وكالة الأناضول التركية هي أول من ترجمت تصريح وزير الخارجية التركي «#جاويش أوغلو#» إلى اللغة العربية، وقالت “يجب علينا تحقيق مصالحة بين النظام والمعارضة في سوريا بطريقة ما، وإلا لن يكون هناك سلامٌ دائم”، بهذه الصيغة تناقلت جميع الوسائل الإعلامية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي الخبر، لينتشر كالنار في الهشيم وبسرعة البرق.
خلال سويعات قليلة، خرج عشرات الآلاف من السوريين في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي إلى الساحات، نددوا، قطعوا الطرقات، أنزلوا العلم التركي وأحرقوه، رفعوا لافتات ضد تركيا، نادوا بشعارات تطالب بخروجهم وإسقاط أردوغان…
لم يمر وقتٌ طويل على تصريح أوغلو، سرعان ما قامت وكالة الأناضول الناطقة باسم الحكومة التركية بتعديل مصطلح “المصالحة” إلى “الاتفاق”، وبدأ المحللين السياسيين المرتبطين مباشرةً بمركز القرار التركي بالظهور على شاشات التلفزة والإشارة أن القنوات الإعلامية هي من أساءت فهم التصريح وأرجع البعض أن الأناضول هي من أخطأت في ترجمة المقولة دون قصد وأنها سارعت لتعديل الخبر، وهو ما أكده المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو على قناة الحرة بقوله؛ «بإمكان الجميع العودة إلى خبر وكالة الأناضول ويشاهدوا الخبر المعدّل…!
أمام هذا الوضع؛ يتبادر إلى مخيلتنا، هل فعلاً أخطأت الأناضول بترجمة المقولة..!؟ أم أنها تقصّدت ذلك، لغايةٍ في نفس (يعقوب) تركيا!!؟
تركيا التي دخلت على خط الاحتجاجات السورية منذ بداياتها، ولاحقًا تدخلها العسكري في المنطقة بحجة «حماية السوريين» من بطش قوات الحكومة السورية، كان هدفها واضحًا ألا وهو مصالحها وذلك على حساب الشعب السوري، ولكن تركيا استغلّت عواطف السوريين وادّعت أنها لن تسمح للحكومة السورية بارتكاب مجازر جديدة؛ مستشهدةً بذلك “أحداث حماه” في ثمانينيات القرن الماضي.
ووضع أردوغان عشرات الخطوط الحُمر، في “درعا وحماه وحمص ودمشق وحلب”، إلى أن قايض كل هذه المدن بمناطق أخرى تقع على حدودها والهدف واضح للعيان، وهو محاربة الوجود التاريخي للكورد في المنطقة وذلك عبر استخدام العرب سلاحًا تنفيذًا لمصالحها، فتركيا وأردوغان المسؤول الأول عن تهجير العرب من المناطق المذكورة آنفًا لقاء مصالحه، فهل من الممكن أن تُسلّم تركيا هذه المناطق بسهولة للحكومة السورية أو غيره..!؟
ما يخصُّ مسألة الحوار بين الحكومة السورية مع المعارضة، ففي الواقع ليس بشيء جديد ولم يعتبرها الكثيرون أمرًا مرفوضًا، بل شُكّلت لجان خاصة لسير عملية المفاوضات بما فيها اللجنة الدستورية، ولكن ما أرادت تركيا إرسالها بهذه الحركة الأخيرة والتي أشعلت الشارع في مناطق المعارضة حول طرح موضوع المصالحة كان بهدف إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي أن هذه المناطق لا يمكن أن تكون خارج سيطرة تركيا، فهي عرضةً بذلك أمام واقع مأساوي في حال فكّرت روسيا أو غيرها بأن تعود لحضن الحكومة السورية.
أما الأمر الآخر فهي أرادت انتزاع الملفات الشائكة من يد المعارضة التركية التي تدعو في كل مناسبة إلى ترحيل اللاجئين السوريين، والتنسيق مباشرة مع دمشق بهذا الخصوص، إلا أنّ أردوغان أرسل رسالة للمعارضة أنه بإمكانه الوصول إلى دمشق قبل المعارضة فيما يخص موضوع اللاجئين السوريين وذلك لاجتياز الاختبار الانتخابي القادم، وبالطبع سيتم توطين اللاجئين السوريين في مناطق لا تمت لهم بصلة، مناطق تم تهجير سكانها وهو الهدف الرئيسي والذي لا ينفصل أو ينفك عن تحريك تركيا الشارع في المناطق الخاضعة لنفوذه بهذه الطريقة، وذلك في محاولة منها تكريس واقع الاحتلال لهذه المناطق وشرعنتها وسلخها عن سوريا لاحقًا، وهو ما يشبه نوعًا من الاستفتاء البدائي بالموافقة على الانضمام لتركيا.
وبالمقابل فإن الاتفاق بين الجانبين هو بالضد من الإدارة الذاتية ومحاولة دخول قوات الحكومة السورية إلى المناطق الحدودية الواقعة تحت سيطرة قسد وهو ما لا يراه أردوغان خطرًا على أمنه القومي، ويعكس حقيقة زيف خطاباته منذ أكثر من عقد بخصوص وقوفه بجانب السوريين لمحاربة وإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا يخفى على ذلك أن وجه الاتفاق الآخر هو تسليم بعض قيادات المعارضة وخاصةً العسكرية إلى الحكومة السورية وفق برنامج زمني محدد بين الطرفين تم الاتفاق عليه خلال زيارة هاكان فيدان لدمشق قبل فترة زمنية قصيرة، إضافة لتسليم بعض المناطق الخاضعة تحت سيطرتها لقوات الحكومة السورية.
وعلى ضوء هذه المعطيات نستنتج إذاً أن تركيا لم تمرّر مصطلح المصالحة مع الحكومة السورية عن عبث أو بسبب خطأ ترجمي وإنما كان بناءً على أهداف مبيتة، وما تبعه بعدها تصريحات المسؤولين الأتراك الذين أشاروا إلى أنهم «لم ولن يتركوا أبدا الناس المتألمين الذين يقعون تحت ظلم الأسد و قوات بي واي دي وحيدين» بحسب إدعائه… فهل بقيّ عاقلٌ يصدق كلام المسؤولين الأتراك أنهم جاؤوا نصرةً للمظلومين..!؟[1]