبادر مثقفي العراق ’ اعلاميين وكتاب وشعراء وفنانيين ومفكرين ليرفعوا شرف الضمير العراقي المهجر قضية وطنية ملحة على اسنة اقلامهم ’ انه نداء لا يقبل التأجيل .
يشرفني ان يمنحوني هويتهم’ فهم ممن يحق لهم امتلاك هوية الأنتماء الحقيقي للوطن ’ لا ان ينتظروها ممن تسربوا الى وطنهم عبر ثقوب ازمنة التزوير .
ليستعيد العراق حقيقته ولتكتمل الشخصية الوطنية بعودة وانصاف الكرد الفيلية .
انه مطلب لا يقبل التأجيل والتسويف , انه محك لكل من يدعي الأنتماء لأبناء العراق .[1]