=KTML_Bold=المرأة.. بين جرائم المرفوضين وقمع الأنظمة الأبوية=KTML_End=
هيفيدار خالد
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة موجة عنفٍ شديدةً ضد النساء، وجرائمَ قتلٍ ترتكب يومياً بحقهن في العديد من دول المنطقة، والفاعل عاشق من طرفٍ واحد، أو خاطبٌ مرفوض، وذلك بعد رفض الضحايا عروضَ الزواج أو الارتباط من أولئك الأشخاص، إذ شهد هذا الأسبوع جرائمَ قتلٍ مُتشابهةً ضد فتيات، مرّت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية عليها مرور الكرام، ولم تتطرّق لأسباب أو دوافع ارتكابها، على الرغم من أن ظاهرة العنف باتت تشكل خطراً كبيراً على حياة المرأة، والمجتمع على حدٍ سواء، والأمرُّ أن هؤلاء القتلة لا تتمّ محاسبتهم أو محاكمتهم بطريقةٍ ينالون فيها عقاباً عادلاً لما اقترفته أيدهم، وغالباً ما ينجحون في الإفلات من المساءلة.
آخر هذه الجرائم كانت في دمشق وتحديداً في حي المزة، حيث أقدم شابٌّ على طعن فتاةٍ بسكّين ثم طعن نفسه، وتكررت هذه الجريمة في مصر أيضاً وبالتحديد في محافظة بورسعيد، حيث أقدم شابٌّ على خنق خطيبته حتى الموت أمام المارّة، والسبب عدم موافقتها على الزواج به، وكانت مصر قد شهدَت قبل ذلك جرائمَ مماثلةً في ثلاثِ مناطقَ مختلفةٍ من البلاد.
جرائم كثيرة تعد فلا تحصى أبرزها وأكثرها بشاعة مقتل الشابة نيرة أشرف، المعروفة بفتاة المنصورة، والتي أثار مقتلها صدىً واسعاً في المنطقة، بعد أن ذُبحَت على يد زميلها في كلية الآداب بجامعة المنصورة، لأنها رفضت الارتباط به، وتلك التي شهدتها محافظة الشرقية المصرية، المتمثلة بقتل الشابة سلمى محمد بهجت طعناً وذبحاً على يد زميلها في كلية الإعلام، والسبب أيضاً رفضها وأسرتها الارتباط به لسوء سلوكه، وفي الجزائر أيضاً جريمة حرق شابة من ولاية تيزي وزو على يدي رجل، رفضت الزواج به، أما في اليمن فقد أقدم رجل بمحافظة إب على ضرب ابنته بعنف مفرط قبل أن يقتلها رمياً بالرصاص، لأنها أرادت حضور أحد الأعراس.
جرائم ما زالت تتكرر أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، وتتصدر عناوين الصحف والأخبار يومياً وإن لم يكن بالمساحة المطلوبة، ومع ذلك لا نجد من يحرك ساكناً حيال ما تتعرض له المرأة من عنف على يد أولئك الرجال، كل هذه الانتهاكات اللاإنسانية واللاأخلاقية التي ترتكب بحق هؤلاء الفتيات الشابات تكشف لنا عدة حقائق أساسية متجذرة في البنية الذهنية للمجتمعات الشرقية، ألا وهي أن على المرأة تنفيذ كل ما يُطلب منها، وأن رفضها للمطالب يعني أن تواجه القتل والعنف دون رادع أو وازع.
عليها أن تكون خاضعة لقوانين تلك المجتمعات الصارمة، فزواج المرأة من شخص لا تحبه ولا تربطها به أي علاقة أو صلة، من أبسط ما فرضته تلك العادات والتقاليد البالية على المرأة، وإذا ما رفضت سيكون الموت مصيرها حتماً باختلاف طُرقه والتي تصل حدّ الحرق أو الذبح.
هؤلاء الذين يرتكبون جرائم تحت ما يُسمى العشق من طرف واحد، والذين يحاولون فرض أنفسهم على المرأة ومصادرة حريتها في اختيار من تريد مشاركته حياتها العائلية، يتكشف لنا من سياق أفعالهم بأنهم يعانون أمراضاً نفسية، تهيمن عليهم مفاهيم العبودية المتمثلة بالسلطة وحب التملك، إنهم باختصار يعيشون حالة إفلاس حقيقي في ذاتهم، وشحّاً في وعيهم.
إنهم يريدون بممارسة المزيد من تلك الانتهاكات التي تتفرع من جذور النظام الرأسمالي الفاسد، استباحة حرية المرأة واستعبادها جسداً وروحاً وفكراً، والحط من كرامتها وتشويه هويتها الحقيقية، بتحويلها إلى أداة للمتعة وإنجاب الأطفال، وتركها فريسة مسحوقة مضطهدة في وسطها العائلي والمجتمعي، مكتومة الأنفاس لا حول لها ولا قوة ولا قرار، وجعل المجتمع بأكمله يسير وفق تلك التصورات، عبر قوننة اضطهاد المرأة بشكل مؤسساتي، يتجاهل حقها في المساواة الفعلية.
هذا التوجه سائد في الأنظمة الشمولية كذلك، التي ترى في المرأة حجرَ عثرةٍ أمام استدامة هيمنتها على كلِّ مفاصل الحياة، وهو ما ظهر جلياً في إيران، التي تشهد احتجاجات شعبية متواصلة على خلفية مقتل الشابة الكردية جينا أميني من قبل السلطات الأمنية، ومن بعدها مقتل الشابة إسراء بناهي التي تبلغ من العمر 16 عاماً، بعد تعرضها للضرب حتى الموت على أيدي قوات الأمن بمدينة أردبيل شمال غرب البلاد، وذلك لرفضها غناء النشيد الوطني الموالي للنظام الإيراني، عندما تعرضت مدرستها للاقتحام.
المرأة في شرقنا المضطرب تعاني يومياً من القمع فكرياً وأيديولوجياً وجسدياً، قمع يبدأ من البيت ثم الشارع فمكان العمل وحتى الأماكن العامة، وكل ذلك نتاج ثقافة الأنظمة الأبوية والذهنية الذكورية التي تسيطر على المجتمعات وتوجه سلوكياتها إلى اتجاه غير صحيح ونحو حالة ليست صحية، للنيل من إرادة المرأة، وذلك من خلال إنهاء حياتها بأي وسيلة.
والجناة القابلون لممارسة التعنيف الممنهج والقتل بحق المرأة كُثر، سواء كان الفاعل زوجها أو شقيقها أو حتى خاطبها مؤخراً، وإن لم ينل ذلك الخاطب موافقتها... فكيف يمكن للمرأة أن تعيش وسط هذه البيئة المليئة بالعنف والقهر والقمع، ومواجهة كل ذلك الظلام والاستعباد والاستغلال؟ كيف ستبني مستقبلها أو تحقق طموحاتها وآمالها في الحياة، وهي عرضة للقتل مع كل لا؟ كيف لها أن تعيش كما تريد هي، وليس كما يريد الآخرون؟ أسئلة كثيرة تنتظر أجوبة.
قضية العنف ضد المرأة، تحوّلت إلى آفة خطيرة، وبدأت بالتفاقم، وسط صمت مطبق تجاه ما تتعرض لها المرأة من ممارسات لا إنسانية وانتهاكات منهجية، لذلك لا بد من تكثيف الجهود الحقوقية والقانونية والتنظيمية للوقوف أمام كل ما يحطّ من شأن المرأة ويعيق مسيرة تحررها، كما يجب على المرأة تنظيم نفسها وتكثيف البرامج التثقيفية والتوعوية، وتطوير ورشات العمل التي تساهم وتحدّ من استهداف النساء وقتلهن، فنحن نعيش في مجتمع لا يزال ينظر كثيرٌ من أبنائه إلى مطالب المرأة في الحياة على أنها ترف.
وبالنهاية فإن المجتمع لن ينعم بالأمن والحرية والعدالة، ما لم يتم القضاء على هذه المفاهيم التي تقلل من شأن المرأة ونضالها وجهودها لرفع الظلم والإقصاء الممارس بحقها.[1]