تمر حسين ابراهيم
روسيا والكرد، علاقة وِدّ ثقافية أم مصالح سياسية
لا يمكن النظر إلى الإعجاب الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالزي الكردي التقليدي للصحفي في محطة كردستان 24 خلال المؤتمر الصحفي السنوي الموسع في موسكو قبل أيام بعيدا عن التطورات الجارية على الأرض في الشرق الأوسط و التحولات الكبيرة المتوقعة لخارطة المنطقة. بل لابد من الرجوع إلى تاريخ العلاقات بين روسيا و الكرد للنظر في حقيقة مواقف موسكو السياسية وحتى الثقافية من القضية الكردية وحقوق الشعب الكردي عبر علاقات تمتد لأكثر من قرن من الزمن.
أولا:- من الناحية السياسية، ظهور نفوذ روسيا بقوة في منطقة الشرق الأوسط يكمن من خلال البوابة السورية فلها رؤية بعيدة المدى في حفظ مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، كما أن القضية الكردية القديمة- المتجددة وآمال الشعب الكردي في الاستقلال تبرزك أهم ملفات المنطقة في الوقت الراهن، والتي تحتاج إلى لحل وتعاون دولي خاصة من قبل القوى العظمى ومن بينها روسيا طبعا، ازدادت شرعية المطالب الكردية بعد كثرة التضحيات التي قدمها الكرد في قتال قوى الظلام الإرهابية على مساحات شاسعة في كل من سورية والعراق.
ينبغي على المراقب للأحداث أن يدرك بأن العلاقات بين الكرد وروسيا ليست بالأمر الجديد، فقد أبدت روسيا دائما حماسا وتعاطفا مبكرا للقضية الكردية أكثر من القوى السياسية العظمى الأخرى بعد أن تم تقسيم الشرق الأوسط والفصل العنصري الجغرافي للكرد على خارطة اربع دول معادية لهم ولحقوقهم. ولعل من ابرز مواقفها تلك التي جاءت في أربعينيات القرن الماضي بالاعتراف بجمهورية مهاباد الكردية في إيران عام 1946. كما ظهر أيضا دعم الإتحاد السوفيتي في تأسيس جمهورية كردستان الحمراء في عام 1923 والتي كانت حدودها تمتد بين ارمينيا و اذربيجان وتتمتع بحكم ذاتي .
ثانيا:- من الناحية الثقافية بعيدا عن السياسية وضمن اهتمام روسيا ومفكريها بالكرد فإن المكتبات الروسية و معاهد الإستشراق تزخر بعدد هائل من المؤلفات و المخطوطات للمستشرقين الروس حول الكرد أمثال فلاديمير مينورسكي وفاسيلي نيكيتين وميخائيل لازاريفو التي تنوعت في مواضيعها ما بين اللغة والأدب تارة، وتارة أخرى في دراسة ونقل ثقافة الشعب الكردي ذلك من خلال ملامسة ومعايشة الواقع الكردي عن كثب عبر رحلات بدأت قبل اكثر من قرن من الزمن لمناطق تواجد الكرد. فقد ادركت روسيا مبكرا اهمية دعم الكرد ثقافيا ففي العام 1787 صدر أمر من الإمبراطورة كاترين العظيمة لنشر قواعد اللغة الكردية (*1).
مع بدايات القرن العشرين بدأ العديد من الكرد ومن أشهرهم عبدالرزاق بدرخان- الذي افتتح نتيجة لجهوده مدرسة روسية للكرد عام 1914- حيث كانت مدينة سان بطرسبرغ تعد في ذلك الزمن المركز العالمي للكردولوجيا، ينظرون إلى روسيا كأفضل وجهة لتحويل الكرد من مجتمع أميَ، قبلي وبدوي لدرجة كبيرة إلى مجتمع عصري يمكنه مجاراة عصر المعلومات في تلك الفترة من بدايات القرن العشرين. منطلقا من مبدأ أن النخبة الكردية والذين تم تدريبهم على يد الروس وتلقوا ثقافتهم في الجامعات الروسية سيساعدون في إزالة الجهل والفقر عن الكرد (*2).
صحيح أن موقف روسيا السياسي المتعلق بالقضية الكردية تبدل لاحقا في بعض المراحل المفصلية في نضال الشعب الكردي وتم التخلي عن الدعم، لكن تبقى روسيا بالنسبة للكرد دولة عظمى وصديقة قديمة ويمكنها أن تؤمن الحماية الدبلوماسية وحتى العسكرية لمشروعية المطالب الكردية حيث تدرك موسكو أن أعداء الكرد يختلفون في كل شيء الا في موضوع المطالب الكردية.
إن دعم موسكو لأي تحرك كردي دبلوماسي على الصعيد الدولي متعلق بالاستقلال والحكم الذاتي في أي بقعة من أرض كردستان وضمان وقوف روسيا بصف الكرد في حال اعتداء من الدول الإقليمية التي تعارض التوجهات الكردية سيحافظ على الاستقرار والسلم في المنطقة وستبقي على مصالحها. من هنا تأتي أهمية أن تنظر روسيا إلى آمال و طموحات الشعب الكردي في إطار رسم خططها للشرق الأوسط، علاقة لا يجب أن تبنى على مبدأ عدو عدوي هو صديق لي كما هو الحال بالنسبة للصراع الموجود بين تركيا والكرد لأن هذا النوع من الصداقات غالبا ما يكون مرحليا ومؤقتا. تشكل علاقات التاريخ السياسية والثقافية بين الشعبين الروسي والكردي اساسا يمكن البناء عليه في إقامة شراكة إستراتيجية بعيدة المدى تضمن مصالح الطرفين.[1]