علي أونكر
توجد في تاريخ الشعوب أزمنة ذات تأثير كبير عليها، فأحياناً إنتاج سنة أوسنتين، يعادل ما أُنتج خلال مئات السنين. يستطيع المرء أن يصف سنوات الاتحاد السوفياتي بهذا الشيء أيضاً، إذ شهد كرد أرمينيا نهضة أدبية تركت آثارها العميقة على مسيرة الأدب والحضارة الكورديتين.
بعد تأسيس الاتحاد السوفياتي، فُتحت أمام الكورد، على غرار جميع شعوب وقوميات البلاد إمكانات ومجالات كبيرة للتطور. فتم في السنوات الأولى إيلاء الشعوب المتخلفة اهتماماً كبيراً، وتم العمل على محو الأمية بين صفوفها وتحضير الكوادر المتقدمة.
كانت الإمبراطورية الروسية التي أصبحت إرثاً للسلطة الجديدة، بلاداً إقطاعية متخلفة، تركت للسلطة الجديدة عدداً ليس بقليل من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعشائرية والدينية. كانت نسبة الأمّية تصل في البلاد إلى حوالي 85 90 %، لكن هذه النسبة كانت في المناطق البعيدة عن مراكز المدن والتي لا تصلها الطرق مثل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز أكبر من ذلك بكثير. أما بين صفوف الأقليات القومية، مثلنا نحن الكورد، الذين كانوا لا يزالون يمارسون حياة الترحال ونصف الترحال، فإن المرء لم يكن ليجد بين كل ألف شخص، أكثر من شخص واحد أو اثنين يجيدون القراءة والكتابة، وذلك ليس بلغتهم الأم وإنما بالروسية. فنحن، ومثل العديد من القوميات الأخرى لم نكن نمتلك ألفباء خاصة بنا. لكن، والحق يقال، فإنه وفي ظل الإمبراطورية الروسية، وبالرغم من أنها كانت تنتهج سياسة استعمارية، فإنها كانت متقدمة في مجال الثقافة والاقتصاد وكذلك في حماية بعض حقوق الشعوب المضطهدة، فكانت أنظمتها وقوانينها أكثر عدالة من مثيلاتها في الإمبراطورية العثمانية وإيران.
بسبب استبداد الدولة العثمانية من جهة، وظلم بعض الآغوات والبكوات الكورد الرجعيين من جهة أخرى، تحولت حياة الإيزيديين إلى جحيم لا يطاق. لم يكن لهم في بلاد آبائهم وأجدادهم كوردستان أي مأوى، وكانوا أينما توجهوا عرضة للإبادة والاضطهاد الديني. لكن في روسيا لم يكن هناك من اضطهاد، ولم يكن من أثر لفرمانات القتل والسلب والإبادة، ولذلك التجأ الإيزيديون إلى هناك.
قبل قيام الاتحاد السوفياتي، وفي بدايات القرن العشرين 1900 1904 ، فتحت الإمبراطورية الروسية ثلاث مدارس في مناطق سكنى الكورد، ولكنها كانت مدارس بدائية، تتم الدراسة فيها باللغة الروسية، لذلك لم تترك هذه المدارس أي أثر يذكر في حياة أكراد تلك المناطق.
كانت الأوضاع الاقتصادية للعشائر الكوردية سيئة بدورها، وقد ساهم القتال والنزاع بين الأتراك والأرمن والروس تلك السنوات في تفاقم الأوضاع السيئة للكورد. كانت أوضاع الإيزيديين أسوأ من أوضاع بقية الكورد، فكان الكورد الإيزيديون من مناطق سورمليه وقرس ووان قد هربوا مثل الأرمن خوفاً من الإبادة، وجاؤوا إلى سهل روان، فأصبحوا فريسة للجوع والمرض. لقد قام الجنود الأتراك وبالتعاون مع الألوية الحميدية بالذهاب إلى مناطق جبل آلاغوز وقاموا بسلب ونهب قرى الكورد الإيزيديين وحرقها، وكذلك قتلوا وأسروا المئات من الرجال. لقد كانت سائر أطراف بلاد روسيا تعيش في حالة سيئة للغاية.
في هذه الظروف، قامت الحكومة السوفياتية الجديدة بأعمال جليلة لشعوب وقوميات البلاد في مجال التعليم والتطور، وهكذا فُتحت المدارس حتى في أصغر وأبعد القرى والبلدات، وتم تحضير المدرسين، وطبعت الكتب الدراسية، وبذلك أُسس نظام مدرسي وتربوي في كامل البلاد، وليس بلغة القومية السائدة، بل بلغة كل شعب وقومية. كان الكورد يعيشون في ذلك الوقت في أرمينيا وجورجيا وأذربيجان، كما في آسيا الوسطى وتركمانستان. كان عدد الكورد في أذربيجان كبيراً، وفي سنة 1923، أُسست هناك الجمهورية الكوردية التي دُعيت كوردستان الحمراء ، ولكن هذه الجمهورية وخلال سنوات بقائها التي بلغت 9 10 سنوات، وبسبب عنصرية الآذريين من جهة، والضغط الذي مارسته الدولة التركية على أشقائهم الآذريين من جهة أخرى، لم تستطع ممارسة الدور الذي كان يرجى منها في المجالات الثقافية والاجتماعية، وبذلك لم تترك أي شيء هام للتاريخ سوى اسمها.
جرت أكثر الأعمال أهمية في جمهورية أرمينيا التي أصبحت لسنوات طويلة مركزاً لتطور الثقافة والعلوم الكوردية. يستطيع المرء أن يقسم حياة أكراد الاتحاد السوفياتي (أرمينيا) الثقافية التي دامت حوالي 65 70 سنة إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وتبدأ من سنة 1920، لتستمر حتى سنة 1937. تميزت هذه المرحلة بوفرة المجالات والإمكانيات، فالحكومة الشيوعية الجديدة أولت اهتماماً كبيراً بتطوير الشعوب المتأخرة وثقافاتها. لكن ساحة العمل كانت فارغة، فالكوادر المتعلمة كانت نادرة، وكان الكورد مهاجرين، قد انقطعوا عن جذورهم الروحية، فلم يكونوا على علم أو دراية بتاريخ شعبهم وأدبه وثقافته، ولم يكن هناك من شيء غير اللغة الشفاهية المتوفرة والقادرة على أن تكون أساساً لتطوير ثقافة وأدب المجتمع الكوردي. قام أبناء الشعب الأرمني بخدمات جليلة لشعبنا في هذا المجال، فنشط الكثير من المتعلمين الأرمن الذين كانوا يجيدون اللغة الكوردية في هذا المضمار، حيث ذهبوا إلى القرى والمدارس المقيمة حديثاً، وقاموا بالتدريس فيها.
في 23 آذار 1921 أصدرت الحكومة الأرمنية قراراً يقضي بأن تكون الدراسة في المرحلتين الأوليتين من التعليم المدرسي باللغة الأم. ومن أجل أن تجري الدراسة في مدارس القرى الكوردية باللغة الأم، أُصدر في شهر تشرين الثاني من عام 1921 كتاب باللغة الكوردية لكن بالحروف الأرمنية. كان صاحب هذا الكتاب هو إبن الشعب الأرمني، وابن عم الشعب الكوردي لازو (هاكوب خازاريان). بعد ذلك فتحت مراكز اعداد المعلمين، ليقوموا، وعلى ضوء هذا الكتاب بتعليم الأطفال الكورد الكتابة والقراءة، حيث ظل الأطفال الكورد في مدارس القرى الكوردية، وكذلك في مدينة تبليس يتعلمون لغتهم الأم وفق هذا الكتاب حتى عام 1929.
ألحقت سنوات الابادة بين عامي 1918 1920 كما ذكرنا سابقاً أضراراً جسيمة بأكراد تلك المناطق، فكانت دُور الأيتام في أرمينيا والملاجئ في المدن الجورجية: تبليس وتيلاف وباتم مليئة بأطفال الإيزيديين الأيتام. في عام 1922 وبمبادرة من أحمد ميرازي ولازو وآخرين، فُتحت لهؤلاء الأطفال في مدينة تبليس مدرسة 101 ، كان الأطفال يتعلمون فيها الكتابة والقراءة والعمل أيضاً، فضلاً عن أنهم كانوا ينامون فيها. لقد أصبح طلبة هذه المدارس فيما بعد من أشهر علماء الكورد من أمثال: قناتي كوردو وجركز باكايف، وكذلك الكاتب وأول مسؤول لجريدة ، جردو كينجو، وأيضا بطل الاتحاد السوفياتي سمند سيابندوف وكثيرون غيرهم.
عُقدت في تلك السنوات الكثير من الاجتماعات والكونفرانسات الخاصة بالكورد، حيث كان النقاش فيها يدور حول المسائل الحياتية والرئيسة للمجتمع، من قبيل مسألة القضاء على الأُمية والعادات الاجتماعية السيئة، وأيضاً مسألة التحول من حياة التنقل والترحال إلى حياة الاستيطان، وكذلك مسألة المرأة، ثم أصبح موضوع إيلاء الاهتمام بالقرى الكوردية مداراً للنقاش في تلك الكونفرانسات التي برز من خلالها الطليعيون الأوائل من أمثال عرب شمو والمثقفة الكوردية نورى بولاتبيكوفا والقائد الكوردي الشهير شمو تيموروف وكثيرون غيرهم.
لم يحدث أي تطور ملحوظ في مجال الثقافة والأدب حتى سنة 1930. لكن يجدر بالذكر أنه في عام 1926 وعن قصة قصيرة ل (لازو) وبمشاركة الممثلين الأرمن الأكثر شهرة في ذلك الوقت تم انجاز فيلم زه ره ، في عام 1928 وبدعم من الحكومة الأرمنية وضع عرب شمو وإسحاق ميرانغولوف الأبجدية الكوردية بالأحرف اللاتينية، وفي نفس السنة صدر كتابهما المشترك لتعليم الكوردية تحت عنوان : تعلم الكوردية ذاتياً / Ew bi xwe hînbûna kurmancî ، وهو بذلك أول كتاب كوردي يصدر بالأحرف اللاتينية. بعد ذلك بدأت الاصدارات للكتب التعليمية والأدبية والسياسية والترجمات، وصدرت كذلك صحيفة الطريق الجديد Riya teze ، وأُسس فرع الكتاب الكورد ضمن اتحاد كتاب أرمينيا، وبدأ راديو يريفان البث باللغة الكوردية، ومن ثم باشر المركز الكوردي لإعداد المعلمين عمله، وبكل ذلك أنجزت الخطوات الأولى في مجال علم الدراسات الكوردية.
كان اليتامى من أطفال الكورد، الذين فقدوا آباءهم وأُمهاتهم في سنوات 1918 1920 وتربوا في ملاجئ الأيتام ودرسوا فيها حتى المرحلة المتوسطة، يشكلون الكوادر الكوردية الأولى، وكان معظمهم قد نسي اللغة الكوردية ويتكلم الأرمنية. يذكر المثقف الكوردي الشهير حاجي جندي دائماً كيف أنه ذهب هو وصديقه أميني عفدال بعد خروجهم من دار الأيتام إلى قرى الكورد ( قونده ساز وآلاغوز) ليتعلموا هناك لغتهم الأم مرة أُخرى، وقاموا بالتدريس لمدة سنتين هناك، حيث يقول حاجي جندي عن ذلك: كنا نُعلّم الأطفال ونتعلم منهم اللغة الأم. أُرسلت في تلك السنوات مجموعة من الطلبة الكورد إلى لينينغراد لمتابعة دراستهم العليا، حيث أصبح عدد منهم علماء كباراً وكتبوا اسمهم بأحرف من ذهب في تاريخ أدب وثقافة شعبهم. وهكذا أُعدت الكوادر الأولى حيث انضمّ كل من: حاجي جندي، أميني عفدال، قناتي كوردو، جردو كينجو، وزير نادري، جاسم جليل، وعتاري شرو إلى عرب شمو وأحمد ميرازي.
من أجل طباعة الكتب الكوردية، فتح في المطبعة الحكومية في أرمينيا قسم المطبوعات الكوردية. وكان أول كتاب أدبي يصدر في أرمينيا هو كتاب لازو الذي حمل عنوان حكاية جاسم Serhatiya Casim ، وذلك في عام 1931. وفي عام 1932 صدر كتابٌ كان عبارة عن مختارات لنتاجات الكتاب الكورد الأوائل، وذلك تحت عنوان النتاجات الأولى Efrandine ewlin ، حيث ضم نتاجات قصصية وشعرية لكل من حاجي جندي، أميني عفدال، عتاري شرو وغيرهم. صدر الكتاب الثاني من هذا النوع عام 1934 وفيه نصادف الأسماء التالية: جردو كينجو، حاجي جندي، أميني عفدال، أحمد ميرازي، عتاري شرو. أما الكتاب الثالث فقد صدر عام 1935 متضمناً نتاجات كل من: عرب شمو، أميني عفدال، جردو كينجو، حاجي جندي، أحمد ميرازي، وزيري نادري وعتاري شرو. كانت هذه الكتب تتضمن أسماء أخرى ترك أصحابها ساحة الأدب والكتابة فيما بعد.
في عام 1932 أصدر حاجي جندي مسرحيته علبة دوائين Qutya dû dermana ، ثم صدرت في عام 1935 وفي طبعات مستقلة كل من المسرحيات التالية: لغة الجبل Zimanê çiya ل أحمد ميرازي، هروب المرأة Reva jinê ل وزيري نادري، كما أصدر عرب شمو روايته الراعي الكوردي ?ivanê kurmanc ، وعتاري شرو مجموعته الشعرية الإشعاع الأول Biriqandina ewlin وكذلك وزيري نادري مجموعته الشعرية الربيع الجديد N û bar. في عام 1936 صدرت رواية عرب شمو أكراد آلاغوز Kurdên Elegezê ، والكتاب الذائع الصيت فلكلور الكورد Folklora kurmanca ، الذي أعده كل من حاجي جندي وأميني عفدال. عدا ذلك، صدر العديد من الكتب التعليمية والسياسية والاجتماعية، وكذلك صدر القاموس الأرمني الكوردي، الذي أعدده كل من: ف. بيتويان، أميني عفدال، حاجي جندي، وجردو كينجو.
الشيء الذي يميز المرحلة الأولى عن المراحل التي تليها هو إيلاء الحكومة السوفياتية اهتماما كبيراً لتعليم وتربية الأقليات القومية، ومن ضمنهم الكورد، فكانت المجالات متعددة، لكن الكوادر لم تكن متوفرة، وإن وجدت فهي لا تجيد لغتها الأم، وغير مطلعة على ثقافة وتاريخ شعبها. كانت كتابات جُلَّ هؤلاء سواء من ناحية اللغة، أم من ناحية المحتوى وجمالية النص ضعيفة وبسيطة. لكن، وبعيداً عن كل هذا، وأياً كان مستوى هذه النتاجات، فقد أُنجزت خطوات كبيرة في هذه المرحلة، ووضع حجر الأساس لخطوات أكبر في المستقبل، فلقد عرف الناس طعم العلم والتطور.
المرحلة الثانية: وتبدأ من سنة 1937، لتستمر حتى سنة 1955. في سنة 1937 بدأ ظلم وجور الديكتاتورية الستالينية يعم سائر أرجاء الاتحاد السوفيتي. توقفت في هذا الوقت النشاطاتُ الثقافية الكوردية، وتم اعتقال الكثير من المثقفين، في حين نُفي آخرون، وتم طرد قسم آخر من أعمالهم، فتم نفي عرب شمو إلى سيبيريا، واعتقل كل من حاجي جندي، وجردو كينجو، وأحمد ميرازي، وتوقف التدريس بالكوردية في المدارس. بعد فترة وبقرار من ستالين، تم استبدال الأحرف اللاتينية بالكريلية. في عام 1941 أصدرت حكومة أرمينيا قراراً باستبدال الأبجدية الكوردية ذات الأحرف اللاتينية بالأبجدية الكريلية، وكلف حاجي جندي بهذا العمل، حيث استطاع في فترة وجيزة أن ينجزَ لمدارس القرى الكوردية الأبجدية الجديدة الكريلية. في عام 1926 تم طبع هذه الأبجدية، التي أعيد طبعها عشر مرات حتى عام 1990، وبقيت لأكثر من نصف قرن أساساً لتعليم أطفال الكورد الكتابة والقراءة بلغتهم الأم.
تعرض المجتمع الكوردي إلى ضربات أليمة نتيجة ذلك الظلم الذي كان سائداً آنذاك. فتم نفي أكراد منطقة ناخجيفان التابعة لجمهورية أذربيجان 1937، وأكراد جورجيا 1944، وقسم من أكراد أرمينيا إلى جمهوريات آسيا الوسطى، فمات الكثير منهم في الطريق نتيجة البرد والجوع والأمراض التي فتكت بهم. امتلأت السجون بالمعتقلين، وأُعدم الكثير منهم رمياً بالرصاص، فيما فُقد آخرون، ولم يُعرف مصيرهم، وفُنيتْ عائلات بأسرها.
في عام 1941 بدأت الحرب ضد ألمانيا الهتلرية. لقد ذاق الكورد أيضاً من ويلات هذه الحرب ومآسيها، فجُنّد الآلاف من الرجال إلى ساحات القتال، حيث لاقى أكثر من 70 80 % منهم حتفهم. لكن الكثير من أبناء شعبنا حاربوا ببسالة، واستحقوا على ذلك أنواط ونياشين الدولة العليا تقديراً لهم، وأحدهم سمند سيابندوف الذي نال لقب بطل الاتحاد السوفيتي.
توقفت النشاطات الثقافية في تلك الفترة، وبالرغم من ذلك، في عام 1937 تم إفتتاح المسرح الكوردي التابع للدولة في قرية آلاغوز (ناحية آلاغوز). عندما تأسس هذا المسرح لم يكن هناك ممثلون مسرحيون مختصون مؤهلون، ولا صالات مسرحية لائقة، لذلك تم اختيار ممثلي المسرح الأوائل من بين شباب وفتيات القرى الكوردية في ناحية آلاغوز. كانت الدولة تمول نشاطات المسرح وتُصرف كذلك رواتب للممثلين، لكن المساعدة الرئيسة والأكبر جاءت من قبل المسرحيين والممثلين الأرمن. أصدر الكتاب والمسرحيون الأرمن في تلك السنوات الكثيرَ من المسرحيات التي اقتبست من حياة وتراث الكورد مثل: مم و زين (س. تارونسي)، الحمار والقصر، ابنة الأمراء، خجي وسيامند، الذئب حسو (س. جينوسيان)..إلخ. قدم هذا المسرح العديد من كلاسيكيات الأدب الأرمني والجيورجي والأذربيجاني والروسي، وحسب مصادر صحافة تلك الأيام، وصل ذلك المسرح إلى مراحل متقدمة. كان المسرح قد دخل حياة الشعب الكوردي، ولم تعدْ صالةُ العرض تتسع للمشاهدين. لكن، وفي عام 1947 توقف المسرح عن العمل في ناحية آلاغوز، وبذلك انطفأت شعلة المسرح الكوردي وهو في أوج تألقه. في مدة عشر سنوات رأتْ ثلاثون مسرحية النور، منها فقط أربع مسرحيات لكتاب أكراد، وهي: لور ده لور، التي كتبها المدير الأول لذلك المسرح جلات كوتو، ومسرحية (ميراز) ل حاجي جندي، و(أخت الدكتور)، و(الأخوة) ل جردو كينجو الذي ترأس المسرح في سنوات الحرب. بعد ذلك دخل الكثير من ممثلي وموظفي المسرح في ميدان العمل الثقافي والتعليمي، وهكذا أصبح الممثل المسرحي ميرو أسد بعد مزاولة العمل السياسي الرفيع مسؤولا لجريدة ريا تازه Riya teze ، وعمل جلات كوتو في مجال القانون بينما أصبح آخرون معلمين في المدارس.
باختصار، فإنه وإن أصاب الحياة الثقافية للكورد الجمود، وتوقفت تلك النشاطات المعهودة، فإن حركة ونشاط المرحلة الأولى والعمل المسرحي في حينه لم يذهب سدى، ولم تترك الفرصة للنار التي أُشعلت، أن تخمدَ. بعد موت (والد الشعب!) ستالين، طالب أكراد الاتحاد السوفيتي بحقوقهم المصادرة، وبحث الرأي العام العالمي أيضاً قضية الكورد، وبدأت الحكومة السوفيتية تتذكر الكورد مجدداً.
المرحلة الثالثة: بدأت في منتصف الخمسينات أيام ازدهار وتقدم ثقافة أكراد الاتحاد السوفياتي (أرمينيا) تعود من جديد، فعادت جريدة Riya إلى الصدور مجدداً، وعادت إذاعة يريفان إلى بث البرامج باللغة الكوردية، وفُتح مركز اعداد المعلمين من جديد، واستأنف اتحاد الأدباء الكورد نشاطه ثانية، وتم افتتاح قسم للدراسات الكوردية في كل من أكاديمية العلوم الأرمنية ومعهد الاستشراق. لم تكن الساحة خالية هذه المرة من المختصين والقادرين على العمل، فازداد النشاط الإبداعي أكثر بعد عودة عرب شمو من المنفى. كان كل من: حاجي جندي، أميني عفدال، أحمد ميرازي وجاسم جليل في أفضل سنوات عطائهم وابداعهم، ولَحِق بهم كل من: قاجاغ مراد، يوسف بكو، علي عبد الرحمن، نادو ماخمودوف، ميرو أسد، خليل مرادوف، وآخرون، ممن كانوا في المرحلة الثانية ينشطون في المجالات السياسية المختلفة. بدأ عرب شمو يعود إلى نشاطه كما في فترة الثلاثينيات، فأصدر في عام 1959 روايته الجديدة الفجر Berbang ، وف ي نفس العام أصدر رواية الحياة السعيدة ، ثم في عام 1965، دمدم Dimdim ، ونشرت جميع هذه النتاجات في يريفان. في عام 1969 صدرت أعمال مختارة ل عرب شمو في مجلد واحد، وكانت تلك الأعمال هي: رواية الحياة السعيدة، الفجر وهبو. ترجمت روايات عرب شمو إلى العديد من اللغات (ومنها العربية)، وأُعيد طبعها بالكوردية مرات عديدة، ويعتبر أول من كتب الرواية في تاريخ الأدب الكوردي.
قام حاجي جندي بالاضافة إلى أعماله العلمية واللغوية وقيامه بالتدريس، بترجمة العديد من القصائد والملاحم والقصص من اللغات الأجنبية. لكن في رأيي تبقى رواية الصرخة Hewar التي ترجمت إلى العديد من اللغات، أفضل أعماله على الاطلاق. تعالج هذه الرواية آلام ومآسي الشعب الكوردي، وذلك من خلال معالجة الكاتب لحياة عشيرة إيزيدية (عشيرة سبكا)، فيبرز من خلال ذلك جميع التناقضات والاختلافات الموجودة بين الشعب، ويبين أسبابها وأسباب الظلم والاضطهاد.[1]