الشرق الاوسط وضرورة اعادة الترسيم عربيا!
#كفاح محمود كريم#
في مقاله الأخير بصحيفة إيلاف الدوليّة متى يُكسر الجمود في ملفات الشرق الأوسط؟ تطرق الكاتب، حسن إسميك، إلى تقرير أو دراسة أصدرها معهد لندن للاقتصاد والسلام، وذهب إلى استنتاج يقول، إنَّ: منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لا تزال الأقل سلاماً واستقراراً في العالم، وعلى ضوء هذا الاستنتاج أو المؤشر يتسائل الأستاذ، إسميك:
لماذا لا يزال الشرق الأوسط يعيش دوَّامة العنف والجمود السياسي حتى الآن؟
وقد أجاب الكاتب على كثير من التساؤلات والظواهر والعُقد السياسيّة، وخاصةً عقدة القضية الفلسطينية الّتي فَشِلتْ الأمم المتحدة ومجلس أمنّها في حلّها وإقناع أطراف النّزاع بصيغة مقبولة للتعايش، حتى انبرى الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، في خطوةٍ جريئةٍ بزيارته لإسرائيل واضعاً خارطة طريق عقلانية لإنهاء الصراع، ورغم ما تعرض له الرجل من ظلمٍ كبير من ذوي القربى ومن أصحاب الشأن الفلسطيني على الأرض، وأقصد معارضي خطوة السلام الّتي جاءت متأخرةً كثيراً لما بدأه الراحل الحبيب بورقية، إلا أنها كانت الأفضل في كلّ مشاريع السلام بين الطرفين المتنازعين اللذين حولا الشرق الأوسط إلى واحدة من أكثر بؤر الصراعات والحروب في العالم.
لا شك ان الصراع العربي الاسرائيلي كان احد اهم نتائج التفاهمات البريطانية الفرنسية الروسية في تقسيم المنطقة، لكن وفي ذات السياق علينا أن ندرك أيضاً أن قضية اخرى كانت تحت الرماد رغم ان نيرانها بدأت بالانتشار منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وقد غدت اليوم اي القضية الكوردية ووطنها المجزءالأكثر إثارةً بعد انصياع كثير من أطراف الصراع العربي الإسرائيلي إلى صيغة أكثر مقبولية في التفاهم السلمي بدلاً من الخراب والدمار، والذهاب إلى خيار الصلح وقبول الآخر مقابل سلامٍ دائم وتطورٍ متلاحق كما حصل مؤخرا في سلسلة التقارب والتصالح الاسرائيلي العربي زنمزذجه الاحدث مع الامارات، فالقضية الكوردية وخاصةً في جزئيها الجنوبي والغربي في سوريا والعراق، ناهيك عن الجزء الأكبر في تركيا والآخر في إيران، أصبحت تشكل التحدي الأكبر بعد القضية الفلسطينية، وهذا المشهد يؤشر إلى حقيقة مهمة جداً لا يهتم بها الكثير، وهي بتقديري أساس هذا الوضع في الشرق الأوسط، وهو التأسيس الخطأ والإجباري لدول المنطقة بمقص استعماري لم يلتفت إلى نتائجه التي تحصد كوارثها الشعوب.
أن قضية فلسطين وكوردستان وبقية المكوّنات المُذابة في الكيانات التي تشكلت بمصالح اقتصاديّة بحتة مطلع القرن الماضي، هي الأساس الخفي لكل الصراعات الدائرة اليوم، وخاصةً ما يتعلق منها بالمكوّنات العرقية والقومية والدينية، ناهيك أصلاً عن طموحات بقايا الإمبراطوريات الثلاث اللاتي حكمن الشرق وأطرافه لحقبٍ زمنيّةٍ طويلة في تدوير أحلامهم بإعادة سطوة ونفوذ تلك الإمبراطوريات التي سادت ثمّ بادت، وهي العثمانية والعربية والفارسية، والصراع النازف اقتصادياً في محاولات امتلاك وسائل تمنحهم قوّة الإمبراطوريات الغابرة، ألا وهو السلاح النّووي كما تفعل إيران وكما فعل صدام حسين ومعمر القذافي، وكما تمتد تركيا بحثاً عن الطاقة تارةً وبسط نفوذها تارةً أخرى بأحلام الولايات كَبديلٍ إسلامي شعوبي.
أن الصراع الإيراني التركي المخفي في العلن والمتوقد شيعياً وسُنياً تحت الرماد، يشبه في أصله الصراع الأمريكي الروسي ولا علاقة له البتة بالمذاهب والقوميات، بل بالامتدادات الجغرافية مستخدمين فيه الدين والمذهب كسلاحٍ مخدر، وكذا الحال في الدكتاتوريات العربية وشعاراتها من المحيط إلى الخليج ومن البحر إلى النهر وصولاً الى القدس!
في خضم هذه الصراعات والتداخلات المعقدة لمجموعة دول جعلت من الشرق الأوسط ساحةً لبسط نفوذها وسوقاً لبيع منتوجاتها، بل وحروباً بالوكالة على حساب الشعوب في العراق وكوردستان وفلسطين وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان، أمامنا نماذج قريبة لحلّ هذه العقد المستعصية ألا وهي النموذج اليوغسلافي أو السوفييتي والنموذج الجيكوسلوفاكي لإعادة ترسيم المنطقة وفق حاجات السكان والمكوّنات وطموحاتهم في الاستقلال بديلاً عن الحروب ونتائجها التي تدور منذ قرن من الزمان دون أن تحقق السلام المنشود والتطور لهذه الشعوب ودولها.
وأجزم أن كثير من ملفات المكوّنات وفي مقدمتها الملف الكوردستاني تستطيع الدول العربية ذات الشأن أن تساهم في حله وإنهاء مشكلته بأي نوع من أنواع الاستقلال والتحالف الذي يطمح له الكورد سواء بالصيغة العراقية أو بتطويرها إلى الكونفيدرالية وإجبار كل من تركيا وإيران على إتباعهم شاؤوا أم أبوا، هكذا دور سيعمل على حلحلة قضايا مؤجلة حالياً وخطيرة جدا مستقبلا، كقضية الأقباط والأمازيغ وغيرهم.
[1]