شفق نيوز/ كرماشان (كرمانشاه محافظة كوردية في غرب إيران) وعلى الخصوص منطقة دَينَور كانت دائما عاصمة للثقافة الكوردية.
فاذا عدنا الى التاريخ فمن كتاب (سَرَنجام= الكتاب المقدس لدى اليارسانيين او اهل الحق او الكاكائيين) الى الشعر وعزف البزق والموسيقى الكوردية، الى ان يصل الى كل تلك الكتب العلمية والثقافية، ولتصل الى اليوم حيث تنهض الموسيقى والى حد ما الشعر والفن التشكيلي من جديد، كانت دينور وحدها الرائد وفي مقدم ركب الفن الكوردي.
في المنطقة هذه، توحد الفن والطبيعة والجبال والوهاد والذات الانسانية واللغة والديانة اليارسانية او المعتقدات التي امتزجت معها، وخصوصا مع العشق، العشق تجذر مع الاساطير الساحرة مثل شيرين وفرهاد ودارت على مدى الأيام على السن وأفواه وصدور البيوت الكوردية.
يبدو ان هذه المرة بدأت دينور النهوض في عالم الفن التشكيلي وقدمت فنانين مثل شهاب قنبري وبشير نظري في علياء هذا الفن وقامت بتعريفهم للعامة.
في هذا الجزء، قمنا بإجراء مقابلة مع بشير نظري الفنان التشكيلي الرسام القادم من مدينة صحنة التي اشتهرت لوحاته بثيمتي المرأة والخيول عند الكورد.
شفق نيوز- هلا عرفت نفسك لمتابعي وكالة شفق نيوز؟
بشير نظري: اعرف نفسي بالشكل الذي اذا رغبت فيه ان اعرف نفسي يجب ان اقول انا مجنون الفن جنونا لا يستطيع اي شيء في العالم ان يمنحه الثقة ولا يهدأ له بال الا عندما يكون خلف قماشة الرسم.
عندما اقف خلف المسند الذي يحمل القماشة استحضر عالما امام عيني لا يشبه العالم الذي نعيش فيه، تتولد رؤى واعتقادات اخرى داخل لوحتي، بشكل استطيع معه القول اني اعيش للرسم وللرسم فقط.
اما اذا اردت اعرف نفسي بشكل آخر فأقول: أنا بشير نظري، عمري 44 عاما ومهنتي الفن التشكيلي (الرسم) وحاصل على شهادة البكالوريوس في الرسم من جامعة الفنون الجميلة في طهران، واعمل منذ 20 عاما بشكل علمي واختصاصي.
شفق نيوز- في اعمالك نلاحظ المرأة ثيمة طاغية، لماذا؟
بشير نظري: أول كتبي كان تحت عنوان (المرأة الكوردية) والذي تطلب جمعه مني سبع الى ثماني سنوات وتضمن نحو ثلاثين صورة.
وانا في اعمالي هذه جعلت من المرأة نوعا من (الالهة) و(ام الارض) و(ام الوطن) كنوع من الاحترام والتقدير للثقافة الكوردية والكوردية اللكية المحلية.
شفق نيوز- عدا عن ثيمة او موضوع المرأة الكوردية، في كتابكم وآثاركم بشأن المرأة، هل عملت على أشياء أخرى، وعماذا كنت تبحث؟
بشير نظري: انا اصدرت كتابا آخر تحت عنوان (المرأة والغول)؛ وفي الحقيقة ان هذا الكتاب، يضم مجموع الرسومات والطروحات التي أرادت من خلالها ان اهدم كل تلك الاعتقادات المسيئة والمضللة التي تنبعث من (المجتمع الذكوري)؛ وفيما يخصني انا اساهم في ذلك من خلال الالوان والاسرار الفنية واواجهها بالتحدي، كأنت اعمالي هذه نوع من الوقوف ضد تلك النظرة السيئة تجاه المرأة.
وعدا ذلك، انا منشغل بالبحث التاريخي بشأن التضاد والمواجهة بين الخير والشر، واستعنت فيه بالاساطير الكوردية والإيرانية والشرقية وهذا العمل في جزئية منه له علاقة مع المسائل العصرية في عالمنا اليوم.
شفق نيوز- الخيل ثيمة اخرى من الموضوعات المفضلة لديك، لماذا؟
بشير نظري: نعم، كجميع الكورد، الخيل عندي ايضا عزيزة، ففي صوري اردت ان انظر بشكل جديد الى فاجعة كربلاء، كون الخيل كان من الكاريكاتيرات الجيدة لاظهار المظلومية، لذلك جعلت الخيل مركزا لكثير من لوحاتي واعمالي.
شفق نيوز- ما هي الخصوصيات التي تميز اعمالك، بحيث عندما يشاهدها شخص ما يقول بانها لبشير نظري؟
بشير نظري: اذا اردتم الحقيقة انا في اعمالي ابحث عن اشياء جعلت من اعمالي ذات خصوصية تابعة لي وتحمل توقيعي.
هناك عدد من الخصوصيات اولها انها شرقية، لاني مثل الاخرين، لم أعرض نفسي لهبوب رياح (الأسماء) المتنوعة التي هبت علينا ولم اقع أسيرا للأسماء الغربية، وعلى العكس من جميع التيارات تمسكت بالميناتورات والزخارف والاشياء الاخرى الخاصة بإيران والشرق.
وكما تعلمون باني انحدر من قبيلة (لك) وهذا مبعث فخر لي باني ملتصق بالفن الكوردي والكوردايتي وخصوصا في الفرع الذي يخص منطقة لكستان وأقول بكل فخر باني ابحث عن كل ما يتعلق باثار وطبيعة اهلي من لغة ثقافة كوردية، وتجربة حياتي وسواء رغبت ام لم ارغب بذلك فإن هذا الذي يظهر جليا في اعمالي مثل اي فنان في اي مكان في العالم انا ايضا مصدري الفني نابع من حياتي وشخصيتي الخاصة وشخصيتي تربت في بلادي وهذا ليس امرا عبثيا ولا سيئا.
شفق نيوز- وماذا عن باقي خصوصياتك؟
بشير نظري: ثاني خصوصياتي هي انعكاس الوضعية التي تعيشها محيطنا. نعلم ان المرحلة التي نعيش فيها غلبت عليها العصرنة في كل جوانبها، وسيطرت على كل حياتنا، وواحد من أهداف العصرنة هو خلط جميع الثقافات والشعبيات والقبائليات والعشائريات في العالم مع بعضها وتسليط نوع واحد من الثقافة (الغربية) عليها وبقوة الإعلام والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها لتقضي على جميع الاقليات. ومن ثم ماذا يكون رد فعلي وعملي؟ سيكون عملي خلق واحياء الثيمات والدوافع الخاصة باساطيرنا المحلية، ولهذا استطيع القول بأن أعمالي نوع من الوقوف بوجه هذا المطلب الجديد والاجنبي، ضد مساوئه طبعا، وان ما اجمعه هو صناعة الاسطورة دائما استنادا الى الأساطير العظيمة المحلية والعمل بقوة لتوضيح هذا الشيء الجيد من العصرنة الذي اخذته من الميراث المحلي.
شفق نيوز- لماذا استعملت ثيمتي المرأة والخيول لتتكرر في معظم أعمالك؟
بشير نظري: في الأدب والعرفان عندنا، الرب هو الحضن ووجهة المعشوق وايضا عشقه هما معا موجودان في ذات حضرة (الحق).
والمرأة حضن معشوقية الرب، والمرأة عندنا آلهة او ام للارض التي تفكر بنا أمام حضرة الحق. اذا اردنا بالحق ان نرمي اوجهها الارضية جانبا ، تتحول المرأة الى حضن لمعشوقيتها ، وقسم آخر منها تتحول الى (آركي تايب) او ذلك الرمز الكبير الذي تحدث عنه عالم النفس العالمي المشهور (يونغ) ، فالأم في كبرى رموز يونغ موجودة داخل الوعي الخاص بأي إنسان بصورة عامة والذي ينعكس عند امنا او تلكم الأمهات الرئيسات الازليات، وهي الولودة الاولى للانسان، والقسم الآخر يعود الى انني اريد ان اعبر عن تقديري واحترامي للنساء امهاتي وامهات وطني.
شفق نيوز- وماذا عن الخيل؟
بشير نظري: على طول حياة الكورد وفي اشعارنا وثقافتنا، الامور الطبيعية هي أمر مفترض على شكل وطبيعة حياتنا.
الحيوان والانسان، عاشا معا دائما، والانسان وخصوصا الانسان الكوردي لم ينفصل أبدا عن الحيوان وعن الطبيعة والبرية، والانسان اعتبر الطبيعة والحيوانات جزءا من وجوده، وفي العهد اليوناني وقبل افلاطون وارسطو وقبل ظهور الفلسفة، ذلك العهد الذي عرف بالعهد الشاعري، فقد كان الكل يعيش حياة شعرية وليست عقلائية ولم يكن للرياضيات والمنطق مكانا في حياتهم، وفي اعمالي فان الخيول ليست خيولا لوحدها، فهي الى حدما تشبه شكل المرأة، لانني ايضا اعتقد بأن الإنسان والحيوان ممتزجان وسيبقيان ممتزجين.
شفق نيوز- ما حال الفن في كرماشان؟
بشير قنبري: مع الاسف ان الفن في كرماشان لم يتفتق كثيرا، ولا تحسبوا هذا مدحا لنفسي ولكن كلما تنقبت وبحثت وسعيت عمن يساعد في العثور على تراكم فني كوردي صحيح، لم اجد، فالوحدة بين الرسامين مرض صعب يؤلمني واتمنى واطلب من المطربين والموسيقيين لان في كرماشان كم كبير من جمهور ومحبي الموسيقى الكوردية والعازفين والخبراء، والبزق اكثر منها جميعا حتى على في المدرسة الكورانية ومدرسة صحنة، مستقرة عندنا بشكل كبير، وفي الشعر الذي عند الكورد توأم للموسيقى نحن ناجحون وموجودون ، وفيما يخص فنون التجسيم مثل الرسم والنحت مع الاسف ليس لدينا اناس متخصصون في كرماشان وبهذا الصدد نحن فارغو الايدي وفقراء جدا.
شفق نيوز- ما هي التحديات التي تواجه هذا الطريق؟
بشير نظري: الفن العالمي، مثل الجغرافيا متكون من توحد عدد من البقع، يعني كل الفنون في العالم معا تشكل فنا عالميا وليس فن بقعة واحدة في العالم، نعلم جميعا انه واضح بأن الوقت الحاضر هناك السعي للنفوذ في كل شيء وفي الفن هناك الية واضحة وموجودة، وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي ال(ملتي ميديا)، ومن الواضح جدا ان لديهم وصول كبير وسط الاتصال ولهم اعلام عالمي، وهم في عقلية وذهن العالم أجمع يصبحون رمزا للفن العالمي.
ونحن مع الأسف عالقون في خضم هذا النفوذ والسيطرة وفنانونا لا تبدو على اعمالهم ما يشير الى الميراث الفني الكوردي والحس الكوردي والشرقي.
شفق نيوز- ماهي الصيغ التي تعتمدها الاعمال الكوردية؟
بشير نظري: في الاعمال الكوردية ليست لدينا صيغة متميزة خاصة على الرغم من أنه منذ مدة في المرحلة الحالية ومؤخرا ظهرت (مدرسة كوردستان) للرسم وترسخ ولها مكانة ويقودها الاستاذ هادي ضياء الدين مع عدد من معاونيه واصدقائه والاخرين الذين رغبوا ويرغبون الاستمرار في هذا العمل. وهناك اشخاص مثل خليلي فرد ومهدي ضياء الديني وفردين صادق ايوبي وهؤلاء رسامون يديرون تحركا جيدا في مدينة سنندج باسم (مدرسة كوردستان)
في كرماشان ومع الاسف لحد الان حتى هذا المدرسة لم تتحرك، لان كبيرا مثل هادي ضياء الديني في هذه المدينة الكبيرة لم يظهر كما ينبغي وليس هناك تعاطف قلبي وتعاون يتوجب ان يوجد بين الفنانين الكرماشانيين مع الاسف، والمسؤولين كذلك ، والسبب ان هناك افرادا هنا وهناك ينتجون اعمالا فيها طعم ولون ورائحة كوردية فقط وهم قلة قليلة جدا.
شفق نيوز-حدثنا عن اعمالك الجديدة؟
بشير نظري: تحت يدي الآن مجموعة الرسومات التي ساعرضها قريبا، وهي قسم آخر من رسوماتي التي استوحيتها من الاساطير النسوية الكوردية. هذه المرة الى جانب تلك الاساطير قمت برسم اسطورة (شاماران= ملكة الثعابين) ايضا.
شاماران او (ملك الثعابين) هي اسطورة لكائن رأسه رأس امرأة وجسمه جسم ثعبان.
والثعبان هنا اسطورة السلامة ليس لها اي معنى شرير او سيء ولن تفعل.
هذه الاسطورة نوع من الاستغاثة، فيها نوع من النذور والقرابين التي تقدمها النساء المحليات من خلال طبخ الطعام باسم (طعام نذر شاماران) ويقمن بتوزيعه ليكون نذرا لشاى ماران ومن اعماق القلب ينادين (يا شاماران، انت ملك لجميع الثعابين والزواحف والحشرات، احرس ازواجنا واطفالنا واخواننا واخواتنا واقاربنا بمنع الحيات والثعابين والزواحف والحشرات من لدغنا ولدغهم ولا يضربونهم) الشيء الموجود في عمق هذه الأسطورة هو ان الناس عندنا يعتقدون ومازالوا انه في الحياة الحقيقية ايضا كل امرأة هي في الواقع (شاماران) اخرى.[1]