محاولات إيران السيطرة على كركوك والموصل لِإستكمال الهلال الشيعي
د. مهدي كاكه يي
إيران مستمرة في جهودها لِخلق وحدة جغرافية مترابطة، تضّم الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، والتي هي على شكل هلال، يمتد من إيران، ماراً بالعراق وسوريا وينتهي بِلُبنان. لهذا السبب نرى الدفاع المستميت لإيران عن النظام السوري وإستقدام قوات عسكرية تابعة لِحزب الله وميليشيات شيعية عراقية للدفاع عن النظام العلوي في سوريا والمحافظة على هذا الجزء المهم من الهلال الشيعي.
أهداف الهلال الشيعي
1. ربط لبنان وسوريا والعراق وإيران والمناطق الشيعية في دول الخليج واليمن وأذربيجان و أفغانستان وباكستان والهند، لتكوين جغرافية شيعية مترابطة، تُشكّل قوة سياسية وإقتصادية وعسكرية كبرى في المنطقة والعالم، حيث تُقدّر نفوس الشيعة في العالم بِحوالي 400 مليون نسمة، أي ما يعادل ربع نفوس المسلمين في العالم.
2. منع إستقلال وتحرر كوردستان، بشكل خاص أجزاء كوردستان المحتلة من قِبل إيران والعراق وسوريا.
3. السيطرة على الثروات الطبيعية للدول والمقاطعات ذات الأكثرية الشيعية.
4. قيام الفرس بِقيادة العالم الشيعي وسيطرتهم على المرجعية الدينية في النجف وعلى المراقد الشيعية في العراق وسوريا.
5. الإستحواذ على الكميات الضخمة من البترول والغاز الطبيعي والمعادن في محافظات كركوك والموصل وديالى (منطقة خانقين) وكذلك في غرب كوردستان.
بالإضافة الى منع قيام دولة كوردستان والسيطرة على الثروة الطبيعية في كل من غرب وجنوب كوردستان، فأنّ من الأسباب الأخرى لإختيار إيران أن يكون جنوب كوردستان ممراً للهلال الشيعي هي تواجد تجمعات شيعية (تركمانية والشبك) في جنوب كوردستان في المنطقة الممتدة من إيران الى سوريا، حيث تقوم إيران بإستغلال التركمان والشبك في هذه المناطق لتحقيق أهدافها وذلك بالتركيز على العامل الطائفي. المناطق الأخرى من العراق المجاورة لِسوريا يقطنها العرب السُنّة، حيث لا يستطيع الإيرانيون فتح ممر في مثل هذه المناطق التي تحمل سكانها العداء لإيران، سواء في الجانب العراقي أو السوري. كما أن أقصر مسافة بين إيران وسوريا تمر في جنوب كوردستان. سبب آخر لهذا الإختيار هو أنّ جنوب كوردستان يربط إيران بِمناطق العلويين من خلال إقليم غرب كوردستان المحاذي للمناطق العلوية في سوريا، حيث تستطيع إيران بهذه الطريقة إفشال التجربتَين الكوردستانيتَين في إقليمَي غرب وجنوب كوردستان. وقوع مناطق ديالى الكوردستانية وكركوك تحت نفوذ الإتحاد الوطني الكوردستاني الذي يحكم الجزء المحاذي لإيران من إقليم كوردستان وبذلك تستخدم إيران ضغوطاً على هذا الحزب للتعاون معها والسماح للحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، التي تخضع للنفوذ الإيراني وحتى السماح لحزب الله اللبناني إذا تطلّب الأمر ذلك، بالتواجد في مناطق محافظة ديالى وكركوك التي تخضع لِسلطة الإتحاد الوطني الكوردستاني.
يلقى الهلال الشيعي التأييد والدعم من روسيا والصين في المنطقة لترسيخ نفوذها بالمنطقة والحفاظ على مصالحهما فيها و منع إحتكارها من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.
الموقف التركي من الهلال الشيعي موقف صعب وحرج، من جهة فأن المصالح التركية والإيرانية تلتقيان في الإستمرار في إغتصاب كوردستان ومنع تحررها، بينما تتعارض مصالح البلدَين في المنافسة بينهما على النفوذ السياسي والإقتصادي في المنطقة و كذلك في الإنتماء المذهبي والطائفي، بالإضافة الى العداء التاريخي الذي بينهما والذي يقف عقبة أمام تطبيع العلاقات بين الجانبَين. لِخلق توازن بين الجبهة الشيعية والسُنيّة في المنطقة، تم إنشاء حلف عسكري مؤخراً بقيادة المملكة العربية االسعودية، كما أن تركيا بدأت بإنشاء قاعدة عسكرية في دولة قطر. قد تقدِم تركيا أيضاً على إحتلال أجزاء من محافظة نينوى و مناطق من إقليم غرب كوردستان، لِمنع إستقلال كلٍ من إقليم غرب وجنوب كوردستان وإضعاف السلطة الكوردستانية وكذلك للتصدّي للتمدد الإيراني في المنطقة ومواجهة الخطر الذي يُشكله ظهور الهلال الشيعي على الأمن الوطني التركي.
بالنسبة الى الولايات المتحدة الأمريكية، فأنها قد تقف ضد مشروع الهلال الشيعي الذي قد يهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ، إلا أنه من الصعب التكهن بإستراتيجية أمريكا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد الإتفاق المُبرَم مع إيران حول برنامجها النووي. قد تهدف إستراتيجيتها الى خلق توازن في ميزان القوى بين الطرفَين الشيعي بقيادة إيران والسُنّي بقيادة السعودية وتركيا لإستنزاف القوى البشرية والمادية لِدول المنطقة وبعد إنهاك دول المنطقة وإضعافها، القيام بإسقاط إتفاقية سايكس - بيكو ورسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، أو قد تكون إستراتيجية أمريكا تسليط إيران على الحكومات السُنيّة في المنطقة لإضعافها ومن ثمّ تقسيم دول المحور السعودي – التركي وإعادة رسم الخارطة السياسية لهذه الدول وبعد إنجاز هذه المُهمّة، ستنفرد أمريكا بإيران وتقوم بإسقاط حُكم الملالي وتقسيمها تبعاً لتركيبتها الإثنية. من المرجح أن تكون إستراتيجية إستنزاف الطاقة البشرية والمادية لِدول المنطقة، هي الإستراتيجية الأمريكية، حيث أن إستراتيجية تسليط إيران على دول المنطقة، هي إستراتيجية تحمل مخاطر تحالف إيران وحليفاتها في المنطقة مع روسيا والصين ضد أمريكا والدول الغربية الأخرى، بعد ضعف وتفكك الدول التي تحكمها حكومات سُنيّة مثل تركيا والسعودية. تطبيقات إستراتيجية الإستنزاف جارية الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليببيا وتونس والإستنزاف المكثف للموارد البشرية والمادية والتسليحية لإيران في كلٍ من سوريا والعراق ولبنان والى حد ما في اليمن وكذلك تحطيم الطاقة البشرية والتسليحية لِحزب الله اللبناني في سوريا.
بكل تأكيد تقف إسرائيل بكل قوة ضد ظهور الهلال الشيعي في المنطقة، حيث أنه في هذه الحالة سيجاور دول الهلال إسرائيل من جهة لبنان وسوريا. إسرائيل ستكون العقبة الكبرى أمام نجاح المشروع الإيراني وستستخدم إسرائيل كل الوسائل المتاحة لديها لِمنع قيام الهلال الشيعي الذي يهدد أمنها الوطني.
الجهود الإيرانية الحثيثة لإستكمال الخارطة السياسية للهلال الشيعي تظهر بوضوح من خلال إيجاد نفوذ قوية في العراق، من خلال الأحزاب السياسية الدينية الشيعية العراقية وإستغلال الحشد الشعبي الذي تأتمر ميليشاته بأوامر قائد فيلق القدس الإيراني السيد قاسم سليماني. بشكل مباشر، عن طريق الحرس الثوري وبشكل غير مباشر، من خلال ميليشيات الحشد الشعبي، بدأت القوات العسكرية الإيرانية بالتمدد داخل إقليم كوردستان بِحجة محاربة المنظمة الإرهابية داعش، بادئةً من مناطق في محافظة ديالى التي تحت سيطرة القوات العراقية و پیشمەرگة الإتحاد الوطني الكوردستاني، ومارةً بِمدينة خورماتو وقرية البشير وستتمدد القوات الإيرانية وحليفاتها من القوات الشيعية العراقية لاحقاً الى كركوك ومنها الى الموصل، مُستغِلةً وجود تجمعات سكانية تركمانية شيعية في هذه المناطق. إنّ لإيران في الوقت الحاضر نفوذ عسكرية في منطقة شنگال من خلال حلفاء لها. كما أن الدعم العسكري الهائل للنظام العلوي في سوريا ولِحزب الله اللبناني، هو حلقة من حلقات إنجاح مشروع الهلال الشيعي في المنطقة.
من الجدير بالذكر أنّ أسلاف الكورد الهوريين (الخوريين) قاموا بِبناء مدينة خورماتو، حيث يذكر المؤرخ البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن الهوريين قد بنوا عدة مدن في منطقة كركوك وكانت مدينة خورماتو من أهم هذه المدن. إسم مدينة خورماتو يتألف من كلمتَين هما خور أي الخوريون وكلمة ماتو التي تعني بالأكدية مدينة وبذلك فأن خورماتو تعني مدينة الخوريين / الهوريين1. يقول المؤرخ (سيتون لويد) بأن مدينة خورماتو إحتفظت بإسمها الأصلي الى مطلع القرن التاسع عشر2، حيث بعد ذلك أُضاف العثمانيون إليها كلمة دوز التركية التي تعني ملح لِتتريك إسم المدينة، فأصبح دوزخورماتو و بمرور الوقت تغيّر الإسم الى طوزخورماتو. كان يظن العثمانيون خطأً أن كلمة خورماتو مؤلفة من كلمتّي خورما وتو الكورديتَين والتي تعنيان تمر وتوت على التوالي ولذلك أضافوا كلمة دوز التركية الى إسم المدينة، حيث كانت كوردستان والعراق تحت الحكم العثماني آنذاك.
هذه هي صورة منطقة الشرق الأوسط والتحديات والمخاطر التي تواجهها كوردستان. هذه المخاطر تتطلب وحدة القوى الكوردستانية لحماية الأمن الوطني الكوردستاني الذي يتعرض الى تهديد خطير من قِبل الدول المُغتصِبة لِكوردستان. على القيادات الكوردستانية في جميع أجزاء كوردستان أن تفكر بهذه التحديات بِجدية وأن تتحمل مسؤولياتها الوطنية بأن تترك التناحر والتنافس الكوردي – الكوردي في الوقت الذي تتعرض كوردستان وشعب كوردستان، بما فيها القيادات السياسية الكوردستانية نفسها الى مؤامرات لها عواقب خطيرة وقد تتسبب في دفن الحلم الكوردستاني في الحرية والإستقلال. كما أود هنا أيضاً أن أذكّر القيادات السياسية في جنوب وغرب كوردستان بأن لا تكون قصيرة النظر ومغرورة، تفرح بالإنجازات والمكتسبات الوقتية المنجزة، فإذا تبقى القوى السياسية الكوردستانية غير موحدة في مرجعية سياسية مشتركة وتبقى القوات المسلحة الكوردستانية مجرد ميليشيات حزبية، فأنّ كل المكتسبات المتحققة ستختفي وتنهار الإدارتَين في غرب وشمال كوردستان. على هذه القيادات أن تستعيد وعيها الوطني وحسّها الإنساني وتترك أفقها الحزبي الضيق المُدمّر ومصالحها الشخصية والعائلية والعشائرية والحزبية جانباً وأن لا تُعرّض الشعب الكوردستاني العريق الى مزيد من الإبادة والأنفالات والأهوال والمآسي، حيث أنّ هذا الشعب له تاريخ مأساوي طويل، ينزف دماءاً ودموعاً.
المصادر
1. الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 8.
2. سيتون لويد: بلاد الرافدين. ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد، دار الرشيد، بغداد، 1980، صفحة 208.
[1]